ساعدوني!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. بادئ ذي بدء، أسألكم التمعن في رسالتي، ومعذرتي على طولها، فأنا أفكر منذ سنة ٢٠٢٠ بكتابة هذا الحمل الثقيل لكم.
عمري الآن ١٩ سنة، وعن نشأتي، عندما أفكر بالأمر أجد أنني لم أحب نفسي ذات يوم، ويزداد كرهي لنفسي بمرور السنوات.
في سن التاسعة، ارتكبت ذنبًا أخشى أن الله لن يغفره لي، وهو أني مع زميلة لي بالمدرسة، كنا نقرأ الحروف المتشابكة في القرآن ونضحك. عندما أتذكر هذا الآن، أحيانًا أجدد توبتي وأقول إن الله قد يعذرني لجهلي ولأني لم أكن بالغة، وأحيانًا أخرى أقول إن الله لن يغفر لي هذا لأن هذا ليس مما يعذر بجهله.
أنا كثيرة الذنوب والمعاصي، وأحاول التقرب لله، ولكني أخشى أن الله لا يحبني ولن يغفر لي، حتى مع أنني أقرأ آيات المغفرة وقبول التوبة، أحس أن هذا يخص العالم أجمعين، ولكن يستثنيني، لشدة سواد قلبي وكثرة ذنوبي.
أحاول حفظ القرآن منذ سن الحادية عشر، وبدأت القراءة عن أمور الدين وعن أهوال يوم القيامة والحساب والجزاء وعذاب القبر ونعيمه منذ العاشرة.. ذنوبي كثيرة، ولكني لا أريد الاستطراد بها حتى لا أدخل في المجاهرة، وحسبي ما سأذكره مِن أمور مرّوعة بعد قليل.. لم أكن ملتزمة بالصلاة، بل كنت أصلي وأقطع حتى منّ الله عليّ بالهداية في مارس ٢٠٢٠ وكنت آنذاك في السادسة عشر مِن عمري، والتزمت الصلاة... ولا أذكر إن كانت هنا البداية الفعلية للأفكار والوساوس، لأنني أذكر أنني قبلها بأعوام في سن الثالثة عشر كنت أفكر بذات الله لعدة أيام ولكني تجاهلت الفكرة وانشغلت عنها وذهبت.
وبالعودة لمارس ٢٠٢٠، توقفنا عن الذهاب للمدرسة بسبب الجائحة، وذات ليلة كنت بصدد أن أنام، عندما راودتني فكرة "لماذا أعمل أي شيء إن كنت سأموت على كل حال؟ لماذا آكل وأشرب ولماذا أدرس، لما لا أقضي اليوم في العبادات حتى أموت، بما أن الدنيا فانية وأنا إلى زوال!" وتمعنت في الفكرة ووجدت في نفسي رهبة الموت الأولى، لم أكن أخاف الموت قبلها، وبعدها صرت أوسوس أنني سأموت بأي لحظة وأن أي شخص يلفظ لفظة الموت إنما هي إشارة لي أنني سأموت.
وذات ليلة، كنت سأنام مجددًا عندما راودتني فكرة مفادها "ماذا لو كنت على خطأ؟ لمَ لا أبحث أكثر عن المسيحية والإسلام وأكتشف بنفسي" والعياذ بالله.. ودخلت في دوامة، وصرت لا أستطيع النوم بالليل أكثر مِن بضع ساعات يتخللها أفكار واعية، وأصحو بعدها فزعة ومرعوبة وبي شيء مِن خفقان وهلع، حتى أشفقت عليّ أمي وصارت تنام إلى جانبي لظنها أني مريضة.
وحدث أن القلق والتوتر والأفكار والبحث قد نالوا مِن صحتي ما نالوا حتى صرت لا أجد شهيةً للأكل وأحس أن في بطني حجر.
ونمت الأفكار الوسواسية وكنت أحاول دفعها بالبحث في مواقع الإسلام والرد على الشبهات والدعاء والبكاء والتضرع إلى الله.
وهدأت الأفكار نوعًا ما في رمضان مِن ذلك العام، ولكنها ما فتأت عادت لي عندما كنت أقضي الصيام بعد رمضان.
وذات يوم، كنت صائمة، وكنت لم أنم و"مواصلة" كما نقول في العامية، وعندما أنعس جدًا تصبح أعصابي مشدودة وأغضب لأتفه الأسباب، فحدث أن كنت في المطبخ أعمل، ووجدت في نفسي أفكارًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشتمته بصوت مسموع، وتوقفت ذاهلة وعزلت نفسي وقرأت عن الحكم وعن الحد الذي يجب أن يقام علي، فبكيت بكاءً لم أبكي مثله قط، وصرخت وكنت أقول لنفسي "هذه نهايتي، هذه نهايتي"
حتى هذه اللحظة أنا نادمة، أنا أكاد أجزم أن ما وقعت فيه ليس بسبب الوسواس، فأنا كنت واعية أتم الوعي، أنا شتمت الرسول بصوت مسموع عندما راودتني عنه فكرة طبيعية في رأسي، فأين الوسواس؟ أنا في عذاب مستمر منذ سنوات عديدة، وأحس أن الله لن يقبل توبتي وأني قد أكون منافقة أو كافرة.. جددت إسلامي واغتسلت، وهو ما أخذني في ذلك اليوم لنقلة نوعية جديدة، فصرت في كل مرة أتذكر فيها ما فعلت مِن جريمة الشتم، أقوم لأغتسل، وأجدد الشهادة، ثم تطور الأمر فصرت أكرر الوضوء لأني أحسه ناقصًا وهناك أجزاء دقيقة لم يصلها الماء، وبعدها صرت أوسوس في الطهارة وأغتسل مِن الحيض أكثر مِن مرة، وصرت أغتسل مرات عديدة في اليوم حتى جف جلدي وشعري... ثم صرت أوسوس بأن غازات تخرج مِني في الصلاة، وفي العام الماضي وجدت حلاً لهذه الفكرة عندما تم تشخيصي بالقولون العصبي فصرت أقول لنفسي ليس على المريض حرج.
ستطول رسالتي أكثر لو لم أتوقف عند هذا الحد، ولكني أريد أن أشدد مجددًا على فقرة أني سببت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنا أحس أنه عندما يعلم يوم القيامة ما فعلت سيمقتني أشد المقت، أنا مِن أمته التي بكى عليها.. أحس بالذات أن فكرة أني سببت رسول الله تجعلني أكبر منافقة على وجه الأرض، أحيانًا أقول لربما كانت بسبب الوسوسة، ولكني أكثر الوقت أشدد في نفسي على أن الشتيمة كانت باختياري الخاص وأني لو اخترت الصمت لكنت منعتها.
بعد موت زميلة لي في نهاية ٢٠٢٠، خفت الوساوس الدينية حتى تكاد تكون اختفت، ومررت بعامين بعدها أوسوس بأمور أخرى غير الدين، ولكن هذا العام وفي الشهر الأخير بدأت حلقة الوسوسة تتكرر وأعود فأتذكر ما اقترفته مِن إثم في سب الرسول فأتمنى لو كنت مجنونة أو صخرة أو حيوان حتى لا أدخل جهنم بما اقترفته يداي..
أعرف أن أحدكم قد يحاول إقناعي أن السب حصل نتيجة الوسوسة، لكن ماذا لو قلت لكم أنني كنت وقتها لم أوسوس لمدة شهر كامل، وأنني كنت واعية ولم أحس بضغط الفكرة في رأسي، كنت أفكر بالرسول بشكل طبيعي ثم شتمته بصوت مسموع وندمت في الحال وانهارت أعصابي مِن البكاء وصرت أفكر أنني يجب أن أبلغ على نفسي ليقام عليّ الحد، ثم أفكر أن أستر نفسي كما سترني الله، ثم أفكر أن هذا سيجعلني منافقة وأن الله لن يقبل توبتي، وأقع في وحل كره الذات وتمني الموت.
أحس أن الله يكرهني وهو إنما يستجيب لدعائي ليعجل لي العذاب في الدنيا لسوء ما اقترفته يداي وما جناه عليّ لساني. حتى خلال هذه اللحظة وأنا أكتب لكم، أحس أنني أكشف ستر الله علي، وأنني أدعي هذه الوساوس وإنها في حقيقتها مِن اختياري، أحس أنني كاذبة وممثلة لأنني أمر بلحظات هدوء.
ولله الحمد مِن قبل ومِن بعد.
12/3/2023
رد المستشار
الابنة المتصفحة الفاضلة "Gh." أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، واستعمالك خدمة الاستشارات بالموقع.
نص إفادتك يعبر بوضوح لا لبس فيه عن مريضة وسواس قهري تعمقي يتمحور حول الخوف المفرط من الذنب (الكفر) وفرط التعمق في تحاشيه وتكرار التوبة مع اليأس والعياذ بالله من قبولها... أول ما فاجأني في نصك هذا كان قولك تعليقا على عبث طفلتين: (هذا ليس مما يعذر بجهله) لست أفهم ما هو الذي لا يعذر بجهله بين طفلتين في التاسعة تعبثان! ليس هذا إلا تعمقا في فرض التكليف على من هو غير مكلف والله أعلم.
لهذا السبب كان من السهل على الوسواس أن يقنعك بأن هناك ذنوبا لا تغفر -والعياذ بالله-، حيث تقولين: (ولكني أخشى أن الله لا يحبني ولن يغفر لي، حتى مع أنني أقرأ آيات المغفرة وقبول التوبة، أحس أن هذا يخص العالم أجمعين، ولكن يستثنيني، لشدة سواد قلبي وكثرة ذنوبي) هذه طريقة تفكير مريض وسواس الذنب التعمق القهري "و.ذ.ت.ق"، وهي تشي بفهم مريض لمفهومي الذنب والتوبة، وهناك ما يشير إلى سمات الدقة وفرط الانضباط وربما الكمالية وهذا متوقع في مثل حالتك.
بعدها مررت وقت الكورونا بالانشغال بالموت كوسوسة عابرة لكنها تفتح الباب للتفكير في الحساب أمام الخالق جل وعلا ومن هنا انزلقت إلى شكوك عقدية واكتئاب، ولم تنسي بالطبع ذنبك الجبار أو جريمة الطفولة "المتخيلة" والتي على أساسها اعتدت تحقير نفسك وتيئيسها، ولذلك كان من السهل على الوسواس أن يستعرض كل عروضه عليك فإضافة إلى عرض الذنب التعمق القهري "و.ذ.ت.ق" انزلقت إلى وسوسة النجاسة والتطهر أي عرض التلوث الغسيل القهري "و.ت.غ.ق" كما تصفين بقولك: (جددت إسلامي واغتسلت، وهو ما أخذني في ذلك اليوم لنقلة نوعية جديدة، فصرت في كل مرة أتذكر فيها ما فعلت مِن جريمة الشتم، أقوم لأغتسل، وأجدد الشهادة)، ثم بدأت تتسلل ضمن أعراضك مشاعر عدم الصحة أو عدم الاكتمال أي أعراض وسواس اللا اكتمال التكرار القهري "و.ل.ت.ق" كما تصفين بقولك: (ثم تطور الأمر فصرت أكرر الوضوء لأني أحسه ناقصًا وهناك أجزاء دقيقة لم يصلها الماء، وبعدها صرت أوسوس في الطهارة وأغتسل مِن الحيض أكثر مِن مرة، وصرت أغتسل مرات عديدة في اليوم حتى جف جلدي وشعري.) بالطبع مع الحفاظ على أعراض "و.ذ.ت.ق"، يعني لديك الآن 3 عروض من عروض اضطراب الوسواس القهري من و.ذ.ت.ق إلى و.ت.غ.ق × و.ل.ت.ق، ...
وفيما يبدو تأكيدا لكون العقيدة هي المعنى الوحيد المهم في حياتك تشيرين باستعجال لما غيره من وساوس (ومررت بعامين بعدها أوسوس بأمور أخرى غير الدين) استمرت على مدى عامين... ثم يستمر تحقير الذات واعتبارها متهمة دائما حين تقولين في ختام إفادتك (حتى خلال هذه اللحظة وأنا أكتب لكم، أحس أنني أكشف ستر الله علي، وأنني أدعي هذه الوساوس وإنها في حقيقتها مِن اختياري، أحس أنني كاذبة وممثلة لأنني أمر بلحظات هدوء) ... وسأناقشك في نقطتين الأولى ماذا يعني ستر الله للعبد؟ ثم كيف إذا ستره لا يغفر له؟!!! ثم كيف تعتبرين شكواك من أعراض مرضك كشفا لستر الله؟ سامحك الله ... كل هذا القصور في فهمك لعلاقة الله عز وجل بنا ونحن خلقه سبحانه، ثم تنتهين بأنك أنت مصدر الكفر والذنب والدليل أنك تمرين بلحظات هدوء! عجبا لك إن لحظات الهدوء هذه هي القاعدة في كل مرضى الوسواس القهري وإن دلت فإنما تدل على أنك مريضة وسواس قهري "رسمي فهمي نظمي" ... ومن فضلك تواصلي بسرعة مع طبيب ومعالج نفساني ذي خبرة في علاج هذا النوع من الوساوس.
ومرة أخرى أهلا وسهلا بك دائما على موقع مجانين فتابعينا بالتطورات.
ويتبع>>>>: وسواس الكفرية: من و.ذ.ت.ق إلى و.ت.غ.ق × و.ل.ت.ق! م