وسواس الرياء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بدون إطالة فإنني في اللحظة التي أكتب فيها هذه الاستشارة وأرسلها لحضراتكم فإنني أعاني من أعراض اضطراب الوسواس القهري منذ أكثر من سنة حيث يمكنني القول أن المعاناة بدأت تقريبا بشكلها الواضح منذ شهر يناير في عام ٢٠٢٢م أو ديسمبر في العام الذي سبقه
ولكنها كانت تأتيني قبل ذلك على شكل سب للأهل مع انزعاج طبيعي غير مبالغ فيه من هذا السب.. فيمكنني القول أني ملامح الوسواس بدأت معي منذ زمن ولكنها أصبحت أقوى مع زيادة التزامي قدر المستطاع ببعض العبادات.. وكعادة الكثير من المصابين بهذا المرض فلقد مررت بوساوس متنوعة كالسب الداخلي لذات الله جل في علاه أو الأنبياء والملائكة أو الشرك وتخيل أني أعبد غير الله تعالى ولو في أثناء الصلاة
وطبعا يتنوع الوسواس بمزيد من القراءة في معاناة الموسوسين الآخرين غير أن الخوف منه يكون أبسط وذلك للاستعداد النفسي المعرفي المسبق لهذا النوع الجديد
الآن بتاريخ ١٧ مارس ٢٠٢٣ ومنذ ثلاثة أيام أو يومين تقريبا بدأت أعاني من وسواس جديد وهو الرياء.. فأصبحت كلما قمت بعمل عبادة بداية من الوضوء وانتهاء بالصلاة وغيرها عقلي لا يستطيع الانفكاك عن عمل اعتبار لمراقبة الناس من حولي واستحضار مراقبتهم بل ومراقبة أناس قد يكونوا على بعض أمتار مني.. وبداية الإلحاح في أنني قد أكون فعلت الفعل الفلاني في الوضوء أو الصلاة مراءاة للناس.. ويزيد الأمر سوءا عندما أقوم مثلا بالانتهاء من فعل معين كالتسليم ولكن على نحو أسرع قليلا من المعتاد وفي غمرة الانفعال والقلق يأتيني الوسواس فيوهمني أنني سلمت بسرعة خوفا من الناس وبالتالي أقمت لهم اعتبارا في صلاتي.. وطبعا حضراتكم تعلمون أنني في الغالب جدا ينطلي علي الأمر ولا أستطيع التوقف عن تصديقه
فالفكرة أن الرياء أصلا مسألة دقيقة وبالتالي وسواسها متعب جدا لأنه يستطيع التلبيس عليك جيدا بأنك وقعت في الرياء، بل وقد يصبح يتخيل أناسا حتى لو كنت وحدك ويوهمك أنك تفعل هذه العبادة مراءاة لهم!! وبالتالي تقع في معاناة التصديق ولو حاولت أن تتعرض له ولا تستجيب تجد نفسك في معاناة أخرى وهي الشعور بأن صلاتك بطلت وأنك مهمل لا تهتم بصحة الصلاة مع رفضي التام لأفكار الرياء ولكن الوسواس يخدعني بطريقة مؤلمة بأنني أنا من أخدع نفسي لتجاهله وأنني وقعت في الرياء ولا أريد الاعتراف مثلا
أعتذر عن الإطالة وأعلم أن هناك تفاصيلا قد تكون محرجة بالنسبة لي بعض الشيء ولكني أردت كتابة أكبر قدر من التفاصيل
وجزاكم الله خيرا.
18/3/2023
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا "محمد"، وأهلًا وسهلًا بك على موقعك مجانين
أول ما أبدأ به كلامي قول الإمام أحمد ابن حجر الهيتمي الفقيه الشافعي الكبير، في كتابه "تحفة المحتاج بشرح المنهاج" عندما تكلم عن العَذَبة [قطعة قماش تتدلى من آخر العمامة] فذكر أن أصل فعلها سُنة، ثم تكلم على الذي يخاف أن يرائي بها إن فعلها فقال: (ولو خشي من إرسالها نحوَ خُيلاء [أي كبر وفخر] لم يُؤمَرْ بتركِها -خلافاً لمن زعمه-، بل يفعلُها، وبمجاهدةِ نفسِه في إزالةِ نحوِ الخيلاءِ منها، فإن عَجَزَ [أي عن طرد وساوس خوف الفخر والرياء من نفسه] لم يضرَّ حينئذٍ خُطورُ نحوِ رياءٍ [يعني وروده على ذهنه]؛ لأنه قهريٌ عليه فلا يُكلَّف به كسائرِ الوساوسِ القهريّة، غايةُ ما يكلفُ بهِ أنّه لا يسترسل مع نفسه فيها بل يشتغل بغيرها ثم لا يضرّه ما طرأَ قهراً عليه بعد ذلك....).
إذن دواؤك هو التجاهل، وعدم الاسترسال، وفقط! ولا يضرك عند الله تعالى ما تشعر به من أنك مراء.
أما هل أنت موسوس ينطبق عليك هذا الحكم أم لا؟ فهذا لا تقرره أنت وإنما من حولك، واطمئن... أنت موسوس.
ولا تحتاج للتمحيص في كل مرة هل ما فعلته وسواس أم لا؟ عندما تكون موسوسًا في شيء ينطبق عليك الحكم دون تمحيص في التفاصيل؛ أنت موسوس في الرياء، فأي موقف تشعر فيه بأنك مراءٍ تقول إنه وسواس لا مؤاخذة فيه، ولا تبحث هل هو هذه المرة وسواس أم نابع منك.
عافاك الله.
واقرأ أيضا:
وسواس الرياء وسواس الكفر وسواس الصلاة
وسواس الرياء: مبطلات أو تعمقي؟
الرياء والوسواس القهري