السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
أنا أمام مشكلة كبيرة وأدعو الله أن أجد عندكم النصيحة، وجزاكم الله عني كل خير. قبل سنة وبضعة أشهر أحضرنا أنا وزوجي أختي الصغيرة عن طريق الكفالة للعيش معنا في ألمانيا. هذا القرار اتخذناه مع الوالدين طبعا، وبعد حدوث مشاكل كان الأوان -حسب تقديري- قد فات لمعالجتها. وأظنها كانت نتيجة طبيعية لتربية غير مدروسة ولمجتمع مليئ بتناقضات تدفع بأبنائنا دفعا إلى الضياع.
لكَمْ بكيت بحرقة شديدة ليس على أختي الحبيبة فقط، ولكن على كل طفل لم يجد أسرة أو مجتمعا يوفر له التربية السليمة. كانت الصغيرة طفلة جميلة وذكية ونشيطة وذات إرادة قوية. صفات لو وجدت من ينميها ويوجهها لجعلت من الصغيرة -بإذن الله- فتاة صالحة تراعي ربها وناجحة في حياتها. لكن هيهات! الوالد -غفر الله له ولكل من فاتته فرصة القيام بمهمته على الوجه الذي يرضي الله تعالى- كان منهمكًا في عمله، متفانيا فيه، إلى حد أنني لا أذكر أنه مرة أخذ ولو أسبوعا إجازة في حياته. كانت -وما زالت- حياته هي العمل. لا يطيق المكوث في البيت يوما واحدا. حتى بعد أن أحيل على المعاش التجأ للعمل الحر.
الحديث عن أبي يطول، وقضيتي الآن هي أختي الصغيرة. لهذا سألخص لكم صفات أبي في أنه غائب عن البيت تماما سواء ماديا أو معنويا. لا يحب المشاكل ولا المناقشات العائلية، ومسالم لدرجة السلبية. طيب وحساس جدا. كان يحب أن يكون أكاديميا وذا مركز مرموق -هذا ما ألاحظه من خلال اهتمامه المبالغ فيه أحيانا كثيرة، وإلمامه بأغلب التطورات والأحداث في العالم، مع أنه لا يعلم اسم المدرسة التي يدرس فيها أبناؤه- لكن والده غفر الله له هو أيضا تجاهل رغبة ابنه وفرض عليه ما كان يراه هو صحيحا.
أمي -حفظها الله- طيبة ذكية أنهكها الكفاح من طرف واحد، ومع ذلك لم تستسلم، وتكافح إلى الآن لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.. النتيجة أبناء لم يأخذوا عن الوالدين شيئا غير الطيبة من جهة ومزيج من السلبية والإحباط وبقايا من الكفاح من جهة أخرى.
لأعد إلى الصغيرة الآن:
كانت كلما أرادت شيئا تبكي وتصرخ إلى أن تلبى رغبتها. كانت تستعمل هذه الطريقة خصوصا عند وجود أبي بالبيت، والسبب معروف طبعا. المهم كبرت الفتاة وأصبحت مراهقة تريد أن ترتدي ما تشاء، وتخرج متى تشاء مع من تشاء... إلخ. لم يعد أبي يستطيع أن يتركها تفعل ما تشاء لتفادي الصراخ. وهي كانت قد تعودت على أن تفعل ما تشاء وتحصل على ما تشاء بقليل أو كثير من الصراخ.
تلقفها حفنة من الضائعين والضائعات وضاعت مثلهم. فمن الصديق إلى المرقص إلى الملابس الفاضحة إلى التدخين... كل هذا ولا أحد يستطيع الوقوف في وجهها رغم الضرب العنيف من أبي. مع الوقت تطورت حيلها للحصول على ما تريد، وأصبحت خطيرة على حياتها. فمرة لجأت إلى شرب سائل للتنظيف، ومرة هربت من البيت؛ لأن الكل أمرها بوقف علاقة لها بولد منحرف، وهي مصرة على أن تتزوجه، وأعدناها في نفس اليوم بعد أن أخذت منا وعدا بأن نقابل هذا الشاب.
هذه هي الأسباب التي دفعتنا لأخذها للعيش معنا هنا، وهي في أول الأمر وافقت على أن أسمح لها بمراسلة ذلك المراهق، لا لشيء إلا لإخراجها من ذلك المستنقع. أنا شخصيا لم أكن أعلم أنها أصبحت هكذا. فقد تركتها طفلة صغيرة وكنت أراها فقط في إجازة الصيف. وعندما كنت أكلم أمي في الهاتف كانت تشتكي لي منها، وكنت أقول في نفسي: بالتأكيد الأسرة لا تفهمها، ولا تستعمل معها غير لغة الضرب؛ فكما قلت أبي لا يحب المشاكل والنقاشات العائلية.
المهم لما وصلت إلى هنا أقمت حفلة، ودعوت أفراد العائلة هنا وأصدقاء لنا وبناتنا اللائي كنا لحسن الحظ في سنها -15سنة- ولطيفات ومؤدبات. استقبلها الكل بحب رغم حاجز اللغة، وعبرت الفتيات عن استعدادهن لتقديم جميع المساعدات لها، وكذلك كان الحال في المدرسة. بعد مرور شهرين على الأكثر لاحظنا أنا وزوجي أنها تتصل عن طريق الإنترنت وعن طريق الهاتف أيضا بذلك الشاب في بلدها، كما أنها أعرضت عن هؤلاء الفتيات، ودخلت في صداقات مع حفنة من المنحرفات يسهل عليها التواصل معهن سواء فيما يخص اللغة؛ فهن إما يتكلمن لغتها أو أجنبيات لغتهن رديئة، أو فيما يخص المستوى الفكري الذي كان تقريبا في الحضيض.
لم نكن أنا وزوجي نتوقع أن ترفض ما عرضناه عليها من جو نقي وفرصة البداية من جديد. كم تحدثنا معها طويلا، وناقشناها بكل الحب والصبر فيما يتعلق بحياتها العاطفية والمدرسية، وشرحنا لها الشيء الكثير. لم نكن نقوم بأي إجراء إلا بعد أن نشرح لها الجدوى منه. فمثلا حددنا مواعيد للإنترنت، وأخبرناها بأننا نتوصل بتقرير مفصل عن كل العمليات التي تجرى عن طريقه وكذلك بالنسبة للهاتف. قلنا لها: إننا نريد أن نحميها من نفسها ومن الانحراف. أذعنت أول الأمر لكن بعد ذلك أصبحت تثور وتتصل خارج البيت. اضطررنا إلى تسجيلها في مدرسة داخلية خاصة بالأجانب، مختلطة لسوء الحظ. هذا القرار جاء بعد أن لاحظنا أنها أولا لم تستطع متابعة الدرس رغم دروس التقوية، وهذا شيء مفهوم لأهمية إتقان اللغة.. ثانيا -وهذا هو السبب المباشر- حدث شجار داخل المدرسة بين صديقة لها وأحد التلاميذ، وأرادت هي مساعدة صديقتها فضربت الولد ضربة أرقدته أسبوعا في المستشفى.
رغم كل ما جرى كنا نتحدث معها، ونحاول أن نشرح لها بلطف أن طريقتها في التعامل مع نفسها ومن حولها لن تؤدي إلا إلى الضياع. كانت تستمع لنا أحيانا وتبدي شيئا من الندم، وأكثر الأحيان كانت تعرض عنا وتصرخ في وجهنا، وتطلب منا أن ندعها وشأنها، وهذه هي أم المشاكل الآن؛ فبعد أن حُلنا بينها وبين مراسلة ذلك الشاب في بلدها بطريقة غير مباشرة اتجهت إلى التعرف على شباب آخرين عن طريق الشات، ثم أخيرا إلى الدخول في علاقة مع شاب يسكن أيضا في المدرسة الداخلية.. نحن لا نعرف ماذا نفعل الآن؟ فإحضارها إلى هنا للعيش معنا لم ينفع في شيء، مع العلم أننا نخاف عليها من الحرية التي يمنحها لها هذا البلد، والتي لا تستطيع هي الاستفادة منها البتة. نخاف أن نرسلها إلى بلدها فتتلقفها حفنة المنحرفين هناك ثانية وما أكثرهم الآن. لا نعرف ماذا نفعل.
أعينونا أعانكم الله تعالى.
هذه بعض صفات أختي علها تلقي مزيدا من الضوء على شخصيتها:
هي لا تعترف بأي سلطة إلا سلطتها، لا تقبل برأي غير رأيها، عنيدة، تسرق النقود، تكذب كثيرا، متقلبة المزاج إلى درجة كبيرة، عنيفة أحيانا، أنانية إلى حد ما، معجبة بنفسها كثيرا، ويثبتها على ذلك نظرات الذئاب الجائعة، وسطحية أكثر من حولها، لكنها في نفس الوقت تتصرف أحيانا كطفلة صغيرة.
شكرا لكم
وجزاكم الله عنا كل خير.
16/03/2023
رد المستشار
صديقتي
أختك مضطربة الشخصية .. قد تكون نرجسية أو هستريونية وأغلب الظن أنها تصنف باضطراب الشخصية الحدية (Borderline Pesonality Disorder) ... يصاحب كل هذه الاضطرابات تقدير ذاتي سيئ (بالرغم من سمات الغرور أو الإعجاب بنفسها) وهو ما يدفعها لمصاحبة المنحرفين والدخول في علاقات عاطفية وجنسية بسهولة وسرعة والتمسك بمن يقول لها ما تريد أن تسمع ويوافقها الرأي إلى أن يتحكم فيها.
للأسف ليس هناك ما يمكنك فعله إلا الحسم والحزم مع المحبة، ذلك عندما تقطن معك في نفس المكان.. قد يتطلب الأمر أحيانا طردها من المنزل إن لم تتبع قوانينك أنت وزوجك.. في المدرسة الداخلية ليس هناك ما يمكنك فعله للتحكم في الأمر.
ليس على المريض حرج ولكن لا ينبغي أن نجاري المريض في تدمير نفسه ومن حوله.
يمكنك أيضا أن تعيديها إلى بلدها الأصلي.. على الأقل سوف تكون هناك بعض الحدود التي ليست موجودة في المجتمع الألماني.
وفقك الله وإيانا لما فيه الخير والصواب.
واقرئي أيضًا:
اضطراب الشخصية الحدية.... بين النظرية والممارسة
العلاج النفسي لاضطراب الشخصية الحدية
استشارات الشخصية الحدية