الوسواس القهري الديني
السلام عليكم، أنا شاب مسلم مصاب بالوسواس القهري، عمري 23، دائما يأتيني وسواس يريد أن يجعلني أعتقد أني لا أحبّ الله.. آخر هذه الوسواس هو أنه يصور لي مشاهد في ذهني مثلا: ابن أخي الصغير ابتلعه فرس نهر أو عضه كلب، أو مثلا تعرضي أنا لحادث مشين يسبب لي عاهة مثلا عاهة جنسية
المهم يصور لي صورا بشعة، ثم يقول لي كيف يفعل الله بك هكذا.. فأبدأ في صراع كبير وأقول أنا أحب الله ولا أقول هذا الشيء على الله، فحقيقة لم أعد أعرف، هذا الوسواس هو افتراضي يعني يقول لي "إذا حدث حادث فأنت لن تحب الله لأنه قدر ذلك" وأنا مستحيل أن لا أحب الله، لكن هناك شيء في داخلي أتصارع معه يقولي بأنني سأفعل كما يصور لي الوسواس، وأنا خائف من ذلك، بسبب الكفر، فأنا لا أحب الكفر، وأخاف من الكفر، وبسبب خوفي الشديد من الكفر جاءت هذه الوساوس.
أرجوكم هل أنا كافر في هذه الحالة؟ وما هو العلاج السلوكي؟
وشكرا
26/3/2023
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا "أحمد"، وأهلًا وسهلًا بك على موقعك
هون الله عليك، فلا شيء في الدنيا يستحق أن تعذب نفسك لأجله هكذا...
وعلاجك له شقين، الأول معرفي، والثاني سلوكي
أما المعرفي، فهو معرفتك لإجابة سؤال: (لماذا يبتلي الله عباده بالمصائب المؤلمة وهو أرحم بهم من الوالدة بولدها؟)
والإجابة باختصار: إن هذا السؤال يأتي إلى الذهن حين يغيب عن ذهننا أن حياة الإنسان لا تنتهي بالموت، وننسى أنه لن يبقى هكذا في الدار الآخرة، بل سيعوضه الله تعالى ما هو أفضل بكثير، وينسى كل المعاناة، إذا صبر واحتسب، وما أصابه في الدنيا إنما هو أسئلة امتحانه فيها. فليس أحد يخلو من امتحان، في النفس والمال والولد وغير ذلك...، فإما أن يجيب إجابة صحيحة وإما أن يخطئ الجواب، فالعقل موجود والحساب متعلق بوجوده.
وحينما يعوضه الله ينسى كل الآلام، بينما من أخطأ في الإجابة حتى لو كان منعمًا في الدنيا ينسى كل النعيم! فما الفائدة من النعيم الظاهر في الدنيا، إذا كان سيذهب بعد ذلك إلى الأبد؟
قال صلى الله عليه وسلم: ((يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ. وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لاَ وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤُسٌ قَطُّ وَلاَ رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ)). رواه مسلم. [يصبغ صبة: أي يغمس غمسة]
ثم أنت لا تعلم ماذا أعطى الله المُبتلَى في الدنيا من سعادة وسلام نفسي؛ ولا تعلم هل المنعم ظاهرًا سعيد، أم هو في نكد وضجر؟
إذن، الابتلاء ليس كرهًا من الله لعباده، ولا ظلمًا، وإنما هو سؤال امتحان في الدنيا، فمن صبر ورضي آتاه الله السعادة في الدنيا والأجر العظيم في الآخرة.
هذه معلومة معرفية لو تأملتها لزاد حبك لله تعالى عند البلاء، فهو يمنح المبتلى هدية ثمينة في الدنيا والآخرة، ولكن صورتها غير ذلك فيما يرى الناس.
ولا يأتينك الوسواس ليقول لك: وماذا لو لم أرضَ بقضاء الله ولم أصبر، ولم أحبه؟ هذا شيء لم يحصل بعد، فلمَ التفكير والهمّ، وقد تموت قبل أن يحصل؟؟ أكثر من الدعاء (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزَن، والعجز والكسل، ومن غلبة الدين وقهر الرجال).
وهذا يقودنا إلى العلاج السلوكي، وهو أن تتذكر في نفسك وتقول لها عندما يأتيك الوسواس الغبي: هذا أمر لم يحصل بعد، وإن حصل فسأنجح، نسأل الله العافية. ثم تتجاهل الفكرة وتلتهي عنها فهي لن تضرك في شيء.
الأفكار الوسواسية غبية أكثر مما تتصور، ولا تستحق أكثر من التجاهل، لأن النقاش لا يجدي معها، ولا تزداد إلا حدّة، فأعرض عن الجاهلين.
وأخيرًا: من أين جئت بخوفك من الكفر لا أدري؟!!! ما علاقة الكفر بتخيل شيء لم يحصل بعد؟!!! عدا عن أن الفكرة الوسواسية لا مؤاخذة عليها لأنها قهرية خارجة عن الإرادة، وأنت تعلم أنه إذا انتفت الإرادة انتفى التكليف، ولو أن أحدًا له قوة وسلطة، أكره آخرًا على الكفر، فنطق هذا الآخر بالكفر فعلًا لم يكفر، فكيف بفكرة مبنية على الإكراه ولم تحصل بعد؟!! لا تصدق الأفكار الغبية ولا تنزل إلى مستواها رضي الله عنك.
إذن: تعلم، واطمئن، وتجاهل، وكل شيء سيكون على ما يرام، إلا إذا كان لديك وساوس أخرى شديدة، فهنا ينبغي عليك أن تذهب إلى الطبيب
وفقك الله وشفاك