تعدد الزوجات.. وتحقيق المعادلة الصعبة
السلام عليكم،
لا أدري من أين أبدأ، في جميع الأحوال من المهم أن أشكر د. سحر لحسن تناولها للموضوع بجزئياته وعمومياته، كما علي أن أشكر صاحبة الاستشارة لا فقط لفتحها باب الحديث في هذا الموضوع من هذه الوجهة، لكن لأن رسالتها وصدق كلامها كان له أثر بالغ علي، وكأني تنفست الصعداء حين قرأتها، وكأني أقول: نعم.. هناك من يمكن أن تفكر هكذا، وتشعر هكذا.
وهو ما ينقلني للحديث عن نفسي، أنا الأخرى ليس عندي مشكلة، لكن عندي ما أقوله في أمر الزواج الثاني؛ ذلك لأن الأمر جد يشغلني، مع العلم أني فتاة غير متزوجة، لكن حقيقة أقول إن من ضمن أهدافي الأساسية في الزواج هو تزويج زوجي.. ولا تتعجلوا في الحكم عليّ سواء بالاندفاع، أو قلة الحيلة، أو قلة الخبرة أو السذاجة أو حتى المثالية لأني -والله أعلم- لا ينطبق علي أي حكم منه ذلك، ولله الحمد.. ولن أتحدث عن الدوافع فطالما تحدث بها كثيرون، وما أظن أن عندي جديدا، ما عندي هو قناعة شديدة بها، لكن دعوني أوضح لكم في نقاط نظرتي للزواج الثاني، وهي ليست منبعثة مني بقدر إيماني أنها نظرة الفطرة والعلاقات الربانية الطبيعية، وإن كانت لا تتوافق مع نظرة الأفلام العربية:
1- مثلث الزواج الثاني:
الزواج عادة ارتباط بين شخصين، لكن في حالة الزواج الثاني هو ارتباط بين ثلاثة أشخاص، فإن كانت الفتاة تختار زوجها حين تكون الأولى فحين تكون الثانية عليها أن تختار زوجها وزوجته، وهو كذلك عليه أن يختار من تناسبه وتناسب زوجته الأولى كذلك، والمثلث حتى يكتمل يجب أن تكون الأضلاع الثلاثة مناسبة، وكذلك زواياها التي تتمثل هنا في:
أ. الزوج: الذي يصلح لأن يكون زوج اثنتين هو من يقدر على إدارة حياته وتنظيم وقته وتحمل مسؤولياته بشكل لائق مع بذل الجهد المناسب بالطبع وقدر من التفهم من كافة الأطراف، وهو من يعي أن الزواج الثاني مثله مثل الأول من ناحية التكاليف الاجتماعية والنفسية وما إلى ذلك بالإضافة إلى المادية.. هو يفتح بيتا جديدا، ولن أطيل في ذلك الأمر فقد وفته د. سحر مشكورة حقه، إلا أنني أضيف أنه كذلك من يعي أن من حق كل زوجة أن تكتمل معها سعادته، أي لا يرضى أو يسكت عن نقص ما يستشعره في بيت من بيوته أو علاقة مع زوجة من زوجاته؛ لأنه يعوضه في البيت الثاني؛ ذلك لأن من حق كل واحدة أن تكتمل سعادة بيتها أو أن يعملوا جاهدين من أجل ذلك كأن لم يكن هناك بيت ثان، اللهم إلا من شيء غير قابل للتغيير أو أن يكون هو محبا لهذا التنوع بينهما.
ب. الزوجة الأولى: من ضرب الخيال أن نتصور أن هناك زوجة لن تتأثر مطلقا بزواج زوجها من أخرى، خاصة في مجتمعاتنا الآن التي لم تعد تتقبل هذا الأمر كما كانت تفعل من قبل فأضافت عبئا اجتماعيا ونفسيا على كافة الأطراف، لكن درجة هذا التأثر تختلف وفقا لأمور عدة.. والزوجة التي ستنهار تماما نفسيا، أو تفقد للأبد حماسها في المضي في حياتها الزوجية بنفس الحرص على السعادة والود والعطاء، أو يصل الأمر معها أن تنهي حياتها مع زوجها، على زوجها إذن أن ينسى أمر الزواج الثاني حفاظا على بيته وأولاده وزوجته التي تحسن عشرته (ودفع الضرر أولى من جلب المنفعة والضرر هنا محقق لا محالة) .. لكن الزوجة التي يمكن أن تتعايش وتستمر -وربما بوضع أفضل- إذا ما استقرت الأوضاع وهدأت الأمور بعد شدة اتخاذ الخطوة فعليا وظهرت النتائج مبشرة من كون زوجها قد حافظ على ودها وبيتها بل وأجلها، وأسرتهما بشكل عام زادت وبوركت بزوجة أخرى صالحة تتقي الله في كل أفراد الأسرة، فيمكن في هذه الحالة أن يتزوج الزوج -إن أراد ذلك- بزوجة أخرى.
جـ. الزوجة الثانية: هي من تعي أنها تدخل على أسرة ستكون جزءا منها، وستتحدد نوعية العلاقات وفقا لما يناسب لجميع الأطراف، وتحرص على نيل رضا زوجها في الإحسان لأهله وبيته بل وإعانته على القيام بواجبات حياته بما فيها حق بيته الآخر. وهي من تعرف عن نفسها أنها ستتقبل فكرة وواقع أنها الثانية بشكل رحب، وأن ذلك لا يعني أبدا أنها "أفضل" من الأولى في شيء، بالعكس، فصاحبة الفضل الكبير الزوجة التي وافقت راضية محتسبة على زواجها من زوجها، ولا أن تشعر كذلك أن لها حقوقا أقل كزوجة؛ لأنها ثانية فتحمل نفسها ما لا تطيق، وبالأخص على الصعيد النفسي وكأنها تصدق عن نفسها -ولو لا شعوريا- صورة "الأفلام" عن المرأة التي دخلت على عائلة مستقرة وعليها أن تبقى في السر بلا حقوق سوى التمتع بكونها أصبحت زوجة البطل!
2- الأفضلية:
الأفضلية عملية نسبية، فيمكن أن يكون لكل زوجة فضل في أمور ما، لكن فكرة أن الزوجة الثانية هي الأكثر جاذبية للزوج أو أنها لابد وستكون الأصبى والأجمل والأبهى أو الأكثر تفهما أو عاطفة هي الأخرى فكرة "فيلمية" بالنسبة لي.
3- لماذا الأولى:
فكرت إذن أن الأفضل لي أن أكون زوجة أولى، ذلك لأن الناس تتصور دائما أنها مَنْ تظلم وتقهر، وأن الموقف عصيب على أي امرأة أن تتحمله فقلت أنا أولى بنفسي، أكون نعم الصديقة لزوجي وآخذ المبادرة سواء بمباركتي لزواجه أو بحسن معاملتي للزوجة الثانية، وتربية أولادي على حب العائلة كلها (أمهم وخالتهم زوجة أبيهم وإخوتهم وأبيهم بالطبع)، كما أنني أعرف في نفسي ما قالته صاحبة الرسالة من أنني أود لو تزوجت واحتفظت بقدر من حرية الحركة وسعة الوقت سواء لنشاطاتي الدعوية (التي تهمني جدا) أو الاجتماعية (والتي تصب عندي في المجال الدعوي إلى حد كبير)، وليس في ذلك انتقاص مني لأهمية الزوج والبيت، فأنا أحلم بزوج يشاركني كل شيء وإن لم يكن معي وأشعر بروحه تسري معي أينما كنت، لكن يمكن أن أرضى بأوقات سعيدة أقل من الطبيعي بين الأزواج التقليديين طالما تشبعنا وتسعدنا، وطالما أن بيننا المشاركة والاهتمام والتفهم والمتابعة التي ستجعلنا في تواصل دائم.
كما أنني أود أن أكون الأولى لأراعي أمورا ربما لا يراعيها الزوج عادة؛ لأنه جرب الحياة الزوجية والعائلية؛ وتأقلم على أوضاع معينة ومن حق الزوجة الثانية أن يكون لها حرية الاختيار لعائلتها الصغيرة (حتى في أمور مثل اختيار مدارس الأولاد مثلا)، فكل أمر يمكن طرحه للنقاش في ظل العائلة الصغيرة، وإن استحق الأمر الكبيرة أيضا، بلا واجب تبعية في غير محله على الزوجة الثانية وهو الأمر الذي يمكن -وإن لم يكن الوحيد- أن يشعر الزوجة الثانية أحيانا وكأنها دخيلة ليس لها رصيد من الفكر المشترك بين الزوجين طويلي العشرة كثيري الخبرات. وكذلك لأنني بمضيي في حياتي على خير يمكنني أن أكفي زوجي وزوجته كلام من سيحملون أنفسهم عبء إظهار "التعاطف" مع الزوجة الأولى بشكل يمكن أن يوهمها بأنها ضحية ومغدور بها -وإن لم يكن ذلك هو الوضع- وأنهما (أي الزوج وزوجته) هما الجناة.
4- لماذا الثانية:
يظل السبب في الرغبة بعدم الانشغال الكامل بأعباء الزواج قائما هنا، مع تمييزي بين الزوج والأولاد وقدر المسئولية والمتعة، لكن ربما ما يشجعني على الثانية هو صعوبة دورها في نفي القناعات الراسخة عن كونها سبب فرقة ما للبيت الأول أو ظلم الزوجة الأولى، فربما استطعت أن أثبت أن الزوجة الثانية يمكن أن تحترم الأولى وبيتها وتعمل على الحفاظ على سعادة جميع الأطراف.
كما أن أحيانا الزوجة الأولى، وقد يكون ذلك من شدة تقواها وكرم شيمها، تعتقد أن عليها أن تضحي ليسعد الزوج بعروسه الجديدة، وتتحمل هي المضي في حياتها كما هي مضافا إليها بعض أعباء الأولاد والبيت، وهي فكرة لا أستحسنها، فالأفضل أن تتجدد حياة الزوج كلية، فيهنأ بزوجة جديدة ويجدد زواجه القديم، ويرنو الجميع لسعادة أكثر وتراحم أعمق. فليس على الزوجة الأولى مثلا أن تتنازل عن وقت كانت تمضيه مع زوجها لكي يمضيه مع الثانية فقط، بل كذلك على الثانية أن تقوم مثلا في يوم بمجالسة الأطفال حتى يصطحب الزوج زوجته الأولى في نزهة أو زيارة أو حتى أن يمكثا بمفردهما في منزلهما، ويكون ذلك أيضا لتحقيق تقارب بين جزء مهم من أفراد الأسرة (زوجة الأب والأولاد، وإخوتهم إن وجدوا فيما بعد).
ونظرتي هذه ليست حلما بـ"يوتوبيا"، فالدنيا تبقى دار كبد وابتلاء، لكن لا يعني ذلك أن ابتلاءاتها يجب أن تكون فيما نتوقع ونصور أنه الابتلاء، فيمكن أن يحيا فعلا المرء حياة زوجية سعيدة -وإن كانت في ظل تعدد- ويكون ابتلاؤه في أمر آخر، كما يمكن أن يكون الابتلاء في الزواج دون وجود تعدد.
وأعترف أني حين أفكر في الأمر على أنه قد يتم غدا أجدني "أحيانا" خائفة –مثل صاحبة الرسالة- من أن أقنع زوجي ثم لا يتم الأمر بشكل يرضيني بل ويرضيه، وخائفة من هول الأمر في وقت محدد هو بدء اتخاذ خطوة الزواج بالثانية أو يوم مثل يوم عقدهما أو زفافهما. وخائفة من أن أكون زوجة ثانية لرجل فاضل ذي زوجة فاضلة لكن يكون الحِمْل الاجتماعي فوق طاقتي على الاحتمال وأخسر لا فقط علاقاتي الاجتماعية بل وتقبلي في المجال الدعوي، والأقوى والأهم خائفة من الشعور بكوني دخيلة أو "زوجة من الدرجة الثانية" لا "زوجة ثانية".
فاللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا، ولعله يكون أحد جوانب حسن التبعل الذي يعدل الجهاد وما يتطلبه من ثبات والرباط وما يلزمه من صبر واستعداد، ولي في رسول الله وزوجاته أسوة حسنة، فأم سلمة هي الوحيدة التي بلغنا أنها علقت قبل الزواج على أمر التعدد والغيرة، لكن بالدعاء لله، ورغم وصول أحاديث إلينا عن غيرة أمهاتنا داخل بيت النبوة؛ عن أمنا حفصة أو زينب أو حتى عائشة الأحب إلى القلب، فلم نجد حديثا من هذه الأحاديث ذكرت فيه أم سلمة بالأخص بفعل أو قول نابع من الغيرة.
إنني على اقتناع تام أنني -إن شاء الله أن أتزوج- سأكون زوجة ثانية، لكن، أأكون الأولى أم الثانية هذا ما يحيرني، وهو ليس متوقفا علي فحسب.. وما يطمئنني أن الأمر بيد الله، وأنه منحنا هبة الاستخارة ونعمة التوكل والكفاية، وأسألكم المشاركة والدعاء!
26/3/2023
رد المستشار
أختي الكريمة، سعدت بمشاركتك أيما سعادة ولمست في رسالتك نضجا يدفعني لأن أتناول الموضوع من زواياه المختلفة، وأعتقد أن حديثي هذا واستفاضتي في التعليق على هذه المشكلة المعضلة إنما ينبع من محاولتي لرسم جميع ملامح الصورة بكل تفاصيلها ورتوشها، حتى لا يتصور كل زوج أنه سيدخل الجنة وسينال كل أسباب السعادة بزواجه الثاني أو يقنع نفسه واهما أنه الفارس المغوار الذي يحارب بمجهوده مشكلات من تأخر بهن سن الزواج أو الأرامل والمطلقات، فالأفضل في كل الأحوال أن يواجه نفسه بالحقيقة وهو أنه يبحث عن التجديد، ويريد دفع الملل، ويريد أن يشعر أنه ما زال محط أنظار الفتيات، وكذلك حتى لا تتصور كل زوجة أن زواج زوجها يعني نهاية الحياة بالنسبة لها ولأسرتها.
المهم أنني أحاول رسم هذه الصورة ليختار كل إنسان عن بينة، ولاحظي أن ردي السابق جاء بعنوان: تعدد الزوجات: وكيفية تحقيق المعادلة الصعبة!!، فهل تحقيق هذه المعادلة الصعبة سهل وميسر لكل إنسان أم أن من يطيقون هذا الحل، ويتعاملون مع معطياته يحتاجون لقوة قد لا تتوافر في كل البشر.
والمهم أنني انطلاقا من رسالتك سأحاول التحدث عن أضلاع المثلث الثلاثة التي ذكرتها، وسأحاول أن أرسم صورة لتفاعل هذه الأضلاع معا، والبداية ارتباط بين رجل وامرأة (هي في قصتنا الزوجة الأولى)، هذه الزوجة تقدم كل ما تملك لحبيب العمر (الزوج)، تقدم شبابها وعمرها ومالها ووقتها وجهدها وصحتها لهذا الإنسان الذي ارتضته شريكا لحياتها ولأولاده، تسهر الليالي وتبذل كل ما تستطيع من جهد لإسعاد أسرتها، تقف بجوار زوجها... تتحمل معه صعوبات البداية... تضع مالها على ماله... تحرم نفسها من الكثير من الضروريات لتوفر له ولأولاده ما يحتاجون... الزوج غائب معظم الوقت؛ لأنه يسعى لتكوين نفسه وحتى عندما يعود... عندما يتواجد في المنزل فهو مكدود... يلقي بجسده على الفراش، قد تكون هي أيضا متعبة مرهقة مكدودة ولكنها تعودت على أن تتعب ليرتاح من حولها... تعودت على إنكار الذات والتعالي على آلامها... تسهر بجوار المريض... تحمله إلى الطبيب... ترضع الصغير وتحنو عليه... وتراقب الكبير وتحاول أن تقوِّم ما فيه من اعوجاج... والزوج في معظم الأحوال هو الحاضر الغائب... وهي تتحمل عنه عبء تدبير شئون البيت والأولاد... يكبر الزوج ويرتقي وتزداد أمواله؛ لأن هناك من تراعي الله في هذا المال وتدبر وتوفر.
لقد بدأ الزوج صغيرا وتحملت معه صعوبات البداية، وتحملت أيضا أن يتعلم فيها ومعها طرق وفنون التعامل مع الأنثى... فهو يخطئ مرات ومرات وهي تتحمل لأجل أسرتهما ولأجل عيون من تحب، الآن أصبح الزوج أكثر نضجا وأكثر تفهما، وزادت قدراته المادية بفضل تعاونها معه ووقوفها بجواره.. فهل يعقل أن تأتي أخرى لتشاركها وتشارك أولادها في جني حصاد العمر؟!! ألا يعتبر هذا ظلما وبخسا لحق الزوجة الأولى التي قدمت كل ما تملك لحبيب عمرها؟!! لماذا لا تبدأ الزوجة الثانية مثلما بدأت هي من الصفر؟!! لماذا لا ترضى بالقليل وتتحمل صعوبات الحياة مع من تحب؟!!
أسئلة أعتقد أن على الزوج والزوجة الثانية أن يجيبا عليها... ألا تعتقدين أنه من الأولى بالزوج إذا أراد أن يتزوج من أخرى أن يهب لزوجته الأولى وأولادها معظم مدخراته التي شاركت هي في صنعها، وأن يعطي لزوجته الجديدة فرصة أن تثبت أنها لم تسع للزواج منه رغبة في ماله، وأنها على استعداد أن تبدأ معه من الصفر مثلما فعلت الأولى، ويكفيها أنها ستستمتع بعشرة زوج ناضج يجيد فنون التعامل مع النساء.
ومن قضية الأفضلية أنطلق لأقول معك:
إن الزوجة الثانية لا تعتبر زوجة من الدرجة الثانية، ولكن المشكلة فعلا في أنها تتزوج جزءا من رجل (ربعا أو خمسا أو سدسا حسب عدد الأولاد)، والمشكلة أن الشائع في تصورات معظمنا أن دور الرجل فقط ينحصر في توفير الاحتياجات المادية، وأن عملية التربية هي مهمة الزوجة وحدها، ويقتصر دور الرجل على نهر الأولاد أو عقابهم أو التهديد به في المناسبات (ها أقول لبابا لما يرجع)، ولكن التربية عملية أعقد من ذلك بكثير، وتحتاج من الزوجين أن يعدا خططا واستراتيجيات تربوية تقوم على تقويم السلوكيات المعوجة وإصلاح ما في الشخصية من عيوب، وكذلك السعي لاكتشاف المهارات والقدرات وتنميتها، وهذه بالطبع مهمة جليلة وتحتاج الكثير من الوقت والجهد، ومن تتزوج رجلا عنده ثلاثة أبناء فعليها أن تدرك أنها تتزوج فعليا خُمس رجل، وأنه لكي يكون عادلا ومقسطا فلن يستطيع إلا أن يعطيها خمس وقته وخمس عقله وخمس ماله، وقناعتي أن مناصفة الوقت والمال والجهد بين البيتين لا يعتبر عدلا بأي حال من الأحوال، وعلى كل من تختار أن تكون زوجة ثانية أن تدرك هذه الحقيقة، وعليها أن تقرر هل فعلا تستطيع أن تتحمل هذا الوضع أم أنها ستضج بعد قليل ثائرة وتطالب بالمزيد والمزيد.
ونظرتنا للزوج في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة توضح أن معظم الرجال أصبحوا لا يكتفون بعمل واحد، وأن معظمهم يعمل من 10 إلى 12 ساعة يوميا وأحيانا أكثر، يتنقل من عمل لآخر، يسافر بالأيام والأسابيع وأحيانا الشهور، وباقتطاع ساعات العمل وساعات النوم والأكل وساعات الأهل والهوايات والاهتمامات سنجد أن الوقت المتبقي والجهد المتبقي بالكاد يكفي بيتا واحدا بمن فيه من زوجة وأولاد (إذا أحسن استغلاله).
ومعنى هذا أن الزواج الثاني سيقتطع من حق البيت الأول، أو أن الزوج المقسط سيقتطع من وقت نومه أو وقت هواياته للبيت الآخر، فهل يدرك الرجال هذا؟!! وهل يدركون أن تجربة الزواج الثاني لا تعتبر إبحارا في أنهار السعادة، ولكنها تجربة بها الكثير من المسؤوليات والعاقل من وازن أموره وعقلها قبل أن يتوكل.
أما بالنسبة لتساؤلك الحائر:
هل تكونين زوجة أولى أم زوجة ثانية؟ فإنني أرى أن أفضل الأوضاع لك أن تكوني زوجة أولى، ولا تتسرعي في دفع زوجك للزواج من ثانية حتى يطلب هو، فإذا طلب فادرسي الأمر بروية، ولا تحلمي أن زواجه الثاني سيحقق لك المزيد من حرية الحركة؛ لأن هذا سيعني المزيد من الأعباء الملقاة على عاتقك في فترة تغيبه عن المنزل أو أثناء انشغاله بالأخرى وبأطفالها، واحرصا معا على أن تختارا زوجته بحيث تكون ممن عُرف عنها التقوى والصلاح حتى لا تدفعها الغيرة لظلمك والاستئثار به دونك، ومرة أخرى أدعو كل من كان طرفا في تجربة تعدد الزوجات أن يحكي لنا عن تجربته موضحا جوانب القصور فيها وجوانب الجمال، أسباب الألم وأسباب السعادة، كيف يمكن التعامل مع المشكلات المختلفة الناجمة عن التعدد، وكيف يمكن تخطي كل مرحلة بمشاكلها ومتاعبها، عسى أن يستفيد غيره من نتاج هذه التجربة، ولعلك تفيديني بنتاج تجربتك أنت أيضا في المستقبل.