السلام عليكم
بداية أشكركم على جهودكم المتميزة في الإجابة على أسئلة المتحيرات من أمثالي، ثم أستأذنكم في عرض مشكلتي، راجية أن أجد لديكم الجواب الشافي والطرق المثمرة لحلها.
أنا أعاني من مشكلة زوجية، فأنا متزوجة منذ عدة سنوات ولدي العديد من الأبناء والحمد الله على نعمه الكثيرة، وعلاقتي بزوجي جيدة، لكن هناك بعض المشاكل البسيطة التي توجد في أي بيت.. منذ أشهر اكتشفت رغبته في الزواج بثانية؛ فغضبت غضبا شديدا وصل إلى الطلاق، ثم أرجعني بشرط عدم الزواج بغيري، ولكن في جلسة مصارحة بيني وبينه صرح لي بعدم إحساسه بالحب والميل القلبي تجاهي، وأنه يحبني تقديرا واحتراما؛ ولهذا فهو يعاني نفسيا، ولا يجد السعادة الكاملة معي، وهذه الحالة منذ بداية الزواج، ومن النظرة الأولى، ولكنه استمر في الزواج.
ويقول إن الله كتب لنا الزواج، وفي وجهة نظره، فالزواج الثاني قد يحل هذه المشكلة، وقد يعود بالخير علي وعلى أبنائي؛ لأنه سيجد الراحة النفسية، ولكنه لن يفعل، مع العلم أنه لم يجد من يشعر تجاهها بما يريد وما زال قلبه فارغا، ولن يتزوج إلا بعد موافقتي على الزواج.
ولقد أخبرني أنه حاول مرارا أن يقربني إلى نفسه بالدعاء والتحبب، ولكنه لم يستطع مع العلم أننا مقصران في أداء صلاة الفجر بتأخيرها، ولم نشترك في عبادات إيمانية كقراءة القرآن وصلاة الليل، ونرتكب بعض صغائر الذنوب، مع العلم أن له اختلاطا بالنساء بسبب طبيعة عمله، ولكنه يخبرني أنها بحدود.
وفي المقابل أنا أحبه حبا شديدا، ولا أتصور أن يكون لغيري، وأخشى من تقصيره معي ومع أبنائه، مع العلم أنه داعية له التزامات دعوية، واجتماعي جدا، ويحب مخالطة الناس، وأشعر بعدم تفرغه لنا بشكل تام فكيف لو تزوج بأخرى؟ ولكن هذه أشياء جانبية في الموضوع الأصلي، وهو حبي الشديد له، فأنا عاطفية جدا... الآن هو ينتظر أن يحل الله لنا هذه المشكلة، ويطلب مني الهدوء وعدم الخوف؛ لأنه لم يحدث شيء، وقد لا يحدث وتتحسن الأمور، ولكنني أعاني، وأشعر أنه هو أيضا يعاني.
مختصر المشكلة.. ماذا أفعل مع زوج طيب القلب، ويقدم لي الحب كما يقول أداء واجب، ولم يقصر معي في المعاشرة الزوجية أو في تنفيذ الطلبات، ويحاول إسعادي وعدم إغضابي، ولكن نفسيته غير "مرتاحة"؛ لأنه يبحث عن الحب الرومانسي الذي لم يشعر به إلى الآن؟
أرشدوني إلى طرق التحبب إلى الزوج، وكسب قلبه. أسأل الله الكريم أن يمن علي وعليكم بما فيه خير الدنيا والآخرة،
وأعينوني أعانكم الله، وسدد خطاكم.
13/3/2023
رد المستشار
الأخت الكريمة،
مشكلتك ليست فريدة من نوعها، ولكنها تتكرر بصور وأشكال مختلفة في حياتنا الزوجية.
وأول أسباب هذه المشكلة تكمن في الخلل الحادث في أفهامنا عن الحب وأشكاله؛ بسبب الصورة المغروسة في أذهاننا بفعل وسائل الإعلام المختلفة، فكثير منا مثل إحدى صديقاتي التي قررت أن تنهي خطبتها بدون أسباب واضحة، وعندما جلست معها لأفهم منها سبب هذا القرار رغم أن خطيبها رجل ممتاز بكل المقاييس، قالت لي: إنها لم تحبه، فهي عندما تراه لا تشعر أن قلبها ينتفض بعنف، ولا تشعر بالدماء تتدفق في أوصالها، ولا تشعر برعشة في أطرافها، وهي تتصور أن هذه الأعراض وهذه التغيرات هي الدليل على حبها له.
وعندما سألتها: هل تشعرين أنك تقبلينه زوجا لك؟ وهل تشعرين بالاشتياق له عندما يغيب عنك؟ وبالاطمئنان لوجوده بجوارك؟ جاءت كل إجاباتها بالإيجاب، مع تأكيد أنها لا تشعر نحوه بأي مشاعر سلبية، ولكن الخطأ كان في الصورة المرسومة للحب في ذهنها، فهي وزوجك وكثيرون غيرهما يتصورون أن الحب يبدأ منذ بدايته عظيما وشاهقا، ولا يدركون أن الحب يبدأ كبذرة صغيرة تنمو تدريجيا إذا وجدت الرعاية والاهتمام المتبادل، ومع نموها تمتد جذورها وفروعها؛ لتصبح شجرة وارفة الظلال، وهذه الشجرة تذبل وتموت إن لم تجد العناية والرعاية والاهتمام اللازمين.
ولا بد في البداية من أن تدركي أنت وزوجك هذا الأمر حتى يمكنكما سويا أن تعبرا هذه الأزمة التي تمر بها حياتكما الزوجية.
والمشكلة الثانية في علاقتكما، منبعها أن الإنسان يبدأ الحياة الزوجية وهو يحلم أنه يدخل بقدميه الجنة، ويفاجأ أن الوضع مختلف، وأن مسؤوليات الزواج وهمومه تفوق بمراحل ما قد يجده من راحة وسعادة وهناء.
ويبدأ الإنسان رحلة البحث عن هذه السعادة المفقودة والجنة الموعودة، سواء في خياله أو على أرض الواقع، وقد يستدعي صورا من الماضي لحبه الأول، وقد يعيش الحاضر مع صورة في خياله "للمرأة الحلم" التي كان يتمناها، ويبدأ في عقد المقارنات الظالمة بين هذه الصورة الجميلة الرقيقة وبين زوجته المكدودة بهموم الأطفال وشئون الداخل والخارج، والبون شاسع بين الصورتين، لماذا؟ لأن الصورة الأولى ليست إلا خيالا جميلا وحالما، ولا تمت لعالم الواقع بصلة.
ويضاف إلى ذلك ويضاعف من آثاره مشكلة الملل الزواجي التي تحدث بعد مرور عدة سنوات من الزواج؛ حتى أُطلق عليها "هرشة السنة السابعة"، والمقصود بها أن الرجل يبدأ في الشعور بأنه كان يريد امرأة غير زوجته لأسباب عدة؛ فهو يريد الأجمل والأرق والأكثر رومانسية، أو الأكثر إثارة وإمتاعا، وهو لا يستمتع بالقدر الكافي مع زوجته، ويريد من تشبعه أكثر، وهكذا يستمر الحال بالزوج في رحلة البحث عن الجنة الموعودة، وهو يتصور أن كل امرأة غير زوجته تملك مفتاح هذه الجنة.
وفي هذه الأثناء يجد الزوج -الذي كان شابا منذ سنوات قليلة- السنوات ترسم تجاعيد على وجهه، وتخط بفرشاتها رتوشا بيضاء فوق رأسه، ومع هذه الآثار التي بدأت تظهر عليه وتدنيه من عالم الكهولة؛ يتمنى أن يجدد حياته بحب جديد يعيد له الثقة في ذاته، ويؤكد له أنه ما زال مرغوبا فيه من كل النساء، بخاصة الصغيرات منهن، يريد من تؤكد له دوما أنه "دونجوان كل العصور"، وتعرف هذه الأزمة بـ "أزمة منتصف العمر".
أختي الكريمة: لقد حاولت أن أرسم معك صورة للعوامل التي تنسج خيوط أزمتكم الحالية، وبالحكمة والصبر والتفهم يمكنك بعون الله أن تتعاملي معها التعامل الأمثل، بحيث تحفظي زوجك وتحتفظي به، وتقللي قدر المستطاع من خسائرك، وأهمها على الإطلاق الخسائر النفسية، فتعرفك على هذه الأسباب والدوافع يعيد لك سلامك النفسي، ويعينك على أن تكوني أكثر حكمة وتعقلا في التعامل مع الأحداث.
وبدايةُ الحل تكمن في محاولة اكتشاف جوانب علاقتك بزوجك، والبحث عن مواطن الضعف والقوة فيها، ومن خلال التعرف على هذه المناطق يمكنك أن تدركي الوسائل التي تمكنك من أن تكوني ملء سمع وبصر زوجك، فزوجك رومانسي، ويحلم بالحب الرومانسي، فلماذا لا تكونين أنت البادئة بتدعيم جوانب الحب الرومانسي بينكما عن طريق الكلمات واللمسات والهدايا الرقيقة؟
ولماذا لا تجتهدين في جعل لحظات تواجدكما سويا لحظات يظللها طائر الحب الجميل؟ ومع هذا ينبغي عليك أن تنظري في أمر علاقتكما الجنسية، وتحاولي أن تصلحي أي خلل حادث في هذه العلاقة.. اجتهدي أن تعطيكما هذه اللحظات الزاد العاطفي والجسدي، وتعرفي على ما يريده منك، واجتهدي أن تكوني على الصورة التي يريدها، وأشعريه أنه كل حياتك، وأنك فيه راغبة، ولقربه محبة.
والحرص على الإشباع العاطفي والجنسي يعينك على دعم أواصر الود والحب بينكما، ومما يزيد من هذا الدعم ويقوي هذه الأواصر أن تشاركي زوجك اهتماماته وهواياته، وأن تحرصي على الاهتمام بتفاصيل حياته مهما كانت بساطتها.
وبالطبع لن يمكنك القيام بكل هذا وأنت مثقلة بالهموم والمشاغل، فاعملي على تنظيم وقتك وترتيب أولوياتك، واجتهدي أن تجدي من يساعدك في الأمور المنزلية إن كان هذا ممكنا، وشجعي زوجك برفق على أن يلعب دوره في رعاية صغاره، بحيث تضيقي قدر المستطاع من المساحة الخالية في ذهنه التي تدفعه دفعا للتفكير في الأخريات.
واحرصي على أن تغرسي في صغارك الاعتماد على النفس منذ البداية، وعوديهم أن يشاركوا معك في الأعمال المنزلية، كل حسب سنه، وأن يعاون الكبير منهم الصغير، بحيث توفرين بعضا من الوقت والجهد لزوجك.
ومع هذا فلا بد أن يدرك زوجك أن الزواج الثاني -عند من يدركون قيمة الزواج- لا يعتبر مغامرة ممتعة، ولكنه يعتبر بالطبع مسؤوليات وهموما أكثر. وقد بينا هذا في: الزواج الثاني.. قيد على قيد، مع دعواتي أن يؤلف الله بينكما، وأن يعينك على أن تحفظي عشك الجميل.