ما أسهل الكلام: لماذا يرفضون العريس الإلكتروني!!!
السلام عليكم ورحمة الله
بداية، أود أن أشكر لكم جهودكم في تقديم الاستشارات النفسية وتقديم العون لكل شاب مؤمن وشابة مؤمنة يخشون الوقوع في الحرام في زمن كثرت فيه الشبهات، نسأل الله أن يثبت أجركم.
أنا شاب شرقي أعيش في الغربة منذ سنوات في بلاد إسلامية غير شرقية، دفعني حنيني إلى أناسي وشرقيتي وتمسكي بعاداتنا إلى التحدث عبر الإنترنت (الشات من خلال الكتابة فقط) إلى أهل الشرق، وكنت أشعر بالمتعة لمجرد الشعور بوجودي في المجتمع الذي أحبه والذي ولدت فيه... تعرفت منذ 3 سنوات على فتاة متدينة، كنا نتحدث في البداية في مواضيع عامة بغاية التسلية التي لم تخرج عن إطار الاحترام، ومع مرور الوقت أخذ حديثنا يتطرق إلى مواضيع أكثر جدية تتعلق بحياة ومشاكل كل منا فاكتشفنا تطابقا وانسجاما كبيرين في معتقداتنا ونظرتنا إلى الحياة والدين.
بعد مرور ما يقارب العام أخذت أفكر بموضوع الزواج فأخذت علاقتنا بالتطور، وبدأنا نتحدث بالهاتف، شعرنا بعدها بأن الله قد لا يرضى عن هذه العلاقة؛ لأنها بغير علم الأهل فقررنا إعلامهم، وعندما أعلمت والدتها كان ردها سلبيا دون السؤال عن تفاصيل بشأني... قد يتبادر إلى الذهن هنا أن أتقدم لخطبتها بالشكل التقليدي، إلا أن الظروف لم تكن تسمح لي بالسفر آنذاك، كان حال الأمر مخيبا لأملنا إلا أن علاقتنا استمرت، وبعد أشهر علم والدها بهذه العلاقة بصورة مشوهة بعيدة عن الواقع، ونتاجا لذلك واجهت فترة صعبة جدا أقسمت أثناءها بطلب من والدها أن تقطع علاقتها بي.
وقد أعلمتني بعدها بما حصل من خلال الإنترنت وانقطعت عن مراسلتي عملا بما أقسمت، وقررت مهاتفة والدها بعد فترة لتوضيح المسألة، إلا أن الفكرة لديه كانت لا تتجاوز كوني أخدع ابنته بغية التسلية فطالبني بالابتعاد عنها.. بعد أشهر قليلة عدنا للاتصال من خلال البريد الإلكتروني؛ لأني كنت أصر على معرفة تفاصيل ما يجري بعد حديثي إلى والدها، وشيئا فشيئا عدنا إلى التحدث بالهاتف.
في العشر الأواخر من شهر رمضان الفضيل ذهبت إلى العمرة، وأثناء ذلك علم والدها باستمرار العلاقة ومرت بظروف صعبة لا أعلم تفاصيلها، منذ ذلك الوقت لم أتحدث إليها لكني أرسل إليها رسائل إلكترونية دون أن أحصل على ردود، إلا أني أعلم أنها تقرأ ما أكتب وعلمت منها بشكل غير مباشر بأنها متمسكة بما اتفقنا عليه من قبل.
أنا الآن بحاجة لمعرفة بعض الأمور منها لأعرف كيف أتصرف بشأن خطبتها بعد دراستها التي أوشكت على نهايتها، وفي نفس الوقت كلانا لا يرغب في أن يعصى والديه.
أرجو النصح في هذا الأمر بما يرضي الله، كما أرجو أن تفتوني بنظرة الإسلام إلى هذه العلاقة.
أشكر لكم جهودكم، وجزاكم الله خيرا.
1/3/2023
رد المستشار
تقول: "أنا بحاجة لمعرف بعض الأمور منها لأعرف كيف أتصرف بشأن خطبتها بعد انتهائها من دراستها؟".
وتسأل عن نظرة الإسلام لهذه العلاقة كأنك اختزلت المشكلة كلها في أنك تريد الاتصال بها للاتفاق على تدابير الخطبة، وكل ما يزعجك هو أنك تريد أن تعرف موقف الإسلام من مثل هذه الاتصالات في ظل عهد أو قسم أقسمته الفتاة لوالدها بألا تفعل هذا.
أقول لك إن هذا يمين حكمه وكفارته معروفان، ويمكن الرجوع لقسم الفتوى للمزيد من التفاصيل حول هذا الشأن، ولكن الأمر في الحقيقية أكبر من هذا فهناك عنصر هام قد غاب من قصتك في زحام التفاصيل، ويبدو أنك لا تعطي هذا العنصر الأهمية اللائقة؛ نظرا لانشغالك بالمعوقات التي تحول بينكما وقلقك بشأن شرعية هذه العلاقة وهذا العنصر الغائب هو أنك لم تر الفتاة.
وبالتالي فإن أركان القبول النفساني أو الارتياح لم تكتمل، ولا أقصد بكلمة أركان القبول بعدا فقهيا مثل أركان الوضوء أو الصلاة، وإنما قصدت بعدا نفسيا واجتماعيا، وهذا البعد قد أشار إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال للصحابي الجليل: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما" أي يؤلف بينكما، وقال لآخر: "انظر إليها فإن في عيون الأنصار شيئا".
لذلك أقول: إن النظر عنصر غائب في نسيج العلاقة، وفي الحقيقة ليست المشكلة هي غيابه وحده، وإنما هناك مشكلة أخرى وهي أن علاقات الشات فيها نسبة تضليل أعلى من غيرها من العلاقات، مثل علاقات الحب العادية أو حتى تعارف الصالونات من أجل الزواج فتلك الحالات لها من التضليل نصيب، وهذا شيء طبيعي ففي جميع الأحوال يحرص كل طرف على أن يظهر بأفضل صورة أمام الآخر الذي يفترض أنه سيكون شريك حياته، وأن يرتدي أمامه الشخصية التي يحلم أن يكونها وليس التي يعيشها بالفعل كما أن النفس ليحدث لها نوع من الإنعاش والنشاط عند بداية مثل هذا النوع من العلاقات مع الجنس الآخر فتتهذب وتتلمع وتبدو في أبهى صورها مستقبلة هذا الضيف الجديد أقول إن هناك دائما نسبة من هذا التضليل الحميد النصف إرادي، ولن أقول اللاإرادي، ولكن هذه النسبة كما ذكرت تكون أعلى علاقات في الشات نظرا للطبيعة العجيبة ولهذه العلاقة.
علاقات الشات لا تتصف فقط بنسبة تضليل أعلى، وإنما أيضا بنسبة تباعد اجتماعي وثقافي أعلى، فالطرفان غالبا من بلدين مختلفين وبيئتين متباينتين وظروف نشأة وعادات متباعدة، فالشرق ليس نسيجا واحدا، كما تظن مهما بدا كذلك، وإنما التطابق في الدين والحياة والذي ذكرته في كلامك إنما هو فقط على مستوى الدردشة والحكي وليس على مستوى التعامل والتعايش الحقيقي على أرض الواقع.
أخشى أن تفهم من كلامي أني أتخذ موقفا صارما ومطلقا ضد كل صور للزواج عبر الإنترنت فهذا غير صحيح، ولكن فقط من واجبي أن أساعدك على أن ترى الصورة بدقة حتى لا يعميك حنينك لأناسيك وشرقيتك عن تفاصيل هامة في المشهد!! وعنصر النظر غائب، ونسبة التضليل ودرجة التباعد الاجتماعي والثقافي أعلى؛ نظرا لطبيعة علاقات الشات أضف إلى ذلك "أهل لا يوافقون على الزواج" أضف أيضا أن ما بينكما لا يعدو مجرد إعجاب أو ارتياح أو تعلق وليس موج العشق الهادر الذي قد يضرب كل ما أمامه من معوقات، أنت أمامك إذن خطوات ومعارك كثيرة لكي تتزوج الفتاة، ولا يوجد مانع شرعي ينهاك عن الكفاح في سبيل الوصول إليها، ولكن ما أردت أن أوضحه لك هو أن تعرف في سبيل من تكافح؟ إنها فتاة لم ترها، وهناك طريق طويل للتأكد من مدى التقارب الحقيقي بينكما.
ربما تستخير الله تعالى وتدعوه وتستفتي قلبك، ثم تقرر أن تزور بلد الفتاة بنفسك لتراها، وتقابل أباها، فإذا وافق وتمنح نفسك وقتا معقولا تقضيه معها للتأكد من مشاعرك ومن التوافق بينكما... واختيارك هذا سيتوقف على مدى توافر طريق بديلة للزواج بالنسبة لك، وهذا ما لم توضحه في رسالتك فهل هناك إمكانية للتعارف؟ ثم الزواج من فتاة من نفس جاليتك في بلد الغربة؟
أو هل هناك إمكانية أن تزور بلدك وتقضي فيها وقتا كافيا للاختيار، أقصد أن أسألك: هل كل الخيارات البديلة موصدة أمامك؛ وبالتالي فإنك متمسك بهذا الاختيار الذي هو ليس أسوأ من غيره، هذه الجزئية غير واضحة في رسالتك.
على أية حال.. ما عليك إلا أن تعيد قراءة الأفكار مرة أخرى، وأحسب أن المشهد قد أصبح أكثر وضوحا.. ولا تنس الاستخارة والدعاء.