أنا فتاة حائرة في أمري، عمري 22 عامًا، على قدر من الجمال يعجب الكثيرين، أتمنى أن أتزوج شخصا متدينًا، وطيب القلب والأخلاق، وثري المال، ويعمل بوظيفة مرموقة، ووسيم الشكل، وأتمنى أن يكون ممن يعملون بالخارج؛ فقد كنا نعيش في الخارج، واضطرتنا الظروف إلى العودة إلى بلدنا؛ فأتمنى أن أعيش هناك. ويتقدم إلي عدد من الشبان أرفضهم بسبب أحلامي وطموحاتي، وأهلي يحاولون إحباط أحلامي، ويقولون إنه لن يتقدم إلي أحد ممن أتمنى بسبب أن أبي من ذوي المؤهلات المتوسطة، ولأني لا أمتلك سيارة ولا أي مميزات تدفع أصحاب المال للتقدم إليّ، خاصة أن أبي خسر معظم أمواله في مشاريع فاشلة. كما أني مريضة بالسكر.
تقدم إلي منذ سنة شاب من أقاربنا يسكن في أحد الأماكن الشعبية، ويعمل في القطاع الخاص، وقد أخبرته أن يأتي إلى منزلنا لنتحدث، فأعجب بي جدا وبأخلاقي؛ لأنه قابل عشرات من الفتيات كره أخلاقهن جميعا ومعاملاتهن مع الرجال وأُعجب به العديد من الفتيات وتمنين لو أنه يخطبهن، ووافقت في البداية تحت إعجاب أهلي الشديد به، ثم اختليت بنفسي وناقشتها في الموضوع مرة أخرى فلم أجد قبولا من جهتي نحوه، ولم أجد فيه أي صفة لفتى أحلامي، فرفضت الموضوع، فظل يحاول لأعود إليه مرة أخرى، ولكني رفضت بشدة، وقاومت ضغوط أهلي الشديدة لعدة أشهر، والآن هو يريد التقدم مرة أخرى، ولكني أرفض ضعف شخصيته أمامي، ورغبته الشديدة بزواجي، وهو شخص أشعر أني سأفقد حياتي معه وأحلامي وأشعر أني سأعذبه، وأعذب نفسي إذا ارتبطت به، وأُصاب بالاكتئاب وأكرهه وأكره نفسي، وأحيانا أخرى أحلم أني سأعيش سعيدة معه.
والآن هناك فرصة سفر لي أريد استغلالها لكي يكون لدي بعض المال أحقق به جزءا من طموحاتي، ويكون ميزة لي للزواج فيما بعد، ولكن أهلي يقولون لي ستضيعين عمرك بالخارج واحتمالات أن يراك الشباب هناك في ذلك البلد بعيدة؛ لأن طبيعة الحياة هناك تمنع الاختلاط، كما أنني كنت أفكر في الالتحاق بالدراسات، ولكني أفكر في السفر وترك كل ذلك، كما أني أخشى أن يتقدم بي العمر دون أن أجد فتى أحلامي فأندم أشد الندم.
فهل من المستحيل أن أجد من يحبني وأحبه، وألا يكون الحب من طرف واحد مثلما يحدث معي؟
هناك فتيات كثيرات من العائلة حصلن على ما يردن فلماذا يحاول أهلي إحباطي؟ أريد النصيحة.
18/4/2023
رد المستشار
الأخت السائلة..
قرأت رسالتك عدة مرات، وأظنها ليست المرة الأولى التي ترسلين لنا فيها، ولكنني لن أبحث في ذلك وسأقوم فقط بمناقشة ما تثيرينه هنا، وأنفذ من هذه المناقشة إلى ما تسمينه "النصيحة"، ففى رسالتك تصوير دقيق لما يدور في عقول أغلبية بنات اليوم.
هناك الحيرة التي تشعرين بها، وهي هنا موجودة لعدة أسباب، منها عدم الوضوح وقلة الخبرة، فالعالم أمامك خالٍ من التضاريس التي هي التفاصيل الهامة في حقيقتها، وحين تغيب عن مقاييسك هذه التفاصيل يكون حكمك على الأمور قاصراً.
أنت تريدين الزواج من شخص متدين، وطيب القلب، وحَسَن الأخلاق، وكثير المال، وصاحب وظيفة مرموقة، علاوة على وسامته من ناحية الشكل، وحبذا لو كان يعيش بالخارج، حيث نشأت أنت قبل أن تضطركم الظروف للعودة، ومن حق كل إنسان أن يطمح إلى أفضل شيء لنفسه، فحين تسألين أي شاب: أين تحب أن تسكن؟ ينبغي أن يحلم بالسكن في قصر سلطان بروناي ليعيش حياة تشبه الأساطير، ويركب سيارة مصفحة بالذهب... إلخ.
ولكن هل نحبط هذا الشاب إذا قلنا له: إن إمكاناتك لا تكفي إلا ركوب المواصلات العامة، أو بالكاد لشراء سيارة صغيرة مستعملة، وربما تتطور أحوالك بجهدك، وتتمكن من شراء أخرى أكبر وأفخم فيما بعد؟! هل نكسر بخاطره إذا قلنا له: إنك لست كاملا، ولذلك فلن تفوز بعروس كاملة جميلة ومثقفة ومتدينة وثرية ومن عائلة معروفة... إلخ؟ هل هذا ظلم للحقيقة أو إحباط للأحلام؟! وهل الأحلام هكذا تكون وتطير بلا أجنحة أو سماء؟! أم أنها تبدأ من الواقع وتنطلق منه، وتبني عليه، وتبالغ فيه أحيانا، ولكنها ترتبط به في النهاية، إلا إذا كنت تريدين أن تعيشي حياتك كلها في الأحلام والخيال، ولا غبار على ذلك إذا أردت، بشرط ألا تتحدثي عن الواقع حين تذكرين الأحلام، ولا تحطمي الأحلام على صخرة الواقع.
أنت يا أختي مريضة بالسكر، وهو مرض مزمن كما تعرفين، وهو - مثل الميل إلى البدانة الموجود لدى أغلب فتيات العرب - يستلزم نظاما غذائيا، وأسلوبا معينا في الحياة إن شئت المحافظة على سلامتك، ورغم النجاح الذي أحرزه الطب في معالجة هذا المرض فإن مضاعفاته بالنسبة للحمل والولادة وغيرها من ظروف الحياة تظل نقاطا تحتاج إلى رعاية وعناية، والكثيرون من الشباب سيرون هذه نقطة نقص فيك، كما يرى البعض البدانة كذلك، أو قصر القامة أو سمرة البشرة أو غيرها من الصفات الوراثية التي لا تتغير، فكيف ستتعاملين مع هذه المسألة؟!! وكيف سيكون استقبالك للملاحظات الخاصة بهذه الصفة الملازمة لتكوينك؟!
وأنت اليوم مجرد فتاة على قدر من الجمال، ولم تذكري أية صفة إيجابية أخرى تجعلك مطمحا لهذا الشخص القريب من الكمال الذي ترسمين صورته بكلماتك، وفى أحلامك.
فلماذا لا يتزوج المتدين الطيب الخلوق الثري الوسيم من فتاة مثله؟! كلنا يا أختي نتمنى لأنفسنا "الأفضل"، ولكننا نختار "الأنسب" لظروفنا، فما هي بقية ظروفك؟! ما هو مؤهلك الدراسي مثلا؟! وما هي مهارتك العلمية؟! وإمكاناتك الشخصية؟! كم من اللغات تجيدين؟! وكم من المعارف تدركين؟! ما هو رصيدك من الأخلاق والدين؟! وما هي خبراتك في فنون الحياة من لباقة، وحسن تعامل، وقدرة على تربية الأولاد، وغيرها مما هو مطلوب لامرأة عصرية ناجحة وأم قادرة واعدة؟!
وقصتك تفتح أبوابا كثيرة للنقاش، منها ذلك الكنز الذي استيقظت أمتنا يوما فوجدته مصدرا لثراء فاحش ومفاجئ لم يحصل نتيجة جهد أو إنتاج، ولا كان متدرجا مترتبا على عمل أو إبداع، إنما هي جوهرة وجدناها تحت وسادتنا عندما صحونا ذات صباح، واستمرت المفارقة، فالعمل الذي يقوم به أحدهم في مصر أو المغرب أو الشام مقابل دراهم معدودة أصبح يساوي أضعافا مضاعفة في أقطار أخرى، ويبدو أن هذه "المعجزة" قد أصبحت هي الأساس في تفكيرنا بعد ذلك، فأصبحنا ننتظر جميعا تلك الجوهرة التي نريد أن نصحو كل يوم فنجدها تحت الوسادة!
وصدق هؤلاء المثقفون الذين اجتمعوا في بواكير ظهور النفط، وبدء مرحلة من الضخ المالي المصاحب له ليتساءلوا: "هل النفط نعمة أم نقمة؟!"، والإجابة متروكة لكل واحد حسب موقعه؟
ويبدو أن الأسلوب الذي نشأت عليه في التفكير والنظر إلى أمور الحياة حين كنت تعيشين "هناك" ما زال هو الحاكم في تفكيرك حتى الآن، ويبدو أنك فقط قد عدت بجسدك، أما دماغك وأحلامك فما زالت "هناك"! وما زلت بالتالي تحلمين بالجوهرة تحت الوسادة، وتقولين لنفسك: لم لا؟ ولماذا أنا ليس من حقي أن أحصل على ما أريد؟! ولماذا أهلي يحاولون إحباطي؟!
وبدلا من أن تستدعي عقلك إلى حيث جسدك وواقعك؛ تريدين أن تذهبي بجسدك إلى "هناك" حيث تفكيرك وأحلامك، والهدف هو الحصول على المال لتحقيق بعض طموحاتك.
تفكرين في أنك ستسافرين وحدك إلى مجتمع يرى في المرأة الوحيدة "مشروع محظية" أو "غانية محتملة"، ولا تحسُبين بدقة حسابات الربح والخسارة في سفرة كهذه، وتعتبرينها من قبيل التفاصيل "غير المهمة"، ولا ترين إلا ميزة الحصول على المال الذي يصبح نقطة في صالحك للزواج بفتى الأحلام الأسطوري الذي تريدينه.
يا أختي:
لا تظلمي نفسك، ولا تظلمي هذا الشاب الذي يسكن الحي الشعبي، وترينه ضعيفا لأنه متمسك بك؛ لأنك فعلا ستعذبينه وتعذبين نفسك معه طالما أنت هنا وأحلامك هناك. ليس من المستحيل أن تجدي من يحبك وتحبينه، ومن حقك نصيبك من السعادة المتناسبة مع رصيدك من المعرفة والأخلاق، والمؤهلات المعنوية قبل المادية، وقد تستيقظين يوما فتجدين جوهرة تحت الوسادة، ولكنني أخشى أن تتوقف حياتك في انتظار معجزة كهذه، فارسمي خطة حياتك بعيدا عن خبطات الحظ، ومغامرات القفزات السريعة، وحددي ماذا تريدين بالضبط لأن الحصول على كل شيء غير ممكن، ولأن لكل شيء ثمنا وعلى الإنسان أن يحدد ماذا سيدفع مقابل ما يريده.
وإذا أردت نصيحتي فعليك أن تخططي لنفسك كي تكوني أنت الجوهرة الأكمل علما وخلقا ودينا، وعندها أدعو الله أن يرزقك بمن يكون كفؤا لك، ولا تسافري وحدك أبدا بحثا عن المال، فكما قال العرب الأقدمون: "الغربة ذل، ولو في الحرم"، والباحث عن المال ضعيف من هذه الناحية، وأنت وحيدة، وفى بلداننا لا القانون يسعف، ولم تعد المروءة تحمي أو تعصم من الظلم أو الاستغلال... وتابعينا بأخبارك.