السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أولا أرجو المعذرة على إرسالي هذه الرسالة إليكم عبر البريد الإلكتروني وليس عبر صفحة الحلول، التي لم يكن لي فيها نصيب أن أجد باب إرسال الرسائل مفتوحا، أسأل الله أن يعينكم ويقويكم على عمل الخير وإرشاد هذه الأمة إلى الخير.
أجد نفسي مضطرا لأن أكتب إليكم هكذا، لربما لأنني أعتقد أن مشكلتي هي أهم مشكلة في الكون، ولربما أعتقد ذلك كل من لديه مشكلة وسعى لمساعدتكم، ولكن هذا لم يمنعني من المحاولة؛ فعلى أقل تقدير أجد في الكتابة فرصة أن أصف المشكلة التي تؤرقني وكأنني أتحدث إلى صديق أطلب النصح... مشكلتي أو بالأحرى مشكلتنا (أمي وإخواني وأخواتي) هي أبي، وباختصار فقد تقاعد أبي من عمله قبل عدة شهور، ولم يتمكن أو بالأحرى لم يبحث عن أي عمل يشغله، رغم اقتراحاتنا الكثيرة، ولكنه لا يود أن يخاطر بما حصل عليه كتعويض نهاية خدمة، وهو بسبب ضعف العملة في بلدي قليل. وما زالت أمي تعمل.
منذ ذلك الحين أصبح انطوائيا يأكل وينام، ثم بدأ إدمانه للفضائيات لعدة شهور، وبطبيعة الحال لأننا لا نعيش في نفس البيت منذ زواجنا باستثناء الأخت الصغيرة التي لم تتزوج؛ فقد كنا نبدي الامتعاض عندما نجده يتفرج على الفيديو كليب أو أفلام أجنبية على محطات ليست بالضرورة نظيفة وإن كانت عربية، وقد شعر هو بهذا فما كان منه إلا أن اشترى تلفازا آخر ووضعه في غرفة تخصه ولم نعد نعلم على ماذا يتفرج... لم نجد مشكلة كبيرة في انشغاله بالتلفاز؛ فهو تسلية، وكذلك فإنه وسيلة اتصال أحادية الجانب (مستقبل فقط)، خاصة بعد أن نجحنا في مسح بعض المحطات.
التطور الخطير الذي حصل وهو أساس المشكلة بدأ عندما أصبح أبي يتردد على مقاهي الإنترنت، وكان يقول إنه يتعلم كيف يستعمل البريد الإلكتروني والبحث، وكنا سعداء بهذه التطورات خاصة عندما نجح في تبادل الرسائل مع أختي وأخي المغتربين بالخارج.. مرت عدة أسابيع، وإذا بوالدي يقرر إدخال الإنترنت إلى البيت، وبطبيعة الحال فإن حاسوب أختي الطالبة الجامعية هو الذي سيستخدم. أصبح يستخدمه أحيانا، وبعد ذلك أصبح يستخدمه كثيرا ويسهر وحده، حتى إنه أصبح يسابق أختي في الصباح أو المساء لاستخدامه. كانت المصيبة الكبرى حين اكتشفنا أن ما يفعله والدي هو الدخول إلى غرف الشات المشتركة، والأسوأ أنها الغرف الإباحية بجميع أنواعها، وغرف الماتش ميكر والصداقات و"الجنس الإلكتروني"
الآن مرت شهور على هذا ولم نعرف تفاصيله إلا منذ شهرين عن طريق الصدفة. حاولنا إبعاده عن الكمبيوتر بإعطاب الكمبيوتر، أو إعطاب حساب الإنترنت، وإحضار كتب له ليقرأها، دعوته لزيارتنا بشكل مستمر، ولكن دون فائدة؛ فقد كان معدل استعماله للكمبيوتر يزداد حتى وصل إلى 10 ساعات يوميا، وطبعا أصبح خبيرا في إزالة آثار الشات والمواقع التي يزورها، ولا يسمح بمراجعته أو سؤاله عما يفعل على الإنترنت، حتى إنه ينهر أمي أمامنا إذا سألت... أصبحت أمي تتجنبه وتنام وحدها وتعيش وحدها في عالم الاكتئاب، وأصبحت أختي قلقة، وكل ما يمكنها عمله هو الشكوى لنا، وأصبحنا عاجزين عن عمل شيء إلا الأشياء التي ذكرتها أعلاه كإعطاب الكمبيوتر ليوم أو يومين، ولحل هذه المشكلة إذا به يشتري جهازا خاصا به وكذلك اشتراك إنترنت خاصا به وخط تليفون خاصا به.
لسنا ندري أين أو كيف ستنتهي أو تتطور الأمور، ولكنني أعتقد أنها في قمة السوء؛ فأبي بعد الستين مراهق يقضي الوقت في المحادثات مع فتيات ساقطات بل ولديه علاقات إلكترونية وقائمة من الأسماء، ويتبادل الرسائل الإلكترونية بل والمكالمات الهاتفية مع من لا نعلم.
اعذروني للإطالة، ولكن بقي شيء واحد لأضيفه، وهو أنني عرفت بالصدفة أنه يعرف نفسه على الإنترنت في الشات على أنه أنا، وطبعا هو يعلم الكثير من التفاصيل عن دراستي وعملي، بل ويقدم نفسه على أنه يعمل في مجال الإرشاد والاستشارات الجنسية للفتيات!! لم يكن أبي متدينا، وكانت صلاته متقطعة، وما زال على حاله رغم التزامه بالصلاة التي تضاعفت سرعة أدائه لها لكي لا يفوته الشات، ومع ذلك فقد نشأنا جميعا والحمد لله على قدر من التدين والتقى، ولا نزكي أنفسنا على الله، ولكنه عليم بما في صدورنا.
نحن أبناء وبنات هذه الأسرة نستغيث بكم أن ترشدونا أو تساعدونا؛ فوالله إنني أحمل في قلبي الهم صباح مساء، وكذا أخواتي ولا ندري ما سنفعل، وأمنا مريضة عاجزة أمامنا سلمت أمرها لله، ونحن لسنا داخل البيت، وأختنا في البيت تعاني، والوالد لا يعير انتباها لشيء إلا للإنترنت ولصديقات الإنترنت، ولم يعد لديه صديق أو رفيق، ولم يعد يزورنا إلا في العيد والمناسبات.
للعلم فقد جربنا برامج حجب المواقع، وإرسال رسائل دعوية إليه من مجهول عن مضار وفتاوى الشات، وإخباره بأن "مقدمي الخدمة قد يراقبون الرسائل ويقرؤونها"، وتحذيره من المضار الصحية للجلوس على الكرسي لفترات طويلة، وحتى جربنا قطع الكهرباء لساعات عن البيت، ولكن كانت لديه الحلول بإحضار خبير أو سوى ذلك لحل المشكلة دون بخل.
هل بقي لنا من سبيل إلا الاستسلام، علما بأن الجهاز الجديد وخط الإنترنت الخاص لا تفصلنا عنهما إلا عدة أيام؟! هل من أمل في إنقاذ ما بقي من هذا البيت أو إرجاع هذا الوالد إلى بيته، أو على الأقل إخراج هذا الشيطان من بيتنا؟ أشكركم جزيل الشكر وبارك الله فيكم.
16/04/2023
رد المستشار
الأخ الكريم، لم تطلب حجب تفاصيل رسالتك، ومع ذلك قمت أنا ببعض الحذف لتجهيل بعض البيانات، وأبقيت معظمها لأنني واثق أن حالتك منتشرة، والفارق أنكم تعرفون بينما غيركم لا يعرف!!
الهروب إلى الفضاء الإلكتروني صار هو أوسع ظاهرة ارتحال أو هجرة يشهدها عالمنا العربي، وبدلا من التسكع على أبواب السفارات واستجداء التأشيرات أصبحت خطوط الهاتف والحاسوب هي جواز السفر وبطاقته إلى عالم ألذ ألذ ألذ... كما كان أحد إعلانات التلفزيون المصري يقول منذ عقود عن مذاق مكعبات شوربة، ووجوه الشبه بين الحساء الصناعية والفضاء الإلكتروني كبيرة؛ لأن كليهما غير طبيعي، ولكن الناس تقبل وتشتري!!
أمتنا إلا من رحم ربي ضائعة على الشبكة العنكبوتية، تبحث عن أمل في غد مختلف وتطلعات وآفاق الاتصال الإنساني والرغبات الشهوانية، وتلهث وراء الفضول وحب الاستطلاع، ومأخوذة بهذا العالم المسحور، ثملة تترنح منتشية بخمره ولذته.. لن أطيل عليك في الشق العام فقد كتبنا فيه كثيرا، ولكنني أريدك أن تدرك حجم التحدي الذي يواجهه والدك وأنتم معه ونحن جميعا.
وأردت أن أقول:
إن هذه الشبكة العنكبوتية قد كشفتنا ولأول مرة أمام أنفسنا وأمام العالم كله، وقد كنا مستورين بحجاب التقاليد وغياب القدرة وانعدام الاختيارات الحقيقية بين الخير والشر والصلاح والفساد والاستقامة والانحراف... إلخ، الشبكة كشفت هشاشة تكويننا الشخصي والتربوي والديني، وفشل وقصور أنظمتنا الاجتماعية والثقافية عن خلق الإنسان المتماسك صاحب التكوين المتين، وفي ذهني هنا المقارنة مع الإنسان كما يريده الإسلام، وفي الغرب حيث نشأت الأداة الإلكترونية يتكفل النظام المادي بجعلها جزءا من نظام الحياة بل لا أبالغ إذا قلت إنها هناك تبدو حلا للعديد من المشكلات النفسانية والاجتماعية، ولكنها في سياقنا المختلف تبدو مشكلة بكل المقاييس وخاصة مع غياب ثقافتها، بمعنى أننا استوردنا التقنية دون أن نستوعب حتى الآن ما ينبغي أن نفهمه عن آثارها واستخداماتها لتنفع.
ولا يعرف والدك -مثل الكثيرين- أن الإنترنت يتيح عالما كاملا هو الحياة بكل ما فيها من منافع ومضار وآفاق ومسارات، ولكنها موضوعة بطريقة إلكترونية، ولهذا تجلياته ومحاذيره.. والشبكة كشفت جهلنا بالعالم وما يحدث فيه، وجهلنا بأنفسنا وما يجري بداخلها من نوازع ورغبات؛ ولذلك فإن اللقاء غالبا ما يكون عاصفا بين هذين العالمين المجهولين:
عالم الذات الغامضة لدى صاحبها، والعالم الأثيري الواسع الذي هو الحياة بكاملها، ولكن محوسبة رقميا.
وأقاوم إغراء الاستغراق في التنظير والتحليل إلا بمقدار وما يخدم مشكلتك، وأقول لك إن مشكلة والدك ترتكز أساسا على عدة قواعد وجذور:
الأول: هو مروره بمقصلة التقاعد، وهنا أؤكد على قصور نظامنا الاجتماعي والاقتصادي والإداري الرسمي أو التطوعي عن الاستفادة من خبرات الرواد الذين بلغوا السن القانونية للتقاعد، ولكنهم ما زالوا في ذروة العطاء والقدرة على العمل والإبداع، وفي الأمم المتقدمة يظل الإنسان يعمل وينتج ويكدح ويعطي حتى يتوقف هو بنفسه ورغبته، وتتسع الأنظمة الإدارية لهذا؛ فمن يتجاوز سنا معينة قد ينتقل من التنفيذ إلى الاستشارة أو غير ذلك.
الثاني: ضعف الالتزام الأخلاقي والديني عند والدك يعني أن كوابح تصرفاته غائبة أو ضعيفة؛ فما بالنا وأصحاب الالتزام الأقوى يضعفون ويقعون ضحية للشبكة الأخطبوطية؟!
والحقيقة أننا في حاجة إلى وعي وإيمان أوسع وأعمق مما هو موجود لدينا؛ لأن الإيمان يزيد وينقص، ويتعمق ويتسطح، والتحديات التي تواجهنا جذرية وشاملة، ولا ينفع معها إيمان العجائز، أو موجات الحماس الديني المؤقت، أو العواطف القلبية التي تتدفق ثم تتوقف، وكل هذه الأشكال نعيشها ونستهلكها، وهي لم تعد تكفي، إنما نحتاج إلى تجديد في الإيمان بالله واليوم الآخر ليكون أعمق وأرسخ فيختلط باللحم والعظم والأعصاب ويمتزج بالنفوس والجواهر.
ولعلنا في حاجتنا هذه نستعيد جواهر نفيسة فقدناها من خبرات المجاهدة والمحاسبة، ونعيد الاعتبار للتصوف الذي ظلمه الجاهلون من أبنائه أو أعدائه، فانقطع عنا وانقطعنا عنه رغم أنه كان عنصر تماسكنا الأخلاقي والاجتماعي والثقافي، وكان صيغة من أهم صيغ تكويننا النفساني لقرون ثم فقدناه عبر حروب ومواجهات، ونحن أحوج إليه بمعناه وتاريخه الإيجابي لا بمظاهره وأشكاله وطقوسه ورموزه الغرائبية وهذا حديث آخر يطول.
الثالث: والدك -مثل كثيرين- يجهل طبيعة الإنترنت، ولنا في الحديث عن هذه الطبيعة إجابات ومقالات أعتصر وأختصر لك منها أمرين: أحدهما يتعلق بالاستخدامات المتعددة جدا للشبكة والآفاق الهائلة جدا جدا التي فتحتها للتعليم والترفيه والاتصال ونقل المعلومات وإتاحة الفرصة.. وأشفق علينا كافة حين أرى أن ما وصلنا إليه هو الاقتصار على النظر والتعامل مع هذه الإمكانيات الهائلة التي يمكن أن يكون فيها انعتاقنا من التخلف على أنها مجرد ماخور أو شارع مظلم تتسكع فيه المومسات، ويرتاده طلاب المتعة لاصطياد إحداهن واصطحابها لغرفة خاصة والممارسة معها إليكترونيا!!
وفي كل مدينة أوربية أو أمريكية شوارع للمكتبات والأسواق والجامعات والمتاحف والملاعب والحدائق... إلخ، وهكذا الشبكة، ولكننا نترك كل هذا جهلا أو كسلا أو انعدام رغبة لنبحث عن شارع الجنس، وكأن الجنس هو النشاط الوحيد في الحياة أو على الشبكة، ولعلنا كنا محرومين من المعرفة بهذا العالم والحرية فيه، وحين انفتحت أبوابه ونوافذه اندفعت جموع أهلنا تقتحم الأبواب وتقفز من النوافذ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ووالدك أيضا يجهل الطبيعة الإلكترونية للشبكة، وبالتالي لا يعرف ما يمكن أن يحدث له من فخاخ قد يقع فيها، وآلام قد تترتب على مغامراته؛ فهو كما يتقمص شخصيتك أو غيرها يتعرض للاتصال بآخرين يتقمصون ويكذبون، وبسهولة شديدة يمكن أن تقع له مصيبة أو تنزل بحياته قارعة أو تصدمه طائشة إلكترونية؛ لأنه ضائع في فضاء سماء مظلمة، ويخطر ببالي قوله سبحانه وتعالى: ((فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ)) وهكذا تفعل الشبكة الأخطبوطية بمن يعرف دروبها ومصائدها فكيف بمن يجهل؟!!!
إذن أقول لك وقد أطلت عليك وأخشى الإملال: إن علاج والدك قد أصبح الآن أمام عينيك.. أليس كذلك؟! فهو يحتاج إلى استثمار لفراغ وقته، وهذا الاستثمار هو بالنسبة له مسألة حياة أو موت، وأفضل استثمار هو أن يجد عملا في مجال تخصصه، ولا أعرف أنا بالطبع كيف أو أين أو طريقة تدبير هذا دون الإخلال بمسألة تعويض نهاية الخدمة؛ فوالدك ما زال قادرا على الخدمة. والمؤسسات العامة في مجال تخصصه كثيرة وجيدة في بلدك كما أعرف؛ فلا تتقاعسوا عن البحث في هذه المساحة، وكذلك مساحة إحياء علاقات الصداقة في حياته... وعلى أضعف الاحتمالات فإن مشاركة والدك بشكل تطوعي في إحدى الجمعيات أو المؤسسات قد يكون خيارا متوافرا وأوفق بالنسبة لظروفكم، وجمعيات النفع العام وهيئات المجتمع المدني القائمة على التطوع منتشرة ونشيطة جدا في بلدك، وعندما يتأكد لوالدك أنه ما زال يضيف إلى الحياة إنتاجا وإبداعا وعطاء وجهدا نافعا ستتغير نظرته لنفسه ووقته ويتوازن مسلكه بإذن الله أو هكذا أرجو.
ووالدك يحتاج -مثل كل المتقاعدين الأذكياء- إلى استعادة اهتمامه بهواية يكون عمله وسعيه على المعاش قد عطله عنها حتى نسيها، واستئناف النشاط في هذه الهواية يبدو مهما أيضا، والناس بعد التقاعد تعود للهوايات القديمة وقد تختار السفر لترى الدنيا بحق وتعرف أن المدن أوسع بكثير من مجرد شارع الجنس.. ويحتاج والدك إلى أن يعرف طبيعة هذه الأداة التي يستخدمها، ولا تسألني: وكيف يعرف؟ لأنني لا أمتلك إجابة الآن... فمعرفة والدك بالإنترنت وآفاق الاستفادة منها، والانتفاع والمتعة به ستفتح أمامه بقية الشوارع؛ فيتوازن على الأقل، وهو عبر الإنترنت يمكنه التعلم أو التدريس والتدريب، ويمكنه تقديم الاستشارات فعلا، ولكن بشكل منهجي نافع سواء في الجنس أو غيره، ويستطيع أن يتواصل مع غيره في الاهتمام بهوايته أو أي رغبة أو فكرة أو نشاط يحبه.. وسيعرف والدك أيضا أن الجنس الإلكتروني مثل سراب الصحراء يلمع بريقه من بعيد وتشتد غوايته، ثم حين يصله الإنسان لا يجده شيئا، ولكنه ينظر فإذا بريق آخر بعيد يخطف الأبصار ويجعله يركض ليدركه، ثم حين يصله لا يجد شيئا مما كان يحلم به... وهكذا، ومن يعرف الشبكة جيدا يمكن أن يصبح "رائد فضاء" إلكترونيا.
وتبقى نقطة أخيرة أبقيتها لأختم بها لأنني أخشى أن تختصر إجابتي أو تلخص أو تنحصر فيها، وأقول:
إن نشاط والدك الجنسي يحتاج إلى استثمارة، ولا أدري ما هو عمر والدتك أو موقفها من الجنس فكرا أو ممارسة، ولا تثريب عليها أن تتعلم الآن ما لا تعرفه، وكلنا يحتاج إلى تعليم يتدارك به ما فاته أن يعرفه في حينه، وإذا كانت تعرف ولكن لا تستطيع أو لا ترغب فإن هذا له أيضا علاجات نفسية وعضوية، وإذا فاتها هذا كله فلا جناح عليكم أن تبحثوا لوالدكم عن امرأة مناسبة يقضي معها وطره في الحلال، ولا أقول: إن هذا هو العلاج، ولكنه قد يكون بعضه، وأنتم تستقلون بتقدير حجم هذا الاحتياج، وقدرة والدتك على التعاون، وفاعلية حلول مثل الزواج الثاني.
وإجمالا يا أخي الكريم، فإن والدك مثلنا جميعا يحتاج في مواجهة تحدي السماوات المفتوحة إلى أن يتربى فهو ونحن لم نترب حقيقة، ويحتاج مثلنا إلى تكوين فنحن لم نتكون، ويحتاج إلى معرفة حقيقة بالعالم الذي نعيش فيه؛ فمعرفتنا بالعالم ناقصة ومشوهة، ومعرفتنا بالدين سطحية وقشور، وصلتنا بالله أوهى من خيوط العنكبوت... لا أمل في حلول من قبيل قطع التيار أو الاتصال التليفوني، ولا تفيد المواعظ وحدها في مواجهة تلك الرياح العاتية، نحن نحتاج إلى مراجعة لأحوالنا وإعادة بناء وترميم، ونحتاج إلى أن نتصارح ونتكاشف بدلا من تبادل الاتهامات أو الاستسلام للمشاعر السلبية؛ فالتحدي يواجهنا جميعا، ولا يسلم منه أحد، ولو يصيبه بعض رذاذه، وليس الأمر مستحيلا في مواجهته أو التعامل معه، فقط نحتاج إلى تخطيط وتفكير، وهو ما لم نتعود عليه للأسف ولكن لا بأس أن نتعلمه ونطبقه.
أبوك ضائع فضائي مثل كثيرين، ويمكن أن يكون رائد فضاء إذا فهمناه وتفهمنا حاله، وإذا فهم هو وتفاعل دون نقد متبادل أو تجريح ودون إخلال بمقام الوالدين واحترامنا لشخصه الكريم؛ فهو ليس مراهقا يا أخي، ولكنه مفتون بهذا السحر والزخم الهائل في مقابل الجدب الثقافي والاجتماعي لحياتنا؛ حيث لا أنشطة تملأ النفس، ولا ترويح حقيقيا يستثمر الفراغ، ولا أدوار يلعبها الذين تقاعدوا فضلا عمن يعملون أصلا!! ينبغي أن نعترف بأنه بمقاييس الحياة الطيبة تبدو حياتنا بائسة فعلا، والهروب إلى الفضاء الإلكتروني ليس حلا، ولكن الكثيرين يختارونه؛ لأنهم لا يعرفون سبيلا ولا يجدون بديلا غيره؛ لأن العلاقات الاجتماعية أو الأنشطة التطوعية غير ميسرة أحيانا وغير جذابة أحيانا أخرى.
وقد أطلت عليك فعلا، ولكن حسبي أنني أردت أن أدعمك في موقفك، وأربت على كتفك في كربك، وأتحاور معك في الخروج من المأزق، وأرجو أن أكون قد أفلحت، وتابعنا بأخبارك. والمشاركة مفتوحة أمام الجميع حول سبل مواجهة هذا التحدي.
واقرأ أيضًا:
أبي وأخي والأفلام الإباحية
أبي في الوحل: إباحيات وصور أمي لرجال آخرين
أفلام جنسية لأبي وأمي: على جهاز أبي
أبي: قنوات جنسية للفجر ثم يصلي بالناس إماما
ويتبع >>>>>: أبي ضائع فضاء؛ شبكة كشفت أمة م مستشار