الإخوة الكرام،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ثقة مني بما يحمله موقعكم من موضوعية وإنصاف وإخلاص في بذل النصيحة والتوجيه لأصحابه، شجعني ذلك على أن أطلب رأيكم وتوجيهكم لي في موضوع شائك ومثير بالنسبة لي؛ علني أجد لديكم الرأي الحاسم في هذا الأمر.
أعتبر نفسي في مأزق كبير؛ حيث إنني رجل في منتصف الثلاثينيات، متزوج ولدي من الأطفال أربعة. حياتي الأسرية وادعة وهادئة ومستقرة، وأنا وزوجتي بدأنا رحلة كفاح إلى أن استقرت بنا الأمور، وتيسر لنا الحال، وكان لها فضل كبير في استقرار حياتنا الأسرية والمادية، وهي تعمل، ولا توجد حدود وفوارق مادية بيننا؛ فلا نستطيع تفرقة دخلي من دخلها؛ فنحن مزيج واحد؛ فهي فيض من العطاء، وأنا أيضا أبادلها العطاء، بل نتنافس في إرضاء بعضنا البعض. ونقيم خارج أرض الوطن منذ أكثر من 10 سنوات.
أتت إحدى السيدات لتسكن معنا في نفس العمارة، وهي سيدة أرملة ولها من الأبناء 4، أكبرهم في المرحلة الثانوية وأصغرهم في المرحلة الابتدائية. وسعدنا بوجود هذه السيدة وأبنائها لاتسام هذه الأسرة بسمت هادئ وخلق رفيع، وقلنا: إنه خير ساقه القدر إلينا لكي يكونوا في جوارنا، ويسهل علينا دعمهم بما نستطيع؛ فالسيدة ملتزمة دينيا وأخلاقيا، وتعمل عملا مرموقا، ولها دخل محترم تستطيع إعالة أسرتها به، وليس لديها مشاكل مادية. وأولادها معظمهم قاربوا استكمال حفظ القرآن الكريم بالكامل.
كانت العلاقة تسير عادية ومتوازنة وفي حدودها الشرعية، وعلاقتي بالأبناء بدأت تتدرج، وتعمقت لاصطحابي لهم بالمنتزهات للعب الكرة.. والترفيه في أيام الإجازات.. إلى آخره. وكان دوري مع السيدة توصيلها إلى محل عملها بصحبة زوجتي التي تعمل هي أيضا، وقضاء بعض أغراض بيتها.
بدأت أتساءل مع نفسي: لماذا لا تكون هذه السيدة زوجة ثانية، ويكون لها غطاء شرعي لي ولها؟ وأستطيع التقرب إليهم أكثر وتقديم العون والدعم لهم بشكل رسمي ومن دون حرج بدلا من إشعارها الدائم بأنها في حاجة للآخرين لقضاء حاجاتها، هذا الشعور الذي كان يؤلمها دائما، ويجعلها ترفض في كثير من الأحيان خدمتها رغم احتياجها الشديد. أخذت في تعداد المبررات والدوافع التي تجعلني أرتبط بهذه السيدة، وكانت في الحقيقة كثيرة ومنطقية وعرضتها على بعض المقربين، وأبدوا قبولهم لهذه الدوافع وموافقتهم لي بنسبة 100%، ولم أجد سلبية واحدة تجعلني أحجم عن هذا الموضوع، أو خطا أحمر إلا أسرتي وبيتي، وكيف أحميه من الاهتزاز.
وأخذت خطوة نحو ذلك بأن فاتحت السيدة، وتقدمت لها، وأبدت رغبتها في القبول بشرط عدم المساس والإيذاء ببيتي الأول وبزوجتي التي كانت تحمل لها ودا كبيرا وعاطفة قوية لها، وفاتحت زوجتي في هذا الأمر، وأوضحت لها دوافعي لهذا الزواج، وكان ردها فيه شيء من الذهول والصدمة في البداية، وبعد يوم أو يومين بدأنا نتناقش سويا في الأمر بموضوعية وثبات وأقرت بحقي في ذلك ولكنها لا تطيق هذا الأمر كامرأة، وأبدت رغبة في مساعدتي.. إما أن أنساها أو أن أتزوجها (تقول هذا بحرقة وليس برضا). وقالت: لولا مفاتحتك لي بهذا الأمر لكانت هذه السيدة أختي بالفعل.
موقف زوجتي جعلني أقف في حيرة شديدة؛ ففي الوقت الذي أرى أن زواجي من هذه السيدة فيه إثراء للأسرتين حيث سيوجد الغطاء الشرعي لعلاقتي بها، وأكون قد أديت دورا كبيرا في حياتها وحياة أبنائها أسعد بها ويكون قربى إلى الله، خاصة أنني أجد أثرا كبيرا لشخصيتي ينطبع على الأولاد، وأنا في استطاعتي أن أقوم بهذا الدور لأنني في الحقيقة أقوم بجزء منه ولكن على استحياء من السيدة وتحرج شديد منها؛ لأنها شديدة الحساسية من هذا الأمر، وترى أن كل من حولها يريد خدمتها وخدمة أولادها لظروفها الخاصة، وهذا يؤلمها.. توصلت أنا والسيدة بأن نغلق هذا الملف لعدم موافقة زوجتي عليه والذي كان هذا شرطا لإتمام هذا الأمر.. وقد لاحقتنا المفاجآت بأننا لم نستطع إغلاقه بهذه السهولة، فكلما لاحت الفرصة وتحدثنا بأننا لابد من وقف الاتصال الهاتفي الذي كان لا يخلو من البوح بالمشاعر وتأكيد رغبة الارتباط، ورد العلاقة كجار وأخ.. سارعت بالاتصال بها، والعكس.
وأصبحت المشكلة الآن هي: كيف نتغلب على هذه العاطفة الجامحة ونستأصلها، والتي أرى أنها خرجت من نطاقها الطبيعي؟ وقد لجأت إليكم لمساعدتي في هذا، حفاظا على عدم المساس بسمعة هذه السيدة، وحفاظا على موقفي أمام أسرتي التي لم تعلم أنني على اتصال بهذه السيدة، ولم تعلم أنني فاتحتها أصلا في الموضوع، فهي ما زالت على وفاق وود وصداقة معها. وقد صارحتني زوجتي بأنه يفترض أن أقطع علاقتي بها، ولكني لا أستطيع ذلك وأشعر بازديادي لها قربا.. خوفي الآن من تطور العلاقة ونحن عاجزان عن حسم هذا الأمر بالزواج، ونسعى جاهدين لقطع العلاقة، وقد فكرت في نقل محل سكني، ولكنها أبدت رغبة في وجودي وإن فقدتني كزوج فلا تفقدني كجار وأخ.
ماذا أفعل؟ هل أتجاهل هذه الرغبة، وأبتر هذه العلاقة، وأنقل سكني الذي أراه الحل الوحيد لعدم تحريك كوامن الرغبة في الارتباط مرة أخرى؟ وهل لو تزوجت هذه السيدة واستخدمت حقي في اتخاذ القرار وتجاهلت رغبة زوجتي (التي هي طبيعة كل النساء التي تحب الاستئثار بزوجها وكأنه ملك خاص بها ولا تحب المساس به) فهل في ذلك ظلم لها رغم وجود المصلحة الشرعية لزواجي ووجود العاطفة أيضا؟.. أليس من حق هذه السيدة أن تعيش ويكون لها زوج كباقي الزوجات ما دام هذا هو شرع الله سبحانه وتعالى، وكفل لها ولي ذلك؟
القضية في النهاية هي مبدأ إنساني، فأرجو منكم مساعدتي في وضع حل يرضي الله سبحانه وتعالى ابتداءً، ثم يحافظ على أسرتي من الاهتزاز، ويكفل حياة زوجية لهذه السيدة التي ترى نموذج أسرتي هو أفضل نموذج يمكن الارتباط به، وبغيره لن تتزوج أبدا.
جزاكم الله خيرا.
18/4/2023
رد المستشار
طبعاً كان من الضروري أن أكشف معلومة واحدة من بياناتك مع محاولة تجهيل باقي البيانات، فمن بين العرب يبدو أن المصريين أو بالأحرى المصريات هن الأكثر مقاومة لمبدأ أو رخصة التعدد، مع ملاحظة أن هذا قد بدأ يتغير تدريجيا، ولظروف كثيرة، ولكن الأغلبية ما زالت تتغافل عن الرصد، وعن الاعتراف بهذا الواقع كالعادة!
ودعني أولا أذكرك بالمنطق المصري في هذا الصدد ما دمت تتحدث عن الموضوعية والإنصاف، وحالتك مثال جيد للشرح والتحليل:
زوجتك يا سيدي تركت بلدها وأهلها، واغتربت معك، وشقيت وتعبت طوال سنوات حتى اكتمل البناء مستقرا سعيدا ولله الحمد، وأصبحت أنت في الوضع الذي يسمح لك بالتفكير في الامتداد إلى زوجة أخرى، ورعاية أسرة أخرى، ولو كنت بصحبة زوجة فاشلة محدودة الطاقة والموهبة ضعيفة القدرة على إدارة بيت، وتحمل مسؤولية الأبناء لبقيت أنت تحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه في بيتك الأصلي، ولكن شخصية وجهود زوجتك هي بمثابة ركن ركين، وحائط متين يستند ظهرك إليه، ويحسدك على هذا كثيرون، ولله وحده الفضل والمنة.
وأصحاب العقول الضعيفة يقارنون بسخف، ويقيسون بغير منطق سليم حين يدفعون بأن المصرية ترفض التعدد بينما الخليجية أو الشامية أو المغربية قد تكون أوسع صدرا وأكثر قبولا، ويغفل هؤلاء أو يتغافلون عن خصوصية الحالة غالبا؛ بمعنى أن العبرة هنا ليست بالجنسية أو الثقافة الاجتماعية السائدة بمقدار ما هي متعلقة بملابسات الحياة؛ فهل تستوي المصرية المغتربة أو حتى المقيمة التي تشمر عن ساعديها، وتنزل تدافع الحياة شقاء ومكابدة لتبني بيتها مع زوجها حجرا حجرا.. هل تستوي مع امرأة أخرى تستيقظ من النوم ظهرا، ولديها الخادمة والطباخ والمربية لرعاية الأولاد؟! هل هذه مثل تلك في النفسية والحكم؟! مالهم كيف يحكمون؟! وإلى متى نخلط ونتغافل؟!
على هذه الخلفية تعتبر الزوجة المصرية -وبخاصة العاملة- الزواج الثاني لزوجها بمثابة طعنة في الظهر، وخيانة لتعبها وكدها...إلخ، وأرجو أن تتبين معي أن هذا يحمل قدرا من الحقيقة بالفعل، مع قدر من التضخيم الأنثوي أو الدراما المصرية الأشهر بين العالمين.
مع ملاحظة أن هذا الموقف من الزواج الثاني ليس مقصورا على المصريات، بل يمتد حتى إلى الخليجيات المكابدات أيضا من أجل أسرهن بالعمل داخل البيت وبالوظيفة خارجه، ومن ثم أصبحت طعنة الزواج الثاني واحدة.. ولا أعتقد أنني أو أنك تريد مني مناقشة مسألة الزواج الثاني من ناحية الحق؛ لأنه حتى زوجتك لم تستطع إنكار هذا، وليست مناقشة الحقوق تكون بمعزل عن السياق المحيط بها، دون الإخلال بثبات المبدأ، ولكن التنفيذ والتنزيل يحتاج دائما إلى فقه.
إذن مفهوم ومتوقع أن تشعر زوجتك بالصدمة والألم على خلفية هذا السياق المحيط بنا في ثقافتنا الاجتماعية، وأوضاعنا الأسرية والاقتصادية كمصريين، وبخاصة من هم في الطبقة الوسطى مثلك ومثلي، وهذا ما شرحته أنا من قبل في موضع آخر.. ومفهوم أن تطمح أنت وتمتد بعينيك إلى جارتك؛ فعندها الكثير مما يغريك بهذا الامتداد والتطلع، وليس هناك موانع مبدئية، ولا استحالات منطقية، وبينكما استلطاف وعاطفة إنسانية، وأرى -دون تطويل- أن الأنسب هو ما يلي:
أن توقف أنت تماما كل تصعيد عاطفي بينك وبين جارتك، وتدع القلوب تقر حيث هي، وبما فيها بالفعل حاليا من مشاعر، ولن تستطيع جارتك حسم هذا الموقف العاطفي ولا تجميده، بل هذا هو دور الرجل؛ فحذار من استمرار التصعيد، وإلا فلن يكون بينكما إلا ما يكون بين رجل وامرأة كطرفين متحابين، أحدهما محروم من حقه العاطفي والجسدي في وجود شريك يؤنس وحدته، ويشبع غريزته.
وأرجو ألا تغتر يا سيدي بالتزامك أو التزام جارتك، ولا تعتبر أن هذا الالتزام سيكون بمثابة الكابح أو السقف الذي يضع حدودا عليكما فلا يقع خطأ، بل خذ بالأحوط.. أرجوك.. والسلامة لا يعدلها شيء؛ لأنه لو وقع ما تدفعكما إليه المشاعر المتأججة؛ فإن هذا من شأنه تعقيد الموقف أكثر، ومن شأنه -ربما- أن ينسف المشهد برمته، فلا تتورط.
ومن ناحية أخرى تعامل مع زوجتك على المحاور التالية:
1- بالغ في إكرامها ماديا، وحبذا لو تكتب لها شيئا من الممتلكات، أو تنتهز فرصة مناسبة لتضع لها مبلغا كبيرا من المال في حسابها البنكي على سبيل الهدية، وأرجو أن يكون هذا القدر من المال كبيرا؛ بحيث يكون على مستوى تقدير بذلها طوال السنوات الماضية، وليس ثمنا أو مقابلا له بالطبع؛ لأن الجهود والتضحيات بين المحبين لا يمكن تقديرها بثمن.
2- ضاعف من تعبيرك العاطفي عن حبك ومشاعرك تجاه زوجتك، ومن تواصلك الحسي والمعنوي معها، وأنت تفهم كيف تفعل هذا من معرفتك بما تحبه هي في هذا وذاك.. وكرر مدحك المتنوع لأنوثتها وحسن تبعلها لك، والتذكير بما هي عليه من نشاط وعمل وفضل تمنحه طائعة لك وللأولاد.
3- جدد حياتك معها بالسفر إلى الخارج مثلاً، أو بمجموعة من المناسبات أو الطلعات -بلغة أهل الخليج- اللطيفة، والنزهات المتميزة، وهذا مناسب أن يحدث الآن في الصيف والإجازات.
4- بعد فترة معقولة من هذا وذاك اجلس إليها بهدوء ومكاشفة لتقول لها ما يلي:
أولا: إن غرضك الأساسي من الزواج بجارتك هو غرض إنساني، يتمثل في قدرة عليا على حسن رعايتها دون حرج، وألمح لها أن رغبتك الجسدية في جارتك لا تعدو استكمال واجبك نحوها، في حالة وقوع الزواج، وأن ما تبقى منها في هذا الصدد هو ما يتبقى من زوجة ثم أرملة وأم لأربعة أطفال، ولا أحسبه أنا سيكون كثيراً، ولا تنسي أن تذكر لها -أي لزوجتك- بهدوء و وضوح أنها (أي زوجتك) أجمل وأكثر أناقة وأنوثة...إلخ.
ثانيا: إنك لن تتزوج جارتك إلا إذا وافقت زوجتك، أو على الأقل أعطت لك الضوء الأخضر؛ بمعنى أنها لن تزغرد وتوزع المرطبات يوم دخولك بجارتك، ولكنها أيضا لن تهدم بيتكما، ولكن ستعطي السماح من جانبها ليس إلا، وقل لها: إن حدود علاقتك بجارتك -إذا تزوجتما- ستكون بموجب ما تتفقان عليه أنت وزوجتك، قبل الزواج من جارتك.
ثالثا: قل لها إنه مراعاة للمناخ الاجتماعي فإنك ستتحمل الأمر على عاتقك إذا وصل الخبر لمصر؛ بمعنى أنك ستقول إنك تزوجت لأهداف معينة، "رغم" أن زوجتك لم تكن مرحبة.. والمقصود من هذا أن تعفي زوجتك من اللوم والتقريع العائلي والاجتماعي الذي ستتلقاه هي بالتأكيد إذا علم الناس أنها موافقة على زواجك الثاني!!
هل تعرف يا سيدي أين تكمن المعضلة الرئيسية؟!!!
أعتقد أن زوجتك مع بعض صبرك وحسن تدبيرك وإدارتك للأمور، ومن ثنايا سطورك أعتقد أن هذا "التخطيط" سيفلح في جعلها توافق، وقد تجد أنت بعد حين أنك ستكتفي بزوجتك، وتستطيع تحديد علاقتك بجارتك في حدود معينة، ودون تجاوزات، ولا أحسب أنك أعطيت التفكير في كل الجوانب حقه المطلوب، وهنا تكمن مشكلتك الحقيقية.
المعضلة يا سيدي أن زوجتك حين توافق سيكون عليك أنت عبء المسئولية الكاملة عن رعاية أسرتين وزوجتين، لكل منهما طبيعتها وشخصيتها واحتياجاتها المادية والمعنوية، وستجد جارتك اللطيفة الراغبة المجاملة الرقيقة الشاكرة وقد أصبحت زوجتك، ووضعك ومكانك اليوم بالنسبة لها هو موقع صاحب الفضل، وغدا بالزواج ستصبح مجرد رجل يقوم بواجبه تجاه أسرته فيصيب ويخطئ، ويستطيع أو يعجز أحيانا مثل كل البشر!!
ستنزل أنت من مقعدك الملائكي، وعرشك الأميري حاليا لتأكل الطعام، وتمشي في الأسواق، راعيا لقبيلة من زوجتين وحفنة أطفال، ولا تتوقع أن تتعاون معك إحداهما في تحمل أعباء الأخرى، بل قد تتفقان عليك أحيانا حتى لا تتزوج "ثالثة"، وقد... وقد...
أرجو أن تعطي وقتاً كافيا للتفكير، وتابعنا بأخبارك.