السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، إني مسلم من أتباع أهل البيت ملتزم بالدين الإسلامي ولله الحمد، وممن يؤمنون بالوحدة الإسلامية ومن الساعين للتقريب بين المذاهب، وأعمل في مؤسسة إسلامية لها باع في السعي للتقريب بين المذاهب، تعرفت على فتاة من أتباع أبي حنيفة مؤدبة ومتدينة، ولها نفس التوجه، ولها من الصفات الحميدة ما لم أجده في غيرها، ومن نفس البلد الذي جئت منه، وبمرور الزمن تعلقت بها وأحببتها وشعرت منها بنفس الشعور وتصارحنا واتفقنا على الزواج، وبعد فترة كلفت إحدى الأخوات عن طريق زوجها أن تكلمها بصورة رسمية حتى تتمكن من أن تكلم والدها، وبعد أن كلمت أباها ثار أبوها ثورة عارمة، واتصل بالرجل الذي كلف زوجته لتحدث الفتاة فحدثه بعصبية وصراخ وإساءة أدب للرجل ولي، ثم اتصل باثنين من المشايخ الذين يعرفونني جيدا وحدثهم عما جرى متهجما علي وعلى ذلك الرجل بحجة كيف تتصل زوجته بالبنت وبأننا نريد أن نتجاهله ونتجاوز عليه، وأنه يرفض أن يزوجني لأعذار واهية.
وبعد مدة أربعة أشهر قررت أن أتوجه إليه، حيث يعمل في دولة الإمارات، وأتحدث إليه وجها لوجه، وبالفعل التقيت به وكلمته، وإذا به يرحب بي بحرارة وفاتحته في الموضوع وإذا به يبرئني تماما من أي سوء تصرف، ويتهجم بقسوة على ذلك الرجل (الذي وسَّط زوجته)، وحاولت أن أهدئ من ثورته وقلت له: إن هذه هي الطريقة المتعارف عليها في عرفنا بلا جدوى، وبعد اللقيا تقدم إلي بأعذار واهية، وبعد أن فندتها جميعا اعتذر بقوله: إنني أريد أن تكمل دراستها لأضمن مستقبلها، فقلت له: وأنا كذلك، وأتعهد لك بذلك فأصر، فقلت له: لا يجوز لك شرعا أن تمنع الزواج لهذا العذر، ولا أتصوره عذرا شرعيا ولا عقليا، لعل عندك عذر آخر ولا تريد أن تقوله، فقل لي ما هو السبب الحقيقي لعلي أتمكن من إقناعك؟ فأقسم أيمانا، وحلف بالله العظيم أن هذا هو كل ما عنده، وأن ليس عنده أي عذر آخر، مع العلم أن ابنته قالت لي:إن أباها قال لها: إني شيعي وكافر وحرام أن تتزوجيه فبقيت مصرة علي، وقالت لها أمها: لو أنك تتزوجين مسيحيا لكان أفضل من الشيعي!
وأخبرتها أنني خطبت بنتا ثانية ولا أريدها، وأني أضحك بدون سبب وأعبس بدون سبب وأشياء كثيرة أهمها أن لي علاقة غير شرعية مع عدة نساء، مع العلم أن البنت تعرفني جيدا، وكل الناس يعرفونني بأنني لم ألمس أي إنسانة لا بالحرام ولا بالحلال سوى زوجتي التي طلقتها، ولكن أباها طيلة هذه المدة يحاول إقناعها بأن الشيعة كفرة، وبأن الشيعة يحللون الزنا! فهل ترضين بزوج يزني مع غيرك، ثم حاولوا أن يوحوا لها بأنها مجنونة، وأن الشيطان قد دخل بها وكان أبوها يأمر أمها أن تقرأ عليها القرآن حتى يخرج الشيطان منها، ثم ادعى أبوها أنه مريض ومشتاق لها وبحاجة إلى عناية وطلب مجيئها إلى الإمارات فرفضت فاستخدموا معها مختلف الأساليب، استعطافها على أبيها، وأنه من الممكن أن يموت وهو يريد رؤيتك قبل موته وإن لم تذهبي سوف يموت وهو غير راضٍ عنك وسوف تكونين عاقة لوالدك وتدخلين النار وأهلك الذين ربوك وتعبوا عليك تغضبينهم لأجل رجل كافر، وقد قلت لها لا تذهبي؛ لأنه سوف يحاول غسل دماغك، ولكنها بعد أن ألحوا عليها ذهبت.
وبالفعل حاول أبوها بأقصى جهوده غسل دماغها وأعطاها كتبا تثبت كفر الشيعة، وكان يشغل البالتوك على غرفة السرداب ويتركها مفتوحة مدة طويلة، علما بأننا -أعني الفتاة وأنا- لم ندخل ولا مرة إلى هذا النوع من الغرف لا أدعياء التسنن ولا أدعياء التشيع التي أعتقد أنها لا تخدم إلا أعداء الإسلام، ولكنها رجعت ولم يؤثر عليها كل ذلك وبقينا على حبنا ووفائنا لبعضنا طيلة أربع سنوات، وإنني استفتيت شيخ الأزهر وموقعكم هذا حول زواج الشيعي من السنية فكان الجواب بأنه جائز، وعن زواج البنت الحنفية المذهب من غير إذن وليها فكان الجواب: يجوز إذا كان الرجل ينطبق عليه الحديث النبوي الشريف "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، وللأب أن يعترض عند الحاكم الشرعي فإذا قبل اعتراضه يطلقها الحاكم، وكذلك استفتيت هل إكمال الدراسة عذر شرعي؟
فكان الجواب: لا يعتبر عذرا شرعيا علما بأننا -الفتاة وأنا- لا نتمنى أن نتزوج بدون رضا أبيها إلا بعد استنفاد كل الوسائل ولا أتمنى ذلك. آسف على الإطالة، ولكن لا بد منها حتى تكون الصورة واضحة أمامكم، فأرجو أن أجد لديكم الحل السلمي والمناسب، وجزاكم الله خير الجزاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. المشكلة
12/8/2023
رد المستشار
الأخ الكريم: نسأل الله –سبحانه- أن يبارك في خطواتك، ويكلل جهودك التي تبذلها في مجال إزالة أسباب الفرقة بين المسلمين بطوائفهم المختلفة بالنجاح؛ لأننا الآن في أمس الحاجة لهذه الجهود، والمشكلة التي تعاني منها الآن هي نتاج قرون طويلة من تخلف فكري وعصبية جاهلية أدت بنا إلى شيوع مفاهيم مغلوطة مفادها: أن الشيعة طائفة واحدة، وأن لهم جميعًا أفكارًا ومعتقدات تخرجهم عن ملة الإسلام، رغم أنه كما أن لأهل السنة مذاهبهم المختلفة فإن للشيعة أيضًا طوائفهم المختلفة، ولكن المشكلة يا أخي أننا لا نقرأ، فضلاً عن أن نستوعب ما نقرؤه ونحلله، فإذا سمعنا قولاً منحرفًا تفرد به واحد أو قلة من الشيعة تصورنا أن هذا القول ينطبق عليهم جميعًا.
وهذه هي مشكلة التعميم المضل الذي ننتهجه سبيلا في حياتنا، حتى إن إحداهن قالت: إنها كادت تبكي لبكاء إحدى أخواتنا في العراق بعدما ابتليت بفقد عزيز، ولكنها تذكرت أنها من الشيعة ولا تستحق البكاء!! وأخرى -وهي بالمناسبة حاصلة على أعلى مؤهل علمي في بلدنا- تؤكد أن الشيعة كلهم كافرون، وعندما حاولت أن أناقشها وجدتها تردد مقولات شائعة، ولكنها تافهة، وأنها لا تستند في حكمها إلى أي حقيقة علمية، وأتساءل وكلي حسرة: لمصلحة من تظل هذه الفرقة وهذا التشرذم وهذا التناحر وهذه العصبية بيننا، هذا التفرق لا يصب إلا في مصلحة أعدائنا الذين اعتبروا أن نهجهم "فرق تسد"، فمتى نجد فينا عقولا تقبل أن تستمع إلى الرأي الآخر؟ ومتى ندرك أن الاختلاف يمكن أن يكون مقدمة للثراء الفكري؟ ومتى نجد من الطائفتين (السنة والشيعة) عقلاء وحكماء يمكنهم أن يؤسسوا حوارا داخليا مستمرا يسمح بتلافي أسباب الخلاف والتلاقي في نقاط التفرق؟
وهل يمكن أن تكون التجربة العراقية والتي يسود فيها الآن شعار رفض الفرقة بين طوائف الأمة مثالا يُحتذى ونبراسا نقتدي به جميعا؟ أتمنى ذلك، وأدعو الله أن يسدد ويبارك جهود كل من يسعى في هذا المجال.
وأستميحك عذرا؛ لأنني تطرقت إلى هذه الجزئية التي يعتقد أنها لا تنفصل بأي حال من الأحوال عما تعانيه أنت وهذه الفتاة، وقد يكون من المفيد بداية أن نحاول ترتيب أفكارنا عند تعاملنا مع هذه المشكلة، ولنحاول فكها إلى عناصرها الأولية وهي:
أولا: مشكلة فارق السن، فأنت لم تذكر سن الفتاة، ولكن من الواضح أنها ما زالت تدرس، وذكرت في خانة السن الخاصة بك أنك فوق الستين، فهل هذا خطأ من الكمبيوتر؟ أم أن هذا هو سنك الحقيقي؟ إذا كان هذا هو سنك الحقيقي فأرجو التأكد من أن سن الفتاة مناسب لك.
ثانيا: من المؤكد أن الفقهاء لا يعارضون الزواج بين السني والشيعي، ولكن من المؤكد أيضا أن لكل منكم عاداته وتقاليده التي قد تؤدي بكم إلى الخلاف إذا لم تتحلوا بالحكمة وحسن إدارة الأمور، فهل تجد في نفسك وفي هذه الأخت هذه القدرة؟ فهل تتذكر أنت وهي أن العلاقة لن تكون بينكما فقط، وأنه سيكون بينكما أطفال، ولا بد أن تكون لهم علاقات بأهل كل منكما، فهل ستقبل مثلا أن يكون أولادك أو بعضا منهم من السنة؟ وهل سيرضى بذلك أهلك؟ كل هذه الأمور لا بد أن تضعها في اعتبارك وتناقشها معها، وتتفقا على إستراتيجية التعامل بينكما ومع الأبناء والأهل، وذلك قبل أن تقدما على خطوة الارتباط. ويمكنك الرجوع إلى قسم الفتوى في الفتاوى .
ثالثا: لا بد من أن تعي جيدا ضوابط اختيار شريك الحياة، ولا بد أن يتوازن جناحا العقل والعاطفة، لا بد أن تحدد بالضبط ما تريده في شريكة حياتك، وأن تجده في هذه الفتاة، وقراءتك لمقال اختيار "شريك الحياة.. السهل الممتنع" تعينك كثيراً.
رابعا: مسألة رفض أهلها لزواجكما، ولقد جعلتها آخر نقطة لأنكما لا بد أن تحسما الأمور الأخرى قبل أن تركزا على التعامل مع هذه المشكلة. وفي البداية أعتقد أنني لا أرتاح لأمر إتمام الزواج دون موافقتهم، وأعتقد أن عليكما أن تبذلا جهدا مضاعفا للحصول على تأييدهما أو على الأقل تحييد موقفهما، وقد تكون البداية في مناقشة معتقداتهم الراسخة عن الشيعة، فهل هناك شيخ عاقل يثق به الوالد ويمكنه أن يناقشه في الأمر، ويمكنه أن يوضح له أن الشيعة مسلمون مثل أهل السنة، وإذا لم يتيسر هذا الشيخ فهل يمكن للفتاة أن تحضر لوالدها من الكتب والفتاوى ما يؤكد رأيها، ثم ألا يمكن أن تبحث الفتاة فيمن حولها من الأهل أو الأصدقاء عن شخص عاقل وحكيم يمكنه أن يناقش الوالد، ويقنعه بأهمية أن يترك للفتاة حرية الاختيار، ويقيني أن الاستعانة بالله والتضرع إليه مع الضغط المستمر وعدم الاستسلام لليأس ومحاولة اكتساب مؤيدين من الأهل سيثمر تغيرا في موقفهم. وللمزيد حول هذه المشكلة يمكنك الاطلاع على:
زواج المختلفين مذهبيا.. اختبار قبولنا للآخر
لا نمص ولا بدع ولا لإإكراه في المذهب!
سنة أم شيعة؟ هناك أسئلة أهم!
ويضيف د. أحمد عبد الله: مشكلة العلاقات بين الشيعة والسنة هي وجع مزمن، وجرح مسموم، وإمكانية مفتوحة للتفجير من آن لآخر، وما يحدث في العراق قبل وبعد نظام البعث دليل على هذا، وفي غير العراق فإن الأمر يدعو للدهشة، ويصيب بالغثيان.
ففي الوقت الذي أصبح فيه محضن الإسلام مهددًا داخل دياره وخارجها ما زلنا مشدودين لتاريخ بغيض من العداوات التي وقع فيها غيرنا أحيانًا عن حق وغالبًا عن جهل وسوء تقدير، وهي في الحالتين ينبغي أن تصبح مجرد ماضٍ.
عندما كان سلطان الإسلام مسيطرًا كان يسع المسلمين أن يدخلوا في صراعات داخلية حول قضايا من قبيل شيعة أم سنة؟ وكان مفهومًا لحضارة منتصرة أن تميز بداخلها بين أقسام وأصناف كما نرى اليوم فروقًا بين أوربا وأمريكا على سبيل المثال، أما أن يظل الخلاف في زمن الهزيمة والانحطاط والاحتلال فإن ذلك لعمري هو من معالم السفه والتخلف، وضعف العقل والدين!!
هذا كله طيب ومبارك نشجعه ونطمح إلى المزيد، ولكن التطورات الملاحقة تجعل من الحركة بإيقاع السلحفاة موتًا بطيئًا لأمة متصدعة متناحرة حول قضايا الخوض فيها الآن من التكلف والترف الذي نهانا عنه الشرع، وسيلعننا التاريخ إن ظلت تلك مسيرتنا: يتوغل العدو في أجسادنا، ويجتاح أرضنا، ونحن سعداء بأننا نتقدم على طريق "التقريب" كل عام خطوة!!
وأرى أن التفجير هو الحل الأصوب لكثير من قضايانا وأوجاعنا المزمنة، ولا أعني هنا التفجيرات العشوائية البائسة مثل التي تكررت مؤخرًا، فهذه تضر، ولا تنفع إلا الأعداء والمتسلطين، ولكنني أتحدث عن تفجيرات اجتماعية سليمة، وأنت تطلب حلاً سلميًّا، وأنا أطرحه عليك عسى أن تمتلك الشجاعة للقيام به فتربح فتاتك في الدنيا، وأرجو أن يكتب الله لك أجرها في الآخرة.
أفهم أن المعتدلين من السنة ومن الشيعة يعتبرون أن الجعفرية والزيدية ولا أدري من أيهما أنت؟!! يعتبر المعتدلون -كما في فتوى الأزهر الشهيرة- هذين القسمين من مذاهب الفقه المعتبرة، ويجوز الأخذ الفقهي عنهما، ولا يعد الالتزام بأي من هذين المذهبين إلا مثل الالتزام بمذهب أبي حنيفة أو غيره، أي أنها مجرد مذاهب أخرى في الفقه.
فإذا كان هذا هو رأيك الذي تعتقده وتتبناه أنت وفتاتك فإنني أطرح عليك أن تعلن على الملأ هذا الرأي، وأنك ستخرج عن تقليد مذهب واحد إلى الأخذ عن كل المذاهب، وأن تعلن فتاتك الشيء نفسه، وأن تعلنا معا قائمة من القناعات المشتركة حول بعض القضايا الشائكة في الخلاف مثل الزواج بين أتباع المذهبين، ومثل ما يحدث من بعض الشيعة في عاشوارء، وأنت أدرى ببقية القائمة، ويفيدكما في إعلان هذه القناعات فتاوى ناصحة لعلمائنا الأفاضل من مراجع الشيعة، ومشايخنا الكرام من مجتهدي السنة.
هذا الموقف منكما سينسف رفض والد الفتاة نسفا، وسيضعه في مأزق لا يُحسد عليه، ويسقط كل حجته إلا أن يكون متعسفا يسيء إلى مقام الولي الشرعي، ويتسلط في استخدام صلاحياته وعندها فقط يمكنك أن تتزوج من فتاتك غير آسف على مخالفة أب هكذا، ولا أحسب أنه سيظل على رفضه.
وإذا أردت أن تكمل الشوط -وأنا أحرضك على هذا- أدعوك أن تبدأ أنت وزوجتك هذه -بإذن الله- مؤسسة في المهجر تنشئ لها فرعا في العراق -في أقرب فرصة-، ويكون هدف هذه المؤسسة مساعدة الفتيات والشباب المختلط بين الشيعة والسنة، وربما تستطيعان الحصول على دعم مالي من أنصار التقريب فتكون هناك مكافأة أو معونة مادية لتشجيع مثل هذه الزيجات التي أرى أنها من أهم أسلحة تفجير هذا الخلاف التاريخي، وذلك الميراث الذي ليس لنا بدونه مستقبل إلا أن نبقى نتلاعن في "غرفة السرداب"!! البغيض أنا أدعوك أن تكون استشهاديا بالمعنى الاجتماعي والثقافي الذي طالما أشرت أنا إليه، والذي نحن في أمس الحاجة إليه.
هل يمكن التفكير في مستقبل أفضل للعراق دون حل الملف الطائفي؟! هل يمكن حل الملف الطائفي سياسيًّا فقط؟! أعرف أنه ستواجهك عقبات أولها نفسك وخشيتك على سمعتك، وخوفك من لوم عشيرتك، وقد تخاف الفتاة من أبيها وعشيرتها إذا هي فعلت ذلك أيضًا. وأعرف أن الخوف هنا شعور إنساني مفهوم، ولكن تعديل مسارات التاريخ يحتاج إلى جسارة أرجو أن تمتلكها، فإن شق عليك ذلك أو عليها، أو عليكما معًا، فعد إلى ما قالته لك د. سحر.. جزاها الله خيرًا، وقد تصل إلى مرادك يومًا، ولكن إذا تم هذا فسيكون بسرعة السلحفاة!! تمنياتي لك ولفتاتك بالتوفيق والسعادة.. وتابعونا بأخباركم