سريع الغضب والسبب.. فرنسا!
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين.
آبائي الأفاضل في موقع مجانين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أردت أن أنقل إليكم مشكلتي بعد أن علمت أن صدركم يتسع لكل شاب وفتاة في الوطن العربي والإسلامي، فأنتم الأمل الأخير لكل من يبحث عن حل لمشكلته.
أنا متفوق في دراستي والحمد لله، وقد تربيت منذ صغري في عائلة متدينة، ولم أختلط من خلال عائلتي إلا بالناس المتدينين، عمري 17 سنة. تتمثل مشكلتي في أنني سريع الغضب، وقد لاحظت هذا مؤخرا، فقد كنت دائما بشوش الوجه مبتسما، حتى إن زملائي في المدرسة كانوا يقولون لي: "إننا نحسدك على هذه الابتسامة على وجهك التي تظل طوال اليوم..."، ولكن بعد سفري إلى فرنسا وحيدا، وبعد مواجهتي فيها الكثير من الضغوطات والمصاعب النفسية حيث كنت أتمنى الانتحار هناك كل يوم، وكنت أعد الأيام في انتظار اليوم الذي سأرجع فيه إلى أهلي.
خرجت من بلادي وعمري 5 سنوات، ولم أختلط بأناس من جنسيتي طوال فترة 11 سنة، لذلك عندما ذهبت إلى فرنسا وجدت أناسا من جنسيتي، ويتكلمون لهجتي، ولكني لا أفهم كلامهم، وجدت ناسا كثيرين لا يتكلمون العربية وهم عرب، رغم أنهم يعرفون كيفية التكلم بها، كما أنني لم أكن أعرف الفرنسية، لذلك فعندما كانوا يلقون النكات والنصائح لم أكن أفهم أي كلمة مما يقولون.
وجدت أن الناس هناك من الغربيين لا يعرفون ما هو الإسلام، واكتشفت أن كل ما كان يقال عن العداء للمسلمين والعنصرية ضدهم في الغرب صحيح، وهذا ما جعلني بائسا ومنطويا على نفسي. عندما رجعت تغيرت كثيرا، حتى إن أبي لاحظ ذلك، والناس كذلك، لم أعد أصلي في المسجد لاعتقادي أن جميع الناس هناك منافقون، صرت عدائيا مع أي أحد ألتقيه لأول مرة، لم أعد أسلم على كل من أراه، صرت أغضب لأتفه الأسباب، اختفت الابتسامة من وجهي، وأصبحت أبرد من الثلج، أنام كثيرا وأردد في نفسي "أنا أكره نفسي، أنا أكره نفسي، أنا لا شيء".
وأعتقد أن هذا أحد ضغوط هذه المرحلة، فأنا في الثانوية العامة. كل هذا شيء، ولكن عندما أغضب أصير شيئا آخر، حيث إنني لا أستطيع السيطرة على نفسي، ووصل الأمر بي إلى أنني ضربت أحد زملائي ضربا مبرحا بسبب سوء تفاهم بسيط، لأنه أخذ مكاني في الصف بدون أن يعرف أنه لي، وقد يصل بي الأمر إلى ارتكاب جريمة من جراء هذا الغضب.
أرجوكم ساعدوني على التخلص من هذا الغضب، أنا أعرف أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- قد نهى عن الغضب، وأعطانا مجموعة من التوجيهات لتجنبه، ولكني لا أستطيع فعل ذلك، لأنني في لحظة الغضب لا يشغل فكري سوى شيء واحد، وهو القضاء على عدوي.
آسف على الإطالة، وشكرا لإنصاتكم.
دمتم في حفظ الله، والسلام عليكم.
13/5/2023
رد المستشار
أهلا وسهلا على صفحة استشارات مجانين، وأشكرك على ثقتك في صفحتنا.
أقدر تماما ما تمر به من مشاعر، وأعتقد أنك تربيت في بيت صوّر لك الحياة بها قدر من المثالية فلم تَرَ سوى نمط واحد من أنماط حياة البشر وهو نمط أو أسلوب حياة المسلمين الملتزمين دينيًّا، ومن ثم حينما واجهت الحياة الواقعية فوجئت بما يحدث فيها؛ لأنك تراه لأول مرة. وكانت المفاجأة أكبر؛ لأن النقلة كبيرة بين ما عشت فيه وما انتقلت إليه، وكانت النقلة صعبة لعدة أسباب منها: أنك لم تكن مؤهلاً بالقدر الكافي للسفر، وأنك سافرت وحدك، وكذلك انتقلت إلى بلد أوربي له ثقافة مختلفة وخاصة به، فالفرنسيون يعتزون بلغتهم بشدة وحتى إذا كانوا يفهمون لغتك فإنهم لا يردون عليك حتى تضطر إلى تعلم لغتهم.
والمشكلة أن من يعيش في بلادهم يكتسب هذه الصفة منهم، ويتصرف مثلهم وكأنه فرنسي أباً عن جد وإن تحدث العربية أو حتى الإنجليزية ينطقها بلكنة مشابة للفرنسية!! وهذا لا تجده في فرنسا فقط بل قد تجده في المغرب أيضاً!! .. أتصور أنك عشت قبل تلك الفترة في بلد عربي؛ مما جعل إحساسك بالفرق بين الثقافتين كبيراً، فكأنك كنت تتخيل أو تتوقع أن أفراد جنسيتك مشابهين جميعاً لأفراد أسرتك فأنت لم تَرَ من وطنك سوى أسرتك، وحينما اصطدم خيالك بالواقع الفعلي بدأت تعيد حساباتك ورؤيتك للحياة ككل.
تلك الأحداث موجودة من قبل أن تراها وتدرك وجودها!! الحياة يا سيدي فيها الخير الشر وفيها الشكور والكفور، وفيها الأبيض والأسود، وفيها القوة والضعف، الحياة تجمع بين المتناقضات والأضداد!! منذ بدء والأخ يقتل أخاه!! إذا معنى ذلك أنه عليك أن تعيد رؤيتك للعالم من جديد، لقد دخلت الآن في مجتمع الكبار، ويمكنك أن تفتح الموضوع مع والدك أو مع شخص كبير وعاقل ليساعدك على أن تصبح أكثر تفهماً لما يحدث في العالم... وأعتقد أنك أصبحت بالفعل أكثر نضجاً، واكتسبت قدر كبير من الخبرات والمهارات يفوق التي لدى الشباب ممن هم في مثل سنك.
بالنسبة لمشكلة سرعة الغضب فترجع جزئيًّا إلى ما عشته من خبرت، كما أنها أمر طبيعي بالسبة للمرحلة التي تمر بها "مرحلة المراهقة"، فهذه المرحلة تتميز بالعناد ورفض القديم المرتبط بالطفولة في محاولة ليثبت المراهق لنفسه أنه أصبح رجلاً، ولكني أشعر من رسالتك أنك شخص ناضج بالفعل؛ ومن ثم لا تحتاج إلى التوقف عن التصرفات القديمة –كالصلاة في المسجد- لتثبت للآخرين أو لنفسك أنك رجل!! بل قد تحتاج فقط إلى تغيير طريقة تفكيرك في الأمور فمن يختلف عنك ليس "عدوك"، ومن لا تحبه ليس بالضرورة أن "تكرهه"
على أي حال لا تقلق، فهي مرحلة وستمر بإذن الله. ويمكنك العمل على التخلص من مشكلة الغضب بما يلي:
• حدد الأشياء التي تغضبك واكتبها، وإن لم تستطع تحديدها اكتب في نهاية اليوم المواقف التي أغضبتك بالفعل.
• ابتعد عن الأشياء التي تغضبك بقدر الإمكان فمثلا:
يغضبني أن أتحدث مع شخص له رأي مختلف، فهنا يمكنك الابتعاد عن التحدث في مواضيع يمكن أن تكون موضع خلاف حتى لا تصل إلى الغضب وتتصرف بما تندم عليه! وهناك حل آخر وهو أنه بمجرد أن تشعر أنك يمكن أن تتعصب قليلاً اترك المكان، واذهب إلى مكان آخر.
• اكتب أهدافك من الغضب، فمثلا غضبت من صديقك، وهدف هذا الغضب أن تفهمه أنه أخذ مكانك.
• حاول أن تستعرض بالورقة والقلم التصرفات البديلة التي يمكن أن تقوم بها بدلاً من الغضب. مثلا: أخبره أن هذا مكاني أنا.
• اكتب نتائج تصرفاتك الغاضبة وحين تغضب تخيل هذه النتائج.
• قلل عدد نوبات الغضب ومدتها مثلا اتفق بينك وبين نفسك أن تمتنع عن أحد نوبات الغضب مرة يوميًّا، وكافئ نفسك على ذلك.
ويمكنك الاطلاع على الروابط التالية على موقع مجانين:
كيف أتعامل مع مراهقتي؟
كيف أكسب الأصدقاء؟
وتابعنا بأخبارك.