أنا فتاة في الـ 24 من عمري، مشكلتي التي أعرضها اليوم في أختي، فأنا تعبت من نصحها دون جدوى، أختي هي الكبيرة؛ لذا كان من الطبيعي أن تكون ذات شخصية قوية، ولا تقتنع إلا بما تظنه صحيحًا دون أن تعبأ بآراء من حولها.
تزوجت أختي منذ عامين وعمرها الآن 30 عامًا، ومشكلتها هي العجلة في كل الأمور؛ تتكلم سريعا وتتصرف سريعا قبل كل الناس؛ وهو ما يجعلها في نظر الناس وفي نظر زوجها هوجاء ذات تصرفات غريبة، كما أنها تصلي سريعا جدا كنقر الديك. وإذا كرهت شخصًا فإنها تقص لزوجها القصة وتكيل له الشتائم والألفاظ النابية التي يكرهها زوجها وبسرعة شديدة، حتى يصبح شكلها أمامه كأنها مجنونة؛ فبدأ زوجها يسبها ويصرخ عليها كثيرًا إلى أن وصل الأمر إلى الضرب في بعض الأحيان، وأصبح يبحث لها على الغلط، فحتى لو قالت كلمة عادية يبدأ بتفسيرها إلى معان أخرى حتى يسبها ويعنفها، وكلما قالت شيئا سخر منها وصرخ على أتفه الأشياء.
أختي مسرفة من الدرجة الأولى، دائما تشتري أشياء كثيرة، ويحدث كثيرًا أن تكتشف عدم حاجتها إلى ما اشترت، ولكنها لا تتوب عن الشراء الكثير، عندما أنصحها تبرر لي أسباب شراء الأشياء وترفض بتاتًا الاعتراف بخطئها؛ حتى إنها تشتري ولا تخبرنا حتى لا نلومها، وكونها متزوجة وتسكن بعيدا ساعدها ذلك على أن تشتري دون أن تخشى العتاب، وراتبها ينتهي في بداية الشهر فتبدأ بالسلف مني أو من زوجها، أصبحت أعاقبها ولا أعطيها شيئًا.
كما أن زوجها يشتكي كثيرا منها دون جدوى، نصحتها كثيرا وأعطيتها محاضرات كثيرة، أحيانا تقول لي بأنها تحاول التغيير، ولكنني لا أرى أي تغيير، أصبحت أشعر أن زوجها يكرهها وأنا حزينة جدا على العلاقة بينها وبين زوجها، وأشعر أنهما يعيشان معا على كف عفريت كما يقال، لا أدري ماذا أفعل، خاصة أن بينهما طفلا.
11/5/2023
رد المستشار
الأخت الكريمة:
نشكرك على ثقتك بنا كما نشكرك ونقدر لك موقفك من أختك وحرصك عليها وعلى أسرتها، وندعو الله أن يجعل عملك هذا متقبلا ومأجورًا، وأن يبارك في خطواتك ويعينك على إصلاحها.
والحقيقة أن الناظر فيما تقصينه عن أختك يلحظ أنها ذات شخصية قوية، وأن مشكلتها الأساسية هي في العجلة والتسرع والارتجالية وعدم التأني في كل شئونها، ويظهر هذا في حديثها وفي تسرعها وفي إسرافها وشرائها لأشياء قد لا تحتاجها.
والمشكلة أن أختك وكأنها وقعت بين فكي الرحى: نفسها بما فيها من عيوب، وزوجها الذي أصبح لا يتحملها وينظر لها على أنها مجنونة أو "شعنونة" كما يقول المصريون ويبحث لها عن الخطأ حتى يحاسبها عليه، وأنت تنظرين إليها وتتألمين لحالها، ورغم ذلك فأنت أيضا تسلكين النهج الخاطئ: نهج المواعظ والمحاضرات، وهذه لا تصلح أداة لتقويم اعوجاج، ولا وسيلة لإصلاح خلل في الشخصية، فأختك تحتاج منك ومن زوجها إلى ما يلي:
* الحب والتفهم والتقدير بدلا من تصيد الأخطاء ومعاملتها كالمجنونة والعقاب المستمر.
* التشجيع المستمر بدلا عن اللوم والتقريع، والتأكيد على كونها شخصية ناضجة ومسؤولة.
* مساعدتها لإعداد برنامج تقويمي بدلا من اعتماد أسلوب الوعظ والمحاضرات.
* لا بد أن تشعر أختك بصدق حبكم لها وحرصكم عليها وأن ما تفعلونه إنما تفعلونه من أجلها.
وأقترح عليك أن تجلسي مع زوجها بحضور أحد والديك أو إخوتك أو من ترينه مناسبا من الأقارب العقلاء، ووضحوا له أننا جميعا لا نخلو من عيوب، وأنه لو كان حريصًا على بيته وعلى أطفاله فإن عليه أن يغير من أسلوب معاملته لها، وأن يعمل على استيعابها بالحب والتفهم والصبر عليها كلما أخطأت، وكذلك بالتشجيع المستمر كلما أحرزت تقدمًا.
وبعد ذلك يأتي دورك مع أختك، حاولي في البداية أن تتقربي منها وأن تشعريها بحبك لها وخوفك عليها، ويفضل أن يكون التعبير بالأفعال لا بالأقوال، وعندما تشعرين بقربها منك انتهزي أي فرصة لتفتحي معها الموضوع، ولا تقفي أبدا في موقف اللائمة أو المعاتبة، ولكن شجعيها على أن تبوح لك بمكنون صدرها وبمقدار ما تعانيه من هذه الصفات والتصرفات، واجعليها تدرك أن ما تعانيه من مشاكل كله نابع من فعلها ومن تسرعها؛ لأن بداية العلاج تكمن في أن يدرك المريض أنه مريض وأنه يحتاج لعلاج.
فإذا أدركت وجود هذا الخلل، فعليك التأكيد أن العلاج أمر ممكن وغير مستحيل، وأنه يستلزم وعيا وفهمًا إلى جانب رغبة صادقة في التغيير وبعض من التدريبات، ولقد تعلمنا من الرسول الكريم أن "الحلم بالتحلم". فإذا أدركت أن هناك خللا ما وأن العلاج ممكن، فإن عليها أيضًا أن تتفهم لماذا تصبر على العلاج؟ أول الأمور طاعة وامتثال لأمر الحبيب المصطفى الذي علمنا أن "الأناة من الله، والعجلة من الشيطان"، والذي قال أيضا لأشج عبد القيس: "إن فيك خصلتين يحبهما الله تعالى: الحلم والأناة".
والأمر الثاني لتجنب الآثار السلبية التي تعود عليها هي شخصيا من جراء تسرعها وارتجاليتها، ويفيدها كثيرًا أن تقرأ كتابات عن الآثار المترتبة على التسرع والارتجالية. وبعد أن أدركت أهمية أن تتغير، فعليها أن تضع خطة للتغيير، ولتحمل معها جدولاً لكل يوم به خانتان: خانة للأخطاء، وخانة للأفعال الصائبة التي تميزت بالأناة، وفي نهاية كل يوم عليها أن تحسب علاماتها على الجانبين، فإن وجدت أن كفة الإيجابيات ترجح كفة السلبيات وجب على من حولها أن يقدموا لها التشجيع اللازم حتى لو كان التقدم طفيفا وغير ملحوظ. وبمرور الوقت ستجد أختك أنها تتغير وأن من حولها يعاملونها بطريقة مختلفة، وهذا سيشجعها على المزيد من التطور والتقدم. وأدعو الله سبحانه أن يوفقك ويوفقها، وتابعينا بالتطورات.
وتضيف د. فيروز عمر :
استطاعت أختي الفاضلة د. سحر طلعت أن تقدم لك حلاً ذا عناصر محددة تبدأ من إشعارك لأختك بالحب ثم محاولتك للتفاهم مع زوجها ثم إقناعك لها بوجود مشكلة، وأن حل هذه المشكلة ممكن، ولكن يحتاج إلى خطة دقيقة ربما نستخدم فيها جدولاً بسيطًا مع نظام للثواب والتشجيع.
أنا فقط أريد أن أذكرك بأمرين أحب أن أشير إليهما دائما عندما أتحدث عن التغيير أيا كان نوع هذا التغير.. تغيير خلق، رأي، فكرة، سلوك، تغيير فرد، أو أمة أو مجتمع:
1- التغيير ممكن فعلا يا سيدتي، صدقي هذا من أعماقك، آمني به أنت حتى ينتقل هذا الإيمان لأختك المحبطة وزوجها البائس، فلم يكن أحد يتخيل أن يُسلم "عمر بن الخطاب" حتى إن أحد الصحابة قال: لو أسلم حمار الخطاب ما أسلم عمر!! ولم يكن أحد يتخيل حجاب أكثر الفنانات انحلالا، ولكن هذا كله حدث.أنا أذكر هذين المثالين يا أختي لأوكد على إمكانية التغيير، وأن يكون لدينا أمل وتفاؤل دائما.
2- أرجو ألا تفهمي من المثالين السابقين أن التغيير يحدث فجأة أو بين يوم وليلة، فهذا يحدث أحيانا وليس دائمًا، فالأغلب هو أنه لا مفر من الصبر والدأب والنفس الطويل. إمكانية التغيير إذن تتوقف على طول نفس من يحاول الوصول إليه وأعتقد أن هذه هي أزمتنا الحقيقية مع هذا المفهوم، نحن نريد دائما نتيجة عملاقة وسريعة، وهذا مستحيل إلا في بعض الحالات الاستثنائية.
لا تنتظري من أختك تغيرا انقلابيا في أسبوع أو شهر أو سنة، ولا تتوقعي أن تتحول بين عشية وضحاها من "شعنونة" إلى حكيمة. واعلمي أيضا أن التغيير ربما لن يكون كاملا، ولكن ربما يصل للحد الكافي للستر وعدم التورط في مشكلات تهديد البيت. وأكرر أخيرًا: التغيير ممكن للفرد وللأمة، ولكن يحتاج لصبر ودأب.