أولا أرجو من الله أن يجازيكم بأضعاف مجهوداتكم خيرا، وصراحة قد دهشت بقراءتي لبعض المشكلات التي تطرح عليكم؛ لذا فكرت في الكتابة إليكم علني أجد عندكم تفسيرا لما يحدث لي.
مشكلتي أعتقد أنها مع نفسي، لا أدري إن كنت أعيش زمن الفضيلة أم أن هناك ما يشدني إليها، غريبة أفكاري أو هكذا يقول عني الناس الذين احتكوا بي، يقولون إنه علي أن أعيش حياتهم، أو أعيش وحيدة مع تخيلاتي الخاطئة عن الحياة، ربما مشكلتي تبدأ من طفولتي؛ فلم أكن بالفتاة الاجتماعية التي تتأقلم مع أي كان، كنت أتوجس كثيرا من الغرباء، وقد يكون هذا أثر الخوف الذي عاش بين جنباتي من تهديدات أبي، فلم يكن أبا عطوفا متفهما لاحتياجات أبنائه الصغار، حتى أنني لا أذكر آخر مرة قبلني فيها.
كذلك حال أمي فكل همها الاعتناء بشئون البيت، فلم تكن ترعانا وحدنا بل كان عليها الاهتمام بأعمامي الصغار، المهم أنني لم أجد حاجتي من الحنان في والدي مما جعلني أعيش الخيال كثيرا، أحلم بكل ما لا أجده في الحقيقة.
كان هناك أمر آخر يضعف ثقتي بنفسي وهو مرضي بـ "داء جلدي" كتب علي القدر أن يصاحبني، ويجعلني أقل احتكاكا بالناس، ومع بلوغي زادت حدته فأصبحت أفضل المكوث في البيت بدلا من حضور الحفلات والأعراس ولقاء بنات سني، حتى نسي شكلي أغلب أقربائي. لكن الله رحيم بعباده فقد تميزت عن أخواتي بذكائي وحبي الكبير لدراستي فقد كنت متفوقة جدا في دراستي ومتميزة جدا في المرحلة الثانوية، حتى أحبني كثير من زملائي، لم أولي اهتماما للحب في ذلك الحين؛ فكل ما كان يشغلني تحصلي على شهادة "البكالوريا" حينها.
تحصلت عليها، وانتقلت للجامعة ودخلت قسم لغات، واخترت اللغة الإنجليزية وفي تلك الفترة فاتحني زميل لي من أيام الثانوية بحبه لي، حيث كان من أقرب المقربين لدي، فقد كنت أجلس معه نتحدث عن أمور شتى، وكثيرا ما أفتح معه افتقادي للإحساس الأسري، حتى أنني أخبرته عن مرضي، وما يسببه لي من إحراج. أقول فاتحني بحبه لي وعرض علي أن أعطيه وعدا بألا أفكر في غيره حتى أكمل مرحلة الجامعة، ومن ثم يتقدم لخطبتي.
في البداية صعقت لأنني اعتبرته أخا مثاليا حقا، أو ربما أحببته أكثر من إخوتي؛ فلم أجد في إخوتي من يوليني اهتماما مثله، أو يسمع مني كما كان يفعل. وبتردده الكثير علي وإلحاحه على الموافقة وافقت بشرط ألا يفاتحني في أمور سابقة عن أوانها حتى أنني اشترطت عليه عدم لمس يدي قبل أن أكون له زوجة، وافق دون تردد والحقيقة أقول قد كان نعم الصديق.. دامت صداقتي معه خمس سنين، كنت قد أنهيت دراستي، وحان وقت تقدمه لي بدأت أحس تغيره من ناحيتي وتثاقله عن السؤال علي، وغابت تلك اللهفة في لقائي، كنت أحس ذلك وأكره أن أفكر في تصديق حدسي، لكن حدسي صدق فقد انسحب بكل بساطة تاركا وراءه فراغا رهيبا وجرحا أعمق من أن تداويه الأيام.
اعتقدت أنه يحبني لشخصي، وليس له أن يخون، وهذه أول مفارقة تحدث معي؛ فلم أفكر في الخيانة أبدا، رغم أنه تقدم لخطبتي في أيام دراستي من هو أفضل منه بكثير، ولكنني اعتقدت أن ذلك فعل شائن، كنت ساذجة لدرجة أنني أخبره بكل شيء عني حتى أنني أستأذنه في كل أموري.. المهم في هذه الفترة بالذات تقدم لخطبتي شخص آخر لم يكن يمت بصلة مع مواصفات فارس أحلامي – وفي الحقيقة لم تكن لدي معايير مسبقة رغم رحابة خيالي فقد أسقطت كل مواصفات الصديق الأول على زوج المستقبل- وافقت على هذا الشخص دون تردد حتى أنسى بسرعة، كنت أتهرب من مواجهة المشكلة بنفسي وصعقت بهذا الخطيب يطالبني بأشياء تحق لمن دخل بي.
رفضت طبعا فقال: "إنك تمزحين أو تريدين إقناعي بأنه لم يلمسك شخص طوال سنين الجامعة"، صعقت حقا فما كنت أعتقد بحدوث هذه الأمور قبل الزواج فرفضته لهذا السبب وبقيت أبكي حبي الضائع الذي لم يسلني يوما شيئا من هذا القبيل.. ومرت الأيام، وحصلت على عمل مترجمة، وتعرفت على شخص آخر عرض علي اللقاء للحديث، وخرجت معه في مكان محترم تحدثنا، ورجعت للبيت على اقتناع به، ولم تدم الفرحة طويلا ففي المساء كلمني قائلا إنه بالكاد استطاع أن يتمالك نفسه، وإنه لا يضمن لي ذلك في اللقاء القادم، فقلت لن يكون هناك لقاء قادم.
فضلت العزلة الآن، واتخذت قرارًا في عدم التفكير في أي كان عدا من يتقدم لخطبتي من أبي. وبعد أيام وجدت في علبة بريدي رسالة من شخص يود التعرف علي عبر الإنترنت، رددت عليه وعرفت أنه شخص ملتزم ملتحي يود الزواج على سنة الله ورسوله، تحدثت معه مرارا حديثا عاديا، ولكنه بدأ يفاتحني في أمور لا أحبها، رفضت على أساس أنها أمور لا يجدر بنا الحديث عنها قبل الزواج؛ فقال إنه بعد الزواج لن يكون حديثا بل ستكون أفعالا.
أحسست أنني بدأت أكره الرجال، وكنت أداري إحساسي هذا، وبدأت الأسئلة تتضارب في رأسي.. ترى ألهذا السبب تركني الصديق الأول؟ أهذا كل ما يريده الرجل من أي فتاة يحبها؟. أنا لا أنكر هذا الحق بعد الزواج لكنني أستهجنه قبله، بل وأمقته، أحس أن هذا سيكون على حساب حق ربي؛ فقد كان معي في كل أموري.. أحس أن ما أحتاج إليه شيء آخر، أحتاج رجلا متفهما يعلم أن البلاء من الله، رجل إن أحب المرأة أكرمها، وإن كرهها أحسن إليها، رجل لا يستبق الأمور فيعبث بالحلال والحرام، أو رجلا يتحكم في نفسه، ولا يجري وراء شهوته.. أنا لا أنكر حقه بل أحب أن أعطيه إياه في حينه، ولا أقول إني أتحكم في شهوتي فكثيرا ما يدور بخاطري أمور أتمناها، ولكن ليس بما يغضب ربي.
آسفة على الإطالة.. ولكن أرجو أن تنيروني.. أهذا ما يحدث فعلا؟ هل علي أن أدفع له حقه قبل الدخول بي وإلا فأنا فتاة معقدة لا تتزامن مع العصر، وتضيق على نفسها أكثر مما تطيق؟ أم أنا فتاة تنشد العفة والفضيلة، وتحاول إقناع الناس بعفتها رغم دراستها بالجامعة، وهل أصبحت الجامعة وصمة عار على كل فتاة تدخلها؟ ولماذا يسخر مني كل من عرفتهم ورفضت الرضوخ لرغباتهم؟
وهل هناك من الرجال من يخشى الله حقا في نفسه فلا يجترئ على فعل ما حرم أو على الأقل لا يحمل في رأسه أفكارًا مسبقة على من يطلب يدها؟
آسفة مجددا وشكرا.
14/07/2023
رد المستشار
أسعدتني كلماتك وشخصيتك الصادقة القوية، بارك الله فيك ونفع بك. تعلمين أن الله جبل الناس على فطرة يميل فيها الرجال والنساء للعلاقات الحسية بالإضافة بالطبع للحاجة إلى الأنس والمودة والتقدير. يختلف الناس في اختيار الطريق التي توصلهم إلى مطالبهم ورغباتهم، رغم توضيح خالقهم الطريق القويم ولكن من رحمته لم يجعله إجبارا بل مكنهم من الاختيار كي يجزي الصابرون الملتزمون طريقه أجرا بغير حساب، وهذا الأجر قد يكون في الدنيا فقط للصابرين.
لست معقدة ولست منفصلة عن الواقع فقط أصبت الاختيار بالتزام حدود الله فما عليك من المجانبين الراكضين وراء شهواتهم، ولا يأتي بعد اتباع الشهوات إلا الضلال. كوني سعيدة بأن من الله عليك بالهدى والقدرة على ضبط حاجاتك في زمن يذم فيه الارتقاء عن الشهوات وتزعق كل الأبواق بالانحلال. مجاهدة النفس من أرقى الدرجات فاستمري فيها.
رزقك لن يمنعه التزامك بل سيبارك فيه حين يشاء الله، وفي الجانب الذي يشاؤه الله. لو كان طريق الحق سهلا لما كان أجره الجنة، وما عليك ممن ضلوا طالما هداك الله. رزقك الله وشباب المسلمين الهدى والتقى والعفاف والغنى.
واقرئي أيضًا:
هل أنا صح؟ هل أنا باردة؟!
هل أنا باردة؟
أنا معقدة؟ أم فاقدة للحب أنا؟