السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خيراً على ما تبذلونه من جهد.. وأود أن أطلب في بداية رسالتي عدم نشر مشكلتي هذه، أو التطرق لمثل هذه الموضوعات دون ذكر قصتي؛ فلقد أهملتم قضية منتشرة، لا أدري هل المجتمع يتجاهل وجودها أم أن القضية من القضايا المحظورة في الدول العربية!؟
أنا فتاة تجاوزت الـ 20 عاما، هذا كل ما أعرفه عن نفسي؛ فقد ولدت وتخلت عني والدتي ووالدي، في البداية كنت أضع لنفسي أوهامًا بأنهما ربما تُوفّيا، أو لا يستطيعان تربيتي؛ فقد يكونان فقيرين، ولكن للأسف هما ليسا كذلك، تمنيت لو أنني يتيمة أو فقيرة؛ فلربما تغيرت نظرة الناس إليّ، ولكن للأسف أنا لست كذلك؛ فأنا كما يقولون: "بنت حرام" أو "لقيطة".. هذا اللقب ونظرة الاحتقار هو ما يلاحقني بالرغم من أنني ضحية، لا أجد ما يمكنني أن أصفهما به؛ فلقد أخطآ في حق نفسيهما، وفي حقي، وقبل كل ذلك ارتكبا ما حرّم الله، وتفاديًا للعار رُميت في المستشفى بعد الولادة دون أن يمنحاني حقوقي: من اعتراف بالنسب وتربية.
والحمد لله أنا لا أعترض على قضاء الله وقدره، والخيرة فيما اختاره الله لي، ولكنني أعترض على الأعمال التي يقوم بها الآباء ويكون الأبناء ضحيتها، وليت الأمر ينتهي بعد فترة من الزمن فهو باقٍ، أردت أن أثبت للناس أنه بإمكاني أن أكون إنسانة صالحة وناجحة في حياتي، وكان هدفي أن أثبت لهم ذلك، ومع ما حققته من تفوق في حياتي العلمية مازلت أرى في أعينهم نظرة تقول: "مهما حققتِ ستظلين بنت حرام".. أعرف أن الإنسان بعمله لا بنسبه، لكننا أصبحنا في زمن يُقاس فيه الإنسان بماله ونسبه لا بعمله وإنجازاته، وحتى لا تظن أنني أبالغ، أذكر لك هذا الموقف الذي حدث لي قبل سنة؛ فقد جاءتني امرأة وقالت: هل ترضين بالزواج من فلان؛ لقد وكلتني عائلته بالبحث له عن زوجة، وأظن أنك الأنسب، قلت لها: أوافق على فكرة الزواج ولكن أعطيني مهلة لأصلي وأستخير ربي، وطلبت منها أن تتحدث مع المسؤولة عن شئوننا (أعني نحن اللقيطات)، بعد فترة سألت عن تلك المرأة؛ لأسألها إن كانت قد تحدثت مع تلك المسؤولة أم لا، فوجدت عينيها وقد اغرورقت بالدموع، سألتها ما بالك تبكين؟ فلم ترد عليّ، فقالت لي إحدى الفتيات- وهي الكبرى بيننا: أتدرين بماذا ردت عليها تلك المرأة المسؤولة؟ قلت: بماذا؟، وبكت –هي الأخرى- قالت: لقد قالت: إننا بنات حرام، من يرضى أن يتزوجنا، وهناك الكثيرات من بنات الحسب والنسب، وصدمني ما سمعت.
من قبل كانت النظرات تقتلني، واليوم كلمات أقوى بكثير.. وأيضًا علمت من حديثها أنها عندما رشحتني عند من طلبوا منها البحث عن فتاة هم أيضا عارضوا الفكرة، وأنا لا أطرح الموضوع بسبب قضية الزواج، بل لأسأل: لماذا كل هذا الاحتقار لنا، ألا يكفي أننا حُرمنا من العطف والحنان وحتى الاسم؛ فأنا لا أعرف حتى ما هو اسم والدي الذي لم يعترف بي!.. لقد تركونا للحياة بأمواجها وحيتانها. وأنا لا أتكلم عن نفسي، بل عن فئة تجاهلها الجميع، وحكموا عليها بالدونية، ونحن في مجتمع مسلم جعل أكرم الناس أتقاهم، ولكن للأسف هذا جانب من حياة فتاة عاشت، وذاقت الكثير وحرمت من الكثير، فهناك الكثير من الأشياء التي لم أذكرها، كما أن هناك الكثير ممن هم مثلي، وقد أنعم الله علي بنعمة التعلم، ولكن غيري لم تتح له هذه الفرصة لأسباب قانونية؛ منها عدم وجود أوراق تثبت النسب، كل هذا يحدث في أمة محمد.
هذه قصتي، وهي ليست مشكلتي أنا فحسب،
بل مشكلة كل من أُطلق عليهن لقب "بنات حرام" أو "اللقيطات".
8/6/2023
رد المستشار
ماذا تريدين أن أقول لك يا أختي الفاضلة؟!.
أنت ضحية لوضع اجتماعي مختل، وأب عابث وربما امرأة لاهية، أرادا اللذة ولم يتحملا التبعة، فكنت وأمثالك شهادة على عار ينبغي أن نخجل منه جميعاً؛ لأننا نساهم أحياناً في صناعته؛ ولأننا نلوم آخِرَ من ينبغي لومه، نلوم الضحية البريئة!!.
هل أقول لك: إن الغرب قد أسقط مسألة الأنساب هذه من حساباته ـ بعد أن اختلطت ـ وأصبح الإنسان بفعله وخلقه!!.
إننا لا نطمح إلى إسقاط الأنساب من الحساب، أو إغفال الشرف واعتباراته، لكننا ينبغي أن نلتفت إلى جذور الخطأ فنعالجها، لا أن نسعى إلى دفن الثمار التي كانت ثماراً ناضجة وشهية، بغض النظر عن المنشأ الذي ليس للثمار دور في تحديده.
يا أختي كم في أمتنا من الجراح، ولا نغفل عن واحد منها إلا لانشغالنا بجرح آخر نُطَيِّبه، وقد تأخرت في الرد على سؤالك لأن الأمر يحتاج إلى أكثر من مجرد تطييب خاطر، أو كلمة طيبة.. يحتاج الأمر إلى تدخل تشريعي، وإلى جهد أهلي اجتماعي يحتضن الفئة التي تتحدثين عنها، وقد سمعت أن هناك جهوداً تتنامى على المسارين "في مصر على الأقل".
أختي.. إن إيمانك القوي ينبغي أن يترافق معه جهد متواصل في توصيل مطالب هذه الفئة إلى أصحاب القرار، وإسماع صوتهم، وجوانب مشكلاتهم، في العيش والتعليم وغيرها.
إن أفضل وأرقى تعامل مع الألم أن يتحول إلى وقود عمل، وأفضل وأرقى دور يمكن أن تقوم به الضحية أن تعمل في مجال العلاج لغيرها.
إن الصوت الواحد يكفي كبداية لإثارة المسألة، ولقد تحركت رواكد كثيرة بأصوات وحيدة، وأنتن كثيرات ـ كما تقولين ـ فهل هناك تواجد لكن داخل الجمعيات النسائية والأهلية في بلدك؟!
وهل هناك محاولات جادة لطرح القضية إعلاميًّا ودينيًّا من خلال المنابر المتاحة؟!!
إنك بأسلوبك الراقي المهذب والمؤثر في الحديث تستطيعين ما هو أكثر بكثير من "دموع إلى الأبد".