السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إخواني في الدين، أطرح عليكم مشكلتي؛ علني أجد لديكم ما يساعدني على حلها أو التأقلم معها، وأكون شاكرة جدًّا لمعروفكم هذا ما حييت، أنا فتاة عمري ثلاثون سنة، وثقافتي متواضعة، وشكلي مقبول؛ فلست بالدميمة ولا بالرائعة الجمال، ومتدينة جدًّا، ومن عائلة محافظة ومحترمة وبسيطة، ومتحجبة، ومتشبثة بحجابي وديني؛ وهذا هو سبب مشكلتي،
فأنا لا أخرج كثيرًا؛ لأن عائلتي لا تريد ذلك، كما أني لا أدرس ولا أعمل، ومتحجبة وهذا لا يمكنه أن يساعدني على أن أجد زوجًا وخصوصًا أني أريده متدينًا ومحترمًا وملتزمًا بكل تعاليم دينه، وأنا لا أتنازل عن هذه الأشياء، ففي زماننا هذا الرجال يريدون فتاة متبرجة "موديرن" تعمل، وتربط معهم علاقات، وهذه ليست حياتي ولن تكون أبدًا؛ لذا تعذر علي إلى الآن أن أجد زوجًا متدينًا؛ لأكمل ديني، وأحصن نفسي كباقي البشر.
فهل أمثالي لن يجدوا حياتهم الخاصة هذا الزمان؟
وشكرًا جزيلًا، وسلام الله عليكم.
10/6/2023
رد المستشار
أختي العزيزة، هناك في سؤالك زاويتان تستحقان المعالجة: الأولى: الوضع الاجتماعي الذي تعيشين فيه، فما العلاقة "بربك" بين كونك متدينة جدًّا، ومن عائلة محافظة ومحترمة، وكونك متواضعة الثقافة، محدودة العلاقات، ودوائر الحركة؟!! لقد أمرنا الله جميعاً – رجالاً ونساءً – بالسير في الأرض، وجعل طلب العلم فريضة على كل إنسان، فلماذا القعود عن الحركة، واكتساب المعرفة؟! ولماذا يكون تبرير ذلك بالمحافظة، والالتزام بالدين؟!
لا يا أختي العزيزة، ليس كل الرجال يريدون الفتاة المتبرجة "المودرن"، لكنهم أيضاً لا يحبون الإنسانة التي تجهل عصرها وزمانها، فإن مثل هذه الفتاة لن تستطيع تربية أبناء في هذا الزمان الصعب، ولسنا بصدد ثنائية خاطئة من قبيل إما الخروج مع الفساد وإما القعود مع الجهل.. تستطيعين متابعة تعليمك بوسائل متعددة، وتستطيعين اكتساب معارف ومهارات شتى، والمشاركة في أنشطة اجتماعية كثيرة ونافعة؛ ستجدينها حولك في جمعيات النفع العام، ومؤسسات أهلية متعددة يزدهر عملها في بلدكم، وتذكري أنه ليس متوقعاً من الرجال أن يصلوا إليك عن طريق الجن والعفاريت أو عن طريق السحرة والعرافين، ولكنك تخرجين إلى الحياة كما تخرج المسلمات العفيفات؛ فتعرفك هذه أو تلك فتدل عليك أخاها أو ابنها، وهكذا كان المسلمون الأوائل، يرون المرأة أو يسمعون عنها من أخت أو أم أو قريبة، ويبدأ التفكير في أمر الزواج، أما إذا جلست في بيتك بدعوى المحافظة، فإني أخشى أن يطول انتظارك، وستكونين ضحية لسوء الفهم.
الزاوية الثانية والأخيرة هي: تأخر سن زواج الفتيات في مجتمعنا العربي، ولهذا أسباب متعددة منها صعوبة تكاليف الزواج، ومنها ظروف مثل ظروفك، ومنها عدم تحديد الشباب لرغباتهم في زوجة المستقبل، أو ارتفاع الطموح والتوقعات، وفي هذه الناحية كان أجدادنا أحكم وأعقل حين علموا ومارسوا الزواج اختياراً للأنسب؛ فوجدنا من تزوج فلانة لأنها قريبته؛ أو لأنها تحسن الطبخ وتربية الأولاد كما تربت في بيتها، ورأينا من تزوج فلانة لأنها من عائلة محترمة وأصيلة، ووجدنا من تزوج؛ ليجمع شمل العائلة الكبيرة وغيرها من أسباب نبيلة اجتمعت مع عاطفة معقولة؛ فكانت أساساً لبيوت "مستورة" أنجبت أجيالاً أكثر استقراراً من الأجيال المعاصرة، وشيدت حصوناً أكثر ثباتاً من بيوت العنكبوت التي تبنى الآن.. إننا نحتاج إلى نضال مضنٍ، وجهاد اجتماعي مستمر نحو نظام أكثر عدلاً من الذي نعيشه الآن، نظام لا تتأخر فيه الفتاة – بعد البلوغ – خمسة عشر أو عشرين عاماً محرومة من الأمومة، ومن تلبية الغريزة الطبيعية التي وضعها الله فيها، فقط لأنها ليست صارخة الجمال، أو موفورة المال، أو عالية المؤهل.
ينبغي أن نناضل من أجل نظام اجتماعي أكثر عدلاً فيه مكان لكل فتاة؛ لتصبح زوجة معززة مكرمة في سن مناسبة مبكرة. دون أن يكون كلامي في هذا مبرراً للقعود أو الكسل أو التراخي في طلب المعالي، أو الاستسلام للأوضاع المتردية التي تعيشها الفتاة في مجتمعاتنا باسم التقاليد.