هل لأحزاني نهاية؟
إنني أسمع أنه لابد للأحزان من نهاية مهما اشتد الظلام وتكثفت الغيوم.. فهل لأحزاني نهاية؟
أنا فتاة جامعية رقيقة للغاية، شديدة الإحساس، أحببت ابن عمتي منذ الصغر، ولازمني هذا الحب حتى الكبر ودخول الجامعة، نعم إنني أحببته حبا جنونيا، حبا يفوق الصعاب، ويكسر العواقب، ويثبت الحلم، ويبني قصورا من الآمال والأحلام الجميلة. فكان حبيبي ينزل في الصيف إلى مصر؛ لأنه من إحدى دول الخليج، وجميعنا نسعد بلقائه، وكلامه الجميل؛ فكان طيب القلب، عفيف النفس، وكان يتكلم معي بكل احترام وحب وتقدير، وفى صيف 2002 اعترف لي بحبه الذي كنت متأكدة منه منذ سنوات طويلة، واعترفت له بحبي أيضا.
منذ ذلك الوقت بدأنا نخطط لمستقبلنا الذي سنبنيه خطوة خطوة من خلال النجاح في دراستي، والتفوق في عمله، واكتشفت أن حبه الذي كان يختبئ وراء ستار قلبه أكثر من حبي له، وبدأ حبنا يزداد بدرجة هائلة، حتى وصل إلى درجة العشق، وجاء يوم الفراق، فودعني وهو يحمل شنطة السفر، ووعدني بأنه سوف يأتي الصيف القادم للزواج منى (صيف 2003)؛ يعني لقاء بلا افتراق، وودعني بأحلى كلمة سمعتها في حياتي، وهو يقول لي: "بحبك بحبك"، وكاد قلبي في هذه اللحظة يحترق، ويحرق ما حولي.
أصبحت كالجثة الهامدة لا تقدر على فعل أي شيء غير البكاء وصراخ القلب على فراق الحبيب، ومنذ هذه اللحظة بدأ العذاب والحزن والحيرة، ولا أقدر أن أتغلب على هذا الحزن حتى يومي هذا، ومضت الأيام، ودراستي تسير كما هي، لكن كان كل يوم يمر عليّ كأنه مائة سنة، بدأت أستعين بالصبر والدعاء لله.
وفى شهر رمضان.. بالتحديد في ليلة القدر رأيت حلما جميلا، حلمت بليلة زفافنا وأنا جالسة بجانبه في الكوشة، وبعد فترة قصيرة رأيت حلما كأنني أنا وقريباتي نجلس، وعمتي توزع على كل واحدة عريسها؛ حتى وصلت لي وقالت: إنك ستتزوجين رجلا، اسمه محمد، من الخليج ومتعلما، فحزنت حزنا شديدا، وقلت لها: لماذا تفرقين بيني وبين حبيبي وهو ابنك؟ وبهذا انتهى الحلم، واستيقظت من نومي، وكان هذا الحلم يقلقني كثيرا جدا.
كان حبيبي يتصل بي دائما، ولكن في الفترة الأخيرة انقطعت اتصالاته، فقررت أن أتصل به على تليفونه الخاص للاطمئنان عليه، وكان هذا في أول شهر مايو 2023 (يعني أمامي شهر فقط كي أراه)، وعند اتصالي ردت أخته، وقالت لي: "حبيبك خطب"، ولم تراعِ إحساسي، رغم أنها تعرف جيدا قصة حبنا التي انتهت بالقهر والخداع والظلم. ومنذ هذه اللحظة انهرت، وتدمرت تماما، وفكرت بالرحيل إلى عالم لا يوجد فيه أحزان ولا قهر ولا خداع.
حاولت كثيرا أن أنسى حبيبي، ولكن -حقا- لا أقدر أن أنسى حبه أبدا، وأيضا لا أقدر أن أنسى أن حبيبي هو الذي سرق سنوات عمري، وأحرق أحلام قلبي، ورحل عني بدون أي أسباب.
تحولت من فتاة جميلة إلى فتاة ذبلت ورودها، وجف عودها، والحزن يملأ عيونها وقلبها، وفي وسط كل هذا العذاب وجدت رجلا يحبني حبا لا وصف له، ولكن هذا الرجل لا يعرف قصة حبي هذه. فوجئت بتقدمه إلى أبي يطلب الزواج مني، فبدأ أبي يسأل عن أخلاقه ودينه، وتذكرت الحلم سريعا عندما قال لي أبي: "إن اسمه محمد، وهو من الخليج، ومدرس في إحدى مدارس الخليج"..
فهل هذا له علاقة بالحلم الذي رأيته؟ واكتشفنا أيضا أن محمد طيب القلب، ناضج العقل، وقد كون نفسه تمام التكوين، ومن كثرة حبه واحتياجه لي كان كثيرا يهددني بقول: "إذا لم توافقي على زواجي منك فسوف أخطفك؛ لأني أحبك، ولا أقدر أن أعيش من غيرك".
كان كل شيء يفعله أو يقوله يشير إلى حبه واحتياجه لي، ولكن ظهرت عقبتان: الأولى: أن محمد متزوج ولديه أولاد، ولكن زوجته مريضة لا تستطيع الإنجاب، وهو يرغب في المزيد من الأطفال.
والثانية: فرق السن الذي بيني وبينه؛ فعمري 20 عاما وعمره 43 عاما، ولكن قلبه وعقله شبابي جدا وذكي جدا.. فهل أوافق بالزواج من محمد أم لا، والحمد لله يوجد قبول بيني وبينه؟ ولكن إحساسي يؤكد لي أن ابن عمتي من نصيبي، وإن شاء الله سيرجع لي مهما طالت السنون ومرت الأيام.
إنني حزينة جدا، أدعو الله أن ترشدوني إلى اتخاذ القرار السليم.
إلى طريق الاستقرار، والسعادة والحب، إن شاء الله.
12/6/2023
رد المستشار
الابنة الكريمة،
تعالي معا نتصور إنسانا يسير في الطرقات، هذا الإنسان عليه وهو يسير أن يدرك أين هو؟ وما هو موقعه على الخريطة؟ وما هي التضاريس والمعالم التي يمكنه أن يستدل بها ليكمل المسير؟ وحالنا يا بنيتي ونحن نسير في درب الحياة مثل هذا السائر؛ حيث يلزمنا أن نتعرف على معالم الطريق، والسمات التي تحدد كل مرحلة من مراحل حياتنا؛ حتى لا نضل المسير في دروب الحياة.
والحقيقة أن رسالتك تجسد وبجدارة سمات المرحلة التي تمرين بها؛ حيث نلاحظ المبالغة الشديدة في رسم وتصوير مشاعرك، ورسم الآمال التي بنيتها لسنوات طويلة، وفي تصويرك لحجم الإحباط الذي أصابك عندما انتهت قصة حبك بخطبة حبيبك، ورغم أن كلماتك تحمل الكثير من المبالغة في التصوير فإن أسلوبك جميل، وتعبيراتك رقيقة، ومن الواضح أنك تتميزين بقلم رشيق يجيد التعبير والتصوير؛ حيث يمكنك أن تكوني مشروع كاتبة أو قصاصة، وهذا يجعلني أدعوك لأن تبذلي الجهد لتطوير قدراتك وخبراتك في هذا المجال. والمهم أنه للمزيد من التعرف على سمات المرحلة يمكنك الاطلاع على ملف استشارات الرشد المبكر.
المهم أنه مع المبالغة في التصوير نجد أيضا الميل للجنس الآخر، وكذلك تقلب المشاعر وتأرجحها يظهر بوضوح؛ فأنت في البداية تريدين ابن عمتك، والآن تسعدين بإقبال محمد عليك، وتسألين عن إمكانية الارتباط به، وتحاولين أن تربطي هذا بحلم رأيته منذ فترة، رغم أن هذا الحلم يمكن أن يكون من أضغاث الأحلام، ورغم أنه بفرض أن الحلم كان صادقا؛ فمن قال: إن محمد هذا هو محمد الذي ذكر في الحلم، وهناك أكثر من مليون محمد من الخليج؟
وما أقصده أنه من غير المعقول أن نظل حتى الآن نربط حياتنا وندير أمورها مستندين لأمور من عالم الغيب ما أنزل الله بها من سلطان.
وإذا كانت الأحلام والرؤى لا تصلح دليلا لحكم شرعي.. فهل يمكننا القول بأن الأحلام لا تصلح، ويجب ألا نتخذها دليلا وهاديا لنا في دروب حياتنا؟
وبمعنى آخر: هل يمكن أن نقول ونؤكد ونكرر على أن الأحلام يجب ألا تلغي العقل وتعطله عن التفكير، كما أنها لا تسقط معطيات الواقع عند الاختيار.
وما أقصده مرة أخرى هو أنه يجب ألا تقبلي الزواج بمحمد هذا لمجرد أن عمتك وزعت عليك في الحلم عريسا اسمه محمد، وتلغي في مقابل هذا كل اعتبارات العقل، ويمكنك هنا أن تطلعي على مشكلة تأخر سن الزواج.... بين عالمي الغيب والشهادة.
بنيتي الحبيبة، أنت فتاة رقيقة وحساسة، ومن الواضح أنك ككل فتياتنا لا تجيدين الحكم على الأمور، ولا تستطيعين أن تختاري لنفسك وبمفردك.. فلماذا لا تشركين معك من هو أكثر نضجا منك من أهلك؟ لماذا لا تشاورين والدتك أو والدك أو كليهما؟ لماذا لا يحاول والدك أن يستفسر من أخته (إذا كانت العلاقة بينهما طيبة) عن مبررات ارتباط ابنها بغيرك رغم الحب الذي كان يجمع بينكما؟ وهل لها دخل في هذا الأمر أم أن ما حدث لا يعدو أن يكون تغيرا في مشاعر ابن عمك؛ حيث صادف فتاة أخرى وجد فيها بغيته وكل ما يتمناه في شريكة حياته؟ وهذا الاستيضاح سيعينك على ترتيب أمورك.
وعموما عليك أن تدركي أن للحب اعتباراته، ولكن للزواج اعتبارات أخرى تختلف كثيرا عن اعتبارات الحب؛ فالرجل قد يحب الفتاة الرقيقة الجميلة الحالمة حتى لو كانت متهورة وغير رزينة، وحتى لو كانت مسرفة، وحتى لو كان بها عيوب الدنيا؛ لأن هذه العيوب لا تتعارض مع أحلام الحب وكلماته، ولكنه عندما يريد الزواج فإنه يختار الفتاة التي يمكنه التعايش مع عيوبها، ويختار الفتاة التي يمكنها أن تتحمل معه مسؤولية بيت وأسرة وأبناء.. فهل يمكنني أن أسألك عن خطتك لإنضاج نفسك في هذه المجالات حتى تكوني الفتاة التي يتمناها كل رجل زوجة له.
أما بالنسبة لمسألة زواجك من محمد هذا فأعتقد أن الأمر يحتاج لدراسة متأنية جدا لكل الظروف المحيطة بك، وعليك أن تكوني على وعي بكل ما يمكن أن يقابلك من عقبات؛ فهذا الرجل متزوج وله زوجة وأبناء؛ فهل سيتزوجك بعلم زوجته وموافقتها؟ أم أنه سيخفي عنها هذا الأمر؟ فما هو رد فعلها عندما تعلم بزواجه؟! ثم إن هذا الرجل بعد أن يطمئن أنك أصبحت ملكا له، وأنه قد قضى منك وطره سيعود لزوجته وأولاده، وسيكون لك بعض زوج؛ فهل ستتحملين هذا الوضع وأنت الفتاة الرقيقة الحساسة؟ كيف ستتعاملين مع مشاعر الغيرة من الزوجة الأولى؟ هل يمكنك مثلا أن تضغطي على هذا الرجل حتى ينفصل عن زوجته أو يبتعد عنها معنويا؟ وهل ستتحملين ذنب أن تظلمي زوجة وأولادا وتحرميهم من والدهم؟ ما هي ترتيباتك للتعامل مع فارق السن بينكما؟ هل تدركين أن هذا الرجل سيكون في العقد السابع من عمره عندما تصبحين أنت امرأة ناضجة في قمة أنوثتها، وتحتاج بجوارها لرجل يشبع احتياجاتها العاطفية والجسدية؟
والمهم وما أحاول أن أؤكد عليه هو أن الزواج مع الفارق يعتبر مغامرة لا بد أن تدرس جيدا، ولا يصح ولا يجوز أن نتعامل معها بمنطق عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة، ويمكن الاطلاع على المزيد من المشكلات حول هذه الجزئية، ومنها: حدود فارق السن بين الزوجين وأيضا معادلة فارق السن بين الزوجين، وتابعينا بأخبارك.