مشكلتي أنني أحب زوجي كثيرا، ودللته كثيرا لدرجة أنه أصبح يعتبر حبي له بمثابة الأمر الواقع؛ لأنه غير مقصر معي في شيء. ولكن الأمر أصبح خطيرا بنظري؛ حيث إنه لم يعد يكترث بمشاعري ولا بأحاسيسي، ولا بأن الحب الكبير الذي أكنه له ينقص شيئا فشيئا رغم تمسكي الشديد به؛ ليس من أجل أولادي فقط، ولكن لأنني أحبه كثيرا.
ما هو الحل فيه؟ فهو برأيي رجل أناني لا كبير له، ولا يقدر الحياة الزوجية، بمعنى أنه مشتاق للعيش وحده دون حاجز لحريته، يحنّ للعيش مثل الكثير من رفاقه العزاب، يهوى الشات مع رفاقه، ولا يخصص لنا من وقته سوى دقائق معدودة من اليوم كله، وفى النهاية يطلب مني حقوقه الزوجية، وإذا عارضته يقبل بطيب خاطر ولا يعاودني السؤال مرة أخرى.
سؤالي الآن: إلى متى بإمكاني تحمل رجل لا يحبني لشخصي؛ بل يقول لي إنه استحملني كل هذه الفترة من أجل أن أكون بخدمته ولن يجد له خادمة تحبه بقدر حبي؟ دائما وأبدا يخبرني بأنه لم يخترني بمحض إرادته، وأني المتمسكة به، وبمجرد أن أطلب الطلاق منه لن يقصر، وسيفعل لأنه يئس من الحياة معي، علما بأنه يختلق المشاكل كلما عارضته بمسألة "المضاجعة".
والمشكلة أنني أحس نفسي أمةً معه عندما يأتيني بمثل هذا الطلب، وأقول له: كيف يخطر ببالك أنني سأطاوعك وأنت لم تكلمني سوى بضع كلمات من وقت قدومك للبيت، ومشغول طول الوقت بالشات مع رفاقك، حتى الدلال لا أجده منك، يجاوبني بقوله: "أوكيه" تصبحي على خير. وفي اليوم الثاني أو بعده يخلق مشكلة جديدة.
ما الحل ونحن متزوجان من 15 سنة؟ أنا ما زلت محافظة عليه وأريده، وأعلم أنه يعاملني بتلك المعاملة لأنني دللته كثيرا، وأصبح معتادا على أن "يغلط بحقي" وأنا التي تصالحه وتراضيه في النهاية، ولكن إلى متى؟ فلم أعد أتحمل تجريحه لي، وقوله عنى إنني "بلا فهم ولا كرامة"؛ لأنني ما زلت أريده.
24/6/2023
رد المستشار
ابنتي،
يحكى أن أميرة دللها أبوها الملك وأحاطها بكل رعاية وعناية، كان لا يناديها إلا يا روح الياسمين، ويقول إنه أطلق عليها هذا الاسم لأنها تشبه الياسمين؛ بل إن عبيرها أحلى من عبير الياسمين. وكبرت الأميرة وتزوجت من أمير لدولة أخرى، وكان يحسن إليها ويرعاها، ولم تفتقد أي شيء مما كانت تجده في قصر أبيها إلا نداءه يا روح الياسمين. وطالت بينهما الأيام وهما في أسعد حال، وقد مَنَّ الله عليهم بالذرية الصالحة.
وفى ليلة من الليالي، وقد غلبها شوقها لنداء أبيها، تزينت لزوجها ثم سألته: بم أذكرك؟ قال تذكرينني بالخير، قالت: لا أسأل عن ذلك، أسأل حين تراني، ما أول ما يخطر ببالك؟ قال: عشرتنا وأبناؤنا، قالت: انظر إليَّ جيدا، أتحدث عن نفسي، أنا الإنسانة، لو شبهتني بعطر زهرة؛ فأي الزهور تختار؟ فقال: أما العطور فلا، ولكن النباتات والزهور أستطيع أن أختار من بينها، ولكنها لم تسمعه، فقد سقطت مغشيا عليها.
لا تسأليني أين وجه الشبه، ولكن القصة قفزت إلى ذهني، وهذا مختصرها حين طالعت جملتك تلك: "وأقول له: كيف يخطر ببالك أني سأطاوعك وأنت لم تكلمني سوى بضع كلمات من وقت قدومك للبيت ومشغول طول الوقت بالشات مع رفاقك، حتى الدلال لا أجده منك. يجاوبني أوكيه تصبحي على خير"؛ لأنك ببساطة تسألين سؤالا وأنت تتوقين لإجابة ما، وهي لا تأتي ولن تأتي.
نعود لمشكلتك: بدأتِها بكونك تحبين زوجك جدا، وأنا أهنئك وأهنئه على هذا الحب، ولكني لمحت في سياق كلامك أنه محاصر، وبالتالي يشتاق للحرية.
لا أريد أن أظلمك أو أضعك في صورة الزوجة المحبة التي تريد أن تحتفظ بزوجها لنفسها، ولا ترضى منه بأي حركة خارج دائرة احتضانها، إلا لو مضطرة مثل أن يخرج للعمل مثلا، ولكن أحيانا يا ابنتي تكون هذه هي الصورة الحقيقية لحب المرأة سواء لابنها أو زوجها.. تريده حولها ومعها لا ينظر لسواها، ولا يتعايش مع غيرها، ولا يسعد إلا بوجودها.. ببساطة تريده يدور في فلكها وتدور في فلكه، وهذا سجن انفرادي قاس ومظلم وقاتل وخانق، ولو وضعوا فيه كل أطايب الطعام وكل رغد المعيشة، وكل زهور الأرض فسيظل سجنا، والخروج منه إلى الدنيا الواسعة حلما.
لا أعرف إلى أي درجة أنت كذلك؛ حتى أحدد إذا كان زوجك أنانيا فعلا أم أنه "اتخنق" من سجن الحب؟ فلا يبدو أن بينكما أية مشاكل أو عدم توافق، وواضح من كلامك أنه زوج يراعي بيته وأولاده، ولا يقصر في أي واجب؛ وبالتالي لم أجد مبررا لشوقه للحياة وحيدا، فلا مشاكل ولا "تنغيص" ولا ضيق ذات يد، ولا أي نوع من المنغصات المعروفة، -وأراه كما وصفتِه- يرعى الله في حياته فحتى في الشات لم تذكري أنه يتخطاه إلى النساء، وواضح أن المسألة بالنسبة له مثل جلسة مع الشلة على المقهى.
ومع ذلك ترفضينه في الفراش، وهذا أيضا ما ذكرني بروح الياسمين، ترفضينه وأنت تنتظرين أن يحايلك؛ لأنه سيحظى بليلة بين يديك، وأنا لا أحب هذا الموقف، فعلى قدر ما نطالب الرجال بأن يقدموا لأنفسهم كما أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نطلب من النساء أيضا أن يكن لينات هينات ولا يتدللن متمنعات، وهذا أيضا أمر من الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- لأنها ببساطة بعد فترة وفي أغلب الأحوال -ولا أقول كلها- تفقد بريقها ويصبح إتيانها من باب إفراغ الحاجة؛ وبالتالي نظل نطالب النساء بالتجديد في الهيئة (نيولوك) يعني للحفاظ على روح الرغبة عند زوجها بقدر المستطاع.
فلماذا تمتنعين وهو لم يسئ إليك؟ لماذا تمتنعين وهو لم يسب أو يضرب أو يقبح أو يهين؟ أعرف أن التجاهل نوع من الإهانة، ولكني لم آخذ انطباعا بتجاهله لك بقدر ما أخذت انطباعا بسياج من الحب يحبسه!!.
حاولي يا ابنتي أن تتفهمي طبيعة عمله، وأن تتقبلي خروجه مع أصحابه من آن لآخر؛ فهذا يعطي الرجل براحا من الحرية يجعله لا يهفو إليها مثل المحروم، وأوجدي لنفسك مجالات اهتمام أخرى؛ فليس من المعقول أن تنغلق حياتك على رجل مهما كان، وعلى أولاد وبيت، ففي النهاية لن يحك جلدك مثلُ ظفرك، أي لن يسعدك إلا ما تفعلينه لنفسك وبنفسك، والباقي كله زائل لا محالة.