السلام عليكم ورحمة الله،
أنا من المتابعين الدائمين لهذا الموقع الرائع، ومن القراء الأوفياء لهذه الصفحة. هذه المرة أريد أن أطرح عليكم قضيتي، وأرجو مساعدتي.
أنا فتاة مخطوبة لابن عمي منذ سنة وسيتم البناء إن شاء الله بعد شهرين، وقد تمت هذه الخطبة برضا الطرفين ومباركة الأهل، وبعد حوالي سنة لم نحقق تقاربًا كبيرًا بيننا، بل إننا حتى عندما نخرج معًا لا نتكلم كثيرًا، وعندما نتكلم فإننا نتحدث عن أمور سطحية ولا تعنينا مباشرة، هذا ما جعلني أحس بأننا غرباء عن بعضنا، وفي كل مرة أحس أنني سأراه لأول مرة.
وخطيبي بطبعه ليس كثير الكلام مع أنه طيب، وأحس أنه يحبني، ولكنه حتى لم يحاول مرة أن يصرح أو يلمح لي بذلك. لا أخفيكم أنني أحس ببعض الخوف مما ستكون عليه حياتنا المستقبلية، ولا أدري ما يجب عليّ فعله لإذابة حاجز الجليد هذا الذي بيننا.
أرجو مساعدتي والرد على سؤالي بسرعة إن أمكن،
ومعذرة على الإطالة.
1/7/2023
رد المستشار
الأخت الكريمة، فوجئت بأن أحد معارفي والذي سيتزوج بعد أيام قليلة يقول: "لقد قررت الزواج، رغم علمي بأنني لن أخرج من هذه التجربة إلا بالأولاد"، تساءلت متعجبة: من أين أتيت بهذه الحقيقة المرعبة؟! أجابني بأن كل من حوله ومن سبقه من الأهل والأصدقاء يؤكد على هذا المعنى، والأغرب أن كل من سمع هذا الحوار الدائر –وكلهن من السيدات المتزوجات منذ سنوات قليلة- أكدن على كلامه، حتى إن إحداهن قالت: "إن الزواج نظام اجتماعي فاشل، والمهم أن أنجب أطفالاً، وأحسن تربيتهم حتى يكونوا سببًا لدخولي الجنة"!!!.
واعتبر الجميع أنني الوحيدة التي تقول وتقتنع بعكس هذا الكلام، قلت لهم: وماذا أفعل وقد قال ربي وربكم سبحانه ومن فوق سبع سماوات: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً) كما قال سبحانه: (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ).
واحتدم النقاش بيننا ومع كل كلمة كانت تفاجئني مفاهيم مغلوطة وإدراكات خاطئة، ثم جذبتني كل واحدة منهن واختلت بي على جانب لتقص عليّ طرفًا مما تعيشه ومما تعتبره حياة زوجية لأجد نفسي أمام بيوت تنتشر بين جنباتها قنابل موقوتة أوشكت على الانفجار.
نحن نعاني من هشاشة في التكوين على مستوى الأفراد، ويضاعف من حجم هذه الهشاشة على مستوى الأسر غياب الضوابط الحاكمة والمنظمة للحياة الأسرية، ويمكن لتقريب وتوضيح الصورة أن نتخيل أن الحياة الأسرية عبارة عن بناء مكون من لبنات هي الأفراد رجالاً ونساء، سلامة هذا البناء تعتمد على لبنات قوية وصحيحة يصفها البناء بنظام محكم، ويضع بينها مونة جيدة وبكمية كافية، وضعف البناء قد ينتج عن خلل في اللبنات أو خلل في نظام صفها أو خلل في المونة التي تجمعها معًا، فكيف يكون البناء إذا كان الخلل مركبًا وفي كل هذه العناصر؟!
هل أكون مبالغة إن قلت بأننا نحتاج لكل جهد مخلص، ونحتاج لكل منبر متاح ليعيننا على الخروج من أزماتنا الاجتماعية، أم هل تراني أحلم وأنا أتمنى أن أرى مثلاً خطيب الجمعة وقد وعى أن إسلامنا دين حياة فيجعل خطبه سلاسل متتابعة عن مختلف أدوائنا الاجتماعية.
أختي الحبيبة، لقد تعمدت ذكر هذه المقدمة حتى يكون هدفك بناء حياة زوجية تحقق معنى المودة والسكن بين أطرافها، وتحقق معنى الشراكة في الآمال والآلام، وهذا الهدف ليس هدفًا مستحيل التحقيق، ولكنه يحتاج لبذل الجهد المخلص من الطرفين، منك ومن زوجك، وبداية ذلك لا بد أن تكون بحسن اختيار شريك الحياة المناسب، والمناسب هذا يختلف من فرد لآخر، فهل تكون هذه اللحظة لحظة صدق مع النفس تتيح لك أن تراجعي اختيارك بناءً على ما أوضحناه في مقال: "اختيار شريك الحياة.. السهل الممتنع".
فإذا تيقنت من أنه الاختيار الملائم لك فعليك ساعتها أن تعملي على إقامة جسور الحوار بينكما بذكاء وفطنة وبدون إلحاح ممل، وذلك بأن تتعرفي جيدًا على خطيبك، ماذا يحب وماذا يكره؟ ما هي هواياته؟ ما هي اهتماماته؟ ماذا يقرأ؟ ما هي طبيعة عمله ومشاكله في هذا العمل؟ أشعريه دائمًا أنك مهتمة به وبالفعل قبل الكلمات، شجعيه على أن يحادثك عن نفسه، عن طموحاته وآماله، اختارا هواية تناسبكما معا واشتركا في الاهتمام بها.
حدثيه أنت أيضًا عن نفسك وافتحي قلبك له، حاولي أن تتعرفي على احتياجاته، وأن تقدميها له، وأن تتعرفي على ملامح الصورة التي رسمها لك في خياله، واحرصي على أن تكونيها، وتحدثي معه أنت أيضًا عن آمالك وطموحاتك وأحلامك، وحادثيه عن احتياجاتك، واحرصي أيضًا على أن تقدمي له بعض الهدايا؛ فالرسول الحبيب يقول: "تهادوا تحابوا"، وشجعيه على أن يعبر لك عن مشاعره بالصورة التي تروقه فقد يجيد التعبير بالكتابة بأفضل مما يعبر بالكلام.
المهم أن تبدئي خطوة في طريق محاولة التفاهم والتواصل مع خطيبك، واضعة في الاعتبار أن التغيير لن يحدث بين يوم وليلة، وقد يكون من المفيد أن تلاحظي أنكما ما زلتما مخطوبين، وقد يكون هذا هو سبب تحرج خطيبك من تبادل كلمات الحب والغرام، وعمومًا ابدئي من الآن في أن تشعريه باهتمامك ولا تتوقفي عن هذا بعد الزواج. ويمكنك مطالعة مشكلة: "نداء لكل النساء.. تمسٌح القطة وتحريك الجبال".
أختي الكريمة، أعتقد أنه لا بد لكما ألا تتعجلا إتمام الارتباط حتى تتأكدا أن كل منكما الاختيار المناسب للآخر، وقد يكون من المفيد أن تناقشي معه طبيعة مخاوفك، وأن تحاولا معًا التوصل لصيغة في التعامل بينكما ترضيكما، على ألا تتم أي خطوة من خطوات الارتباط إلا بعد أن تصلي لدرجة الاقتناع والرضا عن علاقتكما؛ لأن قرار اختيار شريك الحياة من أهم القرارات المصيرية في حياة الإنسان، ويترتب عليه سعادته أو شقاوته مدى الحياة، وقرار بهذه الأهمية لا يصح أن نتناوله بخفة وتسرع وسطحية، ولا يجوز أن يكون منطقنا فيه منطق "عصفور في اليد.. خير من عشرة على الشجرة".