بسم الله الرحمن الرحيم..
أعتذر إن كنت أبوح لكم بهذه المشكلة في هذا الوقت الذي تنشغل به أمتنا بجراحها في فلسطين وغير فلسطين من البلدان التي تراق فيها دماؤنا.. ولكني والله قد ضقت ذرعا وأحتاج فعلا إلى رأي سديد وقول رشيد من أهل الحكمة والخبرة أمثالكم.
تعرفت على فتاة بالإنترنت منذ أكثر من 4 سنوات في مواقع المحادثة.. وقد تعلقت بها كثيرا.. وأخذ يزداد هذا التعلق بقوة.. رغم أني عرفت قبلها عشرات الفتيات بنفس الطريقة، ولكن بعد مرور الأيام بدأت بقطع كل طريق يصلني بسواها ولم يبق إلا هي.. عرفت عن هذه الفتاة الكثير.. منها شخصيا ومن طرق أخرى.. وبصراحة لم أجد فيها شيئا لا يناسبني سوى قصر قامتها وصغر حجمها مقارنة بي.. حيث يبلغ طولها 150 سم تقريبا إضافة إلى أنها صغيرة الأعضاء والأطراف.. أما أنا فطولي 186 سم وجسدي متوسط ليس بالعريض ولا بالدقيق.. كل هذا عرفته قبل أن أراها.. وترددت كثيرا في مصارحتي لها بحبي ورغبتي بالزواج رغم صغر سني حينذاك، وقد كنت في التاسعة عشرة وهي كانت في السادسة عشرة من العمر.
استخرت ربي واستشرت صديقا لي في سني.. ثم توكلت على الله وصارحت الفتاة رغم أني لم أشاهدها.. وقد طلبت هي مني أن أراها لأكون على بينة من أمري.. وحينما رأيتها بصراحة أحسست بهذا الفارق الذي أزعجني.. ولكني أخفيت ذلك عنها.. لعدم رغبتي في جرح مشاعرها، ولأني كنت أحبها، ولم أقدر أن أقطع هذه العلاقة لهذا السبب فقط. مضت الأيام، واتفقنا بعد ذلك على قطع أي اتصال بيننا حتى عن طريق البريد الإلكتروني حتى أتخرج في الجامعة وأتقدم لها؛ صيانة لأنفسنا من الحرام.. وخصوصا بعد أن قرأنا عن آراء العلماء في حكم العلاقة بين الجنسين على الإنترنت.. وفعلا أوقفنا كل شيء، ويعلم الله كم لقيت من الألم جراء ذلك.
المهم تخرجت في الجامعة والحمد لله، وبعدها بأيام حججت حجة الفريضة، وكان من الأشياء التي ألححت فيها بالدعاء هو أن يوفقنا الله بهذا الزواج إن كان فيه خير.. أو يعوضني وإياها بما هو أفضل إن لم يكن خيرا.. وبعد ذلك بفترة قليلة تقدمت للفتاة.. قابلت أباها وأكرمني وأحسن ضيافتي.. وبعدها طلب مني أن تأتي إحدى أخواتي لتتعرف على الفتاة وأمها.. قبل أن أراها الرؤية الشرعية.
نحن لم نكن نعرف أن أم الفتاة على علم بما كان بيني وبينها (حيث إني لم أخبر أبا الفتاة لحساسية هذه المواضيع في بلادنا).. إلا أن أختي لاحظت ذلك، ولاحظت أيضا أن الأم لا تريد لهذا الموضوع أن يتم، وتريد أن يكون الرفض منا نحن.. وقد حصل سوء تفاهم بين أختي وأمها خلال لقائهما؛ وهو ما أدى إلى إنهاء الموضوع. حيث قامت أختي بالاتصال بأمها وبينت لها بأنها قد أحست بالإهانة من بعض تصرفاتها.. ولم أحس بالندم كثيرا لأني أحسست أن أمها أخطأت في حق أختي.. رغم أنها -والحق يقال- تفاجأت كثيرا وهما على الهاتف واعتذرت عما بدر منها وبينت لها أنها لم تقصده.
بعد ذلك أرسلت لي الفتاة رسالة عتاب رقيقة مثلها.. تبين أن الموضوع ليس كما تصورت أختي وأن أباها موافق.. وأن أمها موافقة خصوصا بعد أن علمت بما كان بيني وبين ابنتها في السابق.. على عكس ما تنبأت به أختي؛ وهو ما جعلني أعاود التفكير مرة أخرى بجدية.. وهنا المشكلة.. فأختي التي رأتها ترى عدم لياقتنا لبعضنا لصغر حجم الفتاة.. وبعد أن وصفت الفتاة لبقية أخواتي اتفقن كلهن على ذلك بدون أي حيرة أو تردد.. وأيضا هي ما زالت تعتقد أن الأم لا تريد لهذا الموضوع أن يتم وتريد أن يكون الانسحاب منا.. وترى أن الأم قد أخطأت في حقنا، ولكن هذا لا يهمني فقد اعتذرت الأم وفي نظري أن هذا يكفي.. ويرين أيضا أنني سوف أجد من تناسبني أكثر منها.. والفتاة أيضا سوف تجد من يناسبها أكثر مني.
وفي الجهة الأخرى أنا إنسان أختلف في نظرتي للحياة عن أخواتي.. وخصوصا في العلاقة الزوجية.. فأنا أولي العاطفة دورا مهما في الحياة.. فأنا أحلم أن أعيش مع من أتزوج حياة مليئة بالحب والمودة والرحمة طوال العمر.. وأيضا أريدها أن تكون عونا لي على نوائب الدهر، وصدرا حنونا ألجأ إليه بعد الله لأقاوم الفساد والضلال المستشري في كل مكان.. أريد أن أكون لها كما كان محمد -صلى الله عليه وسلم- مع السيدة خديجة وبقية أمهات المؤمنين.. وتكون لي زوجتي كما كانت أمهاتنا عليهن رضوان الله لرسولنا عليه الصلاة والسلام.. وقد وجدت في هذه الفتاة كثيرا مما أريد.. ومن أهم ذلك الصدق والتدين والعاطفة والمحبة والذكاء ورجاحة العقل والأصل الجيد.. وقدرتها على نقلي من حال اليأس والضعف إلى الثقة بالله والقوة بما تملك من صفات ذكرتها سابقا.. إلى غير هذا من الأمور الصغيرة التي لا تؤثر كثيرا، إلا أن وجودها قد يزيدنا قربا من بعضنا البعض.
ومع هذا فإني أولي الأشياء المادية الكثير، ولولا الطريقة التي عرفت بها الفتاة لما رضيت إلا بمواصفات عالية من الجمال ومنه الجسد، إضافة لما سبق من الصفات.. حيرتي في أن أكثر ما يجذبني للفتاة الآن أولا هو خوفي من الله وتأنيب الضمير.. حيث إني جعلتها وهي طفلة تتعلق بي وتحبني والآن أجدني أنا الذي أتركها.. ولا أرى أن هذه أفعال رجل شهم حُر شريف.. وكيف لي أن أنجح في حاضر أو مستقبل بُني على ماضٍ جرحت فيه قلب فتاة بريئة.. رغم أنها الآن قد أحلتني من وعودي وكل شيء.. ورغم أن أخواتي يرين أني لا أتحمل هذه العلاقة لوحدي؟ فالفتاة لها دور وأهلها وأهلي الذين تركوا لنا الحبل على الغارب -كما تقول أختي- كلهم يتحملون المسؤولية معي.. إلا أن كل هذه الأعذار لا أراها تعفيني من المسؤولية.. ثم بعد ذلك يأتي حبي لها.. ليس تقليلا لهذا الحب والمودة.. إنما لكثرة ما يشغلني الأمر الأول.
علما أن رأيكم مهما يكن فإنه سيكون مؤثرا في قراري الذي سأتخذه بإذن الله قريبا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
24/7/2023
رد المستشار
قرأت رسالتك عدة مرات يا أخي، وفي كل مرة تنتهي قراءتي مع سؤالك الأخير: هل جمال الزوجة يصبح شيئًا عاديا بعد فترة، أم أن عدم الرضا الكامل عن هذا الجمال قد يدفع الزوج للحرام أو يملأ حياته معها بالحسرة؟
يبدو أن مشاعرك تبدّلت يا سيدي.. جمالها المحدود لم يكن عائقًا يمنعك من "الوعد" بالزواج عندما كنت في "التاسعة عشرة"، ولكنه أصبح عائقًا يحول دون إتمام الزواج وأنت في الثالثة والعشرين والوعد غير الإتمام، والتاسعة عشرة غير الثالثة والعشرين..
أنت تغيّرت إذن، وكثيرون مثلك يتغيرون، ولكن ربما تكون أنت أفضل حالا منهم؛ فالبعض قد يتوّرط فيما هو أكثر من ذلك.. وحسنًا فعلت أنك قمت من البداية بقطع العلاقة حتى يحين وقت التقدم للزواج في الموعد المناسب، عندئذ يُختبر الحب؛ فإن كان حقيقيًّا ناضجًا صمد في وجه الرياح والتقلُّبات، وإن لم يكن كذلك ظهرت فجأة أسباب -ربما كانت موجودة من قبل- لتحول دون إتمام الزواج، مثل ضغوط الأهل، عدم الرضا الكامل بمستوى الجمال أو ببعض العيوب.. و.. و..
وعندئذ يصبح الشعور بالمسؤولية والرجولة وتأنيب الضمير دافعا -عند أصحاب المروءة- لإتمام الزواج.. وليس الحب، وعندئذٍ تسأل سؤالك الذي لا يسأله المحبّون كما قلت سلفًا..
الفرصة الأخيرة التي يمكن أن تمنحها لهذا الحب -إن كان هناك حب- هي: أن ترى الفتاة بنفسك الرؤية الشرعية، وتنظر إليها بعينك وروحك وقلبك، ولا مانع أن يتم هذا اللقاء بعيدًا عن الأهل كما حدث في الماضي؛ حتى لا تجرح مشاعرها في حالة الرفض.. انظر إليها وتحدّث معها، فابنة السادسة عشرة التي رأيتها من قبل غير ابنة العشرين، ربما تكون قد ازدادت نضارةً ونُضجا.. لا ندري!!
لكن على أي حال لا تعتمد على حكم أختك فأنت الذي ستتزوج وليس هي، وأنت نفسك تقول إنك مختلف عن أهلك في النواحي الوجدانية.. بل وفي أشياء أخرى كثيرة يا أخي؛ فهل أنت تحب الأطعمة والأشربة التي تحبها أختك؟ فما بالك بالزواج؟!
أقول لك: انظر إليها وتحدّث معها، وعندئذٍ سيحدث أحد أمرين:
إما أنك ستشعر بالنفور وعدم القبول.. عندئذٍ يكون كل شيء قد انتهى، ولا داعي للاستمرار أبدًا؛ لأن ظلمك لها الآن أهون من ظلمك لها بعد الزواج.
وإما أن مشاعر الحب ستتجدد بداخلك، وسترى لها جمالا آخر لا يراه الآخرون، وعندئذٍ توكل على الله، ولا تكترث برأي أحد، وخُذ خطوات إيجابية نحو الزواج، واعلم أن هذا القبول أو التوافق المبدئي أو الحب.. كل هذا ليس ضمانًا أكيدًا يجعلنا نُقسم أن هذا الزواج سيكون سعيدا، كما أن الجمال ليس ضمانًا أيضًا، فلا شيء يضمن السعادة إلا توفيق الله تعالى، واستمرار ودأب كل طرف من الطرفين في تحمل مسؤوليته تجاه الآخر، والرضا بسلبياته مع إيجابياته، واليقين بأن الكمال لله وحده، والحرص على الإرواء الدائم لزهور الحب والود والتفاهم بين الزوجين حتى لا تصيبهما الأيام والسنون بالذبول والأفول.
وأقول لك يا أخي نحن نعيش عصر هيمنة الحضارة الغربية، وهي حضارة المتعة -كما تعلم- حضارة المادة والجسد، ولقد تفنّنت هذه الحضارة في إعادة برمجة العقل البشري وتربيته على الشّره والاستهلاك، ولقد تأثّرنا بهذا دون أن ندري، وكان "جسد المرأة" مركبًا هامًا في الخطاب الإعلامي لهذه الحضارة، فطُبعت في الرءوس معايير شديدة الدقة للمرأة الجميلة من خلال الإعلانات والأغاني والأفلام، وأصبحت هذه الصورة هي الشكل الوحيد والأمثل للجمال، رغم أن الجمال -والله- له آلاف الصور، وكل امرأة لها من الجمال وحسن العشرة نصيب موزّع على جسدها وخلقها وروحها ودينها و....
والذي يتصور أنه عندما يختار الجمال الظاهر قد ضمن السعادة واهمٌ؛ لأن ما خَفِيَ كان أكثر بكثير مما ظهر، وكثيرون يقولون طالما أن الأخلاق وحُسن المعشر وتوافق الطباع لا تكشفها إلا السنون في كل الأحوال فلنظفر بصاحبة الجمال أضمن!! وجمالٌ في اليد خير من توافق على الشجرة أقول: كل شيء على الشجرة، حتى الجمال.. ما رأيك في جمال الحامل والمرضع؟ وجمال من تستيقظ من النوم ولم تغسل وجهها بعد؟
يقول -صلى الله عليه وسلم- إن من صفات الزوجة الصالحة "إذا نظر إليها سرته"، ولم يقل "الجميلة"؛ لأن السرور مبعثه النفس، وربما يسمى سرورًا؛ لأنه سر ودوافعه نسبية تختلف من شخص لشخص، والحُكم عندئذٍ لا تصدره العين وحدها، ولكن تصدره النفس والروح والوجدان.
اعذرني للاستطراد يا أخي، ودعني أُذكرك بأن الاختيار لك، وعليك أن تأخذ قرارك بعد رؤيتك لها غير مُعتمد على عيون الآخرين.
وأخيرًا استفت قلبك وإن أفتوك، ولا تنس استخارة الله تعالى ودعاءه.