السلام عليكم ورحمة الله
بارك الله فيكم، وجعل ما تقدمونه لنا في ميزان حسناتكم، وحفظًا لأهاليكم في الدنيا.. مشكلتي أنني بقدر ما أحب الضعفاء الفقراء، أو الطيبين من الأغنياء، والبسطاء من ذوي الجاه بقدر ما أحس بالكره الشديد للمتكبرين المتعالين على الناس.. لو توقف الأمر لحد هذا الشعور لهان، ولكن الذي يحدث لي أني أتمنى من أعماق قلبي أن يحدث لهؤلاء المتكبرين مكروه أو كارثة لأرى في أعينهم الذلة؛ ليذوقوا فقر الفقير وحزن المسكين.
فبقدر ما أنا في غاية الطيبة مع صديقاتي من النوع الأول، بقدر ما أحقد على اللواتي من النوع الثاني إلى درجة أنني أبخل عليهن بعلمي ومعلوماتي ونصائحي؛ لأنني أعلم أن كل زيادة في خيرهن تزيدهن تكبرًا وغطرسة وفخرًا على مَنْ هُنَّ دونهن.. أعلم أن هذا التصرف لا يليق بالمسلمة؛ لكن كيف أتخلص منه؟ فهناك من أتمنى لهن مصائب كبيرة ولو للحظات؛ حتى يرجعن إلى الأرض، ويعرفن أنهن لا شيء، وأنا أستغفر الله، ولكن يعاودني نفس الشعور تجاه كل متكبرة فخورة... عندي صديقات كثيرات وأنا محبوبة ويظن الجميع أنني غاية في الطيبة، ولا يعلمن أنني أتمنى الشر ولو مؤقتًا لبعضهن، مع أن هذا الشر لا يتعدى مستوى الشعور إلى الفعل أبدًا والحمد لله.
فما العمل... أرجوكم؟
ولكم فائق الشكر
16/7/2023
رد المستشار
من منا لا يبغض الكبر وأصحابه؟!، فالكبرياء من صفات الله ـ سبحانه ـ ونحن نشكر فيك حرصك وخوفك على نفسك من الوقوع في المحظور، ولكن نسألك بداية من أعطاك الحق في الحكم على الناس؟ ومن أين جئت بالقدرة على الحكم على الناس؟ ومن أدراك أن هذا الحكم الذي حكمتيه على الناس حكمًا خاليًا من هوى النفس التي لا تريد أن ترى من هو خير منها، فترى في كل من هو خير منها متكبرا ومتسلطا؟!
ومن أعطاك الحق – حتى لو كانوا بالصورة التي ترسمينها – أن تنزلي عليهم العقوبة التي ترينها مناسبة من وجهة نظرك؟ ثم من قال لك إن نزول المصائب أو زوال النعمة منهم سيصلح حالهم وهو حال لا يعلمه إلا الله.. فما نراه نحن خيراً لهم لإصلاح حالهم قد يكون شرا مستطيرا يفسد أحوالهم؟! إن الله ـ تعالى ـ خالقهم يقول في الحديث القدسي: "إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لفسد حاله".
ثم من أدراك بخبايا نفوسهم وبعلاقتهم مع الله؟ أو ليس باب التوبة مفتوحاً أمامهم حتى يعودوا إلى الله ـ عز وجل ـ فيتوب عليهم ويرحمهم إن شاء بدون تدخل منك أو من رغباتك التي ترين أنها تصلحهم؟ أم أنك أغلقت باب التوبة أيضاً في وجوههم؟
إنك يجب أن تصارحي نفسك وتواجهيها بكل هذه الأسئلة، وعندئذ سيتهافت هذا المنطق الشاذ الذي تبررين به لنفسك ما يمتلئ به قلبك من حسد، حيث إن الحسد هو تمني زوال نعمة الغير.. في حين أن الغبطة هو تمني أن أكون مثل هؤلاء الناجحين المتمتعين بنعمة الله سبحانه وتعالى.
وإذا كانوا فعلاً متكبرين كما تصفين فإن الحل هو دعوتهم والتقرب إليهم بتقديم الخدمة والمصلحة والعلم حتى يروا نموذجاً للعطاء فيتعلمون منه، أما حرمانهم من العطاء تحت ادعاء أنهم لا يستحقون أو أن العطاء والمساعدة ستزيدهم طغيانًا، فأنت في هذه الحالة مثلهم بل ربما أسوأ منهم؛ لأنك تعلمين الحق؛ ولأنك في مكانة علمية مرموقة قد لا تتأتى للبعض منهم، إن هؤلاء لا يستحقون منا الحسد بمقدار ما يحتاجون إلى الإشفاق والحكمة في التعامل. فلتكن نظرتك إليهم نظرة الطبيب المعالج؛ نظرة الشفقة والرحمة.. وانظري في نفسك أولاً، وإلى عيوبها قبل أن تنظري إلى عيوب الآخرين، وحاسبي نفسك فأنت أدرى بها وبعيوبها قبل أن تحاسبي الآخرين؛ عندها ترتاح نفسك وتخلص مما هي فيه، وإلا وقعت فيما تشتكين منه "وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِيْنَ * الَّذِيْنَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوْهُمْ أَوْ وَزَنُوْهُمْ يُخْسِرُون" صدق الله العظيم.
(اشتركت في الإجابة أ. سمر عبده)