السلام عليكم
الله يبارك فيكم وعلى هذا الجهد المشكور، أما بعد فإني أريد أن استشيركم في أمر مهم لي وأنتظر الرد منكم إن شاء الله، أولا أنا إنسان ملتزم والحمد لله أريد الزواج، وأجد نفسي مهتما بالجمال الشكل لأني أخاف أن لا أجد الجمال الذي أريده في زوجتي ويسبب ذلك لي شعور شيء ناقص، ولكن هناك صعوبة بأن تجد الصفات الجيدة للفتاة مع الجمال المطلوب،
فسؤالي، ما هو أهمية الجمال في الحياة الزوجية، وهل أثر الجمال هو مهم فقط في بداية الزواج، وهل إذا كانت الفتاة مقبولة المظهر، وفيها من الصفات الأخرى ما هو جيد جدا، يمكن أن تقنعك وتكفيك شكلا بحيث لا تشعر أن هناك شيء ينقصك؟
أرجو أن تكونوا فهمتم قصدي وأرجو أن أسمع ردا سريعا إن شاء الله
والسلام عليكم.
27/7/2023
رد المستشار
سؤالك أثار معاني كثيرة تدفقت إلى خاطري بمجرد أن انتهيت من قراءته، وأنا مبدئيا أتفق معك أن البحث عن الزوجة الجميلة شيء فطري، ولكن الشيء الجدير بالمناقشة هو: ما هي حدود وشروط هذا الجمال؟، وما هو الوزن النسبي للجمال وسط باقي شروط اختيار الزوجة؟ نحن نعيش في عصر عجيب ومعقد جدًّا، جعل لجسد المرأة عمقًا أكثر مما ينبغي، وفرض لجماله شروطًا بالغة الصعوبة.
في هذا العصر حيث تقدم النساء عروضًا حية مجانية لأجسادهن ومفاتنهن في الشوارع وأفلام السينما والإعلانات والأغاني على شبكة الإنترنت وحتى في فصول المدرسة؛ فأصبح الشاب المتدين في مأزق؛ فهو يبحث عن الزوجة التي تكفيه وتغنيه مع سُعار الإثارة والعري، وهو ما جعل الجمال شرطًا للزواج فوق كل الشروط، وربما قبل الدين؛ لأن من وجهة نظر هذا الشاب المجلود أن زوجة أقل تدينًا تعفه وتكفيه خير عند الله من زوجة متدينة أقل جمالا لا تقيه الفاحشة، إذن البحث عن الزوجة الفاتنة هو منتهى التدين، وربما يصبح الجمع بين الشرطين نافلة.
هذا مأزق خطير، ودعنا نتعرف أن شياطين الإنس والجن استطاعت أن تنسج خيوطه بإحكام، وقد نجحت إلى حد كبير أن تستدرج الشاب إلى أحد أمرين: إما أن يُعرض عن الزواج مطلقا ويكتفي بهذه الوجبات السريعة (المقررات السهلة) على حد التعبير في إحدى المسرحيات المصرية، أو إن كان قاصرًا على الزواج والفضيلة؛ فليبحث عن شروط الجمال الفاتن الذي أكل عقله فلم يعد يرى شرطًا أهم منه.
الرسول (صلى الله عليه وسلم) منذ 1400 سنة عندما استعرض دوافع نكاح المرأة ذكر المال والجمال والحسب والدين، ثم أطلق وصيته الشهيرة: "اظفر بذات الدين".. المجتمع عندئذ كان نظيفا، وكان الرضا بأقل الجمال ممكنا، ومع ذلك فإن التجارب والخبرات تؤكد أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) إذا سُئل النصيحة في عصرنا هذا لكرر الوصية نفسها بل زاد تأكيدًا عليها؛ لأن التجارب كما قلت أثبتت أن المبالغة في السعي وراء الجمال لم تقدم حلا بل صنعت مشاكل داخل الأسرة القائمة على غير أساس، وداخل المجتمع من تأخر سن الزواج عند مَن هي أقل جمالا من وجهة نظر الشاب.
ودعني ألملم خيوط الموضوع في النقاط الخمس التالية:
1-الجمال هو الشرط الأول والأخير في الاختيار عندما تبحث عن فتاة لتقضي معها ليلة أو بضع ليال، ولكن في الزواج صدقني يكون الأمر مختلفًا تمامًا.
الزواج حياة كاملة وهذه هي شريكتك فيها، وفي كل فصل من فصولها، وعليك أن تتعامل مع شجرة الزوجية كوحدة واحدة وليس مع ورودها دون أوراقها أو أشواكها أحيانا، في الربيع تتفتح الورود، ثم ربما مع الحمل أو الرضاعة أو الإعياء تختفي الورود قليلا، ويبقى الظل، وعندما تأتي العواصف والمشاكل والخلافات ربما تتناقص قيمة الورود وتتضخم قيم أخرى عندما تبحث عن الأم التي تربي لك ولدك أو الزوجة الوفية التي تتحمل أزماتك أو تفهمك وتتواصل معك أو تحفظك في غيبتك.
أقول لك: إذا كان الجسد هو الرباط الوحيد بينك وبين زوجتك، وإذا كانت الورود هي كل ما يعجبك فيها؛ فأبشر بانهيار قريب مع أول اختبار أو أزمة حقيقية.
2-الجمال نفسه شيء نسبي؛ لذلك فإن الرسول (صلى الله عليه وسلم) عندما تحدث عن الزوجة الصالحة فقد قال: إن زوجها "إذا نظر إليها سرته"، والسرور مشتق من السر؛ لأنه فعلا سر فهو شعور داخلي بالرضا لا يعلم مبعثه إلا الله، قد يكون السر في ابتسامتها الوضيئة أو حيويتها أو تؤدتها أو نضارتها أو خفة ظلها أو حيائها، لذلك فلا داعي أبدا أن نُضيِّق واسعًا، ونعتبر أن الجمال هو البوابة الحقيقية لسرور الزوج بدلا من أن نعطيه الفرصة ليتحسس أو يتذوق طعم وألوان السرور الأخرى.
3-أريد أن أسألك سؤالا: ستبحث عن زوجتك بين أي نوع من الفتيات، هل ستتخير ممن تكشف عن معظم جسدها حتى تتأكد أنها جميلة، وتضرب بالدين والأخلاق والتكافؤ الاجتماعي عرض الحائط؟ أم أنك ستبحث بين المتدينات ممن ربما لا تظهر إلا وجهها بدون مساحيق التجميل؟ ألا ترى أنه من الظلم أن تحكم عليها بالجمال أو القبح، وهي لم تدخل السباق إلا بوجهها فقط خاليا من المكياج، أما الأخريات فيشتركن في السباق بجسدهن كله، ما أدراك لو أنها اشتركت بكل أسلحتها فكيف ستكون النتيجة، ألا ترى معي أن القليل من المكياج مع بعض الملابس المناسبة كفيلة بأن ترفع رصيد الجمال لدرجة معقولة.
4-أذكر لك جملة تكررت مرارًا في إجابات سابقة، وهي: "أن العفة اختيار داخلي"، أي أنك أنت الذي تختار أن تكون عفيفا وأن تكون ممن قال عنهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "وليسعك بيتك". أما إذا اعتبرت شرط العفة والقناعة والكفاية هو الزوجة الجميلة، فمن يضمن لك تغيرات الأيام والسنين، وأهمس لك بكلمة: كلما كانت حياتك نظيفة وبصرك طاهرا ازدادت قناعتك بجمال زوجتك المعقول.
5-نصيحتي الأخيرة لك: أقول لك بأن هناك شيئًا اسمه القبول، وهو شعور بالارتياح، أدعوك أن تهتم به أكثر من الجمال، وأحسب أن فترة الخطوبة المعقولة ستكفل لك التأكد من وجوده أو عدمه، فإذا توافر هذا القبول مع ذات الدين والتكافؤ الاجتماعي والفكر؛ فاظفر بها بعد الدعاء والاستخارة، لعل الله يرزقك نعمة السكينة وهدوء النفس معها.
ويمكنك الإطلاع على ارتباطات حول هذا الموضوع منها:
التي تسُرُّه إذا نظر! مَن وبمَ؟
للاختيار غير الموفق تبعات.. وفتن
الزواج والاختيار العاطفي والعقلاني
فن اختيار شريك الحياة (1-5)
ويتبع>>>: الجمال والزواج: أحاديث قبل الارتباط مشاركة