السلام عليكم
مشكلتي هي غنى والدي؛ فأبى غني ولله الحمد، وهو مشغول عنا دائما، وأمي تعتقد أني كبرت وتحملني مسؤولية نفسي رغم أن عمري "18" سنة، بدأت أدخل موقع "الشات" في الإنترنت؛ لكي أهرب من همومي، أجلس عليه طيلة الوقت دون حساب لما أضيعه من وقتي، ولدي هاتف خاص في غرفتي مما يعقد الأمر عليّ، وها أنا أرغب كل يوم بالموت؛ حتى لا أتهور وأُخطئ؛ لأني إذا أخطأت سيقع اللوم علي وحدي دون الآخرين، إني أشعر بالوحدة، وأرى هذا الهاتف هو سبيل الفرار من وحدتي، أصحو في ساعات متأخرة من الليل وتراودني أفكار باستخدامه، ولكني أتغلب على الشيطان، وأخاف أن أضعف، فها أنا أنحرف يومًا بعد يوم.
أريد حلاً يبعدني عن وساوس الشيطان خاصة أني في مرحلة الثانوية العامة، وأمامي امتحانات ولا أستطيع المذاكرة لما أعيش فيه من رفاهية، أتمنى أن أرى والدي في الشهر ولو مره ليرشدني، فما زلت صغيرة لا أتحمل مسؤولية نفسي، أرجو المساعدة لكي أستطيع أن أُنهي هذه السنة التي هي سنة مصيرية، فأنا لا أفتح أي كتاب، وأمضي وقتي على الإنترنت للأسف، ولا أحد من أهلي يعلم ذلك؛ فأنا -ولله الحمد- أملك قدرة عالية على التحصيل؛ وكنت طيلة السنوات الماضية من الأوائل، حتى عرفت الإنترنت؛ فأصبحت من الناجحين فقط،
أرجو المساعدة فلم يبقَ شيء على الامتحانات،
إني أنهار يومًا بعد يوم، إني أغرق وأنهار.
28/7/2023
رد المستشار
أختي العزيزة:
أهلاً بك، وشكرًا على ثقتك بنا، وندعو الله أن نكون عند حسن ظنك.
يمكن بسهولة أن نلقي اللوم على والدك المشغول بأسفاره وأعماله عن أسرته، أو على والدتك التي تعتقد أنك كبرت، وتحملك المسؤولية قبل الأوان، ولكن هل إلقاء التبعة على الوالدين سيبرئ ساحتك، ويعفيك من المسؤولية وأنت في الثامنة عشرة من العمر، وهو عمر كانت صاحبته ـ حتى عهد قريب ـ تتزوج وتصبح أمًا وربة منزل مسؤولة عن تنشئة أطفال، ورعاية زوج، والنهوض بشئون أسرة.
يا أختي أنت لست بهذا الضعف الذي تتصورينه، وتعتقدينه عن نفسك.. نعم أنت وحيدة رغم أصدقاء "الشات"، نعم تشعرين بضغوط الثانوية العامة، وتتبدد طاقتك في مقاومة الأوهام والهواجس والأفكار الشريرة، ولكنك أبدًا لست صغيرة، ولا ضعيفة.
أنت قوة جبارة إذا اقتنعت بهذا، ولقد رأيت في مناسبات متعددة فتيات عربيات وغربيات في مثل سنك، وأصغر يتحدثن عن العالم بثقافاته ومشكلاته، ولديهن من القدرات والمهارات ما يفوق أترابهن من الشباب والفتيان.
الشعور بالضعف والضياع ناشئ عن الفراغ الذي تعيشنه، والذي تحاولين أن تكدسي فيه أشياء غير نافعة، ولا كافية لتملأ فراغ حياة فتاة يافعة في مثل سنك. وأعتقد أنك تحتاجين إلى:
أولاً: مقاومة هذه الهواجس عن ضعفك وقلة حيلتك...استعيني بالله في هذه المقاومة، وكوني على صلة مستمرة بنا، فنحن هنا إخوانك وأخواتك.
ثانيًا: وضع "خطة إنقاذ دراسية عاجلة" تقسم المواد الدراسية، وتضع في الحسبان المدى الزمني البسيط المتبقي على الامتحانات، وربما يكون هدف هذه الخطة الخروج بمعدل مرضٍ أفضل من الرسوب لا قدر الله.
ثالثًا: عون أسري يمكن أن يكون مصدره أبوك أو أمك إذا فتحت معهما الحوار حول اهتماماتك ومشاغلك وأفكارك، فالحوار بين أفراد الأسرة أمر لازم لاستمرار العلاقة بينهم، وعليك أن ترتبي لهذا الحوار، وتضعي قائمة بالموضوعات التي تريدين الحديث معهم فيها، ولا يغيب عن ذكائك اختيار الوقت والأسلوب الملائم لعرض الموضوع الملائم.
رابعًا: تحديد حازم لمسألة الإنترنت ـ ولو اقتضى الأمر وقف الاشتراك في الشبكة ـ حتى تنتهي على الأقل من الامتحانات.
خامسًا: صحبة صديقات صالحات مجتهدات في المذاكرة، وفي العبادة.. فهل خلت بلادنا ومدارسنا من الصالحات؟! اللهم لا، وأكبر دليل هو أنت نفسك.
يا أختي إن كيد الشيطان كان ضعيفًا، وليس له على الإنسان المؤمن القوي سلطان؛ فكوني هذه الإنسانة المؤمنة القوية بفضل الله واعتمادا عليه، وتقدمي لما يؤهلك له ذكاؤك وقدراتك من نجاح، وأقلعي عن كل ما ينال من احترامك لنفسك، واهتمامك بدراستك، ولا تخجلي من طلب المساعدة من كل من يستطيعها حولك: دراسيًا ونفسيًا واجتماعيًا: "إنما المؤمنون أخوة"، وصادقي أمك واقتربي منها أكثر.. وتحملي مسؤولية التكليف التي ألقاها الله علينا حين جعلنا نستطيع الاختيار بين الخير والشر.. وفقك الله وأعانك
والله مع العبد يؤيده ويصرف عنه السوء إذا دعاه ولجأ إليه، فلا تَمَلّي من طرق بابه. وفي انتظار أخبارك الطيبة.