السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أولا أحب أن أشكركم جميعًا على الجهود المبذولة، ولا أعرف كيف أبدأ مشكلتي. أنا فتاة في الرابعة والعشرين من عمري، أعمل منذ دراستي بالجامعة، وأعتمد على نفسي اعتمادًا كليا والحمد لله، مشكلتي أني كنت مخطوبة لقريب لي، ولم أكن موافقة عليه ولا أحد من أفراد أسرتي كان موافقا إلا أبي كان مصرا عليه، فاضطررت أن أوافق إرضاء لأبي ليس أكثر، ولكن الخطوبة لم تستمر بسبب خلافات حدثت، وأبي هو الذي أنهى هذه الخطوبة، وبعدها تقدم لي الكثير، ولكني خائفة من تكرار لحظات الفشل مرة أخرى، لقد رفضتهم لعيوب صغيرة، ولكن كنت خائفة من هذه العيوب في المستقبل.
لا أعرف هل أوافق على شخص لمجرد أنه "كويس"؟ أم أنتظر الحب الذي أتمناه طوال عمري؟ وهل إذا رفضت أحدًا دون أسباب أو كانت الأسباب ضعيفة أكون بذلك افتريت ولن أجد من يتزوجني؟ وإذا كانوا جميعا بنفس الصفات فلا أعرف مَنْ أختار
إنني في حيرة شديدة فهناك الآن ثلاثة ظروفهم متشابهة تقريبا، ولكني لا أعرفهم معرفة جيدة؛ فكلهم معارف سطحية، ولا أعرف من أختار، وقد صليت صلاة الاستخارة كثيرا كثيرا، ولكني ما زلت في حيرة من أمري دبروني ماذا أفعل؟
9/7/2023
رد المستشار
لقد عرفتك يا ابنتي!! أو بمعنى أدق عرفت أي نوع من البنات أنت! أنت تلك الفتاة الجادة التي تدرس وتعمل، أنهت دراستها الجامعية بنجاح، وما زالت تعتمد على نفسها، تريد الزواج وتتمنى الحب -كأي أنثى- ولكن هذه الرغبة لم تصبها بالخبل، ولم تجعل لعابها يسيل أمام الخطّاب الذين جاءوا لبذل الحب وطلب الزواج، ولم تمنعها من أن تدقق في الاختيار -بحكم رجاحة عقلها وجديتها- فلا تتسرع في القبول وربما ترفض لعيوب بسيطة.
ولكني كما عرفت عنك ما ذكرته في السطور السابقة، فإنني عرفت شيئا آخر وهو أنك عندما سألت السؤال: هل أوافق على شخص لمجرد أنه "كويس" -أي جيد- أم أنتظر "الحب" الذي أتمناه طوال عمري؟ عندما سألت هنا السؤال لم تعرفي معنى كلمة "كويس" ولا معنى كلمة "الحب"!! ولو عرفت معناهما لأدركت أن الإجابة –ببساطة- هي أنه لا غني عن الاثنين معًا!!
ولكن قبل أن نذكر معنى الكلمتين أدعوك أن تضعي خطوبتك السابقة في سلة المهملات أو صندوق الذكريات، أو تلقي بها في البحر -أو في نهر النيل بما أنك من "مصر"- لأنها ليست مقياسًا؛ ولأن الفشل الذي نتج عنها والذي أدى لزيادة تخوفك من أي تجربة أخرى، هذا الفشل له أسبابه الواضحة وهي عدم موافقتك منذ البداية، وعدم موافقة الأهل، وحتى الأب -وهو الوحيد الذي وافق- اكتشف متأخرًا أن الشخص غير مناسب فانضم لصفوف المعارضة التي هي منذ البداية "أغلبية"، ولكن كما تعلمين عندما تكون الأغلبية في بلادنا "ضد" الحاكم فإنها تعتبر "أقلية"، ويعتبر الحاكم –بمفرده- أغلبية، أنا طبعًا أقصد "الأب"!! لا تفهمي غير ذلك أرجوك!
على أية حال دعينا نعود لكلمة "كويس" "والحب"
الحب شرط لا غنى عنه، ولقد تحدثنا عن هذا الشرط كثيرًا، وقلنا بأنه ليس له درجة أو صورة واحدة، وإنما أقله القبول النفسي، وأعلاه العشق، وبينهما درجات كثيرة.
فالحد الأدنى من الحب إذن هو القبول النفسي، وهذا هو الذي تحدث عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما نصح المقبلين على الزواج بأن يرى كل منهما الآخر، لعل أن يؤدم بينكما، أي وكان هذا اللقاء اختيار قبول... وعدم الشعور بالقبول شرط كافٍ وشرعي للرفض، ولا يلقي عليك تهمة "الافتراء" التي ذكرتها في سؤالك، أو تهمة البطر أو الكبر.. أو ما إلى ذلك، ولعلك تطلعين على مشكلة سابقة بعنوان: إذا جاءكم من ترضون دينه، وكذلك المشاركة التي وردت عليها.. وهي تناقش أهمية القبول كشرط من شروط الزواج.
والقبول ببساطة هو ذلك الشعور بالارتياح الذي ينتابك عندما تتحدثين مع هذا الرجل، وأن الحوار ينساب بينكما في تلقائية وبساطة وعذوبة.
وربما يتأكد القبول إذا كان هذا الشخص من الأقارب، أو زميلا في العمل؛ وهو ما يعني أن فرص الاحتكاك أو التعامل قد كشفت وجود هذا القدر من الارتياح المتبادل.
أما صورة الحب التي تتمنينها فإن هناك طريقين للوصول إليها: الطريق الأول: أن تسقط فوق رأسك من السماء مثل الصاعقة، وهذا هو الحب الملتهب الساخن الذي يُفاجأ به المرء تجاه شخص معين من دون البشر بدون أي مقدمات.. وهذا رزق لا حيلة لك فيه، وإذا ظللت تنتظرين سقوط هذه الصاعقة، فربما يحدث هذا بعدما تتجاوزين الأربعين!! لذلك يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن أغلب البيوت لا تقوم على هذا النوع من الحب.
أما الطريق الثاني: فهو أن ينمو الحب من "الأرض" مثل النبتة، وهذا أيضا رزق، ولكنَّ لك فيه دورا؛ فالعلاقة تبدأ بقبول هادئ بسيط، ثم يأتي حسن العشرة، وحسن الخلق، وتحمُّل كل طرف لمسؤولياته واستيعابه لعيوب أو طباع أو أخطاء الطرف الآخر طالما أنها في الحدود البشرية المقبولة. وهكذا ينمو هذا الحب ويترعرع وتقوى فروعه لتصل إلى السماء، ولا أخفيك سرًّا أن النوع الأول -وهو الحب الصاعقة- هو أيضا إذا لم نتعهده بالرعاية وتحمل المسؤولية لكان مصيره الفناء والدفن تحت الأرض.
فعن أي حب تبحثين، عن حب قد يهبط من السماء إلى الأرض؟ أم عن حب يصعد من الأرض إلى السماء؟ أمَّا كلمة "كويس" فسأكتفي بأن أقول لك بأن ليس معناها كاملا أو منزها؛ فالكمال لله وحده، وإذا كنت تبحثين عن الكمال فإنك لن تتزوجي -ليس لأنك مفترية كما تقولين في سؤالك- ولكن لأنه كما ورد في الأثر: "من أراد أخًا بلا عيب فليكن بلا أخ"، وربما أكرر كلمة قالها زميلي د. عمرو أبو خليل كثيرًا وهي أنك يجب أن تحددي المميزات التي لن تتنازلي عنها، والسلبيات التي تستطيعين أن تتحمليها وتختاري بناء على هذا
وأخيرًا يا ابنتي، أدعو لك بكل خير، وأتمنى أن يستمر تواصلك معنا على الصفحة.