بسم الله الرحمن الرحيم،
قبل أن أبدأ في طرح مشكلتي أود أن أشكركم على هذا الموقع المفيد جدا، وجزاكم الله ألف خير. أنا طالبة جامعية، وفي السنة الرابعة هذا العام، البارحة اجتزنا آخر امتحان في شعبة الاقتصاد، لن أحدثكم عن ظروف الامتحان، فكانت سيئة، الكل يغش ويتحدث، لم أستطع أن أركز جيدا، لكن في كل الأحوال أحمد الله للآن الامتحان كان جيدا، ولم أجد صعوبة في اجتيازه.
في هذه السنة مررت بالعديد من الأزمات النفسية، وصلت إلى حد الاكتئاب، آخرها قصة حب أم إعجاب لا أدري أيهما أصح، كانت مع شخص خلوق وطيب ذي صفات حميدة، كما عرفت من صديقاتي؛ فكلهن يشكرن فيه، فكانت تلك بداية إعجابي به.
فهو لا يتردد عن مساعداتنا في كل صغيرة وكبيرة فيما يخص الدراسة طبعا فازداد إعجابي به أكثر، والمنى في نفس الوقت لعدم قدرتي على إزالته من تفكيري، بالطبع لم يكن له تأثير على دراستي، بل كان حافزا لي أكثر للاجتهاد في دراستي وأحقق طموحاتي، وألا يكون الحب هو شاغلي الشاغل.
جلست يوما مع نفسي وقلت ما الذي أعجبك في هذا الشخص هل أخلاقه؟ وماذا عن الدين؟ لا أدري، قررت آنذاك أن أضع حدا لهذا التفكير المتزايد، وأن أتعرف إليه أكثر فاتصلت به، وضربت موعدا للقائه في الكلية، مع أني استخرت الله في ذلك، المهم تحدثنا عن الدراسة، وعن طموحات كل منا، لكن لم أجد منه ما يثبت أنه معجب بي، أو مهتم بي، أعلم أني أغضبت الله والرسول الحبيب، لكن صدقوني لقد كان لا بد أن أفعل ذلك، حتى أعطي دليلا لعقلي، وأثبت أنه ليس الشخص المناسب لي، وألا أقع أسيرة لعواطفي.
مرت أيام واقترب موعد الامتحان، وبقدر اشتياقي لمجيء هذا الامتحان لرؤيته بقدر ما أدعو الله أن يوفقني في هذا الامتحان، لكن أجد دائما ما يصدمني؛ ففي الصباح الباكر من يوم الامتحان ذهبت إلى الكلية، وأردت أن أذاكر المادة قبل الموعد المحدد، بعد قليل إذ بي أراه من بعيد يقترب، أحسست برجفة في جسدي، ودقات قلبي تخفق بشدة، وكل فرحتي أن يأتي ويلقي علي السلام، لكنه مر أمامي متجاهلا رؤيتي، لا تدرون ما الألم الذي شعرت به، كرهت نفسي كثيرا، وجعلت المذاكرة هي الملاذ لكظم غيظي.
اجتزت الامتحان، وخرجت قبل الموعد بقليل، فشاءت الأقدار أن أراه ثانية، وأن أتألم مرة أخرى، وجدته وهو برفقة فتاتين أعرفهما جيدا، وهو يبتسم وددت لو أن الأرض تنشق وتبلعني ولا أرى ذلك المشهد.
رجعت إلى البيت منكسرة الجوارح، وبدأت أبكي وأبكي، لعل الجرح يندمل، لكن دون جدوى، أقول في نفسي ما الذي أعجبه فيها..هل لأنها جميلة وأنيقة وأنا لا؟ ولماذا أحب شخصا مثله أم هو مجرد خيال نسجته بنفسي، لا أجد أحدا أحكي له معاناتي إلا أنتم، مر على الحادث يومان، وما زالت نفسي منكسرة، وشهيتي منقطعة، ومنعزلة على نفسي، أصبحت عصبية جدا لأتفه الأسباب، علما أنها المرة الثانية التي أفشل فيها في الحب، ربما كان السبب هو البحث عن شخص طيب يفهمني.
قبل أن أنسي أود أن أقول لكم إني أتابع مع طبيب نفسي منذ شهرين، وأرجوكم كيف الخروج من هذا السجن الذي وضعت فيه نفسي؟ كيف يمكنني أن أبدأ حياة مليئة بالأمل؟ كيف يمكنني أن أعوض هذا الحب بحب الله ورسوله؟
عذرا على إطالتي وأرجو ألا تهملوا رسالتي، وألا تتأخروا في الرد علي
لا تنسوني في دعائكم أحبكم في الله.
11/7/2023
رد المستشار
إذن هو حديث القلب من جديد.. فلديك مربع فارغ الآن وتسألين بماذا أملؤه، وأقول لك إن السؤال الأهم هو "لماذا تريدين أن تملئيه؟!" فالحب وما يتطلبه من وجود شريك للحياة ليس طفلا تائها نبحث عنه، ونترصد ظهوره بين الحين والحين؛ فالترصد له والبحث عنه يجعلنا نقع في الوهم تارة، أو يجعلنا ننتقل من حبيب "مزيف" لآخر تارة أخرى. ولا تتصوري أنني أنكر عليك مشاعرك ولكنني أنكر عليك وجودها في غير محلها.
وأعود لسؤالي.. فأنت تدرسين، ولكن الدراسة في ظل مناهجنا المعروفة دراسة مملة، تبعث على الكآبة، حيث يتحقق التفوق فيها، ويزداد كلما ازدادت قدرتنا على استرجاع ما حشونا رؤوسنا به، إلا من رحم ربي. وأنت فرد في أسرة لم تأخذ دكتوراة في التربية؛ فمثلها مثل معظم أسرنا توفر الملبس والمأكل والتعليم والصحة لأبنائها، دون النظر لأبعد من ذلك إلا في النادر.
وأنت صديقة لأخريات يغلب على معظم أحاديثهن الكلام في مساحة الحب والزواج والجنس، الزينة وغيرها، والتي لا ترقى إلى داخل أنفسكن -إلا من رحم ربي- وأنت جارة.. قد تعرفين بعض جاراتك أو لا تعرفيهن؛ فإذا ألقيت عليهن السلام فأنت نعم الجارة!! -إلا من رحم ربي- وأنت وأنت وأنت.
ولكن لم يحدثك بعد بشر عن نفسك، من أنت؟ بماذا تحكمين؟ وماذا تريدين؟ ماذا تكرهين؟ ما هي أفكارك؟ ما هي تساؤلاتك التي تحيرك؟ وما هي معاناتك النفسية؟ فليس هناك هذا القريب جدا، سواء كانت أم أو جارة أو صديقة. فلا تجدين أمامك متنفسا سوى الحب، والحبيب الموعود فهو الشخص الذي سيحدثك عن نفسك، وعن مشاعرك، ووجدانك، وسيحتل مساحة كبيرة من تفكيرك، وأحلامك وإن كان وهما. وعندها فقط ستشعرين بوجودك، وأنك لست وحدك، وهذا هو الرد على سؤالي.
فأنت حزينة منكسرة، لأنك ستفتقدين الشعور بوجودك، وفراغ الشريك لن يملأه أي شيء آخر، ولكن نستطيع أن نتفاوض على مساحته، حتى يحين وقت وصوله، وليس تصيد وقت مروره.
فعلينا أن نحقق أمر الوجود بقدر المستطاع؛ لأنه أمر مهم يستحق أن نبذل له المجهود الكبير، وأنا لن أقول لك جديدا ولكن أطلب فقط نظرة جديدة لما سأقول.
• دراستك جزء من تحقيق وجودك فلا تجعليها ملجأ للهروب من التفكير في الحبيب؛ فهل تحتاجين لأن أحدثك عن أهمية حاجتنا لمتفوقين مبدعين؟.
• هواياتك وطموحاتك ليست بالضرورة أن تكون أعمالا عملاقة يشار إليها بالبنان ولكن يكفي أنك تحبينها وتتميزين فيها حتى وإن كانت ترفيهية حتى وإن كانت معنى، فمثلاً كونك محل ثقة الآخرين. هذا كنز لا يستهان به وعليك أن تستخدميه فهل ستستجيبين لدعوتي هذه؟!.
• صديقاتك.. جددي علاقاتك بهن وحاولي أن تديري دفة الحديث لأمور جديدة مفيدة عن أنفسكن فلم لا؟! فتلك الأحاديث أيضا لها متعتها وأثرها في عمق العلاقة ودرجة القرب بينكن.
يبقى استفساران أود أن أسألك عنهما.. الأول: أين حديثك عن أسرتك؟! والثاني: لماذا تتابعين مع طبيب نفسي؟! وأود أن أوصيك بقولي: كثيرة هي كلمات التشجيع وخطط توفير البدائل، إلا أنني أستطيع أن أقسم أن تلك الكلمات وتلك الخطط لن تؤتي ثمارا مثل الثمار التي نجنيها من العمل -أي عمل- فالعمل يقتل رفاهية التفكير فيما لا يفيد.
فلا تتركي نفسك لما أنت عليه ولا تبخلي على نفسك ببعض الوقت، ونفسك جديرة بالاهتمام والحب؛ لأنها غالية، فلا تؤلميها وترهقيها؛ فالله يغفر عصياننا له لكن جهازنا العصبي لم ولن يفعلها!! فهوني على نفسك تلك الآلام حتى لا تقعي في براثن الاكتتاب الماكر.