بسم الله الرحمن الرحيم،
إخواني وأخواتي في الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، عندما أتصفح في الاستشارات الصحية أجد الشيء نفسه.. الجنس.. البرود الجنسي.. وعندما أتصفح في الاستشارات النفسية أجد الجنس أيضاً.. يكدر صفو حياة الناس.. الزوجة تشكو قلة الرغبة وكثرة الطلب.. والزوج يشكو العكس تماماً!!
أحبتي، هل أصبح الجنس مشكلة راسخة في حياة الناس؟ هل الجنس شقاء أم سعادة؟ إخواني وأخواتي الأفاضل ، المتفضلين بالرد على السائلين، كل سؤال من هذا النوع.. عندما تردون عليه.. لا بد وأن تلقوا باللوم على التربية الخاطئة في الطفولة وتقاليد المجتمع، علما بأن هذه التربية الخاطئة يتلقاها الولد كما تتلقاها الفتاة، فلِمَ تموت غريزة الفتاة ولا تتأثر غريزة الفتى؟
إخواني في الدين، الغرب يعاني من نفس المشكلة، النساء الغربيات لديهن نفس الهم.. وهن يشتكين كما تشتكي المرأة المسلمة العربية المحافظة، كثير من المواقع الأجنبية التي تستقبل أسئلة من القراء.. مكتظة بهذه المشكلة. نساء الغرب اللاتي يعانين من قلة رغبتهن الجنسية وكثرة رغبة أزواجهن، لم يتربين على أن هذا عيب وحرام وقذارة! بل تلقين هذا الموضوع بأسلوب علمي ثقافي، وعشن في بيئات منفتحة جداً.. بل ماجنة متفسخة، ولكنهن أيضاً يقلن : إن رغبة المرأة أقل من رغبة الرجل .
إخواني الأعزاء، لم لا تعالجون هذا الموضوع من منظور آخر، غير الماضي وتراكمات الطفولة، كفانا حديثا عن الماضي، وعن تحكمه وسيطرته على الحاضر وتأثيره على المستقبل، هذه مشكلة عالمية.. يعاني منها من تربى على الحشمة ، ويعاني منها من تربى على الإباحية .
أنا امرأة متزوجة، ولا أعتبر أن الجنس مشكلة بيني وبين زوجي الفاضل، ولكني أعرف تماما أن رغبتي في ممارسة الجنس أقل من رغبته، ولكني أستطيع أن أسير حياتي؛ لأن فطرتي تقول لي بأن غريزة الرجل الجنسية أقوى بكثير من غريزة المرأة .
المرأة لديها غريزة.. تحب الجنس.. تحتاج إليه.. ولكن ليس بقوة وكثرة مثل الرجل، أعتقد أن هذه فطرة أوجدها الله لحكمة معينة، وتاريخ الإنسان يثبت هذه الحقيقة. أرغب بسماع ردكم الكريم ، وجزاكم الله كل خير على جهودكم الكبيرة الطيبة .
13/8/2023
رد المستشار
أختي الكريمة، سؤالك وصل إلينا في الوقت المناسب! كنا في انتظاره فأهداه إلينا القدر.
سؤالك يناقش قضيتين:
القضية الأولى هي : موقع الجنس في حياتنا.. وهل هو شقاء أم سعادة؟ ولماذا تجدينه عندما تتصفحين صفحة الاستشارات، وحتى الاستشارات الصحية!!
ولكني أقول لك -باختصار- إن الجنس غريزة طبيعية يحتاج إليها أي إنسان سويّ، وإذا مورس عن فهم ومع الالتزام بالضوابط التي أقرها الشرع فإنه يكون سعادة، وإذا مورس عن جهل وعدم التزام بالضوابط الشرعية فإنه يتحول إلى جحيم وشقاء، والأوساط الملتزمة دينيًا تخجل –للأسف- من مناقشة هذا الأمر، وهو ما أدى إلى تفشي الجهل فكثرت المشاكل التي تجدينها على صفحتنا، فحاولنا أن نقوم بهذا الدور الذي يستنكف الجميع أن يقوموا به، وهو نشر قدر من الثقافة الجنسية لوضع حل وحدٍّ لهذه المشاكل المدمرة ، وكان منهجنا دائمًا هو عدم الابتذال، والإجابة في الحدود التي تصلح ولا تفسد .
أما القضية الثانية التي تتناولينها وهي: حواء والجنس... فلعل في كلامك -يا صديقتنا- بعض المغالطات التي تستحق الوقوف عندها:
1- تقولين بأن الشكاوى تصل من طرف واحد -أولها صورة واحدة- وهي أن الرجل يطلب والزوجة لا تستجيب.
2- وتقولين بأن تشخيصنا لعدم استجابتها هو النشأة الخاطئة والحياء المذموم، وأن هذا التشخيص غير صائب بدليل أن المشكلة موجودة في الغرب أيضًا.
3- تقولين بأن التشخيص الصحيح هو تمرد المرأة على فطرتها، وأن عليها أن تعود لهذه الفطرة، وتدرك أن الرجل أكثر منها رغبة فتؤدي دورها على النحو اللائق دون تباطؤ أو تأفف.
وأقول لك يا أختي، أولاً: عدد المشاكل التي تصلنا من الزوجات اللاتي يشتكين عدم إرواء أزواجهن لهن ربما تزيد عن عدد المشكلات التي تصل من أزواج يشكون برود زوجاتهم!!
وبعض هذه المشاكل يعرض على الصفحة، وأغلبها يتم الرد عليه خلال البريد الخاص.
أريد أن أصل من هذا إلى حقيقتين:
1- ليس بالضرورة أن كل الرجال أكثر شهوة من النساء.
2- الإرواء الذي تطلبه المرأة ربما يختلف في صورته وكيفيته عن الرجل، ولكنه لا يختلف في مدى شدة الاحتياج إليه، فدرجة الاحتياج في الطرفين واحدة.
بمعني أن الرجل ربما يحتاج إلى أن تثيره زوجته بجسدها وزينتها وعطرها، فيقبل عليها ويقضي وطره، ويصل إلى "المحطة الأخيرة وهي الإيلاج ثم القذف".
أما المرأة فهي تحتاج أن يثيرها زوجها بالكلام الرومانسي واللمسات الدافئة، والمعانقة اللطيفة والقبلات الناعمة، كما يقول "نزار قباني" في أحد أشعاره ـ على لسان المرأة....
يخبرني أني تحفته *** وأساوي آلاف النجمات
وبأني كنز وبأني *** أجمل ما شاهد من لوحات
كلمات تقلب تاريخي *** تجعلني امرأة في لحظات
فتصل المرأة إلى محطتها، وهي رعشة الشبق، أو ربما لا تصل إليها ـ وهذا يحدث في 30% من النساء ـ ولكنها تكون قد ارتوت ـ وحصلت على ما تحتاج إليه.
أرأيت معي أن صورة الارتواء تختلف تمامًا من الرجل للمرأة، ولكن درجة الاحتياج واحدة، وعدم حصول أي من الطرفين على ما يريد يؤدي إلى توتر علاقته به، ويؤدي إلى العطش أو البرود أو التوحش أو الانحراف.. ربما لا يكون كل الرجال سواء، ولا كل النساء سواء، ولكني أنقل الصورة العامة والغالبة من وحي خبرتي، وخبرة الصفحة ولكل قاعدة استثناء.
ثانيًا: تشخيصنا هو التنشئة الخاطئة للطرفين، وما زلنا مصرين على هذا التشخيص، فهناك خجل المرأة من أن تطلب وتحدد ما تريد، حيث تعتبر أنها إن فعلت هذا ستسقط في نظر زوجها الذي ينظر إليها على أنها القطة المغمضة العينين البريئة الحيية فإذا بها تتناول هذه الأمور!!
وهناك ـ على الجانب الآخر ـ جهل من الرجل، أن المرأة تريد أصلا ناهيك عن ماذا تريد بالتحديد؟!
وهناك جهل بتعدد أوضاع الجماع ليبحث كل طرف عن أفضل الأوضاع له هو شخصيًا أو زوجته، وهناك جهل بأن هناك وسائل لا متناهية ليثير كل طرف الآخر، وكلها مباحة ما عدا الإتيان في الدبر ـ فتحة الشرج ـ والإدخال أثناء الحيض، وهناك... وهناك...
وهذه التنشئة الخاطئة، يا أختي وإن كانت لا تأخذ نفس صور الجهل عند الغرب، ولكنهم ليسوا عنها ببعيد، وربما تجدين قاسمًا مشتركًا يربط بين الشرق والغرب من حيث الخلل في الوعي بهذا الموضوع، وهذا الخلل ـ في الشرق والغرب معًا ـ يتمثل في النظرة إلى جسد المرأة أو معاملة المرأة على أنها جسد مع إغفال الجانب الوجداني أو العاطفي فيها، والذي تنبع منه احتياجاتها وإذا أهمل فإنه يضمر وتُصاب بالبرود.
ألا تتفقين معي أن الغرب هم الذين استخدموا جسد المرأة في الإعلانات والأفلام والأغاني وعروض الأزياء والنوادي... هم أيضًا يتمحورون حول "المرأة الجسد"، وعندئذ لا تجدينهم مختلفين عنا كثيرًا، فالزوج ربما يطأ زوجته كالبهائم ولا يراعي أن طلبها مختلف عنه وتتكرر الشكوى في الغرب كما في الشرق.
والله تعالى لفت أنظارنا لحل المشكلة ببساطة حيث قال: "قدموا لأنفسكم"، مع العلم أن التقديم لا يكون في اللحظات السابقة لعلاقة الفراش مباشرة، وإنما على الزوج أن يقدم لنفسه طوال اليوم بالكلمة الناعمة والنظرة الحانية والقبلة الهادئة.
وأذكر مقولة لإحدى الزوجات تقول: "إن زوجي لا يتذكر أني امرأة إلا عندما يأتي الليل، وهو طوال اليوم يعاملني كما يعامل الرجال!!".
ثالثًا: أنت تقولين بأن العلاج هو أن نعيد المرأة لفطرتها ونفهمها أنها أقل شهوة من الرجال، وأنا ربما أتفق معك إذا قلت إن جزءا من الحل هو أن تدرك المرأة أن دورها في إرواء الرجل دور حيوي.. وأن لها عظيم الأجر إذا قامت به على أكمل وجه، لكن هذا لا يغني عن الشق الثاني وهو أن يسأل الرجل نفسه:
وماذا تريد مني زوجتي؟! فإذا أعطاها ما تريد كيفما تريد فإنه يسهل عليها المهمة في أن تعطيه ما يريد. وهذا طبعًا مع التفاوت ـ كما قلنا ـ بين امرأة وأخرى، وبين رجل وآخر، فطلبات هذه غير طلبات تلك، وطلبات هذا غير طلبات ذاك.
وأخيرًا إذا أراد كل إنسان أن يتناول المشكلة على مستواه الشخصي، فعليه أن يهتم بأداء ما عليه سواء قام الطرف الآخر بأداء ما عليه أم لا؛ لأننا في النهاية سنلقى وجه الله تعالى، وهو ـ سبحانه ـ الذي سيحاسب كلا على تقصيره، فإذا استطاع أحد الطرفين أن يروي الآخر فليفعل، وليعلم أن الله تعالى مطلع عليه، ولن يضيع عمله.
ولكن إذا أردنا أن نتناول المشكلة كقضية اجتماعية فعلينا أن نتناول دور كل طرف على حدة ونوضح ما له وما عليه.. مرة أخرى أشكرك على هذه المساهمة الطيبة، ومرحبًا بك في صفحتنا.
ويتبع>>>: المرأة الجسد: تحطيم الأصنام، ودحض الأكاذيب مشاركتان