السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
جزاكم الله خيرا كثيرا، وأرجو أن أجد لديكم حلا لمشكلتي وإجابة شافية وافية. وأعتذر مقدما عن الإطالة لأنني أشعر أن ذكري لتفاصيل كثيرة مهم في فهم أبعاد المشكلة ويساعد في حلها وأرجو أن يتسع صدركم لذلك.
أنا متزوجة من 6 سنين، ولم أكن أتوقع بتاتا أن أتزوج بهذه الطريقة؛ فقد تزوجت زوجي بالطريقة التقليدية، كما أنني كنت دائما رافضة لأن أتزوج من رجل يعمل ويقيم بالخارج؛ لأني كنت دائما أؤمن بـأن الأسرة يلزم لها الاستقرار، وإن الأب الغائب البعيد عن أولاده من أجل المال يؤدي إلى أبناء غير أسوياء نفسيا واجتماعيا، ولكني وافقت على عريسي على أساس أنه قال إنه لا يريد الاستمرار في الغربة وإنه ينوي الزواج بعد سنة وأن يستقر في البلد نهائيا بعد سنتين من الزواج.
وافقت ووافقت أسرتي (أسرتي توافقني في قناعتي بأن لغربة الأب ثمنا يدفعه الأبناء والأسرة) على أساس أن المدة لن تطول ولكنها طالت إلى الآن إلى أن أصبح لدينا طفلان الأكبر 5 سنوات والصغرى سنتين، و6 سنوات من الزواج، وأحمد الله أنه رزقني بزوج طيب الأخلاق أحبني واحترمني وأب حنون إلى أقصى درجة وأقر بأن زوجي كان حريصا دائما على أن يكسر عام العمل بأن ينزل إجازة أو أن يرسل لي لأقيم معه 3 شهور فأطول فترة قضيناها بعيدا كانت 8 شهور، وهي فترة حملي في ابني الأكبر.
وأرجو ملاحظة أنه تعذر أن نقيم معه في بلد عمله لأنه بلد أوروبي، إذا أقمنا معه فسنصرف كل ما يأتيه من نقود ولا يدخر شيئا، ونحن لا نريد ذلك على أساس أن فترة غربته هذه مؤقتة ولا ننوي الاستقرار في هذا البلد لما عندهم من تقاليد مخالفة لديننا الحنيف ولا نريد أن يقيم أولادنا في هذا الجو الفاسد.
ولكن المشكلة أن زوجي نشأ في أسرة غاب عنها الأب عشرين سنة وهم خمسة أبناء نشئوا في رعاية أمهم كانت لهم الأب والأم فهو يرى أنه برغم غياب أبيه عنهم فقد تربو أحسن تربية وكلهم جامعيون وهنا أساس المشكلة. فبرغم المشقة التي يعانيها زوجي من الغربة وبعده عن أهله وبيته وأبنائه فقد تحمل ذلك في سبيل ما نسمعه دائما من تأمين مستقبل الأولاد وتأمين مستوى معيشة أفضل للأسرة، وأنا دائما وأبدا أعلن له أني لا أستطيع تحمل ذلك، وأن أمه كانت بطلة، أنا لا أستطيع ولا أقوى أن أكون مثلها وأطلب منه دائما أن ينظر إلى أمه التي خسرت حياتها كلها وصحتها وأبيه الذي يعيش الآن ضيفا في بيته ولا يوجد بينهم أي وئام.
ولا أخفي عليك سيدتي أني جربت معه كل شيء؛ فأنا لا أطيق العيش بدونه ومسؤولية الأولاد بدأت تزيد علي؛ فلقد انتقلت للعيش في بيت الزوجية بمفردي مع أولادي بعد ما كنت أعيش مع والدتي، وكثيرا ما بكيت له من قسوة الحياة بدونه، وأحيانا أظهرت له تجاهلي له وأنني أستطيع أن أعيش حياتي بدونه حتى يخاف على أسرتنا وحبنا، لدرجة أني أظهرت له تمثيلا أني أهمل في الأولاد حتى يخاف عليهم ويفكر أن ينزل هو ليرعاهم.
المهم أني جربت معه كل الطرق، اختصارا.. هو مقتنع تمام الاقتناع بأننا في حاجة له وأنه في حاجة لنا، ولكنه يخاف من النزول إلى مصر مع الغلاء المنتشر وخصوصا أنه لا يوجد له عمل هنا وليس معنا المال الذي يفتح مشروعا. وأخيرا بعد ظهور بعض المشاكل له في عمله في البلد الذي يعمل به ونظرا لأنه سيترك عمله هذا ويبحث عن آخر.. فقد وجدته يقول لي إنه سينزل للتجربة في مصر، ومادام سيبحث عن عمل فليبحث عنه هنا أفضل، على الأقل يكون معنا ويكون بعيدا عن جو كثيرا ما ضج منه، وهو الجو الفاسق فهو في بلد أوروبي كما سبق ووضحت، ولله الحمد هناك بعض المال في البنك سيساعدنا حتى نستطيع البدء من جديد حسب ما يوفر لنا الله من رزق، سواء كان عملا ثابت أو مشروعا أو ...أو.....
برجاء سيدتي لا تلوميني، بل ضعي نفسك مكاني وتذكري دائما أن هناك أطفالا يحتاجون لوجود أبيهم أكثر من ماله وأرجو أن تقفي في صفي.
مشكلتي الآن هي أهله الذين يحاربون هذا القرار بكل ما أوتوا من قوة، ولا أريد أن أكون ظالمة وأقول لك إنهم لهم مصلحة في عدم نزوله؛ لأنه بالتأكيد لا يخفى عنك أن أي رجل مغترب يساعد أهله، ولكن دعينا من هذه النقطة فلا أجدها جوهرية، وأصدقك القول إنها لا تؤثر عليّ، وإنني لم تأت عليّ لحظة أرفض أن يساعد أهله في أي شيء مع مراعاة أنه ليس كلهم يمانعون على أساس أن لهم مصلحة.
المهم أنهم يلحون عليه في الرجوع عن هذا القرار: "أولادك ما زالوا صغارا، لا تنظر لمصاريفهم الآن.. بل انظر بعد أن يكبروا.. إذا لم تتعب من أجلهم الآن متى ستتعب؟ نحن هنا معهم ومع زوجتك لا تقلق عليهم.. لن تجد عملا هنا وستصرف كل ما ادخرت وترجع مرة أخرى للغربة خائبا مرغما يائسا.. العيشة هنا صعبة على من بدأ حياته واستقر؛ فكيف من سيبدأ من جديد.. لا أحد يفعل ما ستفعله، الوضع الذي ترفضه أنت اليوم يتمناه آلاف بل ملايين الشباب... أنت جاحد للنعمة التي أعطاها لك ربك، فسيجزيك الله أسوأ عقاب... لن تتحمل أن يريد ابنك شيئا ولا تستطيع أن تلبيه له... أنت لا تعيش هنا ولا تعلم ما نحن فيه من غلاء"..
وهم أيضا يحاولون معي على أساس أن أقنعه وأتكلم معه وهم يعلمون جيدا أنني غير راضية عن وجوده بعيدا، عني فكان لديهم دائما الشعور أنني لا أقويه على غربته ولا أشجعه عليها فأصبحت الجرعة من الإقناع لي أنا مكثفة بحكم أن الكلام معه يقتصر على بعض المكالمات التي لابد لها أن تنتهي أما الكلام معي فلا ينتهي، وحتى أتجنب هذا العذاب الذي يكاد يكون يوميا ومن أطراف كثيرة أخذت موقف الزوجة المغلوبة على أمرها التي أخذ زوجها قرارا بدون أخذ رأيها والتي تعارضه فيه وتكلمه كثيرا أن يغيره ولكنه دائما وأبدا يأخذ القرارات من دماغه وأنه يعاند إذا عارضته في رأيه ولا يسمع إلا صوت نفسه حيث إن هذا الموقف هو الموقف الذي كنت أتخذه دائما إذا أراد زوجي النزول في إجازات متكررة وعارض أهله ذلك حرصا على مدخراته وعلى أساس أنه كان ينزل هذه الإجازات على حسابه الخاص وأيضا كنت أتخذه إذا فعل زوجي أي فعل لا يرضيهم.
أما موقف زوجي فإنه يرى أن هذه هي حياتنا وليس من حق أحد أن يتدخل فيها ودائما ما يهدئ من روعي ويقول لي إن أي إنسان يتكلم من وجهة نظره ومن واقع خوفه علينا ولكن لن يعرف أحد ظروفنا أكثر منا ولن يشعر أحد بما نتألم له ونحس به ولقد كنت أرجو لو أن زوجي لم يقل لهم ذلك إلا عندما يأتي ويصبح الأمر أمرا واقعا وهو يتعجب كثيرا من أنهم ما زالوا يتحدثون في نفس الموضوع مع أنه منته بالنسبة له.
ولا أخفي عليك أن زوجي أخذ موقف المدافع عن وجهة نظري القديمة أن هذه الأيام التي تذهب من عمرنا لن تعوضها كنوز العالم، وإنه كما يقولون من يرزقه في غربته سيرزقه في بلده ولا أخفي عليك أيضا خوفي من هذه الخطوة ولكني أؤمن بأن الله لن يخذلنا. ولكن ما أرجوك أن تساعديني فيه هو أنني مللت من موقف الزوجة المغلوبة غير الراضية عن موقف زوجها أمام أهل زوجي، من ناحية لأنه موقف غير صحيح وأنا لا أحب أن أعلن غير ما أخفي، ومن ناحية أخرى أنني لا أستطيع الاستمرار عليه لأن زوجي سينزل في موعد إجازته السنوية العادية ثم لن يعود.. فستكون فترة الإجازة فترة كلها ضغوط من أسرته ومناقشات وإقناع حتى يعود.
فكيف لي أن أستمر في موقفي ثم أنني أريد أن أعلن مؤازرتي لزوجي والوقوف بجانبه فكثيرا عندما يمسكني أحد من أسرته ويعمل لي غسيل مخ أحاول جاهدة ألا أصرخ معلنة رفضي لما يقولون، ولدي رد لكل حجة يقولونها بعشرات الحجج، ولكنى لا أستطيع فعل ذلك لأني للأسف لا أتمتع بشجاعة المواجهة وكثيرا ما جئت على نفسي لإرضاء أي من أهل زوجي وإذا فعلت أي شيء لا يرضيهم أخفيه ولا أعلنه ولا أعلن أمامهم أي موقف معاد لأفكارهم التي غالبا ما تخالف أفكاري.
مختصر الكلام أنني لا أستطيع أن أظل على موقفي ولكن أي موقف أتخذ حتى لا أقع في مشاكل وبأي طريقة أساند زوجي وفى نفس الوقت أخلص من وجع الدماغ كما يقولون خاصة أنني أريد كل شجاعة وإقدام وتأييد ونفس طويل حتى أواجه المرحلة القادمة من حياتي التي بالتأكيد لن تخلو من مصاعب حتى يكتب لنا الله الاستقرار.
20/8/2023
رد المستشار
الحياة اختيارات ولكل اختيار "ثمن" علينا أن ندفعه، ولا يوجد اختيار ليس له ثمن وهذا ما تريدينه للأسف هو غير واقعي، فأنت تريدين أن تكوني على طبيعتك دون "تمثيل" بشرط ألا تواجهي أحدا، تريدي أن تقنعي زوجك دون أن تتحدثي إليه بالطريقة التي يفهمها، تريدي أن يعود دون أن يحدث إزعاج من أهله أو مشكلات.
وأقول لك أنه قد آن الأوان أن تنضجي، وأن تبدئي بحق ممارسة حياة زوجية طبيعية فيها تواصل مستمر بزوجك واحتكاك بأهله في مساحات الاختلاف معهم وأن تتعلمي أن تكوني ذات رأي في حياتك الخاصة -رغم أني أجدك في منتهى الذكاء حين تقومين بهذا الدور لتكسبي ما تريدين.
وعليك أن تختاري أن تكوني الأكثر ذكاء ولباقة بالشكل الذي يجعلك تواجهين مشكلاتك المتوقعة مع أهل زوجك دون "صيحات" مزعجة أو "تمثيل" مستمر فلن يجدي هذا ولا ذاك فقد يجعلاك تكسبين موقفا أو قرارا من ضمن قرارات، لكنهما لن يكسباك قضيتك الأهم وهي الاستقرار في حياتك الزوجية كما تؤمنين.
وأنا لا أختار لك، ولكني فقط أشجعك على الصواب، كما أني أراك ترفضين الاختيارات الأخرى وتكرهينها كأن يظل مغتربا أو أن تظلي على حالك هذا بدور ليس حقيقي، وما أستطيع أن أنصحك به هو أن تزيدي في رصيدك لديهم قبل وقت نزوله رصيد يملأه المودة والتعاون والدفء والعلاقة الجيدة مع أولادك مع إدخال مساحة المواجهة أو بمعنى أصح التعبير عما تريدين بلباقة وذوق مع حسم.
وهذا لن يأتي بسهولة ولكنه سيأتي حين تكتسبين ثلاثة أمور؛ أهمهم على الإطلاق الرغبة في التخلص من هذا الدور وبداية التعبير عن رغباتك ونقل هذه الرغبة من مساحة "التمني" لمساحة "الفعل"، الثاني؛ التدرج في فعل هذا حتى لا تخسري ما تريدين أو تخسري أهل زوجك، والثالث؛ الزيادة في جرعة القرب والود منهم حتى تعتدل الكفة في حكمهم وعلاقتهم بك فيفهموا بعد قليل أو كثير أنك الزوجة الودود المتعاونة ولكن في نفس الوقت التي لها رأي والتي تتحمل تبعات اختياراتها التي تصر عليها وتراها الأفضل من وجهة نظرها.
وأخيرا.. أنبهك أن تواجد زوجك في حياتك مع أولادك بالشكل الطبيعي سيجعلك تكتشفين أمورا لا تتوقعينها أو غير معتادة عليها؛ كفقدك لبعض حرية التصرف أو أنك لم تعودي صاحبة القرار الوحيد أو أي تغيرات تكون قد طرأت على زوجك بسبب الغربة والحياة وحيدا حتى وإن كنت قد شاركته بعض الوقت بالخارج، ولكن المعايشة الكاملة وسط مجتمعكم وأهلكم لها مطالبها، فأرجو أن تؤهلي نفسك لهذا.