انتهاء الصلاحية.. بين العنوسة والعادة السرية
*متابعة صاحبة المشكلة
أختي الحبيبة د. سحر.. لا تعلمين كم أراحني ردك إلى حد البكاء. أنا صاحبة مشكلة: انتهاء " الصلاحية " .... بين العنوسة والعادة السرية، إن مجرد وجود الرد أعطاني إحساسا مريحا كأني أرحت رأسي على صدر صديقة وبكيت.. جزاك الله عني خيرا.. هل تأذنين لي أن أزيد الفضفضة معك قليلا؟
علمت بموقعكم هذا من صديقة تصغرني في درس القرآن، ومن أجل أن أبوح بمشكلتي قررت أن أتعلم الإنترنت؛ فأنا كنت وما زلت في حاجة لكل وسيلة لكي أطفئ النار. اسمي الحقيقي بالمناسبة "ياسمين"، لكني أفضل "الياسمينة الذابلة" وآهٍ يا أختي لو تعلمين! إن أبي وبقية أهلي ومجتمعي لا يعترفون بأن المرأة لديها مشاعر جسمانية ورغبات هي الأخرى.. طالما حلمت وتمنيت منذ كنت في العشرينيات من عمري برجل على خلق ودين أريح رأسي على صدره ويشبعني عاطفيا قبل أن يشبعني جسديا، وإن كنت محتاجة لإشباعي جسديا أيضا.. إنه شعور فوق طاقتي، وليسامحني الله.
حين فاتحت أمي بشوقي إلى الزواج حين بلغت الثلاثين وما زال أبي على تعنته علق هو في ثورة عارمة: "عايزة إيه بنت الـ …. هي عايزة تعرني؟!!" إنه لا يقر أبدا أن للمرأة مشاعر وأحاسيس، ويعتبر هذا انحلالا. وحين وافق مرة بصعوبة على خطبتي وهي المرة الوحيدة بالمناسبة، أرهق خطيبي بالمطالب المادية، وحين لم يتحمل وانسحب في النهاية، قال أبي: "كلب آخر.. طمعان في مالك!!".
آهٍ هل تعلمين يا أختي رغم هذا فأنا أحبه جدا، ولم أعجب بنقدك العنيف له؟.. لكني الآن أحترق.. لقد قلت لك عن نار الشعور بالخوف من الله والخزي عند ممارسة العادة السرية، ولكن هل قلت لك عن نار نظرات الناس؟ هل قلت لك عن تساؤلاتهم المهذبة والفجة على حد سواء؟ هل قلت لك عن سخرية موظفة البنك، وهي امرأة مثلنا حين ذهبت لاستخراج كارت فيزا، وملأت بياناتي فعوَّجت فمها، وظلت تناديني عند كل إجراء: يا "آنسة" فلانة رغم أني حاولت لفت نظرها إلى أن تقول أستاذة أو حتى مدام وخلاص؟
هل قلت لك عن تعليقات الرجال في العمل؟ لا أدري.. اللهم أعطني الصبر. فكرت أن ألبس دبلة زورا، لكن ماذا عن الذين يعرفون؟ يا ربي.. حتى بطاقة الرقم القومي مكتوب فيها "آنسة" أو "عانسة" لا فارق! آه ولا أدري لماذا وضعوا ذلك البيان السخيف الذي يجردني أمام الناس في كل مرة أستخدم البطاقة.
بالمناسبة يا أختي أنا أعرف أكثر من "عانس" أخرى.. يبدو أنها مشكلة ستكون عامة.. ولا أدري إذا كان الشباب يتعذبون والبنات يتعذبن فلم كل هذا العذاب؟ لماذا لا ييسر الأهل الزواج؟
أختي الحبيبة، عذرا فقد أطلت عليك في مشكلة بلا حل، وإن كنت أسألك شيئا فأنا أسألك الدعاء ولو حتى بالموت، وليسامحني الله الذي هو أرحم من كل البشر.
*مشاركة صديقة للصفحة : مسلمة - السعودية
حقيقة ليست مشكلة، وإنما تناصرا مع الأخت التي عنوان مشكلتها : انتهاء الصلاحية.... بين العنوسة والعادة السرية .. حقيقة .. أرجو نصيحتها بأن تذهب لأقرب قاضٍ في المحكمة وتطلب تزويجها.. لقول رسولنا -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه.. إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"، فهل تنتظر حتى يحدث الفساد الكبير؟
وأفتى علماؤنا في السعودية بأنه تسقط ولاية والدها عنها طالما أنه لا يخاف الله، وتذهب ولايتها إلى أخيها أو عمها أو ما يحدده القاضي.. وحتى إن سبب لها ذلك مشاكل مع والدها، لكن بقاءها دون زواج وهي تشعر بهذا له خطر كبير.. ليس على نفسيتها فحسب، وإنما على دينها ومدى تمسكها؛ فالذئاب كثيرون، ونحن في آخر الزمان.. القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر.
وحقيقة لقد بكيت ودموعي لم تتوقف وأنا أقرأ رسالتها.. أسأل الله الحي القيوم الجبار المتكبر أن يرزقها الزوج الصالح الذي يعينها على طاعة الله، وأن يهدي والدها وجميع المسلمين لما فيه صلاح دنياهم وآخرتهم، وأن يرزقها ذرية صالحه تدعو لها بعد مماتها، وأن يجنبها الفتن ما ظهر منها وما بطن..
اللهم آمين.
وجزاكم الله خيرا.
20/8/2023
رد المستشار
تلقيت رسالتين : إحداهما متابعة من الأخت صاحبة مشكله : انتهاء "الصلاحية" ... بين العنوسة والعادة السرية ، والأخرى مشاركة وتآزر من إحدى أخواتنا الفضليات مع صاحبه المشكلة. ولقد آثرت أن أعرضهما معا، ونشكر لأختنا الكريمة -التي تعاطفت مع المشكلة- إيجابيتها، ونعرض مشاركتها على الأخت صاحبة المشكلة؛ ولها الخيار في أن تلجأ للقضاء كما أشارت عليها أختنا، وإن كنت لا أحبذ تصعيد الخلافات العائلية، ونقلها إلى ساحات القضاء إلا في حالات الضرورة القصوى، وبعد استنفاد كل سبل العلاج الأخرى؛ من حوار ونقاش وإشراك أطراف أخرى في النزاع.
وكما رأيت من ردها علينا أنها تألمت لنقدنا لوالدها؛ فهل تتوقعين منها أن تقف في ساحات المحاكم لتقاضيه، وهو الأب الذي وصى به الله حيث قال: (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا).
وأنت يا أختي الحبيبة.. أهلا بك مرة ثانية ومرات؛ وبقدر ما آلمتني رسالتك بقدر ما سعدت جدا بتواصلك معنا ثانية، فكم يسعدنا أن نشعر أن الله منَّ علينا، وجعلنا ملاذا لكل مكروب، ويعلم الله أننا نعايشكم، ونتألم لألمكم ونبكي معكم، ونتمنى أن تمتد أيدينا لتصل إليكم وتذيل ما يؤلمكم، وتمسح دموعكم.
والحمد لله أن جعل في كلماتنا القوة والصدق بحيث تصل مشاعرنا إليكم، وأرجو أن تغفري لي نقدي لوالدك فتعاطُفي معك هو الذي دفعني لذلك، ولكن جل غضبى كان موجها للمال الذي أصبح يعمي بصيرة الكثير منا.
وقد يكون من المفيد أن نناقش من خلال رسالتك قضية من القضايا الهامة في مجتمعاتنا، وهي قضية سلبية المرأة (الابنة، والزوجة، والأخت) أمام دكتاتورية وتسلط الرجل (الأب، والزوج، والأخ)، قد يريحنا -نحن النساء- أن نصب جام غضبنا على الرجل، ولكني أعتقد أن اللوم يجب أن يوجه للضحية التي قبلت ورضيت بالظلم ولم تحرك ساكنا لرفضه، والحركة التي أقصدها تعني جهاد النفَس الطويل لتغيير الأمر الواقع بالحوار والمنطق والإقناع. وكلما خسرت المرأة جولة أو لم تحقق نصرا ملحوظا وجب عليها أن تستعد لجولة أخرى من النضال، فإذا تقاعسنا عن طلب الحقوق أو طلبناها على استحياء ثم صمتنا عند أول هزيمة فلا نلومن إلا أنفسنا.
أختي الكريمة.. في هذه المرحلة تحتاجين لحسم أمورك مع نفسك بداية، وتحديد هل أنت مستعدة في سبيل تحقيق مطلبك وإرواء احتياجاتك العاطفية والجسدية للعيش في مستوى أقل مما اعتدت عليه في بيت والدك الثري؟ فإذا اقتنعت أن هذا اختيارك فتوكلي على الله واسأليه التوفيق في الأمر كله، ثم أعلني لوالدك وبكل أدب رغبتك الصريحة في الزواج، ولا تلتفتي لثورته بل ناقشيه وأعلميه أنك تحتاجين الزواج ولا تطلبين إلا مباركته ورضاه عنك، وأخبريه أنك لا تريدين من المال إلا أقل القليل، استعطفيه بدموعك، وأخبريه أنك أصبحت لا تتحملين الوحدة، ولا تتحملين نظرات المجتمع، واستعيني بمن يمكنه التأثير عليه، وأعلنيها بكل قوة وصراحة: أريد رضاك أنت، ولا أريد هذا المال، فإذا أثمرت محاولاتك فبها ونعمت، وإن لم تؤتِ النتيجة المرجوة فعليك بأقرب خال أو عم أو أخ، حادثيه عن مشاعرك وعن احتياجاتك وعن آلامك، ولا تخجلي فإنما هو حقك تطالبين به واسأليهم أن يزوجوك، ولا تتعللي بأن كل الرجال في عائلتك وفي مجتمعك مثل والدك؛ فأنت لم تحاولي معهم محاولة جادة، ولم تدافعي عن حقك كما ينبغي، وكل جهادك في هذا الأمر تمثل في إخبار الوالدة أنك تريدين الزواج، ثم توقفت عند أول ثوره للوالد.
أما إذا قررت رفع الراية البيضاء والاستسلام والكف عن محاولة تغيير الأمر الواقع لأي سبب من الأسباب، فأولى الخطوات أن تحيطي نفسك بشبكه داعمة من العلاقات الاجتماعية (صديقات أو قريبات) يعوضنك بعض ما تفتقدينه، كما ينبغي عليك ومن الآن أن تختاري لنفسك قضية ما تعيشين لها وبها، وتشغل ذهنك قبل وقتك، وتملك عليك زمام أمرك، قد تكون هذه القضية رعاية الأيتام أو أطفال الشوارع من خلال جمعية خيرية تساهمين في نشأتها وإدارتها، تتبادلون المنفعة؛ فيكونون لك أطفالا لم تنجبيهم وتكونين لهم أما بديلة.
وقد تكون هذه القضية جهدا لخدمة ورعاية من تأخر بهن سن الزواج، وهن كثيرات كما ذكرت ويتزايد عددهن باستمرار؛ ويمكن أن يضاف إليهن المطلقات والأرامل، وتكون مهمة هذه المؤسسة العمل على توفير فرص الزواج لهؤلاء النساء، والضغط المستمر لحث المجتمع على تسيير سبل الزواج، والضغط لتغيير نظرة المجتمع لهن بكل الوسائل الممكنة وأهمها وسائل الإعلام. وبهذا يتحول الألم إلى أمل كآلام المخاض التي يتبعها خروج الوليد من رحم أمه، وساعتها ستكفين عن تمني الموت، ووصف نفسك بالياسمينة الذابلة (وكلا الأمرين أرفضه وأتمنى منك -بل أرجوك– أن تكفي عنهما معا)، وستكونين بعون الله الياسمينة التي يفوح شذاها، والشمس التي تضيء حياتنا وتحفظها لنا بعون الله.
حبيبتي.. هي كلمه لك ولكل من تعاني مما تعانين منه: "يجب أن تكففن عن الشعور بالخزي والألم، فليس لكُن ذنب في ذلك، وعليكن ألا تترددن في ردع كل من تسول له نفسه أن يستهزئ بكن بكل أدب وقوة، وعلى المجتمع أن يكف عن نظرات الاستهزاء أو اللوم أو حتى الشفقة؛ فإما أن يمد لكن يد العون، أو يكف عنكن أذاه".
تأكدي يا حبيبتي أننا لن ننساك في دعائنا، سندعو الله أن يرزقك بمن تحبين، وأن ييسر لك خير الدنيا والآخرة، وأن يغفر لك كل ذنوبك، كما أؤكد لك أن نرحب بتواصلك معنا في أي وقت
فلا تنسي أن توافينا بالتطورات.