في مصر وبلدان أخرى: اغتربوا تنجحوا
المشاركة الأولى:
بسم الله الرحمن الرحيم، الإخوة الكرام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
في الحقيقة هذه ليست المرة الأولى التي أحاول فيها كتابة هذه السطور؛ فقد قمت مرات عديدة منذ أكثر من شهر بكتابتها، وفي كل مرة أصل فيها إلى حد معين ثم أتراجع عن فكرة الكتابة وأمسح ما كتبت، إلى أن طف الصاع معي من خلال محاوراتي مع أصدقائي حول هذا الموضوع، وبعد أن قرأت مشكلة بعنوان في مصر وبلدان أخرى: اغتربوا تنجحوا، حيث أدركت أنه ربما صح ما كنت أفكر فيه.
بعد هذه المقدمة الغامضة أود أن أخبر القارئ الكريم بأن هذه المشاركة ليست مشكلة (أو بالأحرى مشكلة خاصة) بقدر ما هي دعوة وصرخة لرفض ما تحياه هذه الأمة من آفات تنخر في عظامها، وللأسف فهي كثيرة، إلا أنني أود أن أذكر منها بوجه الخصوص مشكلتيْ "الظلم والسلبية" اللتين -في رأيي- تمثلان أكبر هذه الآفات. الظلم من جهة الحاكم، ثم السلبية المقيتة من جهة المحكومين.
فبلادنا التي يحكمها بعض المرتزقة المتسولين على أعتاب البيت الأبيض أو الأحمر، أو في أي مكان يستطيعون فيه أن يحققوا مصالحهم الخاصة ومصالح أبنائهم من بعدهم، يقف هؤلاء بكل ما أوتوا من قوة ضد أبناء شعوبهم الذين يريدون إصلاح هذا الوضع.. أتلمّس هذا من خلال الواقع المرير الذي نراه ونسمعه كل يوم، ثم من خلال تجربتي الخاصة التي سأحاول أن أسردها بإيجاز.
أنا شاب مصري، تخرجت في كلية مرموقة، وتم تعييني معيدًا بها والحمد لله، إلا أن الحكومة "الرشيدة" التي ترى ما لا يستطيع أن يراه أحد (ما علمت لكم من إله غيري)، رأت أنني "غير جدير بالثقة" كما جاء في تقرير الأمن الخاص بي، وذلك للتهمة المعروفة "الانتماء إلى التيار الإسلامي"، ثم قمت برفع دعوى قضائية موجودة الآن وسط أرتال القضايا الموجودة بالمحاكم، ولا يعلم أحد سوى الله متى ستنتهي، ثم قدمت في تعيين أوائل الدفعات للتدريس فجاء التعيين "مدرس مجال صناعي للمرحلة الإعدادية"، وحتى إذا قبلت هذه الوظيفة الهزلية فإن تقرير الأمن سيأتي مرة أخرى بأنني غير جدير بالثقة وأرفع قضية أخرى، وهكذا!!
ذكرت في بداية المشاركة موضوع الأخ السائل عن المجال الهندسي في مصر، وهنا أبشره بأنه ربما عليه أن يستعد للعمل بمهنة مدرس مجال صناعي، ليكون في المدرسة من يعرف في الرياضيات أكثر من مدرس الرياضيات، والعلوم أكثر من مدرس العلوم، واللغة أكثر من مدرس اللغة، وهؤلاء جميعًا مدرسون وهو مدرس يقضي حصص الفراغ واللعب لدى التلاميذ. ويقوم بعد سنوات الكد والكدح (وربما التفوق الدراسي) بوظيفة المدرسين الحاصلين على دبلوم صناعي.
مشكلة الظلم التي نحياها في أوطاننا هذه ليست بالمستغربة، وكنت مستعدًا لها منذ أول يوم ارتبطت فيه بالتيار الإسلامي؛ لذا قابلتها بالرضا بقضاء الله، والفرار من قضاء الله إلى قضاء الله بقضاء الله، لكن المشكلة هي في "سلبية" المحكومين في بلادنا؛ فكلهم يعلم كذب حكومته وظلمها وضلالها، إلا أنه لا يكاد يحرك ساكنا.. ويكتفي ربما بمصمصة الشفاه، ولا يحاول أن يكون لبنة في بنيان التغيير المنشود لهذا الواقع الأليم.. كيف؟!
لذا، كان التفكير في الخروج من هذه البلاد (التي لم تصبح بلادنا) والتنعم -ولو ليوم واحد- بنسيم الحرية وشم هواء غير (مفلتر) ليمر علينا ما يريده حكامنا.. وبدأت أجمع الآراء حول هذا الموضوع ورأي علمائنا الأوائل فكانت هذه الأبيات للشافعي:
ما في المقام لذي عقل وذي أدب
من راحة فدع الأوطان واغترب
سافر تجد عوضًا عمن تفارقه
وانصب فإن لذيذ العيش في النصب
إني رأيت وقوف الماء يفسده
إن سال طاب وإن لم يجر لم يطب
الأسد لولا فراق الغاب ما افترست
والسهم لولا فراق القوس لم يصب
والشمس لو وقفت في الفلك دائمة
لملها الناس من عجم ومن عرب
والتبر كالترب ملقى في أماكنه
والعود في أرضه نوع من الحطب
فإن تغرب هذا عز مطلبه
وإن تغرب ذاك عز كالذهب
ورحم الله الإمام الشهيد حسن البنا الذي كان يصف الوطن بأنه "كل بقعة أرض يقف عليها مسلم يقول لا إله إلا الله" ليتحرر بهذا المسلم من الفكر القاصر لوطنه بأنه بقعة أرض حددها المستعمر سابقًا ووضع فيها مستعمرًا يحكمها لاحقًا. الظلم عم والفساد طم، حتى وصل الحال بنا لارتفاع أسعار غذائنا وكسائنا وكل ما هو أساسي في حياتنا.. وهنا السؤال الذي يطرح نفسه، ما معنى السلطة والحكم؟
أليست السلطة هذه هي الكفيلة برعاية حقوق من منحوهم إياها، أليست مسؤولة عن كل فقير (نقل إليّ بعض الثقات أنه) يبحث عن الطعام وسط القمامة؟.. أليست السلطة هذه هي المسؤولة عن رد الصاع ضد من حاول النيل من أحدهم؟. أتفهّم هذا المعنى في فلسطيننا الحبيبة، حيث هناك لا سلطة ولا حكومة ولا دولة، وبالتالي يحق لعصابة الإرهاب الصهيونية أن تغتال أي شخص تريد، أما كيف يحدث هذا مع مواطن له دولة وسلطة (كأن يهان مراسل التليفزيون المصري مثلاً بالضرب على شاشات التلفزيون العالمية) دون أن تحرك حكوماتنا "المتواطئة" ساكنا لرد حقه؟.
هذه لمحة فقط عن الظلم، وهناك لمحات في مسلسل السلبية الممجوجة، ألا ترى ما حدث لكلينتون مع الأمريكان في فضيحة مونيكا؟ ما المشكلة في هذه القضية؟ إنها ليست في أنه زنى بها "والعياذ بالله"، ولكن المشكلة أنه كذب على الشعب الأمريكي، واليوم ما يحدث في بريطانيا وأمريكا من ملاحقات للقادة سببها كذبهم على شعوبهم. أما نحن فنجلس ونستمع حديثاً مطولاً لحكامنا يربو على الساعة وكله كذب من أول كلمة إلى آخر كلمة، ولا يحرك فينا أحد ساكنا.
إننا في حاجة لرفع الظلم عنا، ولن يأتي هذا إلا إذا تخلصنا من هذه السلبية التي عنانا الله بها في كتابه فقال (فاستخف قومه فأطاعوه)، ولن يكون هذا إلا بالتخلص من السلبية وعدم الخوف إلا من الله حتى نقول لحكامنا (فاقض ما أنت قاض)؛ فالآيتان ذكرتا في القرآن وفي هذا البلد التعيس الذي أبى إلا أن يحيا حياة الذل أبدًا، حتى وصفه سيدنا عمر بن الخطاب بقوله: "إنهم قوم على دين ملوكهم"، فأين أنت يا عمر لتخلصنا مما نحن فيه. إن وزيرة الخارجية السويدية قتلت وهي في السوق تشتري بعض احتياجاتها، ومن قبلها قتل رئيس وزراء السويد وقد كان خارجًا من السينما مع زوجته، وكلاهما بدون حراسة أو ضجيج يصم الآذان عن قدوم مواكبهما. فليسمع حكامنا هذا الكلام وليزنوه بعقولهم التي أشك في وجودها.
رغم كل ما سبق فإنني أتساءل:
هل السفر الذي أراه حلاً هو في واقع الأمر حلاً أم هروبًا؟ وإذا سافرنا جميعًا فمن سيرفع من شأن هذه البلاد التي هي بلادنا لا بلاد الغاصبين الذين يدفعوننا إلى السفر؟ ثم هل إذا حاولت السفر ألن أقع مرة أخرى في طائلة هذا الظلم الذي سيمنعني من السفر؟. أسئلة تحيرني. وما كتبته رغم أنه كثير فإنه غيض من فيض وقليل من كثير مما يدور بداخلي بين شعور بالغربة في الوطن وحب من يكرهوننا.
جزاكم الله خيرًا على أن اتسعت صدوركم لقراءة هذه السطور، ولا أدري إن كانت هذه الرسالة ستنشر كاملة أم أن ثقافة "الديمقراطية الكاذبة" التي تربينا عليها جميعًا ستطال هذه الرسالة أيضًا، وسيتم أداء الرقابة فيها فيتم حذف ما تريد وترك ما تريد.
اللهم ارزقنا الصدق والإخلاص في القول والعمل والنية، ووفقنا إلى ما تحب وترضى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المشاركة الثانية:
سيدي الفاضل، د.أحمد عبد الله هل هذا هو الحل؟
الدعوة إلى الهجرة للغرب ليستفيد الغرب من طاقات وعقول العرب؟!
أتفق معك تماما بأن هناك فرصا أكثر من ذهبية تتوفر لذوي العقول والخبرات العربية، وهناك توفير إمكانيات دائمة لتطويرها، وسبق أن تم توفير مثل هذه الفرص والإمكانيات للعديد من العقول المصرية والعربية لعشرات من السنين الماضية، وتجد أمريكا أو بريطانيا تعج بالعلماء العرب على اختلاف اختصاصاتهم، وأطباء ومهندسي العرب الناجحين جدا جدا، ومن النادر جدا أن تجد أحد هؤلاء الناجحين يفكر ولو لبرهة بالعودة إلى وطنه الأم. لكن بقي السؤال أليست بلدانهم أحق بهم؟ أحق بالعقول والخبرات العربية التي تخدم الغرب وتسعى لتطويره بينما نبقى نحن في نفس الدائرة نعاني من ويلات التخلف ونستجدي من الغرب ونتطلع دائما إلى فرصة سفر إلى ذلك العالم.
أكثر ما يؤلمني هو هذا الحل الذي يجد فيه الإنسان نفسه ويحقق ذاته وينجح في تحقيق ما تصبو إليه نفسه من كافة النواحي بعيدا عن بلده الذي هو في أمس الحاجة له!!! قد تقول لي يا سيدي وأين هذا البلد الذي تنشدين؟ وما هي الفرص التي يقدمها للعقول الشابة كبديل لكي يلغي فكرة السفر؟ لكن هل هذا هو الحل الوحيد؟ ألا من سيبل آخر غير السفر؟
عانيت أنا وكثير من أبناء بلدي -إذا لم نكن جميعا- من هذه الظاهرة التي أخذت تتزايد يوما بعد الآخر. فأنا عراقية ومنذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي وحتى الآن ونحن نشكو فراق علمائنا الأفاضل وفقدان أطبائنا ومهندسينا بسبب الوضع السياسي التعس في العراق الذي أجبرهم على هجر بلدهم ولهم عذرهم في اغترابهم وبعدهم.
والله، أنا أكتب لك وفي العين دمعة وفي الصدر عبرة وفي الروح حسرة على كل من غادر بلدي، وهو أكيد في أمس الحاجة له.
والخسارة الكبرى هو سفر أساتذة جامعاتنا، وأنا أعتبرهم ثروة من ثروات العراق التي هي أهم من ثروة نفطية يسعى الكثير من الدول لاستغلالها؛ فهم ركيزة المجتمع وقاعدته وعماده،
وأكيد أن أهمية الأساتذة والعلماء والأطباء والمهندسين في كل بلد عربي غير العراق لا تقل درجة، فكيف بالله عليك تدعو إلى المزيد من الهجرة والفراق وتشجعه؟؟؟
ألا من حل آخر بديل؟!!!
21/8/2023
رد المستشار
الأخ الكريم،
أهلا بك وبرسالتك التي تحمل أنينا محبوسا في صدور الكثيرين، وبوحا بما نعرفه ويعرفه القاصي والداني من أحوال بلادنا وشبابنا، وليس بأيدينا سلطة لإصلاح أحوالك، أو رفع الظلم عنك، وليس بين أيدينا سوى النشر، فكيف نمنعه هو الآخر؟ فلا يجد الشباب متنفسا، ثم نلومهم بعد ذلك إن اتجهوا للمخدرات أو العنف في التغيير أو الهجرة بلا عودة ولا أمل؟!!
ليس لدي تعليقات كثيرة على ما تفضلت به غير التأكيد على أن الظلم مركب ثنائي لا بد له من ظالم ومظلوم، وكلاهما شريك في الظلم: أحدهما يظلم نفسه أو يسكت على الظلم، والآخر يظلم غيره، ولا بد لكل فعل متعد من فاعل ومفعول به.
من خلال معرفتي وخبرتي فإن الحالات المماثلة لحالتك تحصل على حكم قضائي بالتعيين، ولو بعد سنوات، وإضافة إلى تنفيذ هذا الحكم الملزم فإن المعيد من حقه أن يحصل على مبلغ هو عبارة عن مرتبه المستحق عن الفترة من تاريخ استحقاق التعيين إلى تاريخ تنفيذ الحكم، والأذكياء يستفيدون من هذه الفترة في الحصول على منحة للدراسة بالخارج، أو التسجيل والدراسة بالجامعات المحلية حتى عندما يأتي الحكم بالتعيين -إن شاء الله- فإنهم يمكن أن يحصلوا على درجة مدرس مساعد أو مدرس مباشرة طبقا للشهادات التي حصلوا عليها أثناء الفترة التي قضوها خارج الجامعة، وفي كثير من الحالات فإن تعاطف الأساتذة مع هذه الحالات يكون إيجابيًا من ناحية معاونة هؤلاء المظلومين في إنجاز الدراسات العليا أسرع من أقرانهم أحيانًا، فماذا فعلت في هذا الصدد؟!!
وأتفق معك أن السلبية داء وبيل ثقيل أفسد ماضينا وحاضرنا، وسيفسد مستقبلنا إذا استمرت أفهام الناس وعقولهم بهذا القصور وتلك البدائية، وإذا ظلت عزائمهم خائرة، ومروءتهم مخدرة، ونفوسهم من خوف الذل في ذل.. وعلى صفحتنا هذه الدعوة مستمرة ومزمنة للإيجابية بمستوياتها في تصحيح الوعي، وتنظيم الجهد من أجل التغيير الذي يحتاج إلى وقت وجهد إضافة إلى الصراخ والتذكير، والتنويه والتنبيه الذي تقوم به رسائل مثل رسالتك، وأتجه إلى حجر الزاوية، وأصل المشاركة لأرد عليك وعلى الابنة الكريمة التي تناولت مثلك مسألة السفر أو الهجرة إلى الخارج، وهنا أود أن أكرر مصححًا أنني لا أدعو إلى المزيد من هجرة ونزيف العقول، ولا أدعو إلى سفر نهائي منقطع عن الوطن، أو الرضا برغد العيش هناك أو تحقيق الذات الفردية، ونسيان الجذور أو منبت الذات، ومرتع الصبا، ورعاية حقه، وللأوطان حقوق في ذمة أبنائها مثل الديون، وربما أشد.
دعوتي بوضوح أن تكون لدينا مرونة الحركة في الحصول على أفضل فرصة ممكنة للتعليم والتدريب، وربما العمل، وبعض الاستقرار، ولكن هذا عندي مجرد بداية وقاعدة لازمة ومهمة للانطلاق نحو إنقاذ الوطن مما هو فيه.
والسؤال القائل:
هل البقاء في هذه المستنقعات الآسنة ركودًا وجمودًا أولى، أم تركها إلى حيث التقدم والفرص والاحترام والتقدير؟!!
هذا سؤال ساذج ينبغي ألا ننشغل به كثيرًا لا بطرحه ولا بالإجابة عليه، والأهم منه سؤال: كيف نستثمر كل ما هو متاح من إمكانيات محلية وإقليمية، ودولية، في تغيير أحوالنا؟!
كيف نستفيد من ملايين الكفاءات العربية والمسلمة بل والإنسانية التي تريد النهضة لهذه المنطقة المنكوبة بالفساد والاستبداد والتبعية؟!!
هذا هو سؤال النهضة، والإجابة ليست تفجيرًا هنا أو قنبلة هناك، وليست بيانًا ولا صراخًا نستمطر به اللعنات على من ظلمونا، ويجلسون فوق رقابنا.
الإجابة المطلوبة هي التفكير العملي لتنسيق هذه الجهود والتشبيك بينها، والعمل على تبادل الخبرات والاستفادة من الخلفيات الثرية والعقول الذكية، والإمكانات المادية والبشرية المهدرة حتى الآن، والفرصة لن يقدمها بلد بعينه رغم أن هناك محاولات هنا وهناك، إنما الفرصة الحقيقية يمكن صناعتها وصياغتها وتعديلها وتطويرها لنجمع الجهود المخلصة في الداخل والخارج، ونغادر تلك الحفرة البائسة التي نحن فيها من عقود.
مغادرة التخلف والعار الذي نعيشه هو الهدف إذن، وليست مغادرة الوطن من أجل فرصة لحياة أفضل، وليس البقاء فيه للبكاء حسرة على النزيف والإهدار، والأوضاع المقلوبة، ومعاناة الاكتئاب، والصدأ النفسي، والمهني!!
لا هذا هو الحل ولا ذاك، وأنا لا أدعو إلى هذا أو ذاك، إنما أدعو إلى تفعيل الجهود وتنسيقها، والتفكير المنظم، والعمل بمنهج وخطة وترتيب بين المتخصصين في كل مجال، وعندما يتوافر هذا، ولا يتوافر إلا بجهد، لا يضر أن يجد البعض فرصة في الخارج، أو يبقى البعض بالداخل، أو يتحرك آخرون بين هنا وهناك.. المهم أن يكون ذلك كله في إطار وخطة.
وعلى ذكر العراق الحبيب فإن دخان القنابل، والقصف المستمر يحولان دون انتظام التفكير والترتيب لعراق المستقبل، والوضع المضطرب أمنيًا وعسكريًا في ظل الاحتلال الأمريكي، والمقاومة الضارية له، هذا الوضع سيحول دون إنفاذ ما أسعدني القدر بحضور جانب من الإعداد له؛ حيث حشدت منظمة الصحة العالمية المتخصصين في اجتماع دولي انعقد بمقر الفرع الإقليمي للمنظمة بالقاهرة حول استثمار وتنسيق الجهود لتطوير توفير خدمات الصحة النفسية للعراقيين، وعلاوة على المتخصصين وأصحاب الخبرات والكفاءات من أنحاء العالم المختلفة، فإن بعض الكفاءات العراقية المهاجرة، والعاملة في هذا الميدان، حضرت وشاركت بفعالية، وبعضهم كان يستعد للعودة، ولو لبعض الوقت، لتنفيذ المتفق عليه في هذا الاجتماع الهام، ولا أعرف مصير هذا التخطيط في ظل الأوضاع الحالية.
إن دوائر الحوار، وتبادل الخبرات، وتوفير المنح والفرص، والمعلومات يمكن أن تنشأ بين المتخصصين في كل المجالات، إن خطوطًا ساخنة بين بلداننا الأصلية، وبلدان إقامة البعض من أهلنا العراقيين والمغاربة والمصريين والسوريين وغيرهم ينبغي أن تقوم لأن العالم اليوم أصبح يتأثر ويتواصل بعضه ببعض، ولا يعتقد أحد أن التغيير هو سؤال محلي أو أن الخروج من النفق الحجري المظلم هو مهمة فرد أو يوم، والساذج من يظن أن آمال النجاة أو النجاح تكمن في محض السفر أو البقاء، إنما تتحقق بالفعالية والتنسيق والتخطيط للتغيير والنهضة، وبدون ذلك فسيفشل المغترب والمقيم، ولن يحظيا في نهاية المطاف إلا بحصاد الهشيم.
المغترب سيفقد معنى أصله وامتداده عبر أجيال ستذوب في المهجر طالما ليس لها هدف أو مشروع، والمقيم سيتحجر كمدًا ويموت كل يوم مائة مرة، وهو يري الحال من سيئ إلى أسوأ، ولا مخرج من هذا إلا بالتواصل والنظام والعمل، وهذا هو الرجاء والأمل.
ويتبع>>>: في مصر وبلدان أخرى: أنهار وأفكار مشاركة