السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته..
أشكركم على هذه الجهود المبذولة في هذه الصفحة التي هي جد رائعة. فجزاكم الله عنا خير الجزاء، وبنى لكم في الجنة قصرًا، وبعد، أبلغ من العمر بضعة وعشرين عامًا، ولكن أشعر أن عمري 90 عامًا من الهم الذي أنا فيه.. أكره الدنيا.. أكره نفسي، وأخاف من الموت. وتكمن مشكلتي في أنني إنسانة عديمة الثقة بنفسي.. فاشلة.. حطمت حياتي بيدي.. لا أدري ماذا أفعل؟
كم أتمنى أن أجد الإنسان (ذكرا أو أنثى) الذي يفهمني، أبث له أحزاني أو ما يخلج في داخلي، كم أتمنى أن أرتمي على صدر أحد، وأظل أبكي وأبكي حتى أرتاح، ويضمني إليه، ويشعرني بالحنان والعطف اللذين أفقِدهما، أشعر بخنقة كبيرة في داخلي وبألم شديد في قلبي من الكتمان الذي أعيشه.
سامحوني إن كنت قد بالغت، ولكن هذا شعوري، وماذا تتوقعون من إنسانة فاشلة ترى الدنيا بمنظار أسود وتكره من حولها.. كيف تكون أفكارها؟ لقد خُطبت مرتين، ولكن في المرة الثانية تحطمت نفسيتي كثيرا ليس حزنًا على فراقه، ولكن ندما على ما فعلته. هو على دين وخلق شديدين، وهو أفضل مني بكثير، وقبل كتب الكتاب أخبرت أبي أنني لا أحبه، ولكنني وافقت على دينه وخلقه، وقلت ربما مع الأيام بالألفة والمعاشرة أحبه، لكنني لم أستطع!! يوما بعد يوم يزداد كرهي له حتى إني تماديت في أفعالي، وأصبحت أشاهد مواقع إباحية! أصبحت أتكلم مع شباب عن طريق الشات، ولكن ذلك لا يتعدى أكثر من مرة واحدة إلى جانب التمادي في الكلام غير اللائق!
ولكن في آخر مرة تماديت مع أحد أقاربنا، وهو يكبرني بأربعين سنة ومتزوج، لقد تكلمت معه بكل شيء يخطر على بالك.. طلبت منه مواقع إباحية فأعطاني إياها دون تردد، وأصبح جل موضوعنا عن الجنس، وهو يتمناني أن أكون معه، لقد قال كل شيء حتى كأني بجانبه، لم أتخيل نفسي أني يومًا من الأيام سأفعل ذلك، أعرف أن ذلك يمكن أن يكون بسيطًا بجانب غيري من الناس، فوالله أشعر بالحرقة من الذنب الذي فعلته، وأنني لن أتزوج أبدًا، ومن يقبل بزانية؟!
أخبرته مرارا أني أريد قطع العلاقة فيقول لي: افعلي ما شئت، ولكني سأظل أحبه.. صحيح أنني أحبه، ولكن حبي لا يتجاوز فتاة معجبة بشخصيته لا أكثر من ذلك إطلاقًا.
وبالفعل لقد قطعت علاقتي معه، ولكني الآن أشعر أني قد جنيت على نفسي، أصبحت إنسانة مطلقة.. كل من حولي ينتقدني؛ لأني فسخت الخِطبة.. أكاد أجن لا أعطيهم الجواب المقنع، هل أقول لهم إنني لم أستطع أن أكون خائنة لهذا الرجل.. تركته لأنني لا أستحقه؟ أكاد أختنق من أصابع الاتهام واللوم الذي ألقاه من الناس.. تعبت لم أعلم ماذا أفعل؟ أصبحت أفكاري مشتتة.. أمي لا تعلم عني شيئًا فهناك فجوة بيني وبينها لا أستطيع أن أبوح لها عن أي شيء، سامحوني على الإطالة، ولكنني فعلا فعلا بحاجة إلى مساعدة، فأرجو ألا تهملوا رسالتي، ولا تتأخروا علي فإني متعبة، وأنا على أحر من الجمر على أمل أن أجد ردًّا لرسالتي فأرجو ألا تردوني خائبة.
وجزاكم الله عنا خير الجزاء،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
14/8/2023
رد المستشار
أختي الكريمة، إذا كانت دعوتك أن يبني الله لنا قصرًا في الجنة قد خرجت من قلبك حقًا، فأنا أدعو الله لك أن تكوني معنا فيها، وليس ذلك على الله بعزيز.. رسالتك لم أستطع حجبها؛ لأنها تصف جانبًا من معاناة الكثيرات من بنات حواء في عالمنا العربي والإسلامي، وهي مناسبة لبعض التقليب في هذا الدفتر الهام في حياتنا، ولذلك قمت بتجهيل بياناتك وتغيير بعض المعلومات للتعمية على شخصيتك، وأرجو أن يكون لديك الاطلاع الكافي على أرشيف صفحتنا، تصفين مشاعر الإحباط والاكتئاب، ومن أهم صفات أو توصيفات المصاب بالأعراض الاكتئابية هي تلك المتعلقة بنظرته إلى نفسه ومستقبله، وكل ما جرى من حوله، ولا أدري هل ستكفي كلمات التصحيح والتشجيع، ومناقشة ما تطرحين لوقف هذه المشاعر السلبية، أم أن حالتك قد وصلت إلى الحد الذي تحتاجين فيه لمراجعة طبيب أو طبيبة في تخصص الطب النفساني للحصول على علاج بعضه عقاقير لازمة لتعديل التغيرات الكيميائية المخية المصاحبة للأعراض الاكتئابية؟
دعينا نبدأ بمناقشة أفكارك الخاطئة دون أن يكون في كلامنا تبرير لخطأ أو إعفاء منه:
1- طبعًا من حقك أن تجدي الصدر الحنون، والأذن المصغية، والتجاوب والمشاركة في الهموم، والعطف والتعاطف، وكم من الفتيات يفتقدن هذا في غياب الأم القريبة المتفهمة، أو الأخت الكبرى أو المرشدة الاجتماعية داخل أو خارج الأسرة؛ فهل بحثت عن هذه الشخصية ولم تجديها؟ وهل تخلو الحياة من حولك فلا ترين فيها من يمكن أن تلعب هذا الدور في حياتك، فتقتربين منها، وتقوم بينكما العلاقة المطلوبة لهذا؟!
على كل حال يمكنك –ولو مؤقتًا- أن تعتبرينا الصدر الحنون، والأذن المصغية، وأن تبكي لنا ومعنا.. وأهلا بك دائمًا. وأذكرك أن افتقادك لهذا الحنان والعطف لا يبرر أبدًا تقصيرك في جوانب حياتك الأخرى.
2- ليس عيبًا أو شاذًّا أو حرامًا أن تفكر فتاة في مثل سنك بالجنس ، فهي فطرة الله التي فطر الناس عليها، وهو نشاط من أنشطة الحياة، ولكنه ليس النشاط الوحيد الجدير بالاهتمام، كما أن صورة هذا الاهتمام لها تأثير كبير على النفس والمجتمع، ولها ضوابط وضعها الشرع ، و لها حدود بينها الله تعالى، وأنت من البداية تتحرجين من مجرد التعبير أو التفكير بهذا الموضوع بينما تمارسينه خلسة، وفي الخفاء؛ مما أعطى قريبك هذا فرصة ذهبية للتوغل معك.
وأغلب الفتيات العربيات يخجلن من إظهار اهتمامهن بالجنس؛ لأن السائد أن هذا موضوع مسكوت عنه، وأن الخوض فيه عيب، وفي هذا المناخ المكتوم يستشري الجهل بما هو صواب وصحي، ونكون مفتوحين على كل احتمالات الانحراف في الواقع أو على شبكة الإنترنت حيث يتحرر الناس من الأقنعة والقيود.
3- وأيضًا فإن من حقك أن ترفضي من لا يطمئن قلبك إليه، أو تستريح نفسك معه، ولو صلى وصام، وكان أمير المؤمنين؛ لأن الاستقامة والالتزام مثل الشكل والمستوى الاجتماعي تبدو كلها من المواصفات الجديرة بالنظر عند اختيار الشريك، ولكنها ليست كل شيء، وعدم اطمئنان النفس أو غياب الراحة الداخلية أو التآلف الشخصي هو سبب أكثر من كافٍ لوقف مسار التورط في تطوير علاقة على غير أساس من الحد الأدنى المطلوب لنجاحها.. هذه كلها بديهيات يعرفها كل أحد، وأنت تدركينها، ولكنك غير مستعدة للدفاع عنها، ولذلك تتألمين!!
إذا كان الأمر هنا كما تصفين فما عليك من أصابع الاتهام أو من كلام الناس، ولا عليك من ندمك على تفويت هذه الفرصة في الزواج؛ لأن زيجة مثل هذه كان من الممكن جدًّا أن تكون فخًّا تنصبينه لنفسك، ثم تقعين فيه، وساعتها لن ينفعك الناس ولا كلامهم.
4- هذه هي الأسس التي تقوم عليها نظرتك إلى نفسك وواقع حياتك؛ فأنت مثل ملايين الفتيات العربيات مضطربة ومشوشة بلا مشروع محدد، أو اهتمام يشغل وقتك وتفكيرك، وليس لديك مثلهن غير انتظار "العريس" أو انتظار موضة أو صيحة جديدة -مثل الإنترنت- تنشغلين بها وعبرها وتتورطين في قصصها، ثم تجلدين نفسك في كل مناسبة أنك كما أنت!!
فهل الزواج -على أهميته- هو المشروع الوحيد في حياة الإنسان؟! وهل التسكع بين مواقع الإنترنت، وغرف الشات هو النشاط الأمثل لقضاء الوقت أو استثمار الطاقة أو حتى الترفيه عن النفس؟! وهل الخلو من كل اهتمام أو نشاط دراسي أو حتى هواية هو وضع طبيعي؟! للأسف فإن هذا هو حال الكثيرات!!
وأحيانًا نكتب للشباب أن يتوجهوا للأنشطة العامة ثقافية كانت أو اجتماعية في كل قُطر، سواء كانت هذه الأنشطة في الجامعة أو في المؤسسات أو الهيئات أو الأندية المهتمة بذلك، ثم تلوح في التفاتة لأستطلع قائمة هذه الأنشطة فأجدها شبه غائبة أحيانًا في أقطار بعينها، وأجدها مملة وغير جذابة في أقطار أخرى. وأحيانًا تكون مجرد مصايد لأغراض أخرى غير الاجتماع على النفع الخاص والعام، ورغم ذلك فإن السعي إلى ما هو موجود ومحترم من هذه الأنشطة يبدو هامًّا للغاية، دعم وتنمية وإيجاد المزيد منها هو فريضة اجتماعية غائبة.. ولا أدري أين أنت من ذلك كله؟!! ولا أدري لماذا توقفت عن استكمال دراستك؟! وما هي مشاغلك في حياتك غير المواقع الإباحية ومحاكمة نفسك ووصمها بكل ما هو سلبي؟!
5- في هذا المناخ تحولت حياة الفتاة العربية من نعمة إلى عبء تنوء هي بحمله، وكذلك يراها الأهل غالبًا، فيطمحون إلى وضعه أو رفعه عن كاهلهم اليوم قبل غدٍ، وبنفس المقاييس فإن الزواج يبدو هو الحل الأمثل دائمًا للخلاص، رغم أنه في حقيقته يحمل أعباء حقيقية هذه المرة، وتجد كل فتاة نفسها قد تورطت بعده فيما لم تعد نفسها له من قبل، وتكون النتيجة أن ما عاشت تحلم بأنه سيحررها ويطوي صفحة الاضطراب والاكتئاب قد غدا بسبب سوء تصريفها، وضعف استعدادها –إضافة إلى عوامل أخرى بالطبع- المذبح الذي تنحر عليه كل ما كان لديها من أمنيات عذبة، أو بدايات جيدة كانت تنتظر الاهتمام والتنمية لتزدهر وتزيد، وتنمو وتربح، ولا أدري من أو ما الذي يفرض على حواء العربية أن تقبل بهذه الأوضاع أو بالأحرى تستسلم لها؟!
أليست الحياة أمامها واسعة علما وثقافة، وأدبًا وفنًّا، أشكالا وألوانًا؟!
أليست امرأة وإنسانة فيها من الطاقات المعطلة والآفاق المطمورة ما يستحق البعث والارتياد مثل حالة كل إنسان.. انظري إلى نفسك في المرآة يا أختي الكريمة وستجدين شبابًا وجمالا وصحة وحيوية وطاقة ... أليس حراماً أن يتبدد هذا وذاك في لعبة الندم على خطيب لم يرُق لك أو قريب يغويك أو اتهامات بالزنى تلاحقين بها نفسك وتحكمين عليها بالإعدام المعنوي فقط؛ لأنك مضطربة ومشوشة مثل الأخريات؟!! ثم هل كونك مثلهن هو شيء يدعو إلى الخلود والركون إلى استمرار ذلك.
6- أكتب لك هذه الإجابة بعد انتهائي من حضور مؤتمر للشباب جاءوا من أنحاء العالم إلى الإسكندرية ليناقشوا بعضًا من مشكلاتهم، ولست مفتونًا بالغرب أو فتيات الغرب، ولكنني رأيت بعضهن عبارة عن شعلة من نشاط دؤوبً يبدأ العمل مع طلوع الشمس، ولا يسكن إلا مع سكون الليل، وهكذا الشباب همة وعمل.
ولا أعتقد أنني أتخذ من هؤلاء الفتيات نموذجًا أطمح إلى تكراره في حالة حواء العربية، ولكنني فقط أشير إلى صنف من الفتيات يسود لدى أغلبنا انطباع وهمي أنهن لا يفكرن إلا بالجنس والترفيه، بينما لديهن من الجدية والنشاط ما يستحق التأمل، وأنا لا أضعهن في دائرة الضوء هنا لهذا السبب فقط، بل لأقول لكل حواء عربية: إن المنافسة الآن قد صارت مفتوحة -في عصر ثورة المعلومات-، وإذا كانت المقارنة بين أوروبية أو أمريكية لديها كفاءات ومهارات ومؤهلات علمية إضافة إلى خفة في الحركة وذكاء اجتماعي وثقة بالنفس تقوم على فعل حقيقي واهتمام بشيء جاد، وفي الكفة الأخرى يجد الرجل العربي حواءه ترقد راضية في أحضان الجهل والكسل، ولا ترى في نفسها أكثر من مجرد مجموعة من الوظائف البيولوجية مخلوطة بقدر غير قليل من السطحية والقدرة العالية على الإملال وبعث الضجر!!
أخشى أن المنافسة ليست في صالح حواء العربية التي تقبع في انتظار "العريس" ثم تتعجب وتتساءل: أين الرجال؟؟ وأخشى أن انتظار بعضهن سيطول، وزواج بعضهن لن يحل شيئًا. أكرر أن الاستقامة والطهارة وخفض الجناح ولين الجانب هي صفات هامة –إن وجدت- في الشريك، ولكنها ليست كل شيء.. فهل تنتبهين إلى هذا وتعملين بدأب لاستكماله فيلاقي شبابك وصباك ونعمة الله بالحياة فيك ما يستحقه من تكريم واعتبار واستثمار، أم يروق لك مثل الأخريات أن تستمري في هذا المناخ القاتل: لا تسعين إلى ترقية ذاتك، ولا تتجاوبين مع مطالب عمرك، ولا تتصلين بالعالم إلا على نحو مضطرب، ثم تذهبين بعدها لتعذيب نفسك، واتهامها، بالفشل تارة، وبالزنى تارة أخرى؟! تابعينا بأخبارك