السلام عليكم
أنا شاب متزوج، ولديَّ طفل متواجد في الولايات المتحدة لاستكمال الدراسات العليا. في ضوء علاقتي مع الشباب المسلم في أمريكا أحس بالرغبة بالجهاد. والله لا أقول هذا تفاخرًا، إنما أسعى بالجهاد بالمال، ولكن والله إني أتطلع إلى الجهاد بالنفس .. ولكن بعد لحظة تفكير أجد أن الأمر صعب، وأن البعد عن الزوجة والطفل صعب..
مشكلتي هي كيف يمكن أن أربي نفسي على الجهاد بالنفس، وكيف يمكن الالتحاق بفرق المجاهدين، وكيف يمكن أن ترضى أسرتي أن أفارقها، رغم معرفة نفسي بالقدرة على توفير الحياة المنعمة لهم بعد الله تعالى.
28/8/2023
رد المستشار
أخي الكريم:
إحساسك بالرغبة في الجهاد إحساس واجب على كل مسلم يحب الله ورسوله، هكذا يكون دائمًا قلب المسلم الحيّ، القلب الذي ينبض بالإيمان، والعالم الإسلامي اليوم يمر بمرحلة خطيرة وصعبة؛ تستوجب وقوف كل أبنائه معًا للنهوض به، ولم تقتصر ساحات الجهاد اليوم على المناطق التي يحارب فيها المسلمون بالسلاح، بل لعل الحرب الاقتصادية ووسائل الحصار والتضييق على بعض البلدان تكون أكثر خطورة وتأثيرًا، لو نظرت إلى حال المسلمين أنفسهم لوجدت أنهم يحتاجون إلى جهاد من نوع خاص، جهاد الدعوة إلى الله تعالى، وإعادتهم إلى الإسلام من جديد.
ولكن دعنا من كل ما سبق، ولننظر إليك أنت يا أخي الكريم، إنك إن جاهدت أنت بنفسك واستشهدت فإنك قد تنال رضى الله تعالى وتفوز بالجنة، ولكن وحدك دون سواك إلا من تشفع فيهم يوم القيامة كشهيد، إنك بذلك لم تفعل شيئًا، بل اخترت أيسر السبل، وتركت المهام الصعبة والجسام لغيرك، بل وتركت المسلمين، لكن إن أنت جاهدت الكفر والفسوق والعصيان أينما كان؛ فقد يجعل الله منك هاديًا لغيرك، وكما قال صلى الله عليه وسلم: "لأن يهديَ الله بك رجلاً واحدًا خير لك من الدنيا وما فيها"، وفي هذه الحالة ستنال أنت الجنة إن شاء الله تعالى وتجعل غيرك ينالونها، وبالطبع لك أجر كل من آمن والتزم بدين الله سبحانه.
هذه نقطة، النقطة الثانية، تتعلق بأهلك، هل ترضى لنفسك يا أخي الكريم أن تدخل أنت الجنة، وتدع أهلك الذين قد يضيعون، ويكون مآلهم - لا قدر الله - إلى النار؟ هل ترضى هذا؟ يقول صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء إثماً أن يضيِّع من يعول"، وكما تعلم يا أخي فإن الذرية الصالحة تأتي بذرية صالحة، وقيامك بواجبك نحو عائلتك هو بمثابة قيامك بواجبك تجاه جيل بأكمله.
النقطة الثالثة والأخيرة هي في حكم الجهاد.. اتفق الفقهاء على أن الجهاد يكون فرض عين على أهل البلد الذين يقيمون فيها، ثم الأقرب فالأقرب، وأما باقي المسلمين فعليهم بالجهاد الآخر؛ الجهاد المالي - وهو الذي تقوم به بارك الله فيك - وجهاد الدعاية لهم ولقضيتهم، وجهاد الدعاء لهم .. وهذا هو دورك الحقيقي.
فلا تشق على نفسك يا أخي وابدأ بالجهاد الأصعب: جهاد النفس، محاربة الفسوق والعصيان، بالتي هي أحسن، وإعطاء المثل الأعلى في الخلق والعلم .. ودرجتك في العلم والحمد لله تؤهلك لذلك، وخصوصًا مع غير المسلمين؛ أما مسألة تربية النفس على الجهاد، فجهاد النفس أول مراتبها، أن تكون دائماً قريب الصلة بربك، أن تربي نفسك على ألا تكون لديك عادة، ألا تلزم نفسك بشيء لا تستطيع الاستغناء عنه، أن تبتعد عن كل ما يضر بدنك وصحتك، أن تتعلم رياضة بدنية تقوي جسدك وتجعلك دائماً في لياقة بدنية جيدة، فإنك إن حققت كل ذلك تكون مستعداً للجهاد في أي وقت.. وأينا يستطيع ذلك! ولكن كل ما علينا بذل ما نستطيع، والله يعلم حالنا "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين".
أخي الكريم: كل ما عليك أن تعد نفسك للجهاد، وأن تقدم لإخوانك المجاهدين كل ما تستطيع من دعم، وأن تكون مثلاً يحتذى لكل من حولك، فإن هدى الله بك امرءا فإنه سيكون لك إن شاء الله تعالى أجر وجزاء المجاهد بنفسه في سبيل الله لتفوز بالحسنيين، تنال أجر المجاهد وتحفظ أهلك ومن تعول، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه"، وفقنا الله وإياك لما فيه الخير.
واقرأ أيضًا:
الجهاد المدني الطريق إلى فعل مختلف