أبي ضائع فضاء.. شبكة كشفت أمة
السلام عليكم ورحمة الله
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.. غلب التهور التعقل، ها أنا أتدخل في مشكلة أبي ضائع فضاء.. شبكة كشفت أمة التي ناقشها د.أحمد عبد الله، ليس لمناقشة موضوع سوء استخدام شبكة النت، ولكن لمناقشة أخينا في الله الذي سعى للتحدث إلى صديق، والصديق هو من صدقك القول، وهذا ما أنويه إن شاء الله.
وأبدأ بمناقشة سبب فشل محاولاتنا في الإصلاح (ولن أقول التدخل)؛ فكل سلوك له دوافعه، وتوجهه النتائج المرجوة، فحاول يا أخي أن تحدد الدافع الحقيقي وراء اعتراضكم أو قلقكم على والدكم الكريم (وهو كريم بدليل قولك بأنه أحسن تربيتكم، ونلمس في كلماتك غيرة على دين الله)، لكن لا تتعجل ولا تغضب وتقول إن السبب واضح؛ فلا بد أن نضعه بكلمات أكثر تحديدا.
أخي، أيهما يغضبك أكثر.. استخدامه لاسمك، أم وجهة اهتماماته؟. والأمر فعلا بهذه البساطة مجرد اهتمامات من جانب والدك، وإن لم تحصل على موافقتك أو موافقة أسرتك.. ساءني في الأمر ما هو أكثر وأهم من نوعية اهتمامات أبيكم، وهو سوء العلاقة بينكم وبينه، وما تتطور إليه من ضعف في التواصل. وأرجو أن تنتبه أنت وأمك (التي اعتزلته كأنه معد) إلى أن يدكم الممدودة لمساعدته في النهوض هي في الواقع التي تدفعه بعيدا، ليس عنكم فقط كأسرة أمضى سنين من حياته في تكوينها ورعايتها، ولكن أيضا بعيدا عن أي تفاعل إيجابي، مما جعله أسيرا للمزيد من نشاطاته المرفوضة.
لقد كونتم لجنة مضادة لمهاجمته ولم تنتبهوا إلى سير الرياح عندما خص نفسه بجهاز تلفاز استغنى به عن مجالستكم، وعاملتموه كطفل فتصرف كالطفل فعلا، وليس أي طفل ولكن طفل عنيد.
أخي، ارحم ضعف أبيك، ليس الجسدي، ولكن النفسي، وانظر معي مرة أخرى إلى رسالتك وإلى طريقة معاملتكم له.. فالرجل لم يتقاعد من سنين بل من بضعة أشهر، وشده ما شاهد على التلفاز مما لا يألفه فنهرتموه، وكان الأجدر بكم تفهم فضوله.
دائما ننصح آباء المراهقين بأن يوفروا مصادر جيدة لإشباع حاجتهم إلى المعرفة بدل مقاومة هذه الاهتمامات، وماذا فعلتم أنتم؟.. مسحتم المحطات على غرار "البعيد عن العين بعيد عن القلب"، ألم تسمع بأن كل ممنوع مرغوب؟.. عطلتم الكمبيوتر والأسلاك والهاتف، وفرضتم نوعية القراءة (هل أنت متشدد بهذه الطريقة مع ولدك المراهق).. عاملتم والدكم كمراهق فاستجاب بنفس التمرد.
ذكرت بأن والدك لم يكن متدينا طوال حياته؛ فلم الثورة الحالية عليه؟! وأنت تقول: إنه يؤدي صلاته ولم يقطعها (أما خشوعه في الصلاة فليس للعبيد أمثالنا الحكم عليه)، لم يعد يزورنا مع دعوتنا المستمرة له.. وأسألك لم لا تذهبون أنتم إليه، ليس في المناسبات وليس لانتقاده، بل بهدف إدخال قدر من الدفء على قلبه وإشراكه في أفراحكم الصغيرة من ذكرى ميلاد إلى نتائج الأولاد إلى حل أي فوازير، وإن لم تكن هامة، وكلها أمور بسيطة توجهه بلطف لدوره كجد، وتشعره برغبتكم في وجوده بينكم.
هل أثقلت عليك؟. سامحني، ولكن تفكيري المستمر في والدك (عفوا ليس أنتم المعترضون) هو ما دفعني للتدخل.
ذكر د. أحمد أن الفضول يشبع، وهذه حقيقة فربما هو مبهور بالجديد وسلوكه مجرد اهتمام سيشبع ويزول لولا تركيزكم العالي عليه.
وأضيف: هل خطر ببالك أن اهتمام والدك بمثل هذه الأمور قد يخفي وراءه خوفه من الموت والمرض؟ وهذه من غالبية المخاوف والاهتمامات لمن هم في مثل سنه.
أطلت وأنا ضد الإطالة لأن من البلاغة الإيجاز، ولكن عذري حزني على علاقتكم بأبيكم وما آلت وما قد تئول إليه، وتعاطفي مع شيخ نبذتموه (نفسيا) فاعتزلكم (جسديا).
لتغيير الآخر يلزمك أن تحوز ثقته، ولكن مهاجمته من الخارج تستثير فيه رغبة القتال؛ فحاولوا مرة أخرى وبطريقة أخرى، وإن لم تنجحوا فراجع ما ردت به د. نعمت على مشكلة غواية المتعة المجانية.. صرخة أم، عندما نصحت الأم بأنه بعد استنفاد المحاولات يجب أن نتوقف وندع كل شخص يتحمل مسؤولية أعماله ما دام هذا إنسانا راشدا وبالغا.
هل نظرت إلى مشكلتكم بأنها منة من الله تعينكم على بر والدكم بالحسنى وعلى أن تغنوه باهتمامكم به عما تقدمه الشبكة من إثارة.
وأخيرا أخي، لا تتوقف عن الدعاء بأن يصلح الله بينكم وبين أبيكم وأن يختم لكم وله ولنا جميعا بالصالحات.
13/8/2023
رد المستشار
البحث في الدوافع وراء السلوك الذي نرفضه هو أحد المداخل الهامة في التعامل مع مشكلاتنا، والذي يبدأ بفهم أعماقها وأبعادها.
وحل المشكلات إنما يكون على أساس علاقة من التواصل مع أطرافها، ولا يمكن أن يتم عبر فجوات قطيعة أو في مناخ جفاء ونزاع.
ودراسة الأفعال، وبالتالي الردود المتوقعة، والتداعيات المنتظرة من ورائها هي من مسالك الحكماء، وذلك أمر نفتقده كثيرا في حياتنا الاجتماعية والسياسية للأسف.
والأساليب البوليسية البدائية التي تحاول تعديل سلوك أو توجيه ما -عبر المنع والتحكم- هي بطبيعتها عقيمة، بخاصة في عصرنا هذا، فما بالنا إذا كانت تتم من طرف أسرة تجاه عائلها؟.
ولا أريد الانسياق في فكرة معاملة الوالد كمراهق، فالحقيقة أن الأمر ليس كذلك، والأكثر فائدة أن نرى خطة حياة اختارها هو لنفسه بعد التقاعد، وهي خطة لطيفة وجذابة ومنعشة ومثيرة بأحداثها ومغامراتها. إنها دنيا كاملة فيها من المتع والشهوات ما يغري.
ولكي نحمل إنسانا على تغيير خطة حياته عن اقتناع فإن هذا يستلزم جهدا يتجاوز مجرد الاستنكار والمنع والمقاطعة، وهذا ما حاولت أنا شرحه.
وشكرا لك على مشاركتك التي تعطي المزيد من الضوء والأمل، فلا تترددي أبدا في التواصل معنا مجددا، وتمنياتي للأخ السائل الأصلي بالتوفيق مع والده.