أولا أود أن أعلن عن رغبتي في إخفاء البيانات الشخصية التي يمكن أن تدل على شخصيتي. أما بعد أبلغ الآن من العمر 27 عاما متزوجة ممن أحببت ولي طفل صغير.
كنت في الخامسة من عمري عندما اكتشفت أمي أنني "أداعب" أعضائي التناسلية، وبدلا من أن تحاول فهم الأسباب -والتي قد يكون من ضمنها التعرض لتحرش أو اغتصاب- ولأنها أرادت أن تقصر الطريق قامت باصطحابي للطبيب لختاني رغم أنها طبيبة! ورغم أنها لم تجرِ العملية لأختيّ الاثنتين. والآن أعتقد أنني كنت طفلة شديدة الحساسية فما حدث أثر على احترامي لذاتي وعلى علاقتي بأمي وحتى على علاقتي بربي والتزمت بالعادة السرية منذ هذه اللحظة حتى يومنا هذا.
كرهت أمي وكرهت نفسي، وللهروب من هذا الصراع النفسي أقنعت نفسي بأنني لست ابنتها، وبأنها تربيني مشكورة، وأنه ليس علي إلا أن أحفظ لها الجميل وتقوقعت بعيدا عن العائلة، وبانتظار اليوم الذي أتحرر فيه وأخرج من البيت، كنت أقضي الوقت في أحلام اليقظة التي كنت أتخيل نفسي فيها أعيش في مجتمع مختلف لا يحتاج فيه الإنسان إلى والدين. مجتمع وهمي يمكنني أن أعيش فيه وحدي مع إخوة من نسج الخيال، وأن أكون قوية ولي حق في اتخاذ القرارات المصيرية المتعلقة بي.
وعندما بلغت من العمر الخامسة عشر أثير موضوع ختان الإناث في الإعلام المصري بعد حكاية الفيلم الذي سجلته CNN ولأنني أقرأ كثيرا فقد التهمت كل ما وقع تحت يدي عن هذا الموضوع، ولأنني أفكر عادة بموضوعية فقد قررت مصارحة أمي، والآن لنستطرد قليلا لنتعرف عن قرب عن أمي وعلاقتي بها، هي تعمل طبيبة كما ذكرت، هي خجولة لأقصى درجة قليلة الكلام، متدينة عصبية جدا خاصة في التعامل معي. يتركز اهتمامها ووظيفتها في الحياة على النجاح الدراسي لأبنائها وبالطبع الهاجس الأمومي الأزلي من تزويج البنات لسترهن.
لا أنكر أنها كثيرًا ما كانت تقول لي إنها ترغب في تكون العلاقة بيننا علاقة صداقة وأن أحكي لها أسراري وما إلى ذلك. كانت المشكلة أنها تريد أن تلعب بقواعدها. فهذه الصداقة المزعومة كانت تريدها من طرف واحد، أتولى أنا فيها تقديم تقرير يومي مفصل –كأنني أخاطب متهم يتحدث إلى وكيل نيابة- عن كل ما فعلته وقلته وسمعته وفكرت فيه وتقوم هي بعقابي إذا لم يوافق أي مما سبق هواها. إلى هنا ينتهي الاستطراد.
وأعود للموضوع الرئيسي، حيث سألتها فقط عن سبب ختاني دون إخوتي فثار البركان، وقذف بحممه ونيرانه على تلك الحمقاء التي تجرأت على توجيه سؤال جنسي كهذا لوالدتها، وأخبرتني أن الختان عادة إسلامية أمرنا الله بها للتخفيف من شهوة البنات، ولكلا تقعن في الخطيئة، واستشهدت بالمجتمعات الغربية التي تكون النساء فيها متلهفات على الرجال، وأن الله أمر المسلمين بختان البنات لكي تكون المرأة عزيزة على زوجها ولا "تندلق عليه" لهذا أمرنا الله بختان البنات. أما عن عدم ختان أخواتي فقد أخبرتي أنها توجهت بإحداهن إلى الطبيب –رجل عاقل باركه الله- فأخبرها بأن أعضائها صغيرة جدا وسيكون من الظلم قطعها أما الأخرى فإنها لا زالت صغيرة علما بأنها كانت في الثامنة من عمرها.
ثم ثارت عليّ وسألت عن إحساسي بالرجال أو بالجنس عموما فأخبرتها بأنني أقرف من هذا الموضوع ككل فهدأت وقالت إن هذا هو المطلوب. اسمحوا لي بالاستطراد هنا قليلا: قالت أمي إن الله أمرنا بالختان. وكلما أرادت أمي أن تسكتني قالت "الله. الله أمر. الله قال. الله سيعاقب. الله سيدخلك النار إذا لم تصلي وإذا رفعت صوتك على والدتك وإذا لم تذاكري لتنجحي"... للأسف كانت دائما ما تقرن لفظ الجلالة بكلمات قوية تحمل التهديد والوعيد لا الرحمة والرأفة. كان لفظ الجلالة بمثابة "الحارة السد" أو "خانة الْيَكّ" التي تنهي بها جميع مناقشاتنا حتى تصير محاولاتي لاستئناف الحوار نوعا من الكفر. وقد كان فلقد "كفرت بالله" وكرهت المجتمع وكرهت أمي –نتحدث الآن عن فتاة في الخامسة عشر- لجأت إلى العلم الذي يخضع كل المعتقدات والمفاهيم إلى التجربة قرأت كثيرا في كتب الأديان، وعن الفلسفة خاصة تلك التي فيما يتعلق بالعلم كالمرجع الوحيد وتلك التي تدعو إلى الإلحاد. كنت أبحث فيها عن مخرج فلم أجد.
بدأت أمي تلح علي لأُصلي -جاء هذا الاهتمام متأخرًا فلم أكن أصلي من قبل- حتى أنها كانت توقظني من "أحلاها نومة لأصلي الفجر" فهل أقول لها إنني كافرة بالصلاة؟ قطعا لم يحدث فكنت أمثل أنني أصلي حتى تدعني أكمل نومي واستمرت هذه المسرحية حتى تزوجت، فمع أمي لا توجد حلول وسط فإما تنفيذ رغباتها، وإما الويل والثبور والحمم والبراكين. بحثت كثيرا وقرأت كثيرا ودخلت الجامعة وأنا ما زلت على معتقداتي باحثة عن المعنى الأعمق للحياة وتفوقت في دراستي ومرت الأيام وتخرجت وبدأت التغير البطيء. وجدت أنه لا مفر من تقبل حقيقة وجود خالق أعظم للكون هو الله الذي لا مهرب منه إلا إليه.
أيها القارئ... لا تسرف في التفاؤل فأنا لم أتحول إلى مؤمنة مسلمة ملتزمة وإنما فقط آمنت بالله الرحمن الرحيم الذي تسبق رحمته قضاءه. ووجدت أن الإسلام هو أكثر الأديان منطقية –نتكلم هنا عن فتاة في الحادية والعشرين من العمر- كانت هذه هي الخطوة الأولى على الطريق الذي عانيت في كل خطوة منه من آلام توازي آلام المخاض.
لم أستطع التقدم عن هذا فلا زالت إلى الآن لا أتمكن من الاستمرار في المواظبة على الصلاة، وما زالت أشعر بالحنق والغضب تجاه المجتمع المتخلف الذي لم يجد وسيلة لمنع انحراف البنات إلا بقتل قدرتهن على الاستمتاع نهائيا سواء في الحلال أو في الحرام. لكنني الآن بعد أن تزوجت وخرجت من دائرة سيطرتها صرت لا أكره أمي، ولكني لم أنس ما فعلته ولم أسامحها عليه. لكنني أعتقد أنني أعاملها معاملة جيدة. ولا زلت لا أصلي وأشعر بنعم الله الكثيرة التي أنعم بها عليّ وبالغضب لأنني لا أشكره عليها أقل الشكر –ممثلا في الصلاة.
أما عن علاقتي بزوجي فأنا أحبه بشدة وأرغب في إسعاده بكل الوسائل ولأنني باردة تماما تجاه العلاقة الزوجية؛ ولأنه يريدني أن أستمتع به مثلما يستمتع به فمنذ بداية زواجي اضطررت إلى اللجوء إلى حيلة التمثيل القديمة -التي يبدو أنها تأصلت فيّ منذ موضوع تمثيل الصلاة- رغم أنني لم ألجأ إليها إلا في هذا الموقف فقط. والآن أعاني من الإحباط؛ لأنني على ما يبدو غير قادرة على مواصلة التمثيل –نفذت بطاريات التمثيل لدي- والأهم من ذلك فأنا أشعر بأن الاستمتاع الجنسي أحد حقوقي ومن أهمها أيضا. منحني الله –الذي أؤمن به الآن وأحبه وأتمنى أن يهديني إلى فعل ما يرضيه- إياه، وسلبتني إياه أمي على طريقة –هذا ما وجدنا عليه آبائنا وأجدادنا- بالختان. هذا هو الموضوع كله. ربما يكون ملخصا –فهذه هي قصة حياتي لكنه يحتوي مجموعة من أهم اللقطات.
أعلم أن الحل بيدي وأنني الأقدر على حل جميع مشاكلي
ولكنني رغبت في مشاركتكم إياها ربما يصفو ذهني بعدها وأتمكن من التفكير بوضوح.
8/8/2023
رد المستشار
شكرًا على مراسلتك الموقع.
شكراً على مشاركتك الموقع بهذه المعاناة. ما ارتكبته أمك بحقك جريمة وشاركها في هذه الجريمة من عمل العملية أولاً وثانياً كل رجل دين حقير يشجع على ختان الإناث ويقول بأنه مستحب فهو لا فريضة ولا شرع ولكن أن يكون مستحب فهو فقط من وجهة النظر الخبثاء من البشر.
ما يزيد الطين بلة بأن أمك الطبية هي تمثل أشبه المثقفين الذين ابتلى بهم البشر. الكثير من الدعاة هم من الجهلة وهذا في نظر الأغلبية من الناس ويمكن تجنبهم بسهولة ولكنت الأخطر منهم هو أسبابه المثقفين الذين يحملون شهادات ويمارسون مهنة مثل الطب والقانون وغيرها.
ختان الإناث مصطلح سخيف لأن الأصح هو تشويه الأعضاء التناسلية للأنثى عمداً وجرحها وتغييرها وهي جريمة. وهل أعطى الله الإنسان عقلا واستعمال هذا العقلة واجب الإنسان وأمك ارتكبت جريمتها عمداً مع سبق الإصرار لجهلها أولا ونرجسيتها لفرض سطوتها وأرائها المتخلفة على ابنتها. هذه الجريمة بصراح
لا تستحق المغفرة من قبل الإنسان والله رب العالمين هو الذي يتولى أمورها مستقبلًا.
أنت سيدة على مقدرة عالية من الخلق والحنان، ولكن في نفس الوقت وستتعاملان مع والدتك بطريقتك الخاصة. أقل ما يمكن أن تفعله أمك هو الاعتراف بجرمها ولو فعلت ذلك لقبلت به بسعة صدر. إذا سنحت لك الفرصة أن تطلبي منها ذلك فافعلي وانتظري الجواب.
هناك حالياً جهاز يتم استعماله لتحسين الأداء الجنسي في ضحايا جريمة تشويه الأعضاء التناسلية للإناث اسمه Eros Clitoral Therapy Device وهو يساعد على استرجاع بعض الحيوية الجنسية. أظن هذا الجهاز متوفر في مصر وتحدثي مع طبيب أخصائي حول استعماله ولكن لا أظن أنه يحتاج إلى وصفة طبية.
وفقك الله
واقرئي أيضًا:
زوجتي والختان الفرعوني
ختان الإناث: الأسباب والمعتقدات
ختان أنثى أم ختان عقل؟!!
ختان البظر أم العقل: خارطة نظرة شمولية
ضحية الختان الفرعوني!
الختان والشهوة الجنسية