السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أود أن أعبر عن شكري وتقديري لكل من ساهم في بناء هذا الموقع الرائع، وأرجو أن يجزيكم الله كل الخير.
اسمحوا لي أن أطرح عليكم مشكلتين، وأرجو أن ألاقي الصدر الرحب لسماع همومي وإعطاء الحل السليم بإذن الله..
أنا امرأة عمري 29 سنة، متزوجة منذ 3 سنوات، وقد رزقنا الله -وله الحمد- بصبي عمره الآن سنتان ونصف، وأرغب في الإنجاب مرة أخرى، ولكن زوجي يرفض نظراً لأنني موظفة ولا يريد وضع المولود الجديد بالحضانة كالسابق، مع العلم بأن كل الأمهات العاملات يضعن أولادهن في الحضانة، ولا يقتصر الأمر علي وحدي، فإذا اقترحتم أن أستقيل فأود توضيح أن الأوضاع في بلدنا سيئة، ولا يكفي دخل الزوج وحده في ظروفنا (أنا لا أخلق الأعذار إطلاقا)، ولكن أتكلم بموضوعية، حيث إن كل الزملاء متزوجون من موظفات وتجدهم يعانون ماديًّا، وزوجي نفسه يقول إن دخله "يا دوب مكفي احتياجاتنا"، مع أنني أحول أكثر من نصف راتبي لحسابه، ومع هذا أجده قلقا من الأوضاع بشكل عام، وهو نفسه لا يفضل أن أستقيل حتى نعين بعضنا.. أرجو أن تجدوا لنا حلاًّ.
المشكلة الثانية تكمن في موضوع الانتقال إلى لسكن في مكان آخر، أود إعطاء كل التفاصيل حتى تستطيعوا فهمي وحل مشكلتي،
في البداية تزوجت من الشخص الذي أحببته وأحبني والحمد لله، وقد اتفقنا على بعض الأمور قبل الارتباط ومنها مسألة السكن، فقد اتفقنا على أن نستقر ونعيش في مكان عملنا وفي المكان الذي تعودنا عليه، حيث إن مكان سكنه الأصلي غير مكان عمله، وقد وعدني بذلك وقال لي: إنه لا يفكر بالعودة للسكن في مدينته الأصلية؛ حيث إن عملنا هنا ولا حاجة للانتقال للعيش في تلك المدينة، وبصراحة لقد أعربت له عن رغبتي في الاستقرار في مكان عملنا عند تعارفنا على بعض، وقد وافق ولكني للآسف لم أسجل ذلك كشرط في العقد.
وقد فاجأني بعد العقد بأنه يود الانتقال إلى مكان سكنه الأصلي حتى يبقى قريباً من أهله، والله يعلم أنني لا أسعى لإبعاده عن أهله، ولكن لا يكون القرب منهم شرطه السكن بجوارهم، بل يكون القرب بسؤاله عنهم، وبالاطمئنان عليهم، وبزيارتهم من وقت لآخر، فهناك عدة طرق للتواصل مع من نحب، وقد قلت له ذلك ولكن لا يريد أن يقتنع، وبصراحة أنا لا أرغب في الاقتراب من مكان سكن أهله؛ لأنني رأيت وسمعت الكثير من المشاكل التي تحدث عادةً في كثير من البيوت التي يكون فيها الأهل وزوجات الأبناء قريبين من بعضهم، وأخاف أن يحدث بيني وبينهم خلافات أنا في غنى عنها.
وقد أعلمته قبل الارتباط بأنني لا أحب ولا أطيق العيش في مدينته الأصلية، حيث إن الناس يتدخلون في شئون بعضهم، ولهم عادات أنا شخصيًّا لا أحبها، ولن أستطيع أن أعيش بحريتي كما أعيش هنا، وغير ذلك الكثير من مميزات أنا أعيشها الآن وسأفقدها هناك.. لا أريد أن تفهم كلمة حريتي بأنني أقوم بأعمال سيئة -لا سمح الله، فأنا لا أقوم بأي عمل مخل بالآداب والأخلاق، ولكن أريد حريتي في بيتي، حريتي في تصرفي، حريتي في انتقاء من أتعامل معه من الناس، ولا أريد أي تدخل في أي ناحية من حياتي، وهذا ما أستبعده إذا تم الانتقال إلى تلك المدينة.
ورفضي ذلك يكمن أيضاً في أنه من الصعوبة الانتفال بين المدن (بين مكان السكن المراد الانتقال إليه وبين مكان عملنا)، حيث إن الوقت المستغرق لا يقل عن ساعة في الأوضاع الجيدة وعدم وجود الحواجز العسكرية، فما بالكم لو أنها بقيت كما الآن؟ حيث إن الوقت المستغرق للوصول لا يقل عن الساعتين والثلاث ساعات في بعض الأحيان، حتى إن تحسنت فمن يضمن عدم إغلاق المدن بين الحين والآخر،
والسبب الثالث هو أنني أشعر بأنه من حقي أن أختار المكان الذي سأستقر فيه وأكون فيه سعيدة مطمئنة، حيث إنني أقوم بتحويل أكثر من نصف راتبي حالياً إلى حساب زوجي بعد أن كنت أحول له كل راتبي لفترة سنتين متواصلتين، وقد ساعدته كثيرًا ووقفت بجانبه في كل النواحي، وما زلت والحمد لله عوناً له، فلماذا يرفض الرجال مشاورة زوجاتهم في مواضيع تخصهن حتى يعربن عن رغبتهن وحبهن أو رفضهن لأمر ما.
أرجو منكم نصيحتي في هاتين المسألتين،
والسلام عليكم.
16/8/2023
رد المستشار
الأخت الكريمة:
في القرون الماضية كانت البيوت متسعة، والأمور كانت أيسر من الآن بكثير، وكان الآباء يحرصون على تزويج أبنائهم معهم في نفس المنزل، وكان هذا الأمر شائعا ومقبولا في الماضي.
وبالطبع فإن للحياة مع أهل الزوج مشاكلها وهمومها، ولكن مما لا شك فيه أن لهذه الحياة أيضا محاسنها، والتساؤل المطروح هو: هل كانت الحياة بين الزوجة وأهل زوجها كلها مشاكل ومستحيلة؟ ألم تدم الحياة على هذا المنوال لقرون طويلة؟ وهل توقفت الحياة في هذه الأسر بسبب المشاكل؟!
والسر في استمرار الحياة على هذا المنوال لفترات طويلة يعود في الأغلب الأعم لحكمة الأم، وكذلك حكمة زوجة الابن التي كانت تتقبل بعض القيود التي تفرض عليها بطبيعة كونها فردا في أسرة كبيرة في مقابل الحصول على ميزات الحياة في بيت العائلة.
ومن أهم هذه الميزات أن كل أعضاء الأسرة الممتدة يشاركون في تقديم الرعاية للأبناء الصغار، المهم أنني لن أنسى ما حييت حكايات (حماتي) عن مزايا العيش في بيت العائلة، حيث كان الكل يشاركها في مسؤولية رعاية الصغار، ولن أنسى وصفها لطبيعة العلاقة بينها وبين (حماتها) التي لم تكن إلا علاقة أم بابنتها.
المهم أنه بمرور الزمن وتغير الأحوال تبدلت نظرة الفتيات، وأصبحن يطالبن بحريتهن ويرفضن بشدة البقاء في بيت العائلة، حتى إنني رأيت الكثيرات منهن يرفضن الزواج حتى لو وفر العريس سكنا مستقلا ولكنه في منزل العائلة، وبالطبع تغيرت أيضا نظرة الأمهات وأصبحن يرفضن زواج الابن معهن في نفس المنزل خوفا من ظلم زوجة الابن لها ومضايقاتها لها في منزلها، واتجهنا لشكل الأسرة النووية الحالي الذي افتقد بشكل أو بآخر دعم الأسرة الممتدة الكبير، فكان ما تشتكين منه من أن زوجك يرفض أن تعيدي تجربة الإنجاب؛ لأنه لا يريد أن يربى أبناؤه في الحضانة، فلماذا لا يكون الحل لمشكلتك هذه في تكوين شكل من أشكال "الأسرة الممتدة المعدلة"؛ وأعني بهذا التعبير أن تعيشي في سكن مستقل، ولكنه قريب من بيت العائلة بحيث يمكنك أن تتركي أبناءك في رعاية جدتهم لحين عودتك من العمل.
وبمعنى آخر فيمكن أن يكون في مشكلتك الثانية حل لمشكلتك الأولى، حيث يمكنك الانتقال من محل سكنك الحالي إلى مكان قريب من عائلة زوجك من أن تنجبي على أن يتولى أهل زوجك رعاية الأبناء أثناء انشغالك بالعمل، وببعض الدبلوماسية والحكمة وضبط النفس يمكنك أن تحافظي على استقلالك وتصدي أي راغب من الجيران والأصدقاء في التدخل في حياتكم بدون داعٍ.
أما بالنسبة لقلقك من تدخل أهل زوجك في حياتكما والتضييق على حريتكما، فهذه من الأمور التي يمكنك فيها التفاهم مع زوجك، وعموما الأهل يمكنهم أن يسببوا المتاعب لزوجة الابن -لو أرادوا- حتى لو كانت على بعد عشرات الأميال، خاصة إن لم يتحلَّ الزوجان بالحكمة والكياسة في التعامل، أما بالنسبة لبعد مقر عملكما عن سكن أهل زوجك فيمكنك أن تعتبري أن هذا الجهد في الوصول إلى عملك هو جهد مبذول في مقابل حصولك على مشاركة أهل زوجك في رعاية أولادك.
هذا الحل يعتبر أحد الحلول المطروحة الذي ينبغي عليك أن تدرسيه جيدا قبل أن تعلني رفضك أو موافقتك، فإذا وجدت صعوبة في تنفيذ هذا الحل المقترح، فلن يكون عليك إلا أن تتباحثي مع زوجك وتناقشيه بهدوء، وأؤكد مرة أخرى على أهمية أن يكون نقاشك بهدوء وموضوعية وأن تتخيري الوقت المناسب لهذا النقاش.
ابحثا سويا محاسن وعيوب الإنجاب في الوقت الحالي، وكذلك مزايا وعيوب الانتقال إلى مكان قريب من عائلته، وحاولي أن تشعريه بأنك محايدة، وأنكما سويا لا بد أن تناقشا أموركما عقليا، وأن تتشاركا سويا في اتخاذ القرار الذي يحقق مصلحة العائلة كلها، على أن تلتزما سويا بهذا القرار.
فإذا وجدتما أن الأفضل لكما أن تظلا حيث أنتما، أو أنه لا يستجيب للنقاش، أو أنه مستمسك برأيه، فيمكنك الاستعانة بمن يستطيع التأثير فيه من الأهل والأصدقاء.