قلبه معي.. وأمواله مع أمه.. كيف نتزوج؟
سلام عليكم
الدكتورة سحر طلعت، أتمنى من الله أن تكوني بخير وبصحة جيدة، لقد أحببت أن أبعث لك هذه الرسالة حتى أطلعك على النتيجة التي وصلت إليها.
أنا صاحبة مشكلة "قلبه معي.. وأمواله مع أمه.. كيف نتزوج؟" لقد اتبعت خطوات الحل الذي اقترحته علي، وقد رأينا أن نكمل المشوار؛ لأننا وجدنا ما نريد في بعضنا البعض، وأن الأهل لا بد أن يستسلموا لرغبة الأبناء في النهاية، كما أن الضغط المستمر على الأهل يجعلهم يرضخون لرغبة الأبناء، لكن هناك بعض الأهل لا سبيل لاستسلامهم أبدًا، وكأن قلوبهم وعقولهم قد صنعت من حجر وليس من دم ولحم، وكلما ضغطت عليهم ازدادوا تصلبا وتعنتا.
الذي حصل معي أن أمه ازدادت في العناد والتصلب، وحاولنا بشتى الطرق والوسائل، وأكيد موضوع كهذا مع ازدياد عناد أمه أثر على صحتها؛ وهو ما أدى لدخولها إلى المستشفى؛ لأنها مريضة بالسكري، وهو طبعًا مشاعره وأخلاقه وإحساسه الداخلي بنفسه لا يسمح له أن يكون سببًا في إيذاء أمه فوصلنا إلى هذه النقطة.
وقد وجدت أن نفترق أفضل بما أنه لم يستطع أن يقنع أمه وهي تزداد تصلبًا وتحجرًا دون أي مراعاة لمشاعر أي إنسان أو أي طرف، فقط مراعاة مشاعرها ورغباتها فهي لم تتنازل عن رغبتها أمام رغبة ابنها، أو حتى أمام رغبات أبنائها الآخرين الذين حاولوا إقناعها بحرية أخيهم في اختيار من يريدها شريكة لحياته، لكن لا فائدة ولا حياة لمن تنادي، بالعكس بل إن الجميع انقلب ضده عندما وجدوا أن أمهم أصبحت في خطر والسبب هو والزوجة التي يريدها.. وهي أنا!!
وفي هذه المرحلة الأم تنازلت عن قبولها برفضه للزواج من قريبتها في مقابل أن يتزوج بأي إنسانة أخرى، المهم ألا تكون أنا!! لأن برأيها أن ابنها استحالة يتصرف ويعاند بهذه الطريقة وأن كل تصرفاته كانت بناء على أوامري أنا!!
بناء على ذلك اتخذت قرارها الذي حدد طريق كل منا! مع أنني كنت دائما أحثه على ضرورة إقناعها باللين وألومه إذا تصرف معها بشدة؛ فأنا أولا وأخيرًا عندي أم وأخاف الله؛ لأني أعلم تمام العلم أنه كما تدين تدان، لكن هي لم تتوقع أن من الإمكان أن يتمرد ابنها على قرارها.
بصراحة أنا صدمت وشل تفكيري عندما عرفت أن أمه وصلت لهذه المرحلة.. أنا لا أدري لم تكرهني ترفض وجودي لهذه الدرجة، هي حتى لا تعرفني ولم ترني ولم تختلط بي أبدا؟ أنا لا أدري إلى متى سنبقى نصدر أحكاما على البشر دون معرفتهم وتهمنا فقط مصلحتنا الشخصية ولا تهم أبدا اعتبارات الآخرين مثل هذه الإنسانة؟ فإذا كنت كأم تهمني مصلحة ابني في المقام الأول وتهمني سعادته، أتحدث معه، أناقشه، أرى هذه الإنسانة التي يريد الزواج منها، أعرفها.. أعرف أهلها.. أرى وسطها؟
لكن ليس بهذه الطريقة ترفض الموضوع وتصر على الرفض وتلعب بالورقة الرابحة دائما وهي صحتها؛ فهي تعلم أن ابنها أبدا لن يستطيع أن يكون هو السبب في إيذائها حتى لو آذته فيقبل الموضوع؛ ففي النهاية هي تريد مصلحته وسعادته، وهو لا يعرف أين مصلحته وسعادته، بلغ الثلاثين عاما، ولا يستطيع أن يحدد ماذا يريد!! الحقيقة أنها مأساة، أنا لا أقيس الموضوع على نفسي، بل أنظر له بصفة عامة عندما يبلغ الرجل الثلاثين عاما، ولا يستطيع أن يقرر أو يختار أبسط حقوقه أعتقد أنها مأساة حقيقية، وقيسي على ذلك الأمور الأخرى التي قد يصادفها في حياته.
أنا لست حزينة على النهاية التي وصلنا إليها، أنا حزينة على الطريقة التي يفكر فيها البعض، وهي كيف أننا لا نثق باختيار أبنائنا ولا نعطيهم الحرية ليقرروا ماذا يريدون؟ وحزينة على الأيام التي مضت.
صحيح لقد استهلكت هذه القصة من عمري 3 سنوات، لكني أعي حقيقة أن الوقوف ضد رغبة الأهل يوصلنا معظم الأحيان لطريق مسدود، صحيح لقد كان عمري 26 سنة، وأصبح الآن 29، وأصبحت فرص زواجي أقل أو من يتقدم الآن يكون له تجربة زواج سابقة أو يريدني زوجة ثانية، ولكني لست نادمة على الفترة الماضية؛ لأنني لن أتعلم إلا من عمري أنا، وأحاسيسي أنا، والخبرة لا تكتسب أبدا بسهولة، لكنني أحيانا أتأمل لماذا وكيف، وفي النهاية لا يحصل إلا ما هو مكتوب ومقدر لنا نراه.
والآن بعد انتهاء العلاقة أدركت أن هذا الشخص لا يناسبني؛ فالشخص الذي لا يستطيع أن يقرر من هي شريكة حياته أعتقد أنه لن يستطيع في المستقبل أن يواجه المشاكل التي ستقابله؛ فالزواج مجرد بداية وبعد ذلك ستأتي مشاكل الأبناء والحياة وسلسلة طويلة من الأحداث.
أحب أن أشكر لك دعمك ونصحك لي؛ فقد كنت الصدر الحنون الذي استطعت أن أبوح له بكل ما يجول بخلجات صدري، وأشاركه مشاعري وأحاسيسي، وكنت نعم السند لي، أشكرك من صميم قلبي.. يا دكتورة.
وأخيرًا.. أوجه شكرًا خاصًا لكل من يعمل في هذه الصفحة، ويشارك ولو بجزء بسيط في تفريج كربة مسلم،
فمن فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
1/9/2023
رد المستشار
أختنا الحبيبة، عندما تلقيت رسالتك شعرت بمزيج مختلط من مشاعر عدة، شعرت بالسعادة لأننا نلتقي مرة أخرى عبر هذا الحجاب الذي قد يكون حاجزًا يمنع المشاهدة، ولكنه أبدًا لن يكون حاجزا يمنع تلاقي القلوب والأرواح، فلقد شعرت أنني ألتقي بصديقة قديمة أثيرة على قلبي بعد طول غياب، وأدركت أننا في صفحتكم هذه وإن كنا نتعامل مع مشاكلكم من خلال نص ورقي مكتوب فإن مشاركتنا لكم في الآلام والهموم توطد من أواصر المحبة والرابطة القلبية التي تجمعنا.
ورغم سعادتي بالتواصل معك فقد خالط هذه السعادة الحزن الشديد على ما آلت له الأحوال بينكما؛ حيث كنت أتمنى لكما من كل قلبي وأدعو ربي أن يجمعكما على الخير وأن يعين والدته على أن تكون أكثر حكمة وأقل عنادًا، ولكن ما قد كان قد كان ولا نملك أمام ما جرت به الأقدار إلا أن نقول "قدر الله وما شاء فعل"، سائلين المولى عز وجل أن يربط على قلوبنا وأن يبدلنا خيرا مما فقد منا، وعز من قائل: "وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ".
أما بالنسبة لما أثرتِه من قضية تحكم الأهل وسيطرتهم على اختيارات الأبناء؛ فالواقع يؤكد أننا ما زلنا نميل في مجتمعاتنا العربية بدرجة أو بأخرى لشيوع ثقافة القهر الأبوي، وهو قهر كل كبير (قد يكون أبا وأما أو معلما أو رئيسا) لكل من هم دونه سنا وخبرة في الحياة؛ بحيث يحجب عنهم حقهم في الاختيار وخوض غمار التجارب على مسؤولياتهم، وهذه النوعية من القهر لها دائما ما يبررها؛ فهي تارة بدافع الحب للصغار والخوف عليهم من خوض غمار التجارب والفشل في تحقيق الأهداف المرجوة، وفي الأغلب الأعم يكون رد فعل هؤلاء المقهورين إما السكوت والاستسلام ورفع الراية البيضاء، وإما التحايل على هذه القيود بطرق ملتوية وغير سوية بدلا من محاولة المقاومة وتغيير الأمر والواقع.
والتساؤل المطروح هنا على جيل الآباء هو: هل هذه الضغوط وهذه الممارسات تخلق أجيالا يعتمد عليها وقادرة على إدارة شئونها وأمورها الحياتية والمجتمعية؟! ولجيل المقهورين في كل مكان وموقع نتساءل: أيهما أفضل التحايل واللف والدوران أم مواجهة هذه المشكلة وغيرها بكل وسيلة يمكنها أن تعالج جذور المسائل، بحيث يمكننا أن نتخلص من مشكلة القهر الأبوي هذه ونسمح لطاقات وإبداعات الشباب أن تنطلق بدون معوقات، وبدون هذا لن تقوم لنا قائمة، وسنظل نرزح تحت نير القهر؛ فالقهر عنوان واحد وسلسال واحد بداية من القهر الأسري ونهاية بقهر الحاكم لمحكوميه؟!
ونأتي لك أنت يا أختنا الحبيبة فأقول لك: الإنسان لا يتعلم، ولا يكتسب الخبرات إلا من تجربة الألم، وما أجمل أن تضعي هذه الحكمة نصب عينيك: "ما لا يقتلني يقويني"، فمن أجل ذلك انهضي الآن، وانفضي عنك آلام الانكسار والهزيمة، ولا تفكري كثيرًا فيما خسرته، واسألي الله من فضله وكرمه وجوده، حددي لحياتك أهدافا وابدئي من الآن خطة تحقيقها، وأعدي نفسك لأن تكوني زوجة وأمًّا، ولا تقبلي على خطوة الارتباط إلا بعد أن تهدأ نفسك قليلا حتى تتمكني من الحكم بروية على الأمور، ولا يوجد أي مانع من أن تتنازلي عن بعض شروطك في شريك حياتك كأن تكون له مثلا خبرة زواج سابقة: "أرمل أو مطلق"، وأهم ما في الأمر أن تستخيري وتستشيري بعد أن تتأكدي من توافر القبول العاطفي والاقتناع العقلي، على ألا تسمحي لحبك الضائع أن يفسد عليك أيامك القادمة، وفي هذا الصدد يعينك أن تقرئي:
فشل الحب الأول آلام في العمق!
الحب الأول معلمي وأحلامي ومشاعري
أوهام الحب الأول.. آخر الدواء الكي
أختي الكريمة، مرة أخرى سعدت بك وبتواصلك معنا، وأتمنى أن تحمل لي رسائلك القادة أخبارا سارة فتابعينا بالتطورات.
ويضيف د. أحمد عبد الله: أرى أنك يا أخت قد جمعت من الإيمان والعقل بنصيب وافر، وهذا أمر يحسدك عليه كثيرون؛ ولأنك مؤمنة وعاقلة أقول لك بأن هذا الشاب الذي انفصلت عنه ينبغي ألا يحتمل في كتاب حياتك أكثر من مجرد صفحة واحدة فقط لا غير، فهو لم يقاتل -فيما يبدو- من أجل تحقيق ارتباطكما، ولا أحسب أنه كان الأنسب لك لأن وجود أم كهذه يحتاج إلى تعامل معين، ومفاتيح بعينها فشل هو في العثور عليها أو الإمساك بها، ولو حدث الارتباط فما كان ليستمر، وعند ذلك كانت الخسائر ستصبح أفدح بكثير.
وكما قلت أنا وكررت مرارًا بأن منطق الحب يختلف عن منطق الزواج، وليس كل جدير بالحب يكون جديرا بالزواج أو قادرًا على الارتباط؛ لأن الزواج له مسؤولياته وتبعاته الأكثر تركيبا وتكاليف من الحب بين طرفين يملكان إدارة شئونهما الخاصة، ولكن أحدهما أو كلاهما يمكن أن يفشل في إدارة علاقته بمحيطه الأسري أو الاجتماعي.
ملاحظة أخرى وأخيرة حول هذه النظرة السلبية الموجودة في مجتمعاتنا لمن خاض تجربة عاطفية أو زواجية سابقة، وبدلا من النظر إليه بوصفه قد يكون أنضج بحكم آلام التجربة ودروسها فإننا ننظر إليه بوصفه معيوبا، أو ننظر للفتاة بوصفها صاحبة ماض يعيبها لا بوصفها صاحبة خبرة سابقة تفيدها وتنضجها.
أرجو أن نصحح وتصححي هذه النظرة فلا تعتبري أن صاحب التجربة السابقة هو بالضرورة في مرتبة أدنى أو "فرص زواجه أقل" كما تسمينها؛ لأن الحياة لا تخلو من حوادث، والمصائب يجمعن المصابين كما يقول الشاعر العربي، وربما كان جرحى الحب أو الزواج أقدر على التفاهم والتعايش والاستمرار ممن لم يعرفوا وعورة الطريق، وصعوبة القيادة، وتابعينا بأخبارك.