السلام عليكم ورحمة الله
الأخ الدكتور محمد عبد الفتاح المهدي حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
زوجتي قريبة لي، وقد تزوجنا منذ عام وقد نشأت وتربت في إحدى دول الخليج، في بحبوحة من العيش، الأسلوب الذي جعلها تعتمد كليا على الخادمة حتى في أبسط الأمور، وخلال مرحلة التنشئة هذه، تعودت أن تطلب فتطاع وتسأل فتجاب، وهذا على عكس شخصيتي تماما فقد تغربت مبكرا، ونشأت معتمدا فقط على نفسي، وهذا هو حال الجميع هنا.
وعندما تزوجنا وأحضرتها لتقيم معي في أوروبا أدركت أن هناك بونا شاسعا بين الأسلوب الذي تعودته وبين ما هو موجود هنا، ولا يمكن أن تتحصل على عشر ما كانت عليه عند أهلها، وأنا أتفهم لزوجتي هذا الوضع، ونتعاون قدر الإمكان حتى في أمور تدركها الصغيرات، أنا أشفق عليها وهي تشعر بذلك وتعرف أيضا أن وضعي قبل الزواج كان أكثر دقة وترتيبا وإنتاجا، إذ أن جهدي معها يستنزف وقتي وجهدي وأعصابي، ومع ذلك لا أظهر ما يسيء إليها،
وقد اقترحت عليها زيارة نساء عربيات هنا، للإفادة منهن في إدارة البيت والتعامل مع الوقت والاعتماد على النفس، إلا أنها لا تريد أن يعرف عنها أحد ما هي فيه، والزيارات تودها رسمية كما تعودت عند أهلها، حتى أنها تسنفرني يوما كاملا قبل أن يزورنا أحد، لكي تظهر بالشكل اللائق.
لقد تحدثنا كثيرا عن سبل الحل، والثقافية الاجتماعية اللازمة للخلاص مما هي فيه، ولكن التطبيق بالنسبة لها شاق وصعب، حتى باتت لا تعرف هل تتحامل على أهلها وأمها إذ لم ينقلوا لها نماذج أخرى للحياة.
نرجو نصحكم وبشكل عملي،،
وتقبلوا تحياتي.
28/8/2023
رد المستشار
الأخ الكريم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
يسرني أنك مدرك تماما لأبعاد المشكلة، وهذا يشكل نصف الحل فكما ذكرت أنه في مجتمعاتنا العربية هناك درجة عالية من الاعتمادية تظهر أكثر وضوحا لدى الفتيات خاصة إذا كانت الفتاة تعيش في أسرة ميسورة الحال، وفي مجتمع ذي طبيعة تجعله يعتمد على الآخر في أغلب خدماته.
وهذا النمط قد ترسخ لدى زوجتك لسنوات طويلة بحيث أصبح يشكل برنامجا سلوكيا ثابتا لديها، وهي قد انتقلت منذ فترة قصيرة بعد زواجكما إلى مجتمع أوربي قائم على برنامج سلوكي مختلف يعلي من قيمة الاستقلالية والفردية والاعتماد على النفس.
ومن طبيعة النفس البشرية أنها لا تتغير بسرعة من ناحية العادات السلوكية خاصة تلك التي ترسخت، واستقرت لسنوات طويلة، وأنتما متزوجان من عام واحد فقط وهذه مدة قصيرة نسبيا لإحداث التغيير السلوكي المطلوب، وأي محاولة لاستعجال هذا التغيير أو للوم زوجتك أو انتقادها معظم الوقت سيؤدي إلى مقاومة للتغيير لديها وربما إلى تعميق شعورها بالغربة والنفور من حياتها الجديدة.
والأفضل في هذه الحالات تفهم ظروف هذه الزوجة الصغيرة التي تركت أهلها وحياتها الرغدة التي ألفتها معهم، ثم مساعدتها على التغير التدريجي الهادئ من حالة الاعتمادية والسلبية الى حالة الاستقلالية والايجابية. وحبك ودعمك لها سوفي يساعدها على أن تمضي في رحلة التغيير بسلام وبدون مشكلات نفسية، واعلم أن محاولتها للظهور بشكل ملائم أمام الناس هو أمر متوقع لأنها لا تملك مفاتيح التغيير الحقيقية في الوقت الحالي، وتكتفي بإظهار صورة مقبولة أمامهم حتى لا تكون غريبة عليهم. وعليك أن تتقبل هذا الأمر مرحليا حتى يصبح التغيير جوهريا في حياتها.
ومع استمرار وجودها في مجتمعها الجديد واستمرار تفهمك ودعمك لها ونمو علاقات صداقة مع بعض الأسر القريبة ستلاحظ تغيرات تدريجية في هذه الناحية وكلما لاحظت تغييرا ولو بسيطا في هذا الاتجاه عليك أن تشجعه وتمتدحه وتكافئه حتى يستمر ويزداد.
ويمكنك تكليفها ببعض المهمات البسيطة التي تعتقد أنها يمكن أن تقوم بها وفي حالة نجاحها تظهر إعجابك بهذا النجاح وشيئا فشيئا تلقى إليها بعض المسؤوليات الحياتية لتقوم بها مع التشجيع المستمر والصبر عليها حين تفشل في بعض المهام.