اضطراب شعوري
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الصراحه أنا مش عارف تصنيف المشكلة اللي هتكلم عنها دلوقتي.
المشكلة باختصار: لو في شخص أذاني مثلا مش بعرف أكرهه مع أني المفروض أكرهه. مثال: اللي بيحصل في فلسطين دلوقتي وقتل اليهود للمسلمين المفروض أني أكره اليهود وأفرح بمقتلهم وهزيمتهم ولكني بحس بالشفقة عليهم لما بشوفهم بيموتوا (مع أني بدعي عليهم طول الوقت وبدعي بهزيمتهم وبدعي ربنا يرزقني كرههم).
مثال تاني في مذيع مصري مشهور جدا ومكروه من كل الناس وأنا نفسي بكرهه جدا بس لما حد بيشتمه قدامي أو يدعي عليه مثلا بحس أني متضايق، الشعور ده منغص علي جدا وحاسس أني منافق عشان المفروض لا أحس بالشفقة تجاه أعداء المسلمين. ومش عارف ده يندرج تحت إيه من الطب النفساني عشان حتى أقرأ عن علاجه
13/10/2023
رد المستشار
شكراً على مراسلتك الموقع.
لا يوجد تصنيف لهذه المشكلة، والشعور بالكراهية مهما كان توجهها عاطفة لا يقوى على تحملها الإنسان. مع تقدم العمر والنضج المعرفي والعاطفي يميل الإنسان إلى استخدام الوظائف المعرفية للدماغ ويسيطر بل وأحياناً يضع جانباً الوظيفة العاطفية للدماغ. السيطرة على الوظيفة العاطفية يؤدي أحياناً إلى عدم الشعور بعاطفة ذات قوة أو التعاطف المعنوي.
الإنسان العربي والمسلم في تأزم مستمر مع القضية الفلسطينية، والجميع يدرك ذلك. يمكن النظر إلى الشعب الفلسطيني كمجموعة بشرية تعرضت لصدمة كارثية لا تختلف تماماً عن زلزال دمر مدينة ما. في الوقت الذي يقبل فيه الإنسان بان الزلزال كارثة طبيعية لا مفر منها ولكنه أيضاً يسقط اللوم على دولته التي لم تستخدم العلم لضمان سلامة البناء وحماية السكان، ولكن ما لا يقبل به الإنسان هو أن يتم تهجيره من أرضه واغتصاب حقه في العيش. هذا ما حدث في نكبة ١٩٤٨ واشترك العالم كله ومن ضمنه العالم العربي في وقوع الكارثة التي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً من قبل.
هذه الكارثة في العلوم النفسانية يتم وصفها بصدمة عابرة الأجيال ولو تفحصت التاريخ منذ عام ١٩٤٨حتى يومنا هذا ستلاحظ بأن الصدمة اللي أصابت شعب فلسطين تكررت المرة بعد الأخرى وتم توارث آثار الصدمة الجيل بعد الآخر وخاصة سكان غزة. آثار الصدمة هي دوماً القلق ، الاكتئاب، الغضب، اليأس، الخدر العاطفي، مشاعر التفارق، وعطل مهارات الحياة مثل التفكير الانتقادي، اتخاذ القرار، وإدارة شؤون الحياة. يضاف إلى ذلك ضعف جهاز المناعة ومشاكل صحية جسدية متعددة. لا أظن أن هناك مجموعة بشرية تعرضت لصدمة عابرة الأجيال مثل الشعب الفلسطيني.
الشعب الفلسطيني بدوره ينتمي إلى مجموعة بشرية أكبر هي المجموعة البشرية العربية ويتشارك معها في المعتقدات الثقافية ،الدينية، الجغرافيا، التاريخ، وفوق كل ذلك اللغة العربية. تعامل المجموعة الكبرى التي هي الشعب العربي من الخليج إلى المحيط كان تعاملاً فريداً من نوعه في العصر الحديث لو قارنا تعامل المجموعة الأوربية مع مجموعة صغيرة تنتمي إليها ولكن لا تشاركها التاريخ، ولا الثقافة ولا اللغة. هذا التعامل المرضي الخبيث للمجموعة البشرية الكبرى أدى إلى تضاعف آثار الصدمة عابرة الأجيال على الشعب الفلسطيني وبالذات مجموعة غزة. تحاول المجموعة العربية الكبرى إسقاط اللوم على الشعب الفلسطيني لتبرير فشلها الذريع اقتصادياً وحضارياً وعلمياً، ولم تبذل جهداً يستحق الذكر لحماية المجموعة الفلسطينية ورعايتها.
تمر الأيام وهناك جيل عربي جديد. الجيل العربي الغير الفلسطيني لا يذكر نكبة ١٩٤٨ ١٩٥٦، ١٩٦٧،، ١٩٧٣ وما بعدها وتم وراثة المفاهيم الخاطئة حول تبرير ضعفهم وفشلهم الحضاري الثقافي بأزمة فلسطين. أما الشعب الفلسطيني الذي يعيش في غزة فلم تتوقف الصدمات وتم ترسيخها عن طريق التخلق المتوالي وربما تغيرات في الحمض النووي للجينات.
أما العالم الإسلامي العربي فهو الآخر بدأ ينظر إلى حمل علم فلسطين الملطخ بالدماء واستعماله من أجل الحصول على منافع سياسية لا علاقة لها بشعب فلسطين، وخير مثال على ذلك تركيا وإيران. ثم هناك المجموعة العالمية الكبرى المتمثلة بالأمم المتحدة وسطوة العالم الغربي والولايات المتحدة فهي تتعامل مع قضية فلسطين من أجل التخلص من الشعور بالذنب حول ما حدث مع اليهود أيام الحرب العالمية الثانية وقبلها، وبالتالي تتخلص من تنافرها المعرفي مع تهميش الوجود الفلسطيني تماماً.
هذا مختصر وجهة نظر قد لا يقبل بها البعض.
ما تشعر به طبيعي ولا وجود للكراهية في عاطفة إنسان سوي.
وفقك الله.