السلام عليكم
فاجأني موقعكم صراحة من ناحية التزامه العلمي بموضوعات الطب النفسي وثرائه الديني في الأمور ذات العلاقة، ولعل هذا ما دعاني إلى استيضاح موقفكم من عدد من القضايا التي تشغلني بسبب الاختلافات فيها فمثلا كان الشيخ محمد الغزالي رحمه الله يرفض ما يسمى العلاج بالقرآن، وكان يحفز المصابين في أرواحهم على معاودة الأطباء النفسانيين الملتزمين. فما رأيك في هذا الموقف. علما بأن مشايخ كثيرين يتعاملون مع ظواهر السحر والجن ويعالجونها؟
كذلك برأيكم هل هناك مساحة من الأمراض التي يمكن الاشتباه في اشتراك التعامل معها بين المساحتين الشعبية والطبية النفسانية؟ أي هل وضعتم معايير صارمة للتمييز بين ما هو من مس الجن وما هو خاضع لمجالات الطب النفسي؟ فالسحر والجن هما عالم شبه خفي، وعلى ما أعلم فإنه ربما لا توجد بلد في العالم ينكره، بل ويتعامل معه وله من تخصص في التعامل معه.
سؤالي الأخير: هل يمكن -من خلال خبرتكم -تكوين ما يشبه الروابط المتخصصة أو النقابات أو حتى جمعيات لهذا العلم/الفن؟ وما دام -تجريبيا -أثبت هذا العلم/ الفن تفاعلا إيجابيا مع المرضى، لماذا لا يتم دراسته كنوع من أنواع الطب -البديل مثلا- ويكون له قواعد وأصول وقسم في نقابات الأطباء. أو أقسام حتى؟
إما أنه علم وفن وله قواعد وأصول. وإما أنه دجل وخزعبلات لا علم ولا فن!!! وهذا سيعطي أيضا الحماية القانونية للممارس، ويجعل هناك مرجعية في الموضوع.
ما رأيكم من واقع خبرتكم؟
وعذرا للإطالة.
23/10/2023
رد المستشار
الابنة المتصفحة الفاضلة "دعاء فياض" أهلا وسهلا بك على مجانين وشكرا على ثقتك، واستعمالك خدمة الاستشارات بالموقع.
للمرة الثانية هذا الشهر يصلني عبر تطبيق استشارات مجانين ما يبدو كتحقيق صحفي وفي موضوعين متقاربين متداخلين مرة من "هند" وهذه المرة من "دعاء"
موقف الشيخ الغزالي رحمة الله هو الموقف المستنير؛ لأنه كما قلنا سابقا بأنه لا بد للمسلمين من الفصل بين عالم الغيب وعالم الشهادة، ولي رؤية لكيف يكون العلاج بالقرآن ستشرحها الارتباطات المدمجة أدناه، لكنني أود أن أضرب مثلا تاريخيا لأحد شيوخ الأزهر الكبار من تلامذة الشيخ محمد عبده وهو الشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار، هذا الشيخ الفاضل عندما اكتشفت الميكروبات لأول مرة في عصره كان له رأيا غريبا فيها، وهو أن هذه الميكروبات التي تسبب الأمراض هي الجن، وعندما ظهر بعد عدة سنوات أن هذه الميكروبات يمكن علاجها بالبنسلين أو ما يشابهه من المضادات الحيوية رجع شيخنا عن رأيه، وقال: "إنه ربما قصد المعنى اللغوي للجن" أي أنها تكون مستترة ومخفية وتصيبنا بالأمراض.
ولو لم يرجع هذا الشيخ في رأيه لكان من الممكن أن نسمع من يقول لنا بأن الجن الذي أصاب المريضة بالتهاب في اللوزتين قد عالجناه بالبنسلين وليس بالقرآن... فهل يتساويان؟ وغيره سيقول أخيرا استطاع الإنسان أن يرى الجان!
ما يستنتج من هذه القصة هو أن لعالم الشهادة معطياته التي نلمسها ونستطيع قياسها ولا نختلف إزاءها، أما معطيات عالم الغيب الذي نؤمن به لأننا مسلمون فهي أمرٌ آخر ولا بد من إزالة الخلط.
ولعل للأمراض والأعراض النفسانية خصوصية تجعلها تتسم بالغرابة؛ فالمريض لا تظهر عليه علامات المرض الجسدي المعروفة مثل السخونة والاحمرار، ولكنه يسلك سلوكا غريبا فيميل الناس إلى تفسير هذا السلوك الغريب تفسيرا غيبيا حسب معتقداتهم، ولكننا في الفترة الأخيرة وفي المجال البحثي العلمي بدأت تتضح لنا أشياء لم تكن واضحة من قبل فأصبحنا كأطباء نفسانيين مؤمنين لا نريد المجازفة بالغيب الذي نؤمن به لكيلا نضعه في غير مكانه.
اقرئي على مجانين:
القرآن يتحدى!
توصيات مؤتمر العلاج بالقرآن بين الدين والطب
الاستشفاء بالقرآن في الطب النفسي المعاصر
لم توضع معايير صارمة للتمييز بين ما هو من مس الجن وما هو خاضع لمجالات الطب النفساني، ولسنا بحاجة حقيقة لذلك لأن الغالبية العظمى من الحالات تستجيب للعلاج التجريبي، وهناك حالات في الطب النفساني التي كانت تسمى قديما بالهيستريا، وتسمى الآن بالاضطرابات الانشقاقية التحولية، هذه الاضطرابات من الممكن أن يفيد الإيحاء في علاجها، سواء تم الإيحاء بواسطة المعالج التقليدي، أو الشيخ، أو تم بواسطة الطبيب النفساني، فإن الشفاء منها ممكن من خلال الإيحاء، وهناك كذلك حالات ما تزال ملغزة مثل تعدد الشخصية أو اضطراب الهوية الانفصالية (الانشقاقية)، ولكن ما نريد التأكيد عليه هو أن ممارسات الكثير من المعالجين التقليديين والمتمثلة في الضرب أو غيره ما أنزل بها من سلطان، ولا تعلموها عن أحد من علماء المسلمين الثقات.
واقرئي أيضًا:
حقيقة الجن والرقى الشرعية!
الجن المخفي وادعاء العلم بالغيب!
وأما سؤالك الطموح عن فكرة الروابط المتخصصة أو النقابات أو حتى الجمعيات، ففي رأيي أنه لا يوجد حتى الآن ما يمكننا من اعتماد مثل هذه الممارسات فمن قال إن هذا المجال أثبت قدرة في التعامل مع المرضى؟ إن كل الحالات التي رأيناها وأرجعها أصحابها إلى شفاء بهذه الطريقة لم نكن نستطيع استبعاد احتمال أن الشفاء تم عن طريق الإيحاء ثم أنه ليست هناك كما ذكرت من قبل لا منهجية علمية ولا أسلوب يتحرى الدقة عند معظم من يتعاملون بهذه الأمور وهناك من الدجل والشعوذة أكثر بكثير مما هناك من الصدق وأكرر مرة أخرى إن التعامل مع الحادثات في عالم الشهادة يجب أن ينطلق من نفس العالم.
واقرئي أيضًا:
هو يقول ونحن نقول: أين البحث العلمي؟
الجن الأحمر والزار: التفارق والغيبة والتملك
الشخصية متعددة التهور والتعلق الجنسي
ومرة أخرى أهلا وسهلا بك دائما على موقع مجانين فتابعينا بالتطورات.