أنا شاب ملتزم والحمد لله، ولي أنشطة دعوية كثيرة -ولله الحمد- في البلد الذي أسكن فيه.
تعلق بي شابان؛ أحدهما أكبر مني بتسع سنوات والآخر أصغر مني بأربع سنوات، وأنا أبلغ من العمر 28 عاما.
والمشكلة أن هذين الشابين تعلقا بي تعلقا شديدا، ووصل الحال معهما إلى حد البكاء عندما أنوي السفر مثلا، ووصل الحال عند أحدهما إلى نية الانتحار عند مفارقته، علما بأني أعمل معهما في مؤسسة فيها من الخير الكثير منذ سنة.
مشكلتي مع هذين الشابين تكمن في التالي:
الغيرة الشديدة من بعضهما البعض، والغيرة الكبيرة عندما أتعرف على إنسان آخر، والحيرة الكبيرة التي تواجهني في التعامل معهما؛ حيث إنني إنسان أضع حواجز شديدة لا يمكن تجاوزها.
سيدي الفاضل أنا الآن اتخذت قرارا بقطع العلاقة معهما وألا أضيع وقتي معهما
ما رأيكم في ذلك، علما بأنهما محافظان على فرائض الدين؟
20/10/2023
رد المستشار
الحمد لله أنك قد أرسلت مشكلتك يا أخي في الوقت المناسب، فما زالت دفة القيادة والتحكم بيدك، وما زلت قادرا على التفكير في قطع العلاقة معهما -مثلا- كأحد الحلول المطروحة، كما أنك لم تنزلق معهما في هذه المشاعر ولم تستسلم لها أو تستمتع بها، بل إنك ما زلت نافرا مشمئزًا منها وترى أنها مضيعة للوقت.
أخطر مرحلة يمكن أن تمر بها مثل هذه المشاعر هي أن تنتقل بالعدوى للطرف الآخر، الذي هو أنت. فإن -عندئذ- طوفان المشاعر لا يقف في طريقه حاجز، وعندئذ تفتح أبواب السماء بماء منهمر، وتفجر الأرض عيونا فيلتقي الماء على أمر قد قدر!! فتصل التطورات إلى تبادل العشق المدمر أو ربما إلى ممارسة (اللواط) الشذوذ الجنسي!!
لذلك فإن ما أستطيع أن أصف به الوضع الآن أنه أحد المزالق الرهيبة للشيطان، والتي لن تتوقف بالتدريج عند هذا الحد؛ فالشيطان لا يصل إلى غايته دفعة واحدة، بل على مراحل وخطوات؛ لذلك قال تعالى: "وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ".
لذلك أحمد الله يا أخي أنك ما زلت قويا ومتماسكا، وحاول أن تحافظ على هذه القوة مهما حاول هذان الشابان أن يغلفا مشاعرهما غير السوية نحوك بغلاف طاهر -مثل الحب في الله أو التعاون في الدعوة إلى الله. فهذه كلها كلمات حق يراد بها باطل في هذا الموضع.. أكرر -وأرجو ألا تمل من تكراري: حافظ على تماسكك، فهذه فتنة صعبة أدعو الله أن يثبتك ويعينك.
وأهم ما تستطيع تقديمه لهذين الشابين هو "الفطام المتدرج"، أي أن تباعد بينهما وبينك بالتدريج مع محاولة مساعدتهما على إقامة علاقات أخرى طبيعية مع الآخرين، ومع التوضيح لهما بأن المبالغة في المشاعر تجاهك أمر لا يرضى عنه الله تعالى، وأنه من مزالق الشيطان التي يجب أن يتقربا إلى الله بالعلاج منها. ولا مانع من استخدام الحسم أحيانا إذا لم يفلح الرفق، ولا تكترث بأي ضغوط أو تهديدات من ناحيتهما -كالحديث عن الانتحار أو البكاء- فلا تسول لك نفسك أن تقدم تنازلا لإرضائهما من أجل دفع الحزن أو الاكتئاب عنهما؛ لأنك بذلك تدفع شرا لتأتي بشر أكبر منه وأعظم عند الله!.
ويجب أن تعلم يا أخي في قرارة نفسك أن شعورهما نحوك ليس حبا أصلا بل هو كزبد البحر.. يقول الله تعالى: "فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ". وهذه المشاعر الصاخبة لن تستمر، وستنقلب عاجلا أو آجلا إلى فتور وربما كراهية؛ لذلك فلا تأس عليها؛ لأنها ليست حقيقة بل هي كزبد البحر الذي سيذهب جفاء!.
أخي الكريم،
إذا لم تفلح محاولاتك الرفيقة المتدرجة لفطامهما أو إصلاحهما، فلا حل عندئذ سوى قطع العلاقة نهائيا بهما.
في بعض الحالات قد تضطر لعرض الشابين على طبيب نفسي لعله يقدم لهما مزيدا من الدعم وجلسات العلاج السلوكي.. وبالمناسبة أنت لم تذكر لنا شيئا عنهما سوى أن عمرهما 24 و37 سنة، ولا أدري مثلا هل هما متزوجان أم لا؟ وما علاقتهما بالآخرين؟!
نصيحتي الأخيرة: لا تجعل هذين الشابين محور حياتك، انشغل عنهما، ولا تستغرق في مشكلاتهما للدرجة التي تجعلها همك الأكبر.. ولا تنس الدعاء لهما بصلاح الحال.