شخصية أخي المتقلبة
السلام عليكم ورحمة الله، حياكم الله وبياكم وسدد على طريق الخير خُطاكم ونفع الله بكم وبعلمكم، أود أن أطرح أمامكم هذه الحالة الشخصية التي صعب علينا فهمها وفهم تصرفاتها وهي كتالي:
أنا إنسان أصغر فرد في أسرتي أبلغ من العمر 30 سنة ولي اثنين أخوة أبناء الأكبر مني عمره 36 ونحن الإثنين قد تزوجنا إلا أخي الأكبر منا والذي وصل عمره 38 سنة وهو لم يتزوج فقد تأخر في الزواج وموضوع خطوبته وزواجه هي محور السطور المكتوبة التالية، لنا أب مختل عقلياً منذ أن كنا صغاراً، نحن أسرة فلاحة تسكن الريف ولنا أسرتين أقرباء هم أسرتي أعمامي الإثنين، نحن نسكن في بيت واحد وكنا تحت رعاية جدي رحمة الله عليه.
المهم أننا في هذه الاسرة أخي الأكبر الذي عمره 38 سنة هو أول ولد في أسرتنا وكان له النصيب الأكبر من اهتمام أمي وتدليلها بحيث أن أمي تفضله علينا العيال والبنات كذلك وهو المقرب لها دائماً، حيث أن أمنا كانت إذا أتى وأراد أن يجلس في مكان ما في البيت تقيم أحدنا لكي يجلس هو، وكذلك كان غالبا ما يرى نفسه الأولى بالاهتمام ويأمر أحدنا أن يغسل له كوب الماء لكي يشرب، وبهذا الشكل نشأنا وأمي تأمل أن يكون لأخونا الكبير شأن كبير في الحياة وتولي أمور أسرتنا في المستقبل، المهم مع الأيام كبرنا وأكمل أخي دراسته الجامعية بعد صعوبات بسبب سوء علاقاته مع الآخرين وبسبب مزاجه الحاد مما أدى إلى رسوبه سنتين في الجامعة، حيث أنه يرى نفسه ذو شأن عظيم وأنه مفضل على الآخرين.
وذات مرة حسب كلامه وتصرفاته أنه دخل في قصة حب مع معيدته (أستاذته) في الجامعة وكان يريد الزواج بها، ولكن لم يكن مقتدراً مادياً ورجع إلى القرية يطالب من جده وعمه - الذي متولي شؤون الأسرة والإنفاق عليها - يطالبه بأن يعطيه فلوس لكي يخطب ويتزوج من معيدته الجامعية، ولما لم يستطع الحصول على المال من عمه وجده لجأ إلى الضغط على أمه أن تبيع ذهبها أو من ميراثها في الأرض وتعطيه فلوس لكي يخطب ويتزوج حسب كلامه، وإلى درجة أنه قام بتهديد أمه بالقتل والذبح إذا لم تنفذ أوامره وطلباته، ولكن لم يتحقق له ما يتمنى ودخل بصراع مع خالي الذي تدخل لحماية أخته عندما علم بهذا الأمر.
وحتى علاقاته مع معظم أقربائه كانت يحفها المشاكل بسبب مزاجه وطبعه الحاد المتقلب، وحتى زملائه الذين درس وسكن معهم أثناء فترة دراسته خاض معهم مشاكل كثيرة والسبب في ذلك أنه يحلم أن يكون شخص مهم في الحياة وذو شأن عظيم ويريد من الآخرين أن يعجبوا بكلامه ويمتدحوه كما تعود منذ صغره، ولا يحب أحداً أن يعارضه أو يوجه له النقد أو أن يقول له أنت على خطأ أو غلطان فكان يحلم أن يدرس في كلية عسكرية وأن ينادوه الناس يا فندم، فكان في أغلب الأحيان يقول لمن حوله نادوني يا فندم. وهو بطبعه كسول ويحب الآخرين أن يقوموا بعمله، وهو متعلق منذ بداية شبابه بالمشعوذين والمنجمين ويعتقد فيهم كثيرا وغالباً ما يذهب إليهم لكي يعالجوه من أوهامه المرضية التي يتوهمها، وفي فترة من الفترات تردد على أطباء نفسيين سراً دون أن يخبر أحد من أسرته حتى أمه التي تحبه وتدلله كثيراً حسب الأوراق التي وجدت في حقيبته صدفةً.
المهم إلى الآن لم تبدأ المعاناة الحقيقية، وهي كالآتي أنه عندما حصل على عمل يعطيه دخل مادي جيد، فقرر أن يتزوج، حيث أننا مجتمع محافظ يتم خطبة البنت حسب وسطاء إذا كان لا يوجد تعارف بين الأسرتين، وهكذا بدأ الأقرباء بالبحث عن شريكة عمر مناسبة لأخي، حيث كانت الصعوبة في إقناعه بالمرأة التي سوف يتم خطبتها له، فهو يشترط أن تكون شديدة الجمال ولا يرضى بجميع اقتراحات أقاربه إلى درجة صعوبة تحقيق طلبه، فطبيعته أنه شخصية شكاكة في كل ما يدور حوله وأنه مكروه من قبل الأهل بسبب الميراث وبسبب حسدهم له لأنه حصل على عمل يدر له دخل مادي جيد فكل اللذين توسطوا له من أجل موافقة أهل العروس خيب ظنهم بأن يبدأ يوافق على المقترح وفي لحظة الموافقة من قبل أهل العروسة يتردد وينحسب تاركاً الوسيط في موقف شديد الإحراج، أو أن يتعذر بأن يأخذ النظرة الشرعية وبعد ما يأخذ حقه في النظرة الشرعية ينسحب ويقول ليست جميلة وهو غير موافق، أو إذا كان الرد من أسرته المخطوبة بالرفض أو أنه ما فيش نصيب يفسرها أن هناك من يكرهه وعمل على نشر الإشاعات المغرضة عنه عند أهل المخطوبة بغرض إفشال الخطوبة والعرس وكل من توسط انقلب في الأخير إلى عدو له بسبب أن أخي يتهمه أنه هو من عمل على إفساد وإكمال الخطوبة والعرس وأنه طمع في أمواله وهكذا، حسب نظرية المؤامرة التي يؤمن بها أنه مكروه ومحسود من الأقرباء بالذات لأن معه عمل يحصل منه على دخل مادي جيد فهذا التفسير الأخير لكل عمل لم يوفق فيه، حيث أن حالات الخطبة هذه قد وصلت إلى عشر أو أكثر قليلاً، مع استياء تام من كافة الأقرباء والوسطاء من تصرفه وغروره هذا وعدم فهم طلباته وشخصيته المضطربة المتقلبة
وآخر هذه الأحداث أن أحد الوسطاء لم يرضى أن يتوسط له إلا بعد أن يدفع مبلغ من المال الذي سوف يتم دفعه لأهل العروس لكي لا يتخلف عن كلامه، بسبب أن أخي قد تخلف عن اتفاقات خطوبة سابقة تمت مع هذا الوسيط، المهم تم إجراءات الخطبة كالمعتاد وذهبت أخته لرؤية العروسة وتم العقد وتحديد موعد العرس وكل هذا حدث بسرية تامة وبدون علم أحد من أسرته إلا أخته الذي ذهب إليها وأخبرها أن تذهب معه لأنه يخشى أن يتم أي عمل من أقربائه أو من الآخرين لكي يفسدوا اتفاق العرس وإكماله، المهم تم العقد وحسب كلام أسرة العروس أنه دخل قبل العقد وأخذ حقه من النظرة الشرعية - ولكن أخي حسب كلامه الذي سيتم إيضاحه لاحقاً أنكر ذلك - وتم الاقتراح من أهل العروسة أن يكون موعد العرس بعد أسبوعين ولكن أخي رفض وأصَر أن يكون العرس بعد أسبوع لأنه مستعجل وسوف يسافر من أجل عمله، المهم ذهب أخي الى المدينة لكي يرتب أموره ويجهز ما ينقصه من حاجات العرس وبدأ أهل العروسة بتجهيز بنتهم للعرس وبدأوا بالتحضير لمراسم الزفاف وقبل العرس بيومين تحدث الطامة الكبرى وهي أن أخي يرسل إليهم الخبر الصاعقة أنه لن يتزوج وأنه يريد فلوسه التي دفعها وأنه سيوكل محامي إذا لم يستجيبوا للأمر بدفع فلوسه لكي يتم الطلاق من قبله والسبب الذي تحجج به أن أهل العروسة خدعوه ولم يسمحوا له بأخذ النظرة الشرعية للعروسة قبل أن يتم العقد.
نحن أسرته انصدمنا بالخبر من الناس عما حدث لأن أخي قام بجميع خطوات الخطبة دون علمنا وبسرية تامة منه لخوفه من أن يتم أي عمل مضاد لإفساد إكمال العرس ولأنه لم يرجع إلى البيت من حين سفره إلى المدينة لكي يجهز نفسه قبل العرس، وهنا بدأ بتوكيل محامي من أجل مطالبة أهل العروسة بالمبالغ المالية التي دفعها واتهامهم أنهم خدعوه في عدم أخذ النظرة الشرعية إلا بعد أن تم عقد القران، وأن العروسة غير جميلة ومليئة بالعيوب، ونحن أسرته كنا نجهز ونعد العدة من أجل موعد عرسه وننتظر عودته من المدينة من أجل البدء بمراسم العرس ولكن ننصدم بالخبر الصاعق أنه تراجع عن العرس وبدأ يطالب أهل العروس بالمبالغ المالية التي دفعها لهم، ورغم كل المحاولات منا إخوته وكل أقربائه بالاستفسار منه – عبر الاتصال عبر الجوال في أوقات محددة فقط لأن جواله غالباً مغلق- عما حدث ومحاولة فهم ما جرى وما هو السبب الذي جعله يتراجع عن الزواج رغم علمنا من بعض الناس أن الاسرة التي خطب وعقد على ابنتها جيدة ولا يوجد في هذه الاسرة ما يعيبها، فنحن لا نعلم أين يقيم لكي نذهب إليه ونستفسر منه ونحاول إقناعه فقد بقي في مكان لا نعرفه ولم يفصح لجميع أفراد أسرته وأقربائه أين المكان الذي يقيم فيه لكي نذهب إليه ونستفسر مما حدث فكل ما حدث من خطبة ودفع مخصص الزواج وما إلى ذلك حدث دون علم أحد من أسرته بسبب خوفه من أن يقوم أحد من أسرته بعمل ما يفسد فيه إتمام هذا العرس، ونحن أساساً لم نستطع تفسير واستيعاب ما حدث، ورغم كل المحاولات لإقناعه عبر الاتصال به عبر الجوال فقط في أوقات قليله جداً التي يفتح فيها جواله، وأثناء النقاش معه نجده متصلب حول موقفه وأن أسرة العروسة خدعوه وبسبب ذلك تم نقاش حاد معه خلال هذه الحادثة وشجاري معه بسبب وصفي له عبر الجوال أنه إنسان معقد ومريض ولا يحب إلا نفسه وقولي له أنه ليس أخي ولا أعرفه بسبب تصرفه هذا فمن ذلك الحين وهو لا يكلمني ويعتبرني من ضمن الأعداء له ولا حتى يتقبل رأيي أو حتى سماع كلامي أو حتى كلام أحد من أسرته أو المناشدة بأن أمه مريضة بسبب تصرفاته والطلب من لكي يتصل بأمه إلا كأنه كان لا يعير ذلك أي اهتمام
وكذلك أخي الآخر الذي كان كثيرا ما يتصل عليه أثناء هذه الحادثة لكي يراجعه ويقنعه ولكنه كان حتى لا يجاوب على اتصاله أو رسائله إلا بكلمة واحدة وهي ما لك دخل مع استنقاص واستخفاف بكل الجهود المبذولة لتسوية الأمر فهو دائما ما يرى نفسه على صح ولا يتقبل النقد من الآخرين أو أن أحد يقول له أنت غلطان، وبعد ذلك تم التواصل معه والوصول إليه عبر أحد الأصدقاء القدامى له وتم سؤاله بأن يتم إنهاء المشكلة بينه وبين أهل العروس بالعرف القبلي وأن يتم إكمال مراسم العرس ولكن أخي رفض ذلك وتم الحكم من قبل الوسيط (الصديق القديم) بأن يقبل بالطلاق طالما هو لا يريد الزواج من هذه البنت بدون إرجاع أي مقابل مادي فاضطر أخي مرغماً على القبول بالأمر الواقع وهو الطلاق وفصل النزاع بين أخي وأهل العروس بهذه النهاية التي ما كنا نتمنى حدوثها وبعد ذلك رجع إلى البيت بعد أن تم الطلاق من قبله.
نحن في حيرة من أمرنا في تفسير شخصيته هذه التي حملته على التصرف هكذا وتصرفاته هذه المتقلبة أفيدونا جزاكم الله خيراً في تفسير هذه الشخصية وما هو وسيلة علاجها، فهو الآن منزوي في غرفته قليل الكلام رغم محاولاتنا لأن نكسر الجمود والصمت الذي يعيش فيه والتخفيف من حزنه لفقد فلوسه بسبب تصرفه الغير مفهوم هذا، ومحاولاتنا لإقناعه بضرورة مراجعة طبيب نفساني لعلاج حالته، ولكنه مستمر في صمته وتجاهل أي رأي أو نصيحة من أهله، ويتردد على اثنين من أصدقائه الذي يذهب لقضاء بعض أوقاته معهم، فهو لا يرضى أن يتكلم عنه أحد أنه يحتاج لتدخل وعلاج طبيب نفساني رغم الأوراق التي وجدناها في حقيبته صدفةً والتي تثبت أنه قد تردد على طبيب نفساني لتلقي العلاج فهو شكاك في كل الأشياء والتصرفات التي تحدث من حوله أنه مستهدف وأن هناك جماعة تعمل ضده وتحيك الدسائس والمكر من أجل إسقاطه وإفشاله في الحياة فهو حسب كلامه أنه مكره ومحسود من قبل الأهل.
أفيدونا جزاكم الله خيراً في تشخيص حالته وعن العلاج والأسلوب المناسب لاتباعه معه من أجل إقناعه بتلقي العلاج فهو لا يقبل أي مقترح مننا أسرته، وله أصدقاء محدودين يعدون بالأصابع اثنين فقط الذين يفضل أن يذهب إليهم أو يقضي بعض أوقاته معهم إذا قرر الخروج من البيت والعفو منك على الإطالة.
30/10/2023
رد المستشار
شكراً على مراسلتك الموقع.
لابد من الإشارة أولاً بأن الأخ الفاضل يمر بأزمة اجتماعية ونفسانية حادة بسبب مشروع زواج فاشل لسبب أو لآخر. رد فعله لهذه الأزمة هو التقهقر نفسانياً واللجوء إلى سلوكيات لا تتناسب مع عمره ولكنها ليست بغير المعروفة في بعض البشر. لا يمكن استبعاد إصابته باكتئاب حاد في هذه الفترة والذي بدوره يفسر اعتزاله الآخرين وحزنه، وهذه النوبة أشبه بفترة حداد يمر بها الإنسان بعد فشل مشروع في غاية الأهمية مثل مشروع زواج ينقله من موقعه في هذه الدنيا إلى موقع جديد.
الأزمات بين إنسان وآخر، وفي هذه الحالة بين الرجل وعائلة العروس تتميز بوجود أكثر من رواية. هناك رواية الرجل وهناك رواية عائلة العروس وهناك رواية أخرى هي الحقيقة التي يصعب الوصول إليها. في نهاية الأمر وظيفة العائلة في هذه المرحلة مساندته وتشجيعه على الخروج من عزلته والتوقف عن استجوابه عن ما حدث. الطريق إلى الأمام هو تخلصه من هذا الاكتئاب والرسالة التي يجب توصيلها له بأن ما حدث وعليه الانتباه إلى صحته وقبول مساندة العائلة له. حل الأزمة بينه وبين أهل العروس مشكلته هو فقط ومن الأفضل عدم التدخل فيها.
ليس هناك أفضل من تشجيعه على مراجعة طبيب نفساني في هذه المرحلة ولا شك بأن درجة بصيرته ليست بالمعدومة لأنه راجع طبيباً نفسانياً في السابق وربما كان مصاباً بنوبة اكتئاب أيامها. من الصعب إصدار الحكم على شخصيته من خلال رسالة واحدة ولكنه بلا شك له صعوبة في التواصل مع الآخرين ويميل إلى التفاعل بصورة وجدانية سلبية مع أي حدث بالإضافة إلى عتبة تثبيطه منخفضة. كل هذا بدوره يفسر سلوكياته الغير اجتماعية في التفاعل مع الآخرين. هذه الشخصيات عموماً تميل إلى الانهيار نفسانياً مع أحداث الحياة الجوهرية مثل الزواج والطلاق، وهم أيضاً أكثر ميلاً للإصابة باكتئاب جسيم. ربما هذا ما حدث معه.
لا يفتقد إلى المقدرة العقلية لحل هذه الأزمة ومهمة العائلة هي مساندته وليس حل خلافه مع أهل العروس.
وفقك الله.