أنا فلسطينية أعيش في الأردن، ولدي مشكلتان، الأولى وما دفعني للكتابة لموقعكم هي كما يقول أهلي رد فعل لما يجري في فلسطين فأنا لا أكف عن متابعة الأخبار وبشدة أعاني نقص الشهية وقلة النوم منذ بداية الحرب، ذهني مشتعل وبالكاد أراجع دروسي وأؤدي فروضي وأشعر أن عدم متابعتي لما يجري حرام فماذا أفعل؟
وأما المشكلة الثانية فربما ليست مشكلة بالتحديد، وإنما أشعر بضيق شديد يكاد يقتلني، والسبب أني أشعر بملل فظيع من كل شيء.
أنا فتاة في الـ18 من عمري، أدرس الآن في الجامعة، ورغم أن كل شيء يبدو جيدا فإني أشعر بفراغ، ولا أعرف ما السبب؟!
أحاول أن أشغل وقت فراغي، لكن لا أستطيع؛ لأني لا أعرف ماذا أريد، وأيضا بسبب عدم توفر المال؛ إذ لا أستطيع الذهاب لأي مكان، أنا فتاة جميلة جدا، يقول لي بعض الناس: إن علي إقامة علاقات مع شباب لكي أتسلى، ولكن أنا أرفض هذا لأني أخاف ربي أولا، وأحترم نفسي ثانيا؛ فلا أرضى أن أكون دمية في يد أحد،
أرجو مساعدتي لأني في حيرة شديدة،
وجزاكم ربي ألف خير.
08/11/2023
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كان الله في عونك وعافاك مما تجدين وأعانك على صون النعم. لقد لخصت في شكواك أعراض الاكتئاب كاملة اضطراب الشهية واضطراب النوم وفقدان الدافعية ويبقى أن نحدد مدة هذه الأعراض لنعرف نوع الاكتئاب الذي لديك وما يحتاجه من علاج ولذا أنصحك بطلب المعونة النفسية من مختص أو يمكنك طلب مساعدة الإرشاد النفسي من جامعتك التي غالبا تقدم خدمات نفسية للطلاب.
قلة المال ليست سببا للاكتئاب، بل تفسيرنا وطريقة تعاملنا مع المال هي ما يسبب المعاناة فالدراسات تشير إلى أن الوفرة الاقتصادية والفراغ مرتبطة بالاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب، بينما نجد القلة وليس العدم التام للمال من أقوى الدوافع للنجاح والتميز، راجعي سير حياة الأثرياء ستجدين أنهم ولدوا في بيئات فقيرة دفعتهم حاجتهم للارتقاء واستثمار القيمة الحقيقية وهي أنفسهم وأدمغتهم وجهدهم.
شعورك بالحزن الشديد على ما يحدث من ظلم حولنا أراه طبيعيا دون أن يصل الأمر إلى تحريم عدم المتابعة، بل أن المتابعة المكثفة في ظل عدم وجود قدرة للمساعدة يؤدي إلى الاكتئاب فساعدي نفسك وعدلي أفكارك. لنبدأ لماذا يحدث ما يحدث في غزة وغيرها من نقاط الحروب في العالم سابقا وما سيحدث لاحقا. ستجدين تفسير السبب في غاية الوضوح في آيات من سورة الأنبياء "وَمَا خَلَقۡنَا ٱلسَّمَآءَ وَٱلۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا لَٰعِبِينَ (16) لَوۡ أَرَدۡنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهۡوٗا لَّٱتَّخَذۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَٰعِلِينَ (17) بَلۡ نَقۡذِفُ بِٱلۡحَقِّ عَلَى ٱلۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ ٱلۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ" أساس الخلق يدور حول نصرة الحق على الباطل، فمن يقاتل مطالبا بحقوقه هو تنفيذ لناموس الله في الأرض، ولا يجوز الشك في رحمة الله بعباده سواء من شهداء أو من جرحى، فمن مات مقدر أجله مهما كان السبب ومن أصيب ويعاني هو ابتلاء فرض عليه بحرب أو بغيرها، وهل هناك ما يجري بدون أمر الله. لا يوجد خلق لن يعاني ليبتلي الله أيمانه وكثيرة هي الآيات التي تنبهنا إلى هذا وتعدنا له بأنه لا يكفي بأن نقول أمنا بل يجب أن نفتن، والفتن قد تكون في نفسك وقد تكون فيما حولك ولكنها فتن وابتلاءات لا نعدم من وراءها الأجر إن شاء الله. في مثل هذه المواقف تظهر قيمة الإيمان الحقيقة فهو يريحنا ويعينا على تقبل كل ما يحدث.
لسنا جميعا على نفس مستوى الصلابة النفسية فإن كنت ترين أن مشاهدة الأخبار تحبط عزيمتك وتضعف إيمانك اكتفي بقراءة الأخبار دون صور، مع تذكر أن متابعة الأخبار والصور لا يهم إن كنت على معرفة بالحق والباطل فدورك ليس التألم بل الدعاء ولا تحقري من المعروف شيئا إن كنت تستطيعين المساعدة بجهد أو تبرع مهما كان بسيطا ولكن يبقى الباب الأوسع والأسهل هو الدعاء، ولقد أخبرنا العزيز الكريم بأنه سميع مجيب، لا نعرف متى يجاب الدعاء ولكنه يستجاب. استثمري الحرب في تصحيح مفاهيم دينك وتفكيرك.
إياك والاستماع للعابثين الذين يظنون أن الحياة ما هي إلا للمتع كما اليهود، فنحن نعلم أن الحياة هي امتحان لإيمانا. تعديل أفكارك وشغلك لوقت فراغك وتطوير اهتماماتك هي طريقك للسلامة والراحة النفسية.