عزيزي الدكتور أحمد، لقد قرأت كثيرا من الذي كتبته عن مشكلات الاحتياج الجنسي والرغبة بموقعكم، وقد أعجبت كثيرًا بآرائك، وسعة اطلاعك، وأسلوبك في تناول هذا الموضوع؛ لذلك أرجو أن تسمح لي بأن آخذ رأيك في موضوع يخصني شخصيًّا، فأنا شاب مقيم بالخليج للعمل منذ عام ونصف، أبلغ من العمر ستة وعشرين عامًا.
ومنذ شهرين تقريباً أقمت عدة علاقات جنسية مع عدة فتيات، واحدة منهن كانت صديقتي، وهن غير عربيات، وتعرف أنه في هذه البلد من السهل جدًّا الحصول على الجنس، لكن المشكلة أن تفكيري أصبح مقتصرًا على الجنس، وعلى أولئك الفتيات، وأنا في هذه الأوقات غير مستعد للزواج بسبب عدم توفر المال اللازم كما تعلم،
المهم أنه منذ أسبوع حدثني أحد أصدقائي عن الذنب الكبير الذي أقوم به من زنا ومصاحبة الفتيات وشرب الخمر، وبالفعل أنبني ضميري كثيرًا، وامتنعت عن فعل هذه الأشياء، ولكني الآن أشعر وكأنني أدمنت الجنس، فكل الوقت لا أفكر إلا فيه، مع أنني انتسبت لنادٍ رياضي؛ لأساعد نفسي على النسيان، ولكن لا فائدة، ومن جهة أخرى أشعر بهول ما سأقدم عليه في حال إذا عدت إلى أفعالي السابقة،
وأنا الآن بين نارين، أرجو أن تنصحني ماذا أفعل ؟.
أنتظر جوابك على أحر من الجمر، وتقبل تحياتي مع فائق الاحترام.
22/11/2023
رد المستشار
أخي العزيز، شكراً على ثقتك، وآسف على تأخري في الرد على رسالتك، والحقيقة يا أخي، أنني أحمل مشكلتك معي حيثما أذهب "في حقيبتي" وأقلب التفكير فيها، وأقول في نفسي: ماذا سأقول لهذا الشاب الذي يعيش محبوساً بين عدم استطاعة الزواج، وبين سهولة توافر الجنس الحرام في غربته، والغربة لها ضغطها على النفس من حيث هي وحشة، وافتقاد للصحبة،...إلخ.
وقلت اليوم: لقد تأخرت عليه بما فيه الكفاية، وليس شرطاً أن يكون ردي عليه بالمزيد من المواعظ، أو النصائح المجردة، أو أن يكون ردي بلسماً أو حلاً سحرياً؛ لأنك ربما تحتاج إلى من تبوح له، ويشاركك الشعور بالمشكلة قبل أن يعطيك الحل.
يا أخي، إياك والخمر فهي أم الخبائث، وهي تنفي العقل الذي جعله الله مناط التكليف، فلا عقاب ولا حساب على مجنون أو نائم، وشرب الخمر ممارسة منافية تماماً لأسلوب حياتنا، كما أنها إثم يظل الضمير يلوم عليها طوال العمر، فلا تعد لها أرجوك.
أما بشأن الجنس فلا راحة لقلبك، ولا قرار لروحك إلا برفيقة تؤنس وحشتك، وتطفئ لوعتك، تسكن إليها، وتسكن إليك، ويكون بينكما ما أرداه الله لعباده رجالاً ونساء. والتشاغل عن موضوع الجنس بالرياضة وغيرها من الأنشطة والاهتمامات هام جدًّا، وأساسي، ولكنه ليس حلاً، وليس كافياً على المدى المتوسط والبعيد.
لا بد أن يكون هناك امرأة في حياتك تملأ خانة العواطف وتشغل البال والفكر، تحبها وتحبك، وتسعى للارتباط بها، وعاطفة الحب الصادق المتدفق هي خير ما يحتل مساحة الجنس والتفكير فيه، فلماذا لا تبدأ بالبحث عن هذه المرأة، أو الفتاة التي سترتبط بها، وهناك الكثير من الأسر والفتيات التي لديها من الاستعداد للارتباط، وذلك فق برنامج زمني متدرج يضع في ترتيبه أن يكون الزفاف بعد عامين مثلاً بحيث تكون قد استكملت استعدادك المادي للزواج وأعبائه، كما أن هناك العديد من الأسر التي أصبحت تتفهم الآن أن عفاف بناتهن بالحلال ومستوى اقتصادي معقول أفضل من انتظار الزواج الأسطوري الذي يبدأ ماديًّا بما ينبغي أن ينتهي به من تجهيزات: فيلا ـ سيارة ـ حساب متضخم في البنك... إلخ
أرجو أن تطرق هذا الباب تفكيراً وفعلاً بإيجابية أكثر.
ومن ناحية أخرى أسألك لماذا لم تفكر في أن تكون علاقتك بصديقتك علاقة شرعية بزواج متخفف من ماديات أعباء الزواج من عربية، ولتستمر العلاقة بينكما إلى ما شاء الله فقد يحلو لك ولها الاستمرار، وتستطيعان التأقلم الثقافي، والتفاهم على المواصلة، أو قد يلوح لكما فصم هذه العلاقة بعد حين، فلماذا يكون الخيار مع "الصديقات" غير العربيات هو الزنا؟!! هل لأنهن يقبلن ذلك وفقاً لثقافتهن فماذا عن ثقافتنا نحن؟!
أقول: لماذا لا يفكر الشاب العربي في الارتباط بهذه الزميلة احتراماً لها، واحتراماً لدينه هو، وثقافته؟! لماذا يتورط في جنس حرام معها فيسيء إليها وإلى نفسه من وجهة نظر معتقداته؟!
إن علاقة مثل هذه التي أحدثك عنها بما تحمله من التزام واضح من الطرفين بعدم المعاشرة إلا في وجود ارتباط، وتعتبر إقامة أية علاقة خارجه محض خيانة، علاقة كهذه من شأنها تلبية حاجتك النفسية دون حرج شرعي، ودون احتقار لمن تحبك، وتريدك، وهذا خيار ممكن أن تقبله، أو تعرض عنه. فإذا أعرضت فليس أمامك سوى التشاغل بأنواع الرياضة ممارسة وتدريباً، وليس بمجرد الاشتراك في نادٍ رياضي، وكذلك الانخراط في أنشطة اجتماعية وثقافية. والجهات التي تقدم هذا عندك كثيرة، وحين ننظر إلى هذا النشاط نجد أنه أجمل، والانشغال به ألذ من الاقتصار فقط على الجسد ورغباته.
وأخيراً أذكرك بأن لله سبحانه حقًّا عليك لا يزيد هو به شيئاً، ولكنك أنت تزيد، وتستفيد، فأين أنت من التأمل في القرآن، والمداومة على الصلاة، وصيام النوافل؟! إن لهذه الأعمال مذاقاً خاصاً لا يعرفه إلا من جربها ـ خارج إطار العادة والروتين ـ بروح متجددة مقبلة على الرحمن الرحيم، العزيز الحكيم الذي يمكنه وحده أن يلهمك الصواب، ويختار لك المناسب، ويسهل لك العسير، فاجعله سبحانه وتعالى هو الملجأ، ولن تخيب أبداً وهو رجاؤك.
كما ينبغي أن تهتم بالصحبة الطيبة، ففي الغربة يحتاج الإنسان إلى "شلة" من الأصحاب، وتأثيرهم يكون كبيراً؛ فاحرص على أن تحيط نفسك بمجموعة من الأصدقاء قد يكون مصدرهم زملاء العمل، أو رفقاء أقرب مسجد من مكان سكنك، أو معرفة ندوة ثقافية تحضرها، أو نشاط اجتماعي تشارك فيه.. إلخ
كما يمكنك أن تعتبرني أخاً أكبر لك، وتعلمني بأحوالك تباعاً، وآسف مرة أخرى على تأخري في الرد؛ فلا تعلم حجم المشكلات التي ينبغي علي أن أنظر فيها، وأرد على كل واحد أو واحدة من أصحابها، وكلهم يقول: أرجو الرد بسرعة!!
والسلام عليكم ورحمة الله