قصة ملتزم.. دعوة لإعادة النظر م. مستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أنا من أكثر الناس متابعة لصفحتكم منذ فترة طويلة، ولم يصدف أن أخبرت أحدًا بذلك، ومن ضمن من أقصد صاحب المشكلة المعنونة قصة ملتزم، دعوة لإعادة النظر، فبعد قراءتي لمشكلته ومنذ اللحظة الأولى؛ تأكدت بنسبة 99% أن الشخص صاحبها، يروي قصته معي!! نعم، أنا هي الفتاة التي تحدّث عنها، فعلًا كانت مصادفة غريبة، بل هو القدر الذي ساق إليّ قصته؛ لأعرف بعض الخفايا التي غابت عني؛ ولأذكر بعض النقاط التي غابت عنه، ولا أقول هنا غير: "سبحان الله" .. لقد ترددت كثيرًا قبل إرسالي هذه الرسالة، فالأمر كان مفاجئًا جدًّا بالنسبة لي، وقد يكون لكم كذلك، كما ترددت بعد ذلك أكثر، هل أطلب ردكم موجهًا لعنواني بشكل خاص، أم أنه لا مانع من عرض المشكلة، وأترك ذلك لكم، والآن أقوم أنا بدعوتكم لإعادة النظر مرة أخرى، وذلك بعد الاستماع للطرف الآخر، راجية أن تتسع صدوركم لنا ولمشاكلنا، ويجزيكم الله عنا ألف خير
أنا فتاة من عائلة.. فلنقل ملتزمة على الأقل بالحدود الأساسية لديننا الحنيف، وبالنسبة لي أنا أرتدي الحجاب منذ أكثر من أربعة عشر عامًا، محافظة على صلاتي وجميع فرائضي الدينية، أصون اللسان وأحفظ النظر وأسعى للأفضل دائمًا والحمد لله، لكن للأسف، معايير الالتزام الديني الواضحة تختلف من شخص لآخر في هذا الزمن، فبينما يراني البعض متدينة، يراني آخرون أني متحررة وغير ملتزمة، تمامًا كاختلاف معايير الجمال، فأنا في بلدي اُعتبر من ضمن الجميلات، بينما في البلد الذي كنت أدرس فيه، قد أكون غير ذلك لدى بعض الأشخاص، ومرة أخرى أقول للأسف؛ لأن المظهر الخارجي ليس كل شيء، وما لا يعرفه هو أنه مثلا لا يُعتبر وسيمًا في بلدي، لكن لا يمكن لأحد من أهلي أن يعترض عليه لهذا السبب، لا أريد الخوض أكثر في تفاصيل رفض أهله، فهو أعلم بهم. نعم سافرت للدراسة إلى بلد عربي آخر، وحافظت على نفسي خلال فترة غربتي، رغم أنني كنت أسكن وحدي، ثم تعرفت في السنة الأخيرة على زميلي (الذي هو بدون شك صاحب المشكلة المذكورة)، وأعجبت به جدًّا لكونه يختلف عن بقية شباب هذا الزمن، فهو شاب متدين وملتزم ومحترم جدًّا.. وهو لم يبالغ أبدًا في وصف نفسه بل قصّر في ذلك
الآن لن أنكر ما سرده هو في سياق مشكلته، ولن أكرره حتى لا أطيل عليكم، دعوني فقط أذكر ما غفل هو عنه، أو لم يذكره تناسيًا أو لأسباب أخرى، أو لعدم انتباهه له، عندما قررنا الزواج، اشترط عليّ تغيير أمور عديدة في حياتي، أذكر منها أحاديثي البريئة مع الزملاء، والتوقف عن الاستماع إلى الأغاني، ولبس العباءة دائمًا، وبصراحة أكثر، التوقف عن التدخين، كنت سعيدة بذلك ولم أمانع؛ لأن نزعة الدين بداخلي قوية، ويبدو أنني كنت أحتاج لشخص يشجعني ويقويني، استجبت لمعظم رغباته ليس لأجله فقط، بل لقناعة داخلية بأنها الأصح، توقفت عن التدخين، لم ألبس العباءة ولكني توقفت عن لبس البنطلون، الآن أرتاح أكثر للبس التنورة الواسعة الطويلة مع قميص طويل، توقفت عن أي حوارات مع الغرباء، وقللت من الاستماع إلى الأغاني.
إذا سألتم عن عيوبه، فسأذكر إحداها، والتي ضايقتني جدًّا منه، ولم أخبره بها، وأعتقد أنه لم يكن منتبهًا لها، فقد اكتشفت أنه متأثر جدًّا بإحدى الجماعات التي يمارس نشاطه ضمنها، لدرجة أنه وضع اعتبارات لها قبل أن تكون اعتبارات دينية، مثلا: أخبرني في بدء العلاقة أنه لن يمانع أن تلبس زوجته التنورة والقميص، بعد ذلك قال لي: كم ستكون الفضيحة لو كنا معًا بعد الزواج، ورآكِ أحد أصدقائي بهذا اللباس!! مثال آخر، قلت له: سأقلّل من الاستماع إلى الأغاني، وقد أتوقف مستقبلا بقناعة داخلية، لكن أثناء وجودك في المنزل بعد الزواج، سأحترم رغبتك ولن أستمع لها، وافق لكنه قال لي مرة بعد لحظة "سرحان" وتخيّل: ستكون فضيحة إن جاء أحد أصدقائي لزيارتي، وسمع صوت المسجل عند وقوفه أمام باب المنزل، أنا هنا لست بصدد عرض عيوبه، فمن منا بلا عيوب، ولكني رأيت أنه من حقي الدفاع عن نفسي بعد الذي قرأته، وكذلك توضيح بعض الأمور التي غابت عن ذهنه علّه ينتبه لها الموضوع الثاني الذي أود التعليق عليه هو قولكم: "وتأملي في موقفها أشد، من ناحية قبولها بما حدث، واستسلامها للإيقاع المتسارع لتصعيد العلاقة"، لماذا يقع اللوم أكثر على الفتاة، هل وضع ديننا الحنيف عقابًا أشد للنساء من الرجال في ذنوب كهذه؟ لماذا يتم الحكم النهائي على فتاة أخطأت، بأن تُهجر، بينما يسرع الشاب الذي أخطأ معها إلى البحث عن الفتاة القابعة في بيتها ولم يلمحها شخص منذ ولدت؟؟
أصدقكم القول، لقد حاولت كثيرًا أن نتوقف عما كان بيننا، لكن الإنسان ضعيف، وعتابي موجه لك أيها الدكتور، عندما وصفتني قائلاً: "كان من الواضح أنها ليست الأمثل"، فليس هناك من هو كامل، وكلنا معرضون للخطأ، وصاحب المشكلة نفسه يعلم بما تقوم به بعض الفتيات اللاتي يفترض أنهن من الملتزمات والمنخرطات في النشاطات الإسلامية عندما يقعن في الحب، فوالله أنا أيضًا مثله وأكثر، لم أكن أتوقع تطور الأمر بيننا بهذه السرعة وإلى تلك الحدود، ولو يتذكر صاحب المشكلة آخِر عباراتي له قبل رحيلي وعودتي إلى وطني!! فقد قلت له: "بإمكاني البقاء وإكمال دراستي أو العمل هنا لحين بدء الدراسة، لكني أفضّل الرحيل رغم قسوته، فلا أريد أن نتورط أكثر، لا أريد إغضاب الله عز وجل أكثر، أريد أن يرضى عنا وعن توبتنا ليوفقنا، كما أنك مذ عرفتني، قصّرت كثيرًا في نشاطاتك الإسلامية، وهذا لا يرضيني"، وفعلا رحلت على أن نبدأ بإجراءات الارتباط، لكن تردده الشديد حال دون ذلك، فبعد أن طلبني من أهلي وبدأت بالاستعداد تراجع هو، ولا يزال محتاراً إلى هذه اللحظة، ورغم الموقف المحرج الذي وضعني فيه أمام أهلي وبقية معارفي، فإنني متمسكة به، والحمد لله، لدي أسرة متفهّمة مثقفة، تقف بجانبي طالما أنا على صواب (ولا أسمي ذلك تحررًا كما تفضّلتم)، كان بإمكاني التواصل معه مباشرة بإرسال هذه الرسالة إلى بريده، لكن طالما لجأ هو إلى استشارتكم، وأمر الشورى في الإسلام مطلوب، فالموضوع الأخير الذي أود طرحه، أوّجهه له شخصياً عبر صفحتكم الرائعة، وكم أتمنى أن تتاح له الفرصة مثلي، ويطّلع على رسالتي دون أن أخبره بها.
وأقول له: إن كنت تودّ الزواج بي كوسيلة للتكفير عما بدر منك، ولمجرد تلافي الشعور بالذنب وعذاب الضمير، فأنا أقول لك: إنني لا أوافق رغم رغبتي الشديدة في الارتباط بك؛ لأن التكفير يمكن أن يتم بطرق كثيرة، وربنا غفور رحيم، وإن تم ذلك، فأنا أرى الآن أمام عيني كيف ستكون حياتنا الزوجية بعد فترة، وبعد زوال الشعور بالذنب، أتمنى كما أشار عليك الدكتور أحمد عبد الله أن تضع أمرنا كله أمام المحك، فكر في الإيجابيات والسلبيات، وفي حقيقة أسباب رغبتك بالزواج بي، وأعلمني بقرارك النهائي، وأتمنى من الله عز وجل أن يختار لنا ما فيه الخير لنا في ديننا ومعاشنا وعاقبة أمرنا، وأن يُرضي أهلك عنك دائما،.
ودعواتي أن يغفر الله لنا ولأمة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) مغفرة عامة، وأن يرحمنا ويرحم أمة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم) رحمة عامة، وألا يكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، وأن يصلح شئوننا كلها، وآخر كلماتي هنا الشكر الجزيل للدكتور أحمد، ولكل أعضاء فريق المستشارين، ولجميع العاملين في موقع مجانين.
14/12/2023
رد المستشار
الأخت دقيقة المتابعة..
نعم.. كانت مفاجأة كبيرة لنا أن تكوني ممن يتابعون هذه الصفحة، وأن تقرئي الموضوع، وتعرفي أنك المقصودة.
وأنا أعرض هنا رسالتك ـ كما هي ـ مع حذف بسيط جدًّا أردت منه أن تظل الشخصيات مجهولة "قدر الإمكان"، كما كنت قد حذفت من كلماته عبارات يمتدحك فيها، ولكنها تصفك وتعرفك فآثرت حجبها.
أنا أريدك أنت أيضاً أن تضعي تلك العلاقة على المحك، فمن الواضح أن هناك اختلافاً في الخلفية الاجتماعية، والخبرة الإنسانية بينكما "رغم تقارب المستوى الاقتصادي"، فهل هذا الاختلاف في رأيك يكون مقدمة لتكامل وتفاعل؟! أم لتناقض وتشاحن؟! أنت تدرين أكثر.
وهناك اختلاف في نقطة أخرى أحب توضيحها: هناك من الناس من ينتمي إلى شبكة اجتماعية متماسكة ومترابطة، وهذا الصنف من الناس يكون تأثير هذه الشبكة عليه، ودورها في حياته وتفكيره وسلوكه كبيراً، على عكس آخرين وأخريات جعلتهم الظروف أكثر فردية واستقلالاً.
وأنا هنا لا أستحسن نمطاً على نمط، ولكن أشير إلى هذا التنوع؛ لأنك تندهشين من تأثر الشاب بجماعته أو اهتمامه البالغ بنظرتهم له، وهكذا كل من ينتمون "بقوة" إلى جماعات واسعة: أيدلوجية كانت أو اجتماعية، وأعتقد أن هذا التأثر بالجماعة والعائلة ـ أو القبيلة ـ سيظل موجوداً بدرجة أو بأخرى، وعليك أن توطني نفسك للتعامل معه، وتفهمي إن كان الزواج سيتم.
لكن هذا لا يمنعني من الإشارة إلى جزئية هامة بالمناسبة، وهي أن البعض من الشباب أصبح يهتم برأي المجموعة التي ينتمي إليها بغض النظر عن منطق هذا الرأي، وفاعليته، وواقعيته، ومناسبته لظروفه الشخصية في غير الحرام أكثر مما يهتم بتحري المقبول اجتماعيًّا في إطار الشرع، وهو ما يدفع أحياناً بالأمور إلى الصدام بين الشاب وأسرته أو مجتمعه العام الأوسع من جماعته الأضيق نطاقاً، وبالتدريج نجد أنفسنا أمام ثلاث دوائر من التحريم أو الممنوعات تتقاطع أحياناً، وتتداخل، أو تتباعد أحياناً أخرى: محرمات الجماعة، ومحرمات المجتمع، ومحرمات الدين.. والأصل أن تكون هذه الدوائر جميعاً دائرة واحدة، لكنها تبدو مختلفة ومتنافرة في بعض الحالات.
يا أختي، لقد قمت بتعديلات طفيفة في إجابتي السابقة عن رسالة الشاب؛ لأدرأ أي سوء فهم لمقاصدي في الحديث عنك، فأنا لم أعرفك من قبل لأحكم عليك سلباً أو إيجاباً، إنما حاولت وأحاول توضيح التفاصيل وإضاءة الأمور أمامكما، وأرى أنك قمت بجهد كبير في هذا الصدد عبر رسالتك هذه، وليس عندي لكما سوى المزيد من النصح بالتروي في القرار، فإذا صح العزم فليكن التنفيذ بنضج متبادل، وبمسؤولية، وبسعادة على كل حال.. تمنياتي لكما بالتوفيق والسداد.