العفة المستحيلة.. طوق النجاة لكثير من الغارقين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأستاذ الدكتور أحمد عبد الله، يسعدني أنك ما زلت تذكرني، ويسعدني أنكم ما زلتم تذكرون مشروعي رحمه الله، ولا أزال أتابع ردودك ومقالاتك وأتابع الصفحة، وها أنت طلبتني فلبيت بعد عام كامل أو يزيد.. فهل ما زلت تريدني أن "أظهر"؟
هب أنني بحثت عن اسمك في دليل التليفونات، وذهبت إليك وقابلتك ما الذي تغير؟ لو أن كشفي لشخصيتي الضعيفة المجهولة أصلا سيريح الشباب ويحيي مشروعي الميت لفعلت بعد عام.
ما رأيك في أن نستعرض ما تم للأمة في عام (بالمناسبة.. هل تذكر تقريرًا كان يحمل هذا الاسم؟ أظنه مات هو الآخر؟ فلم أعد أجده في المكتبات.. رحمه الله.. ورحم أمتنا.. وأحياها).
على مستوى العالم: صار العالم عزبة أمريكية مترامية الأطراف، والباقي تعرفونه. كذلك ظهرت على السطح ظاهرة "الاختفاء السياسي" وهو أشنع من الموت السياسي.. من الناحية الإسلامية أقصد! وأقول: على السطح؛ لأنها بالفعل كانت وما زالت ديدنا لعدد ضخم من السياسيين والدعاة والملتزمين الذين فجأة "يختفون" ويلبسون ملابس "عادية" ويلقون ملابس الشبهات، ويا ليتهم يفعلون ذلك كرّا وخدعة لا فرارا وخيانة ودياثة، يا ليتهم، فلا تستغرب كما استغربت أنا وصدمت في البداية، ومن رفض ضميره الصفقة.. طردوه.. واختار أن يعيش بلا وطن.. مشتتا يدعو إلى الله على الفضائيات.. وقليل -نادر- ما هم!
وكذلك ظهرت أكثر وضوحًا ظاهرة الاغتيالات -متوازية في صعود منحناها مع الخيانات- السياسية والاجتماعية والاقتصادية للأفراد والدول، وصار المرء من القلة "الاستشهادية: يخاف أن يكون نصيبه رصاصة في الظهر أو ضربة عنيفة تحت الحزام، لو رأفوا بحاله!! اختفاء بن لادن ومشروعه!! هو الآخر!! ومن الناحية الاقتصادية غالبية شعوب الأمة في نزول فادح من حيث المقدرات الاقتصادية، لعل طوفان الأقصى هو الحدث الذي ستذكر به السنة كلها، ولن أفيض في الحديث فيه، أتركه لك أستاذي.
على مستوى مشروعي القتيل: اختفى الإخوة المناضلون ومناضلو الإنترنت والمجاهدون في سبيل الله، وانسحب كل -إلا من رحم ربك- قرّاء هذه الصفحة.. وأنا واثق أنهم بمئات الآلاف إن شاء الله.. أين هم؟ أليس منهم إمام مسجد؟ أليس منهم رئيس أو عضو جمعية خيرية؟ أليس منهم رئيس أو عضو جماعة إسلامية؟
على صعيد المال والاقتصاد: انخفض الجنية وهبط مستواه.. وبدأ في الاختفاء -كما اختفى دينار العراق وريال اليمن والليرتان العربيتان- والهروب مع أموال البنوك.. وهبط مستوى أخلاقنا كذلك، وهبط مستوى الدين عندنا.. فلا نتذكر الآخرة والموت.. (هذا رصد لما أراه وليس خطبة وعظية.. حتى لا تسخر من كلامي). كما قلّت فرص العمل وازداد التنافس إلى درجة الفتك بالآخرين من أجل حفنة أموال! حتى إن كانوا إخوة الدم أو الدين.. دين التوحيد.. أو الدعوة.
على صعيد الشباب والجنس: ظهرت الرشوة الجنسية على السطح وظهرت الأفلام الداعرة على السطح وفي السوق.. ويقوم بها مسلم ومسلمة عرب محصنون "متزوجون أقصد" من المشهورين وعلية القوم!! وتعرض في المحاكم وفي الشوارع، وبمناسبة المحاكم: ظهرت على السطح رشوة القضاة.. ومحاكمة القضاة (قضاة جمع قاض).. ولا حول ولا قوة إلا بالله. وظهر زواج الخطابات والقبلات والإنترنت العرفي على السطح، وفشت ظاهرة الردة عن الحجاب الشرعي بين الفنانات، وبدأ مخطط: لا للزواج المبكر.. لا لختان الإناث.. هل تذكر القضايا التي ناقشتها في مشروعي يا دكتور أحمد؟؟ فالدولة نائمة.. ولا تستيقظ إلا لتسهيل الزنا والجنس قبل الزواج وصحة الفتاة المجهضة الإنجابية، وتأخير الزواج، وازدادت وقاحة الفضائيات والصحف والمجلات والفيديو كليب أكثر وأكثر.. وازداد طمع الأهل أكثر.. في وظيفة مستقرة.. وشقة فخمة ضخمة.. ومرتب عالٍ جدا.. وشبكة ثقيلة.. كل هذا مع "عبوس الوجه.. وحدة القول".
على صعيدي الشخصي: الحمد لله رب العالمين.. سبحانه وتعالى جربت المزيد والمزيد من الخطبة.. وما يزيدني العدد إلا زهدًا في النساء والعيش معهن وفي الزواج كله، وجدت الزواج سيبعدني دائما وبقوة عن الله والآخرة من أوله إلى منتهاه، ولا يفهم أحد أنني أقصد الزواج كزواج.. بل الزواج من بنات وأسر هذه الأيام القاحلة! وما يزيدني حال الشباب ومدارسهم إلا إحباطا من مستقبل أبنائي.. لو تزوجت.. ثم أنجبت! وكذلك لم أزدد من كثرة عدد البنات التي أتقدم لهن سوى استهزاء بآباء هذه الأيام غير المحترمين -إلا فيما ندر- الذين لا يراعون "إتيكيتا" ولا أسلوبا ولا ذوقا ولا يراعون سنهم ولا شيبتهم ولا...! واكتشافا لمادية البنات -طبعا.. ممن يتعلمن؟ من الأب والأم! أساسا- حتى لو كانت من أهل الدين والحجاب والجلباب والنقاب! لا مانع أن تقول هكذا بصراحة ووقاحة للخاطبة/ الوسيطة: لا بد ألا أقل عن أختي.. يكون المهر عشرين ألفا.. والشبكة مثل ذلك!
زهدت أكثر في الأصدقاء -الذين كانوا- سمِّهم الإخوة في الله.. سمهم القدوة على طريق الله.. سمهم ما تريد. فلا ورع.. ولا تذكر للآخرة والموت.. الكل نسي الآخرة الكل نسي الموت يا دكتور أحمد! الكل نسي الله وهرب واختفى أشكر لك الاهتمام بي وبمشروعي.. وأنا كنت سعيدا لاهتمامكم ونشركم الموضوع في أيام الاحتفال بعيد الصفحة وغير ذلك من الأماكن البارزة.. كل هذا جميل وطيب.. ولكن بعد عام كامل.. على عملنا شهيد هل حقق مشروعي شيئا من ذاته؟ هل تحرك؟ هل استغللتم علاقاتكم ووصولكم للناس لتنفيذ أي شيء فيه؟؟ لا.. لا تفهمني خطأ يا دكتور.. أنا لا أعطي توجيهات وأوامر.. حاشا لله! أنا فعلت الجزء الذي قدرت عليه، وأنا -بضعفي الحالي، وظروفي.. وظروف أخرى- لا يمكنني أن أتقدم الركب، وأبدأ المبارزة.
يعلم الله ما هو ثمن جلوسي لكتابة هذه الكلمات ومراجعتها وإرسالها.. نشرتم الفكرة والمشروع فماذا فعلت أمتنا "الهاربة.. المختفية" المنسحبة؟ ماذا فعل قراء وجمهور موقعكم وصفحتكم لحل مشاكلهم هم أنفسهم؟ أو مشاكل من هم تحتهم إن كانوا قادة أو وزراء أو أمراء أو مسؤولين؟ أشر علي يا دكتور! هل أكف عن كتابة كلام لا لزوم له؟ هل أختفي وأنزوي؟ هل أهرب وأنسى وأكبّر دماغي؟ هل أذهب لعمل مظاهرة في ميدان التحرير.... كتلك التي تعددت لعدم ضرب العراق؟ ثم لا تكون نتيجة؟ هل آخذ مهدئا وأنام أفضل دائما؟ حتى آتيك أعرفك بنفسي على أني صرت مدمنا؟ وأحتاجك؟ أم أكتفي بالدعاء أن يحيي الله هذه الأمة.. ويحييني معها من موت في القلب؟
هل نؤسس جمعية للفضيلة والزواج؟ أم سيخاف الجميع؟ ويهرب ويختفي ويخون الله ورسوله والمؤمنين؟
أشر عليّ يا مستشار!
17/12/2023
رد المستشار
الأخ الكريم، وعليكم السلام، ورحمة الله وبركاته لم أنسك أبدًا حتى أتذكرك، فما رويته عن نفسك وطفولتك يحدث لنا جميعًا بشكل أو بآخر، ولكن من يبوح قليلا، فلا قصتك كانت تحوي خطأ ولا خطيئة، ولا روايتك لها تدعو إلى الحرج أو التحفظ أو الاختفاء، وأنا أعتز بأنك تقرأ ردودي ومقالاتي، وأشكرك بعمق على الكتابة لنا ثانية، وهكذا الظن بك يا أخي... أن إذا دعيت أن تلبي... فجزاك الله خيرا، حزين أنا على فقدان المسلمين لعقولهم، وأود أن يعطيني الله من القوة والوقت وعون الآخرين لندرس كيف تم هذا الغياب، وكيف يعود ذلك الغائب العزيز؟!! أقصد العقل.
وفي اعتقادي وفهمي لهذا الدين أنه ينجز الجمع بين قمة الاحتفاء بالعقل وتكريمه والاعتماد عليه ضمن حدوده وآفاقه الواسعة، وبنفس الوقت فإنه يعلي من شأن الروح والإيمان بالغيب، ولا غضاضة أو تعارض فكلاهما من الله عز وجل، وفي جهادي الذي أرجو أن أواصله حتى اللحظة الأخيرة في حياتي مدافعا عن العقل ودوره داعيا إلى استعادته كما يحب الله ورسوله، لكي تنصلح الحياة وتسير متوازنة معتدلة، في هذا الجهاد تمدني الروح والأقدار بنفحات وإشارات أدعو الله أن تنجلي لها بصيرتي فأرى أوضح لأكتب أعمق، وأقترب من الحقيقة أكثر، فثم وجه الله هناك.... أمل كل عاشق وغاية كل مجتهد.
وصلت رسالتك يوم أن أرسلتها أنت دون أن تعرف بالطبع أنني كنت مسافرًا أحضر وأحاضر في مؤتمر بقلب إيطاليا كان محوره المعلن المكتوب عن الطب النفساني عبر الثقافات، وهاجسه الحقيقي المستمر، وموضوعه الأساسي بشكل مباشر أو غير مباشر في كل نقاشاته عن الإسلام في العالم المعاصر، ولأنك حين تبتعد ترى الأمور أشمل وأوضح؛ ولأنني أحسبك مثل "صاحب النقب" في إخلاصه وحسن نيته، فإنني أحسب أن ترتيب القدر هو أن أرد عليك بعد عودتي وأنا الآن أفعل.
ما أروع تقريرك عن "الأمة في عام"، وبالمناسبة التقرير الذي يحمل هذا الاسم ما زال يصدر، ولكن بشكل محدد التوزيع، وهذا موضوع آخر فقط لزم التنويه.
أكرر:
تقريرك رائع يا أخي... ولكنه ناقص؛ لأنه يرصد الهزائم وحدها، وهي أكثر مما رصدت بكثير، لكن ولكي تكتمل الصورة دعني أقل لك وأذكرك:
- على مستوى العالم: تصاعدت الكراهية المعلنة والمنظمة للولايات المتحدة وسلوكها على نحو غير مسبوق في تاريخ الإنسانية، ولأول مرة تستخدم حكومتها "الديموقراطية" ترسانة من القوانين الاستثنائية لقطع تيارات ومشاعر الرفض، وفي أمريكا نفسها الآن معركة ضارية تخوضها الإدارة مدججة بالإعلام الرهيب، وغيرها من الأدوات ضد حركة معارضة واسعة ومستميتة، والأمر مثل هذا في أنحاء العالم المختلفة من كوريا إلى جاكرتا ومن إيطاليا إلى بوليفيا.
- على مستوانا: يستمر إجهاض الثورات العربية والإجهاز على المقدرات، وأنا لا أخاف على فلسطين من أمريكا أو إسرائيل فأهلنا في غزة والضفة كفيلون بهم، وأما نحن فالأنظمة عندنا عاجزة، والشعوب تغلب عليها العواطف، وما أسهل التلاعب بها في مجتمع متنوع الخلفيات، لكن أهم ما حدث وأنسانا كل شيء هو طوفان الأقصى وتابع ما كتبت فيه من هنا: من سبت الغفران إلى سبت الطوفان وهذه الملحمة التي بدأت في السابع من تشرين 2023 فاصلة في تاريخ الإنسانية، سيمتد تأثيرها في كل بقاع الأرض وليس فقط فلسطين أو الشام أو مصر أو العراق أو الخليج.
- يحدث نوع من الفرز؛ فأصحاب الأقنعة المزيفة، والمواقف غير الواضحة تتلاحق الأحداث فتكشفهم، ولا أدري هل سقوط الأقنعة، وظهور الناس على حقيقتها أمر مما نضعه في خانة السلبيات أم الإيجابيات؟!! ولم يعد ممكنًا أن تمنع الكلام في عصر الفضائيات والإنترنت، فقط تحتاج إلى وقت وجهد ومعرفة لتصل رسالتك إلى أقصى مكان في الأرض.
وتغير مفهوم الوطن، بل تغير مفهوم المكان كما تغير مفهوم الزمان عندما تغيرت أوضاع الاتصال، ومن يغترب اليوم ينضج وينتج، ووطنه في قلبه، وفي محبيه من حوله... حيثما حل أو ارتحل فطوبى للغرباء. وكانت هذه هي لحظة الحقيقة أو بعض الحقيقة... فمرحبا.
وتذكر إخواننا الذين ذهبوا للقتال في العراق، وأدعو الله أن يقبل من مات في الشهداء، وأن يرد من بقي إلى أهله سالما غانما مأجورا بإذن الله فما كان ذهابهم إلا تلبية لنداء ضمائرهم الحية، واستجابة لما صدر وقتها من بعض فتاوى أعطت أساسا شرعيا لرغبتهم في التضحية بحياتهم من أجل قضية، وفي سبيل مبدأ وهو شيء نادر وهو دافع نبيل على كل حال، ولا يقلل من نبله أنه أراد الصواب، ولكنه لم يتحر الدقة في الموازنات والتفاصيل، فعدم التدقيق في فقه الموازنات والتفاصيل نقص في الوعي نرجو استدراكه بمشيئة الله. أما سوء المقصد واستهداف الخيانة مع سبق الإصرار والترصد، فأخشى أنه أصعب علاجا، وأخطر أثرا، وإن كنا نؤتى من البابين: الحماسة المندفعة، والخيانة المبصرة، ولكنهما أبدا ليسا سواء: عند الله، ولا عند العقلاء.
- ولم يطرح "بن لادن" مشروعا حتى يختفي!! فتدمير سفارة هنا أو تفجير فندق هناك، أو غير ذلك من الأعمال الدعائية بالتهديد أو غيره لا يمكن وصفها بأنها مشروع مطروح على أمة لتتبناه، وإنما هو -في أحسن الأوصاف- انتقام يحاول النيل من المعتدي بنفس أساليبه الدموية، ولا يمكن النظر إلى الانتقام أو اعتباره "خطة مواجهة"، أو "مشروع نهضة"، أو حتى "سبيل مقاومة" شعبية قابلة للاستمرار، وما احتفاء الناس بهذه الأفعال إلا جزء من الاستسلام، لحالة العجز السائدة رسميا، وحالة الحزن والغضب السائدة شعبيا دون أفق واضح أو أجندة عملية للفعل غير التصفيق لأي عمل بوصفه أفضل من لا شيء!!
واحتفاء البعض بهذه "العمليات" هو جزء من ظاهرة: الإنسان المتفرج الذي يحصر دوره في مشاهدة الفضائيات، والاتصال الهاتفي بالبرامج الحية للتنفيس عما في صدره وفقط!! والمواطن المتفرج يهتم بأمر المسلمين، ولكن اهتمامه لا يتعدى كلمة يقولها على مقعد مقهى، أو في جلسة عائلية أو اجتماعية، ودمتم. أما من يفكر ويحلل، ويحاول قدر طاقته أن يتحرك فإن رؤيته للأشياء تختلف.
وأصل إلى مشروعك الذي هو جزء من مشروع هذه الصفحة لأقول لك -دون فخر أو ادعاء فضل- إن ما طرحته أنت، وما نطرحه نحن باستمرار هو خطاب جديد على الأسماع والعقول، فقد ارتبط الدين في أذهان الناس بالوعظ ترغيبا وترهيبا، وارتبط بالحركة والتنظير كما في حالة الحركات الإسلامية، وارتبط بفعل الخير بمعناه البسيط من كفالة اليتيم، أو دفن الميت، أو مساعدة الفقير، والجديد أن يرتبط بالنقد الاجتماعي والإصلاح الثقافي والفكري، وسوف يستغرق الأمر وقتا، ويحتاج جهدا وجهادا، فأغلب الخطاب الإسلامي المعاصر هو خطاب نقد للآخرين: الغرب "الصليبي" أو "الصهيونية" "الفاجرة"، أو الحكومات المستبدة، أما نقد الذات فهو طعام مر، وهو كلام موجع وقد يستغرق فيه البعض على مستوى جلد النفس بنسبة كل خطيئة لها.
أما التحليل الشامل الذي يصل إلى اقتراح حلول وبرامج جريئة وفاعلة فهو أبعد ما يكون عن الفهم السائد والممارسة حاليا؛ لأنه يصطدم بأعراف وأفكار مستقرة وراسخة ويحتاج إلى مواجهة وتضحيات، وغالبا ما يمارس البعض الحديث عن الإسلام دون الدخول في هذه المناطق الملغومة، وبالفعل فإن السلامة ممكنة، ولكن على حساب التغيير!
- أغلب الخطباء يصرخون مهاجمين للعري والاختلاط، فلا يجرؤ أحد على الدفاع عن هذا أو ذاك بالطبع، ولكن أيضا من يجرؤ على الكلام الصعب مثلما طرحت أنت في مشروعك، وكما نطرح في الصفحة دوما؟! ولكن دعني أقل لك بأن كلماتك وكلماتنا لا تذهب هباء، وليست هذه مجرد فكرة رومانسية، أو أمنية تستند إلى منطق وطبائع الأشياء والتاريخ من أن الكلمة النافعة تمكث في الأرض وتؤتي أكلها ولو بعد حين.
- أقول بأن هناك حقيقة من تحمسوا وقرروا الدخول إلى دائرة الفعل فهناك مجموعة من قرائنا تدرس التركيز على فكرة تيسير الزواج، ودعم العفة بكل السبل، ومنها تشجيع الزواج الشبابي الذي تقترحه، وهناك زوجان من قرائنا قد بدآ بالفعل في العمل على نشر الوعي الصحيح فيما يختص بالعلاقات بين الزوجين في الأوساط المقبلين على الزواج أو الأزواج الجدد، فهل في هذا بعض الرد على سؤالك عن مناضلي الإنترنت؟!!
- ولا أحسب أنك كنت تنتظر شيئا إيجابيا من الدولة، وأخشى أن الذين ينتظرون الدولة سيطول بهم الانتظار دون جدوى، وأخشى أننا كأمة قد دخلنا في حالة من الانتظار المضحك المبكي: البعض ينتظر المهدي، وآخرون ينتظرون صلاح الدين، وآخرون يستعجلون قيام الساعة أو علاماتها الكبرى... والقاسم المشترك بين هؤلاء وأولئك هو الانتظار!!! والأولى أن نفكر في الفعل الممكن فرديًّا أو شعبيًّا، فلا تنتظر خيرا من المفسدين، ولا تتوقع تغييرا من الكسالى القاعدين، ولا ترجو صحوة ممن أدمنوا دفن الرءوس في الرمال، ولا يختلط عليك الأمر فتعتقد أن خطاب الوعظ والتمرير سوف يؤدي إلى تغيير، فالواقع الاجتماعي والثقافي لا يتغير من تلقاء نفسه ولا يتغير بقرار سلطوي حكومي فوقي ولا برغبة صادقة محبوسة في القلوب، لكنه يأتي نتاج حوار حقيقي بين الآراء المختلفة في كل مصارحة ومكاشفة قاسية، ومواجهة شجاعة للأمراض والمرضى، وعلاج طويل، ومن يدمن قرع الأبواب فسوف تفتح له يوما.
- أنا لا أخشى من الرشوة والفساد والمحسوبية، ولا أخشى من هبوط مستوى الاقتصاد أو الأخلاق بالمعنى الجنسي بمقدار ما أخشى من أن مواجهتنا لهذا كله ما زالت محصورة في خطاب ديني تختلط فيه المواعظ بالخرافات وتوجيهات الشرع العظيمة بأعراف التقاليد البالية، والنتيجة تنامي نزعة محافظة أكثر منها ملتزمة بالشرع مختلطة بتغريب ثقافي أو بالأحرى أمركة واستلاب فكري وتقليد لأنماط الاستهلاك والعيش بشكل مادي مشبوه ومدمر لإنسانية الإنسان كما ترصد أنت وأصحاب الخطاب الوعظي التمريري لا يرون في هذا المشهد المعقد والمأساوي بأسا غير تبرج النساء، واختلاطهن بالرجال!! بينما الأمر أعمق من هذا وأشد كما تصف أنت وكما يدرك كل عاقل.
- ولا أحسب أننا إذا تذكرنا الموت فإن هذا كفيل وحده أن ينير أمامنا سبيل الإصلاح، فالأمور أكثر تعقيدا من هذا، وما كان الإيمان باليوم الآخر إلا دافعا -عند من يؤمن به- إلى أن يجتهد في اليوم الأول، فيتعب هذا الذي بين صدغيه ليتدبر حاله، ويحل مشاكله، أما نحن فيرى أغلبنا ويعتقد ما عبر عنه أخي الكريم السائل مؤخرا حين يصف في عبارة شديدة الدلالة يقين المؤمن الصحيح -كما يعتقده- بأن الله قد "أراحنا من التفكير حين حدد لنا الصواب والخطأ، وما علينا إلا فعل هذا وترك ذاك"
- نعم أغلبنا يعتقد أن الإيمان هو حالة من السكون أو عدم التفكير وأغلبنا يرتبط عنده الالتزام بنوع من تعطيل العقل، رغم أن أصل الإسلام هو التحريض على إعماله.... آه آه... هذه قصة تطول، وأرى أنني أطلت عليك، ولكنني فقط أحببت أن أدافع عن هذه الأمة التي نحبها وننقدها، ومن الإنصاف أن نكون لها محاميا مثلما نلعب أحيانا دور القاضي أو الجلاد، أو الناقد المتفرج، وأحسب أنك لست واحدا من هؤلاء.
- والأمر إليك فانظر ماذا ترى وتقبل مودتي وتحياتي، وأدعو الله أن تذوق قريبا من نفس الكأس التي تريد أن يشرب منها الجميع أقصد الزواج طبعا ... "ويسألونك متى هو؟ قل عسى أن يكون قريبا".
ويتبع >>>>>: العفة المستحيلة: إسلام ضد الإسلام مشاركة1