لا الزواج ولا الحمل: بل الرجيم المتكرر!
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
إخواني الأعزاء.. بارك الله لكم، وجزاكم خيرًا على جهودكم المضنية في العمل على حل مشاكل القراء بأسلوب عملي في إطار شريعتنا السمحة، وبعد..
تابعت باهتمام ردكم على استشارة عن إنقاص الوزن بعنوان لا الزواج ولا الحمل: بل الرجيم المتكرر!، واقتنعت تمامًا بما ذكرتموه من عدم جدوى الرجيم، وذلك بناء على تجربة شخصية لي، حيث حاولت مرتين اتباع نظام غذائي صارم ونجحت في إنقاص وزني بمعدل 15 كجم في 3 شهور في المحاولة الأولى، و12 كجم في نفس المدة في المحاولة الثانية، ولكن كما ذكرتم يعود وزني كما كان بعد فترة وجيزة من التوقف.
وبعد عدة أيام من نشر الاستشارة السابقة وجدت على الموقع مقالا بعنوان ماذا نفعل مع الطعام في رمضان، فقرأتها لأن زوجتي تعاني من هذه المشكلة، وجدت الكاتب ينصح بكل كذا ولا تأكل كذا وذلك باتباع نظام غذائي يعتمد على نوعيات وكميات محددة من الطعام.. فشعرت بأنها تناقض ما قررتموه في الاستشارة:
وتعجبت من ذلك.. فإن كان هناك تناقض فكيف يكون ذلك من خلال موقع واحد يجب أن يتبنى وجهة نظر واحدة، أو على الأقل لا يجب أن يكون هناك تناقض في نفس الموضوع.. فمن نصدق الآن؟!! رجيم أو لا رجيم؟
وإن كنت أنا المخطئ في الفهم، فأرجو التوضيح، وجزاكم الله خير الجزاء،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
19/12/2023
رد المستشار
الأخ الفاضل، أهلاً بك، وشكرًا على مشاركتك المحفزة، الكلام الذي قرأته يا أخي على صفحتنا استشارات مجانين لم يأتِ من فراغ، وهذا ما كنت ستعرفه لو أنك كنت متابعًا لصفحتنا منذ سنواتها الأولى:
ما الرجيم إلا أسطورة كبيرة!!.. حل بديل
الريجيم أكذوبة والتثبيت أسطورة!
من قال إنها إرادة؟.. إنه الجسد صنع الله
الأصل وصورة المرآة.. وما أدراك ما المرآة!
"الإنجاز يعين على الإنجاز" متابعة تأرجح الوزن
• كما أنصحك بقراءة الروابط التالية من ملف البدانة والنحافة على موقع مجانين أيضًا :
أكذوبة كبيرة اسمها الحمية المنحفة
تأرجح الوزن
أكذوبة الوزن المثالي
هل البدانة مرض؟
البدانة واضطراب صورة الجسد!
فهناك على استشارات مجانين وعلى ما أحلناك إليه من روابط إجابة على كثير من تساؤلاتك التي لم تصرح بها، ووقفت حائرًا أمام تناقض رأيته بين رأينا على استشارات مجانين وبين ما ظهر على صفحة البدانة والنحافة.
وأقول لك بعد هذا كله ما يلي:
كنت شخصيًّا قبل حوالي عامين لا أعرف شيئًا مما أقوله لك اليوم عن الحمية المنحفة (الريجيم) وعن كونه أكذوبة كبيرة، وكنت أقف أمام متأرجحي الوزن وأنا منهم لائمًا نفسي ومتهمًا إياها بالتقصير، وكان من الممكن لو سألتني أيامها عن كيفية إنقاص الوزن أن أقول لك كلامًا لا يختلف كثيرًا عما رأيته في المقال المشار إليه، وكاتب المقال الذي أشرت أنت إليه هو من تخصص آخر! وهم في ذلك التخصص أكثر علمًا مني بموضوع كل كذا ولا تأكل كذا، وهم مسؤولون عن كلامهم، ويتبعون فيه مراجع طبية ويجربونه مع مرضاهم، بل ويرون نتائج طيبة!!
وكل ما تراه الآن على استشارات مجانين هو كلام جديد يصدر عن أناس عرفوا فقرروا أن يقولوا الحقيقة كما يلمسها الناس، ومحاولين تفسيرها قدر استطاعتهم، ومتعاملين مع من يطلب منهم المشورة سواء من خلال الإنترنت أو أي طريقة أخرى على أساس أن علاقة الطبيب المسلم بمريضه تختلف عن علاقة الطبيب بالمريض كما تدرس في بعض كليات الطب عندنا (وليس كلها) -وهي طبعًا ترجمة أمينة لعلاقة الطبيب الغربي بمريضه-، كما تختلف علاقة الطبيب المسلم بمريضه عن نوع العلاقة التي تشيع الآن في معظم البلدان العربية وهي علاقة تكتسب بالفهلوة! أي أن كل طبيب يتعلمها بنفسه، وكثيرًا ما تتسم أيضًا بالفهلوة في التعامل، فالطبيب يريد نتائج سريعة؛ لأنها تعطيه زبائن أكثر، والمريض كذلك يريد نتائج سريعة لأن ضغط الواقع المشوّه أكبر من أن يواجهه المريض وهو لا يدري أن النموذج الغربي للجسد الجميل كذاب أشر! وأن الثقافة التي لا تسمح بالاختلاف الطبيعي في صور أجساد البشر رجالاً ونساء هي ثقافة مشوهة ومغرر بها، ولكن كيف يواجه المساكين آراء وتعليقات وانتقادات واتهامات الآخرين! المهم هو ألا نبتعد عن علاقة الطبيب المسلم بمريضه وكيف يجب أن تكون؟
فأنا لا أدري إن كان كل طبيب مسلم يستشعر وهو مع مريضه أنه سيحاسب أمام الله سبحانه عن ما يقول لمريضه أم لا؟ ولا أدري كم من الأطباء يحسب أنه تنتهي مسؤوليته أمام الله عن المريض، عند انتهاء علاقة المريض به؟ وكم منهم لا يدرك أن تأثير كلمات أو أفعال أو وصفات الطبيب على حياة وجسد مريضه إذا كان لها تأثير هي أيضًا داخلة في الحساب أمام الله؟ لأنه عند توجيه المريض أو المشتكي من بدانته لغير التريض سبيلاً للتعامل مع المشكلة فإن العواقب على الجسد وخيمة وإن كانت أحيانًا آجلة!.
إن ما قلناه يا أخي الفاضل هو أن العبرة بالمتابعة الطويلة الأمد، وأن الجسد ليس لعبة في يد صاحبه، وأن أجسادنا خلقت بيولوجيًّا لتأخذ صورة محددة، وأن أجسادنا تنتصر في نهاية المطاف لتأخذ صورتها الأصلية أو غالبًا الأسوأ بسبب الحميات المتكررة.
وموقفنا الذي اتخذناه من فكرة تقسيم الطعام إلى جيد وسيئ، بمعنى عالي السعرات ومنخفضها، أو متهم بتسبيب تراكم الدهون في الجسد مقابل مبرأ من تلك التهمة الخطيرة (خاصة في أيامنا هذه)، إنما استنتجناه أولاً من حقيقة الدراسات التي أكدت أنه كلما كان الغذاء أقرب إلى صورته التي خلقه الله عليها كان أقدر على إحداث الشعور بالشبع، وأن الأغذية المخفضة السعرات أكذوبة أخرى ضمن منظومة أكاذيب وأساطير الريجيم، إضافة إلى استنادنا (اجتهادًا) إلى قول سيد الخلق عليه الصلاة والسلام: "نعم الأدم الخل" صدق صلى الله عليه وسلم، ولكون الرضا بالموجود من الطعام أحد فروض الأكل الأربعة في الإسلام، وبينما نعرف أن متبعي الحمية المنحفة كثيرًا ما يقعون ضحايا لنوبات الدقر (الأكل الشره) فقد كان الاقتداء بسيد الخلق عليه الصلاة والسلام طريقنا الذي رأينا أن نسير فيه، فجاء كلامنا مختلفًا بعض الشيء عن المعهود، فبينما يستند أطباء التنحيف إلى المراجع الغربية في ابتداع أساليب للتنحيف، كان مصدرنا هو كتاب الأكل لأبي حامد الغزالي (ضمن إحياء علوم الدين)، وقد قرأناه بداية ونحن لا ندري بأن فيه ما قد يصلح للمرضى، فإذا بنا نفاجأ أن به من سلوك محمد عليه الصلاة والسلام ما يصلح لبناء برنامج علاجي معرفي سلوكي للتعامل مع مشكلة البدانة.
وفي هذا البرنامج نقوم بتصحيح مفاهيمهم عن قيمة سلوك الأكل في الإسلام، أي نصحح خلفياتهم المعرفية التي أفسدتها ثقافة التيك أواي، ثم نقوم بعد ذلك بتدريبهم على الأكل بطريقة مستمدة من السنة النبوية، يستطيع من يتبعها ويدرب نفسه عليها أن يعرف بحق كيف يتمثل قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: "نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع" أي أنهم مقتصدون، وهذا المعنى صحيح، لكن السند فيه ضعيف، [يراجع في زاد المعاد والبداية لابن كثير]، أو حديث المقداد ابن معد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن لم يفعل فثلث طعام وثلث شراب وثلث للنفس" صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، رواه الترمذي والنسائي وابن ماجة.
فهذان الحديثان المشهوران لدى الجميع إنما يشيران إلى قدرة غير موجودة في السواد الأعظم من الناس في أيامنا هذه، خاصة في أصحاب المشكلات مع الوزن وصورة الجسد، والاكتفاء بهذين الحديثين وكأنهما يمثلان سنة النبي صلى الله عليه وسلم في الأكل يسبب مشكلة كبيرة لهؤلاء لأنهم في الحقيقة أعجز ما يكونون عن اتباع أي منهما، لماذا؟ لأن الفرد الذي يستطيع تطبيق هذا الهدي النبوي هو فرد يختلف تمامًا عن معظمنا، وخاصة من لديهم مشكلة مع الأكل أو صورة الجسد كما ذكرت، فأهم شروط القدرة على اتباع هذين الحديثين هو أن يكون الفرد على وفاق مع جسده ومع طعامه، وكل من اتبع الحمية المنحفة (سواء الفاشلة أو الناجحة حتى الآن، والفاشلة بكل تأكيد ولو بعد حين) كل هؤلاء متخاصمون مع أجسادهم ومأكولهم ومع أنفسهم أيضًا، وأعتقد أننا بهذا قد أجبنا على تساؤلك، ولعلك تجد البقية فيما أحلناك إليه من روابط.
كما أننا نود توضيح نقطة مهمة هي أن رأي كل من يكتب على "موقع مجانين" إنما يمثل رأيه الشخصي واجتهاده، وكلنا محاسب أمام المولى عز وجل، وأهلاً وسهلاً بك دائمًا ، وشكرًا على مشاركتك.