السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أكتب إليكم بعد أن ضاقت عليّ الأرض بما رحبت، ولكني أعلم جيدا أنه لا ملجأ ولا منجى من الله إلا إليه، والحقيقة أني أرسلت لكم عدة مشكلات سابقة في جوانب عديدة من حياتي، وأحكي لكم نبذة مختصرة قدر الإمكان عن حياتي وما بها من كثرة أحداث.
نشأت في أسرة محترمة ولكن بها مشاكل عائلية؛ فأنا الأخت الكبرى لأخوين أحدهما يصغرني بعام، وهو مهندس متفوق يعمل في وظيفة مرموقة، والآخر طالب في "ثانوية عامة"، كانت المشكلات دائمة بين أبي وأمي، مع عدم تفاهم بينهما دفع أبي للزواج بأخرى، وهي إحدى قريباته من الصعيد، ثم سرعان ما أصيب بعد ذلك بالمرض اللعين، وتوفي في أثناء هذه الأحداث أصيبت أمي بمرض نفسي عضال، وهو الفصام "مرض الاضطهاد"، وأنتم متخصصون وتعلمون ماذا يعني هذا المرض من معاناة للمحيطين بالمريض.
يموت أبي ويتركنا في معية الله مع أم مريضة بالاضطهاد، وما تسببه لنا من مشكلات عديدة مع كل المحيطين، كل من كان قريبا ابتعد عنا خوفا مما تسببه أمي له من مشكلات في حياته، ولكنهم للأمانة كانوا على صلة بنا من بعيد على قدر استطاعتهم، جزاهم الله خيرا.
في أثناء هذه الأحداث أيضا خضت عددا من تجارب المراهقة، بالطبع باءت بالفشل لسذاجتي وقتها، ولكني كنت أحتاج لمن يسمعني، ويفهمني، ويحنو عليّ، ويعوضني حنان والدي الذي فقدته وأمي التي أفتقدها، انتهت هذه التجارب الفاشلة بارتباطي بابن عمتي الذي لم تحالفه الظروف بالارتباط بي، كنت أحبه وأعلم جيدا أني كنت أحبه؛ لأنه كان يفهمني ويقدرني ويسمعني ويحنو عليّ، ويحافظ عليّ؛ لأنه قبل كل شيء قريبي، وأنا "لحمه ودمه" كما كان يقول لي.
وقفت الدنيا في وجهه ووجهي، حيث لم يحالفه النجاح في دراسته، ولم يستطع التقدم قبل أن ينهي دراسته. قررت أن أنهي علاقتي به، لعلة أنه ليس لي نصيب معه، حيث صليت صلاة الاستخارة عدة مرات، وكنت أجد نتيجة الاستخارة عدة تعثرات في مشروع زواجنا، بجانب رؤى مخيفة تمنعني من الزواج به؛ كأني أرى والدي في "الرؤيا" ينهاني عن الزواج منه.
بعد أن قطعت علاقتي بابن عمتي تقدم لي من كان يبدو كعريس "لقطة"، وافق أهلي عليه، لكني لم أكن أرتاح إليه؛ فهو لا يفهمني ولا يقدرني. حاولت أن أتقرب إليه بشتى الطرق و"تنازلت كثيرا" إلى أن حدث بيننا بعض "التنازلات" التي ندمت عليها كثيرا، واستغفرت الله كثيرا وأقسمت على عدم العودة إليها مرة أخرى، وكانت النتيجة الطبيعية فشل الخطبة بعد شهرين، والحمد لله لأني علمت أني لن أرتاح معه مطلقا.
خرجت من هذه التجربة بانكسار شديد أضيف إلى جملة انكساراتي لم أجد إلا ابن عمتي ورجعت إليه مرة أخرى، وقررت أن أنتظره مرة أخرى إلى أن ينتهي من دراسته، وكنت أصلي الاستخارة وتكررت الأحلام وتكررت "التعثرات"؛ لدرجة أني رأيت ابن عمتي في "الرؤيا" يقول لي: "لن أتزوجك"، وقمت في اليوم التالي أقص له الرؤيا وأقول له ما أقلقني فتعجب بشدة، وقال لي إنه ليس هو الذي رأيته في المنام، هو يريدني ويحتاج لي، ولن يتركني، ازدادت التعثرات، وتعطل في دراسته مرة أخرى.
وقررت أن أقطع علاقتي به بلا رجعة؛ لأني أيقنت أنه ليس لي نصيب معه؛ حيث خشيت أن يتوفاني الله أو يتوفاه، بدأ ينتابني هذا الإحساس، فقررت أن أجعله يكرهني لكي ينساني؛ لأني أعلم أني لن أستطيع أن أتزوج، وقلب آخر مجروح يحبني ويبحث عني، فعلت كل ما في وسعي لكي أجعله يكرهني وتركته.
وبعد ثلاثة أشهر من تركي له حدث ما كنت أخشاه فقد توفي في حادث سيارة أليم، عندما سمعت الخبر انتابتني حاله عجيبة كأني لست حزينة، "بل أنا سعيدة"؛ لأن ما توقعته وما أحسست به حدث، سعيدة لأني لم أخطئ القرار في تركي له، كانت حالة غريبة سرعان ما زالت بشعور رهيب بندم على ما فعلته معه، وعلى فقدي له، وأيقنت أني لن أجد من يحبني مثلما أحبني هو، شعور باليتم، حيث إني لم أجد من يفهمني ويشعر بي غيره، لم أجد من يقدر قيمتي غيره رحمه الله.
أعلم أن كل شيء "قسمة ونصيب"، ولم يقدر لي الله أن يجمعني به في الدنيا، ربما لأني لا أستحقه، وهو يستحق من هي خير مني زوجة له في الجنة، "اللهم اغفر لي وله، وارحمه واجعل مثواه الفردوس الأعلى".
في خلال الفترة السابقة بعد تخرجي وفي أثناء هذه الأحداث السابقة كنت قد التزمت دينيا أكثر، والتحقت بمعهد للدعوة والدراسات الإسلامية، وبعد وفاته بأشهر قررت أن أرتدي النقاب، وبعد سنة من وفاته قررت أن أتزوج من يناسبني بمعايير العقل والعاطفة المعروفة، فقد أكرمني الله بعد نقابي بـ"عرسان" كثيرين طرقوا باب بيتي، كانوا يأتون عن طريق "الوسطاء".
كانت نيتي للزواج نية سليمة، ولكن ما لبثت إلا أن رأيت طبائع الرجال العجيبة، ولله الحمد أني من عائلة محترمة... وأني بفضل الله على قدر من الجمال والذكاء والثقافة، وقد هداني الله وأعطاني الحكمة وخبرة الحياة في سن صغيرة، ومع ذلك لم أشترط الاشتراطات الصعبة فيمن يتقدم لي، كثير منهم كان أقل مني في المستوى الثقافي والاجتماعي، وفي المظهر والشكل، ومع ذلك تجد منهم الحجج الواهية، منهم من يقول أن أهله حذروه من المنقبات، ومنهم من يعيب في شكلي، ومنهم من يقول "لا أريد أن أتزوج شيخة"، وهم من الملتزمين الذين يؤدون الصلاة في المسجد.
أحسست بكره شديد للرجال، ولسلوكهم وأخلاقياتهم، هم لا يملكون شيئا ويطلبون من لديها كل شيء، ومع ذلك لم أيئس، وأعلم أن الله قادر على كل شيء، وأنه مجيب الدعاء.
والحمد لله زاد نشاطي وأصبحت أعمل في أنشطة تطوعية تابعة لجمعيات خيرية وأحضر حلقات لحفظ القرآن.
ذهبت لشيخ لآخذ بكل الأسباب المتاحة، لعلي أعاني من سحر وما يشبه ذلك، وأعلم أن كل شيء بيد الله، وقال إنه قد أعاني من أثر لـ"حسد قديم"، وفعلت ما كلفني به الشيخ.
وكنت قد اشتركت في أحد مواقع الزواج، ومن بعد ذهابي للشيخ انهالت عليّ العروض من هذا الموقع، وكثير منهم من كان غير جاد، إلى أن راسلني أحدهم، أحسست من كلامي معه بالجدية، وأنا والله جادة وأحلم بالاستقرار، ولكن سرعان مع تحدث معي في المرة الثانية بالكلام الجميل وكلام الحب، فقلت له إن هذا الكلام ليس بوقته، ووقته بعد كتب الكتاب، فلم يعجبه كلامي، وغضب وقال: "إنه لا يريد أن يحدثني"، وقلت له كما يحلو لك، ودعوت له بزوجة صالحة خير مني، ثم في اليوم التالي وجدته يعتذر لي، ويقول إنه احترمني وإن معي حقا وإنه أخطأ في حقي واعتذر، ولكني كنت منفعلة وقتها كنت أقول له إنك ضايقتني بشدة بتصرفك هذا... أنا لم أخطئ بحقك لكي أرى منك ما فعلته.
وجدته بدأ في الغضب مرة أخرى وقال يبدو أني لم أسامحه، ولكني سرعان ما توقفت وأخذت معه الكلام بـ"هزار" فقد كانت لدي رغبه أكيدة في الزواج، خاصة بعد أن رأيت صورته، وعلمت عنه أنه على قدر من التدين فإنه يصلي الفجر، ويقرأ القرآن ويصوم، يفعل ما يفعله الملتزمون، هو أيضا رأى صورتي وأبدى إعجابه بي، وقال إن بي مواصفات شريكة حياته التي يحلم بها، قال إنها بنفس ملامحي وأسمى وأخلاقي.
أحسست من كلامه بجديته وعلمت أنه رومانسي وحساس جدا، وهذا ما سبب مشكلتي معه؛ لأني أريد أن أتقي الله لا أريده أن يسمعني معسول الكلام، حيث لا يحل له هذا الآن، وكلما قلت له هذا ليس وقتا لهذا الكلام، واصبر حتى نكتب الكتاب، وأقول له إن الله يعلم ما في قلبي ولكني أريد أن أتقيه، غضب ويترك الشات ويذهب.
مع العلم أنه كان يحدثني بالشات لتواجده بدولة عربية أخرى غير التي أعيش فيها وكان ينوي النزول خلال شهور قريبة، حقيقة أتعبتني حساسيته الزائدة هذه، وكلما قلت له "إني أريد أن أتقي الله"، قال لي إني لا أحبه، وإن هناك شخصا آخر في حياتي، ويذهب ويغلق غرفة الشات، أتجرع مرارة ظلمه لي، وعدم فهمه الصحيح بأني أريد أن أتقي الله، وأقول إنه حساس، وهذا عيبه، وعليّ أن أقبله بهذا العيب، ولكنه بدأ يخطئ في عندما يسمعني معسول الكلام، وأقول له اعمل كنترول على كلامك، يقول لي إنه "زهق مني".
إلى هذه الحد توقفت، حيث شعرت بأني لا أستطيع أن أديم علاقتي على حساب تنازلات مني عديدة تمس كرامتي، وقررت أن أجبره على الاعتذار حتى تسير بنا الحياة؛ لأنه ما دمت أنا التي تعتذر دائما و"أدادي كما يدادي الأطفال" فإني لن أحتمل هذا الوضع كثيرا.
تقابلت معه بالصدفة بعد يومين من هذا الموقف الذي قاله لي، انتظرت أن يبدأ بالسلام فلم يبدأ. ضحكت معه، وبدأ بالسلام وقلت "حتى لا تريد أن تقول السلام عليكم"، كان رده لا، قلت له إني أريد أن أرتبط بإنسان متفاهم وملتزم، قال لي إنه يرى أنه لن يسعدني وإني لن أسعده لأني لست برومانسية ولا حساسة، مع أني كذلك، لم أجد ردا أقوله له إلا أن دعوت له بأن يرزق بالإنسانة الرومانسية التي تسعده، وقبل أن أنهي معه قلت له إنه شخص هوائي ومتقلب المزاج فكيف يخبرني أنه يحبني، وهو لا يقدر موقفي ويفهمني.
وتساءلت.. كيف يحبني وفي نفس الوقت يجرحني قبل أن أتركه كما حدث منه عدة مرات، ووجدته يطلب مني الاعتذار له على اتهامي له بأنه هوائي.. قلت له لن أعتذر له قبل أن يعتذر لي على ما صدر منه، قال هل لا يوجد في الدنيا غيري، قلت له بل يوجد كثير.
كنت أردت أن أذهب وأتركه، قال لي قبل أن أمشي يجب ألا أنسى المواقف الجميلة التي كانت بيننا، ولكني قلت له السلام عليكم وذهبت، ثم أحسست بضيق شديد وبألم.. بألم ظلم الناس، أنا أريد أن أتقي الله وهو وغيره لا يقدرون ذلك، هل جزاء الالتزام هذه الإساءة، هذا التجريح وهذا الظلم.
والله يعلم أني أعجبت به لأنه إنسان كما يبدو على قدر من الالتزام ورومانسي ورقيق، وهذا ما شعرت به، وشعرت منه بجديته، وأنه جاد في طلبه الارتباط بي، فقد قلت له عدة مرات إني لا أريد أن أخسره وقال لي كذلك، ولكن وصل الأمر بينا إلى هذه النهاية.
وأصبحت في حالة نفسية سيئة للغاية، بكيت كثيرا كثيرا، ثم أرسلت له رسالة أخيرا حادة، وقلت له إنك لا تعرف معنى الحب الذي تتكلم عنه، وحكيت له قصتي مع ابن عمتي، وقلت له كيف كان يحبني، وأنا كذلك كنت أحبه، وأخبرته أنه ظلمني، ولم يفهمني ولم يقدر مشاعري ويصدق حسن نيتي معه، وأني كنت بالفعل بدأت أن أحمل له مشاعر جميلة، ولكني ألتزم مع ربي، لا أريده أن يغضب علي، لا أريد أن أقابل نعمته بالمعصية.
كنت أريد الله أن يبارك لي فيه، لا أريد أن أتحدث بلين الكلام الذي نهاني الله عنه، وأعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبرني أن اللسان يزني وأن الأذن تزني، ولا أريد أن تزني أذني.
كل ما أريد أن أقوله الآن أني أشعر بحزن عميق على فشلي، كنت أريد أن تكتمل قصتي معه أنا أريد الاستقرار الذي يريده هو وحدثني عنه، ولكني وجدت تناقضا في مشاعره كيف يقول إنه يحبني ثم إذا نبهته بالتزام في كلامه يجرحني بالكلام... هل أخطأت معه عندما أصررت أن يعتذر لي؟ هل كان عليّ أن أقبل بعيبه وبحساسيته وأن أعامله كطفل كي أتزوجه؟ هل مطلوب مني أن أتحمل ردود فعله عندما أمنعه من الحديث في كلام الحب لكي أحتفظ به؟ هل أطلب منه العفو والصفح؟ وإذا صفح عني وفاتحني في نفس كلام الحب هذا فهل أمنعه مرة أخرى وأتحمل منه ما تحملت؟.
أنا إنسانة منكسرة، أشعر بوحدة رهيبة، لم أجد من يفهمني. أريد أن أشعر بالاستقرار والتفاهم والأمان. تعبت من حياتي هذه والحمد لله على كل حال، اللهم لا اعتراض... أريد منكم أن تشاركوني همومي، أنا لا أستطيع أن أتحدث مع والدتي لظروفها، ولا مع أي صديقة في ذلك، أنت تعلمون البشر وطبائعهم ونظرات الناس لمن هن في ظروفي وما حدث بها من أحداث، أنا متعبة جدا، حزينة جدا، وحيدة جدا.
أرجو منكم مساعدتي، وأطلب منكم الدعاء لي بأن يفرجها عليّ ربي في الدنيا والآخرة، ويفرج همومي وكروبي وأزماتي وأحزاني المتوالية التي لا تنتهي،
اللهم لا اعتراض والحمد لله على كل حال. أنا عمري الآن 26 سنة.
15/12/2023
رد المستشار
هل هي 26 كما رأيتها أم 36؟ أظن ومن شكل الكتابة أنها 26 سنة، فلِمَ هذا اليأس كله؟ أنت صغيرة يا ابنتي وما زالت سعادة الدنيا كلها في انتظارك، وأنا يا ابنتي لا أهون من كل ما مررت به من ألم وحرمان بل وما زلت تمرين به من ضغط نفسي بسبب مرض والدتك، بالعكس لقد أشفقت على طفولتك ومراهقتك وبدايات شبابك التي اغتالتها رغما عنك الظروف.
ولكن هذا ليس معناه أن أي شخص هو محطة قطار زواجك الأخيرة، وأن عليك التمسك به، خصوصا أني لم أشعر من كلماتك بأي جدية منه، وسامحيني فأنا لا أصدق الرجال على الإنترنت، إلا إذا رأيتهم على أرض الواقع أولا، بعدها أستمع إليه، أما قبل ذلك فهو يتخيل ويؤلف ولن أقول يكذب.
عندي سؤال يا ابنتي وهو هل تتلقى والدتك أي علاج؟ فإن التقدم الهائل في علاج الأمراض النفسية سيسمح لها غالبا بحياة أهدأ وأجمل ويسمح لك بهدوء وراحة لأعصابك.
نأتي لقصص ارتباطك والتي سأمر على أغلبها مرور الكرام؛ لأنها رسمت صورة شخصيتك بدقة شديدة، ولم يؤثر فيّ إلا تلك الخاصة بابن عمتك؛ لأنها فعلا غريبة، ولكن أحيانا يوحي الله سبحانه وتعالى إلى عباده ببعض ما خفي في عالم الغيب رحمه الله وأكرمه بفسيح جناته.
لقد قلت بنفسك عن نفسك: "أحتاج لمن يسمعني ويفهمني ويحنو عليّ... ويعوضني حنان والدي الذي فقدته وأمي"، قد أفهم هذا لمراهقة لا تجد بجوارها أي صدر حنون تلجأ إليه، ولكن يا ابنتي لماذا يستمر معك هذا الإحساس وهذه الرغبة رغم عملك التطوعي وخدمتك للمجتمع، وتقواك وإيمانياتك التي زادت؟ المفروض أن تكوني في مرحلة عطاء للحنان، ولهذا أدعوك لتقفي مع نفسك وتنظري إلى نعم الله عليك خاصة بعد قصة وفاة ابن عمتك، وما هيأه لك من تدين ودراسات إسلامية.
ولا أفهم أن تربطي كثرة عرسانك بـ"النقاب"، ولا أن تنتقديهم لمجرد أن كل واحد منهم لديه أمل أو صورة لامرأة يريدها لتعفه وتعينه في دنياه وآخرته.
إن مشكلتك أنك تتصورين أن قطار عمرك قد انقضى، وأنك يجب أن تقفزي في أي محطة زواج، ولكنك صغيرة السن ومن يتقدم إليك لم يصل لهذه المرحلة بعد، فهو ما زال صاحب رغبات شابة، وطموحات دنيوية في ارتباطه، وكل الأسباب التي ذكرتها لتعثر زواجك ليست واهية على الإطلاق؛ فأنت حين "انتقبت" يا ابنتي كان يجب أن تعرفي أنه يغلب على من لا يعرف الإحساس بالخوف من تشدد هذه المنتقبة، "شيخة" كما قلت في أحد الأسباب؛ لأنها تترك انطباعا أنها لن تلبي الاحتياجات العاطفية الطبيعية تقوى أو ورعا.
أعرف أن هذا ليس حقيقيا ولكنه انطباع موجود، فاستمري في هذا الطريق، طريق الوسائط لأنه أفضل وأكثر احتراما وجدية، ويبدو أنك خلعت النقاب، وإلا فكيف كشفت عن وجهك في صورة لرجل الإنترنت؟.
ونأتي إلى أخينا حبيب الإنترنت.. فيا ابنتي كيف تتصورين أنه صادق؟ وأين اكتشفت الجدية؟ وكيف اكتشفتها في حوار يدور من وراء السواتر؟ ومن قال إنه في غير بلدك؟ ومن يؤكد أنه صادق وغير متزوج وأنه راغب في الزواج فعلا؟ هل لمجرد تسجيله اسمه على هذا الموقع؟ أبدا.
أقول لك وبكل صراحة لو، و"لو" تفتح عمل الشيطان، ولكن لو افترضنا أني لست امرأة وأني رجل متزوج، أو أعزب لن يتزوج في الوقت الحالي، ولا أريد أن أقع فريسة امرأة لعوب فتفضحني وتلعب بسمعتي فإن الصيد الثمين هو مواقع الزواج؛ لأن أغلب فتياتها جادات في البحث عن الزوج، وأغلبهن عندهن مشكلة ما، وإلا لما لجأن إلى تلك الوسيلة، هذا ليس عيبا، ولا قدحا في فكرة أن تفتح الفتاة لنفسها بابا تحصل منه على زوج للمستقبل -حاشا لله- بالعكس فأنا من أشد المؤيدين لتلك الفكرة، ولكن متى تفتح الباب ولمن؟ هذه قضية أخرى.
فانا لا أتصور يا ابنتي أنه مهما بلغ نضجك العقلي وقدراتك الشخصية أنك قادرة على التعرف على إنسان فقط عبر حوار من وراء الظلمات، أفهم أن يتم التعارف المبدئي الذي هو الرؤية الأولى وقراءة الصفات، ولكن يجب ألا يستمر أي حوار قبل أن ينزل هذا التعارف إلى الأرض، يقول لك إنه في بلد آخر، أفلا أهل له؟ ألا من بيت أو أسرة أو إخوة؟.
إذا كان فعليا يفكر في الارتباط فلِم لا يساعد نفسه بجعل أهله يتعرفون عليك وأنت كذلك؟ أوليس قبل أي خطوات كان هذا ما يجب أن يحدث؟ حتى من باب السؤال.. فلربما يجد كفاءة مفقودة، أو بالعكس، يجد ما يدفعه ليسرع الخطى على الارتباط.
إذن يا ابنتي لقد تحملته وتجاوزت عن رغبته الدائمة في جرك إلى خانة الحب والعواطف أكثر من مرة، ولا يغرك غضبه وعودته، وهذا ما دفعني للتأكد من سنك؛ فأنت فعلا صغيرة وأمامك فرص كثيرة، وإذا كنت ضقت من الآلام المحيطة بك فعليك بالدعاء المستمر أن يرزقك رب العباد بمن يعينك على دينك ودنياك.
وكل ما سأضيفه فيم يختص بهذا الشخص أنه إذا كان جادا في الارتباط بك في يوم من الأيام فليدلك على أهله ليستطيع أهلك السؤال عنهم، وتأكدي منهم عن ماهيته وأخلاقه ودينه، ثم بعد ذلك تستطيعين اتخاذ القرار الصائب بالاستمرار معه أو لا، أما العواطف والأمل في الفراغ الإلكتروني فضرب من العبث، وسامحيني على وصفي.
لا أشاركك فكرة المشايخ يا ابنتي، ولا فك الحسد القديم، ولا الجديد؛ فالحسد له علاج واحد معروف ولا يمكن لأحد أن يخترع له شيئا آخر، وهو كثرة قراءة القرآن وخاصة المعوذتين، وقول "ما شاء الله لا قوة إلا بالله"، و"الرقية الشرعية" والصدقة "وفديناه بذبح عظيم".
أين إخوتك الرجال؟ لماذا لا تتحدثين معهم؟ لماذا لا تشركينهم في مشاعرك؟ ألم يجمعكم الهم والأحزان بعد الدم؟ لا تبتعدي عن أسرتك يا ابنتي... لا أقول لك عليك البوح بكل أسرارك، ولكن على الأقل يجب أن يكونوا ملاذك يا ابنتي.
أكثري من الدعاء والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتأكدي من موضع خطواتك يا ابنتي فقد مر في حياتك ما يكفيك من آلام وأحزان.