السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
في البداية أتوجه بالشكر لكل القائمين على نجاح هذا الموقع البناء الذي يوضح الجانب المضيء من الإنترنت، وكيف يمكن استخدامه في بناء الأمم، أرجو أن تتسع صدوركم، لتلك المشكلة التي تعطلني وتؤرقني كثيرا، والتي أعتقد أن حياتي ستتحسن إن تم حلها بفضل الله ثم بفضل أهل العلم والخبرة في هذا الموقع.
أنا شاب أبلغ من العمر 24 عاما، أعيش في لبنان في بيت مليء بالسلبيات والتوترات، ووالداي من هذا النوع من البشر الذي تسرع ولم يفكر جيدا قبل اختيار شريك حياته؛ وهو ما أدى إلى سنوات من الخلافات والتوترات، ومن ثم إلى بيت يفتقر تماما إلى السعادة والاستقرار.
أمي من النوع الذي لا يجيد التعبير عن الحب بالمرة، إلا أنها تجيد النقد اللاذع واللوم ببراعة شديدة، وتنشد أي شيء سلبي لتنتقده، وتلوم صاحبه وهذا فقط بالنسبة لنا في البيت، لكن مما يؤلمني هو ما أجده من لين الجانب والحلم مع جيرانها أو صديقاتها أو إخوتها.
تتابع أمي جيدا البرامج الدينية على الفضائيات، وتحضر دروس القرآن في المساجد، ومما يؤلمني أن ذلك لم يؤثر على أسلوبها معي في أي شيء، فها هي نفس القسوة، ونفس الغلظة، ونفس أسلوب النقد اللاذع، بالإضافة إلى التفاوت العقلي الفظيع جدا بيني وبينها، فكثيرا ما أشعر أنها تتعامل بشكل سطحي، وأنها لم تتعلم الشيء الكثير في مدرسة الحياة. أنا أعلم أن هذا الأسلوب لا يصح أبدا لشخص يتحدث عن أمه، لكني أريد التعبير عما بداخلي بصراحة شديدة الآن.
أنا أعلم عن نفسي أني إنسان عاطفي وانفعالي وحساس جدا، وفي المقابل لا أجد في أمي أي نوع من أنواع الحنان الذي أحتاج إليه، لا أذكر أبدا أنها احتوتني في أحد مشاكلي، وضمتني إلى صدرها لكن دائما يكون الجزاء بالنقد اللاذع، وإظهار مواطن الخطأ، ولا مانع من بعض الذم، والتقليل من الشأن وكأنها لم تحملني 9 أشهر في مكان بجوار قلبها قبل أن تلدني، عموما هذه هي طبيعتها.
في مقابل أمي فإن لدي عمة أكبر مني بحوالي 9 أعوام؛ لذلك فعندما كنت طفلا كانت لا تزال مخطوبة، وقد كانت حنونة جدا معي بشكل كبير جدا، فهي إنسانة جميلة الروح تجيد الكلام والتملق أو بمعنى أصح كانت تجيد إظهار الحب والحنان، وكنت أحبها كثيرا وما زلت فقد كانت تداعبني وتحنو عليَّ وتضمني وتقبلني وكأنها تعوضني عما أفتقده من أمي إلى أن ولد أخي الذي يصغرني بحوالي 3 أعوام، وبدأ يأخذ منها حبا وحنانا أكثر مما آخذه أنا، وبصراحة شديدة جدا فقد كنت أشعر بغيرة فظيعة، وكنت أحزن كثيرا أنني لم أعد فتاها المدلل الذي ينال كل الحب والتقدير والحنان.
بدأ أخي هذا ينال كل أنواع التقدير، وبدأ أبواي يرددان كثيرا أمامه وأمامي أنه أكفأ مني وأذكى مني؛ خصوصا أنه اجتماعي وانبساطي أكثر مني، وكان هذا رأي تلك العمة أيضا، تزوجت تلك العمة من رجل طيب وخلوق جدا، أحبه جدا جدا أيضا، وقد كان زواجا ناجحا بحق، وما شاء الله لا يخفى على الجميع هذا الحب والاستقرار في بيتهم، وأنجبت ولدان وفتاة.
كل ما سبق شرحه كان له دور كبير في أن أنشأ غير واثق من نفسي بالمرة، فقد نشأت شخصية ضعيفة جدا لا تجيد التعامل مع الأمور، وكان يتأكد ذلك من المديرين الذين كانوا يرأسوني، ومن عدم نجاحي في كل الوظائف التي شغلتها؛ بالإضافة إلى والدي الذي لا يثق حتى الآن في أن يجعلني أؤدي له أي عمل ولو كان بسيطا، ودائما ما يقول لي (لن تعرف) وكأني لست إنسان متعلم وكأني ما زلت طفلا، وما أعاني منه هو جميع أعراض ضعف الشخصية من جبن وضعف أمام الشخصيات القوية بالإضافة إلى الخجل الشديد جدا لا سيما مع الجنس الناعم.
ولا أدري إن كنت واثقا من نفسي أم لا، لكن غالبا ما أعاني من داء أحلام اليقظة؛ فكثيرا ما أتخيل نفسي في مواقف نجاح تراني فيها عمتي وزوجها وينبهران مما أفعله (مجرد خيال) أيضا في زياراتي الأخيرة كانت تعاملني باهتمام أقل؛ وكأنها فقط (تسايرني) على عكس أخي الذي تهتم به، والذي تقول لي إنها تحبه كثيرا؛ وهو ما أحبطني كثيرا، وأدى إلى أن يزداد شعوري بالألم الشديد أيضا عندما زرتها في المرات الأخير فقد كانت مسافرة مع زوجها إلى دولة أوروبية. ورجعت من الإجازة ووجدتها تعيش في أسرة مستقرة في بيت نظيف هادئ منظم (على عكس بيتي بالمرة) وعندما وجدتها تسكن في منطقة راقية وعندما لاحظت حبها وسعادتها مع زوجها كل هذا أشعرني بنقص وحرمان شديدين جدا.
ومن ساعتها وأنا أشعر أني مشلول نفسيا، ولا أطيق أي شيء من حولي، وأخرج كثيرا من البيت الذي لم أعد أطيقه خصوصا أنني الآن عاطل، ولا أستطيع إيجاد وظيفة جيدة ولا أستطيع تكوين مثل تلك الحياة التي أحلم بها فكم أشتاق إلى هذا الاستقرار مع زوجة جميلة حنونة أعيش معها حياة يملؤها الحب لكن هيهات فهذه الحياة تحتاج إلى شخص ناجح قوي ميسور ماديا على عكس ما أنا عليه الآن وهذا ما نجحت فيه عمتي وزوجها وفشلت فيه
أنا آسف على الإطالة
وأرجو الإفادة.
14/12/2023
رد المستشار
ولدي العزيز..
الحقيقة لقد تفاجأت أنك ترى مشكلتك بكل هذا الوضوح؛ فقد سردت مجموعة كبيرة من المواقف، بداية من الجو المشحون المتوتر في بيتكم، ولسان والدتك اللاذع الناقد دائما، علاوة على قلبها القاسي، ثم عدم ثقة أبيك في تكليفك بأي شيء مهما صغر حجمه وأهميته، وأخيرا عمتك التي لم تحبك كما كانت تفعل.
وبالتالي أنت تعرف أن كل ما هو حولك يدور مع مشكلة واحدة، هي ضعف شخصيتك وضعف ثقتك بنفسك، وفقدان الثقة بالنفس ينبع من شعورك بأنك أقل من الآخرين، سواء من ناحية العزيمة والقدرة على الإنجاز، أو الإمكانيات الشخصية، والعلاج أن تقاوم هذا الشعور الموجود عندك بالضعف، وكما يقول الحديث الشريف: "استعن بالله ولا تعجز".
حللت أنه كان هناك سوء اختيار للشريك من والدك ووالدتك، ولكني أشك في ذلك؛ فزواجهما ما زال مستمرا حتى الآن، ولا يخلو بيت من مشاكل وشحناء، وغضب بل وأكثر، ولقد ذكرت قسوة أمك، وكثرة انتقادها لك، ولكنك لم تذكر أنها تفعل ذلك مع أخيك، وأعتقد أنها لا تفعل، فالمشكلة يا ولدى فيك أنت، وفي رغبتها إلى دفعك بطريقة قد لا تكون هي الصواب إلى اكتساب قوة أكثر في الشخصية وعزيمة وإرادة.
ولن أدخل معك في تفاصيل حبك لعمتك، وغيرتك الشديدة من أخيك، ثم حياتك في أحلام اليقظة، فقد اتفقنا أن المشكلة فيك أنت، وضعف إرادتك وضعف ثقتك بنفسك وعزيمتك، والآن تعال نحاول أن نساعد بعضنا البعض على تخطي ذلك، وستجد اختلافا شديدا إن شاء الله مع كل من حولك بعدها.
والثقة بالنفس والثقة التي تمنحها للآخرين لا علاقة لها بمستواك التعليمي؛ فالناس يا ولدي تعامل إنسانا، ولا تعامل شهادة مهما زاد بريقها؛ فعليك اكتساب وتنمية مهاراتك واستثمار وقت الفراغ واكتشاف مواهبك، كما أن اكتساب الصداقات المخلصة من ذوي الكفاءة يعين الإنسان على الإنجاز، ويقوي من عزيمته.
ثم.. أين أصدقاؤك الحاليون؟ لماذا لم تذكر لهم أي دور في حياتك؟ لماذا أجدك تبحث عن حضن ماما وحب عمتك فقط؟ ولماذا تذكر فشلك في العمل وكأنك غير مسؤول عنه؟ إنك حين تدخل على وظيفة جديدة تستطيع أن تقلب كل صفحات حياتك، وتفتح صفحة جديدة مختلفة، ولكنك لا تريد للأسف.. فكل ما يهمك هو أن عمتك لم تعد تحبك كما كان، وأنك لست فتاها المدلل وقد تعديت سن الفتيان بزمان.
لم يبق أمامك إلا مجاهدة نفسك وعلاجها وإلا قد يتطور بك الأمر إلى أسوأ من ذلك؛ فعليك يا ولدي غرس معاني الإيجابية في النفس، بالعمل على خدمة المجتمع من خلال مؤسساته وهيئاته، وتحقيق مفهوم "الخيرية" للناس جميعا، فتخوض غمار المجتمع بإيمان وأخلاق، ونسمو به إلى القمم العالية، ونغرس فيه هذه الإيجابية الفاعلة، فيتصرف من خلالها، ويفعل من خلالها، وينتج من خلالها، فإذا تحقق على يديك شيء، فقد أنشأت في قلبك أملاً سيدفع بك بالتأكيد إلى الهمة، ويذهب بأحلام اليقظة وسمات الضعف.
ولا أنصحك بالبحث عن شريكة في الوقت الحالي حتى تتخلص من جزء كبير من هذا الضعف والاستكانة النفسية؛ فالزوجة وإن كانت هي حضن الحنان لزوجها وتقوم معه بدور الأم أحيانا فإنها ليست أمه؛ ولا تتزوج المرأة لتحظى بأبناء بلا زوج.. بل هي تحتاج لرجل قوي تستند إليه وتحتمي به، لا تنسَ بعض التوصيات المفيدة جدًا في زيادة الثقة في النفس، كتقوية الصلة بالله، وممارسة العبادات كالصلاة والصوم، وممارسة الرياضة البدنية.