السلام عليكم
مارست الريجيم لعدة سنوات رغم أن قوامي كان جميلا، وقد قمت بالريجيم بسبب ما تبثه أجهزة الإعلام من عروض للأزياء، وما يفضلون من جسم نحيف، وبعد مرور عدة سنوات أصبح لدي خوف من الأكل حتى إنني أصبحت أخشى من أكل التفاحة خوفا من أن تسمنني. وقد قابلت طبيبا نفسيا لجلسة واحدة فقط ولم أستطع الاستمرار معه.
أرجوك ساعدني على التغلب على الخوف فكثيرا ما أتمنى أن آكل مثل الناس (من شيكولاته، وغيرها من الطعام)، ولكن لا أستطيع بسبب الخوف من السمنة.
أرجوك ساعدني.. ولك جزيل الشكر.
16/12/2023
رد المستشار
الأخت العزيزة صاحبة الرسالة:
الحقيقة أن رسالتك جاءت معبرة عن حال كثيرات ممن هن في مثل عمرك، وإن كانت معاناتهن تأتي بدرجات متفاوتة، فكل ما حولنا يشير إلى أن أعداد اللاتي يعشن في صراع دائم مع الأكل ومع صورة الجسد ستبقى في تزايد مستمر.
ونسأل الله أن يمكننا في مجانين ويمكن كل من يستطيع المساعدة في محاولة الوقوف أمام بركان الاضطرابات النفسية الناتجة عن الحمية المنحفة (الريجيم) الذي -وإن بدا كامنا لمن ينظر من بعيد- نتوقع أن فورانه قادم.
وحتى الآن لا توجد استعدادات مناسبة في بلادنا العربية للتعامل معه، علما بأن لدينا ما نستطيع به الوقوف في وجه ذلك البركان، بينما يفتقر الغربيون لذلك، حتى إن اضطرابات الحمية المنحفة تشكل عندهم وباءً يجتاح النساء من مختلف الأعمار، رغم كل جهودهم ومحاولاتهم المستميتة للوقوف أمامه، لكن الواقع أن أعداد المريضات والمرضى في تزايد مرعب.
تنقصنا في إفادتك عدة معلومات تعتبر أساسية لكي نستطيع تقديم الرد الأنسب، فقد كان من المفروض أن تذكري لنا وزنك وطولك الحاليين، وكذلك ما كنت عليه قبل أن تقعي في دوامة الحمية المنحفة، وقد أرسلنا لك على بريدك الإلكتروني الذي بعثت منه مشكلتك، ولكننا لم نتلق الرد حتى الآن، فرأينا أن نقدم لك بعض المعلومات المهمة التي تساعدك في تصحيح مفاهيمك عن الأكل والجسد، إلى أن تتصفحي بريدك الإلكتروني وتردي علينا لمتابعة المشكلة.
تقولين في بداية إفادتك: (مارست الريجيم لعدة سنوات رغم أن قوامي كان جميلا وقد قمت بالريجيم بسبب ما تبثه أجهزة الإعلام من عروض للأزياء وما يفضلون من جسم نحيف). ويستنتج من ذلك أن قيامك بالحمية المنحفة أولاً كان دون داع كاف؛ لأن قوامك كان جميلاً.
وثانيًا أنك بدأت الحمية المنحفة في سنوات المراهقة الأولى، وهو ما يمثل خطرًا كبيرًا على جسدك الذي كان ما يزال في مرحلة النمو.
تقولين بعد ذلك: (وبعد مرور عدة سنوات أصبح لدي خوف من الأكل)، وهذا ناتج عن خلل معرفي وشعوري، يحدث لمعظم متبعي الحمية المنحفة على اختلاف أشكالهن وألوانهن وانتماءاتهن الفكرية وعلاقتهن بأجسادهن وبمأكولهن، ولهذا السبب أفاق كثيرون في الغرب وبدءوا في محاربة دعايات الحمية والنموذج السائد لفتاة الغلاف وعارضات الأزياء.
اقرئي أيضًا:
الحمية المنحفة في الأطفال والمراهقين
وأصبحت التوجهات الجديدة تهدف إلى تقبل الجسد لا الصراع معه، وإلى الاهتمام بالتغذية السليمة والتريض، وإلى الحفاظ على الوزن بدلاً من إنقاصه في أصحاب الوزن المعقول، وهذه التوجهات هي ما يجمع الآن تحت اسم توجهات اللاحمية Non-Dieting Approaches وبينما تشن الحرب على تجار الحمية المنحفة وعقاقير تثبيط الشهية في الغرب كله نجد مجتمعاتنا العربية مع الأسف ما تزال "سداحًا مداحًا" لكل من يريد إيهام الخلق بما يعرف أنه يكذب فيه، فلم تعد مدينة واحدة في بلادنا تخلو من مراكز التنحيف على اختلاف أشكالها.
ونحن هنا نحيلك إلى قراءة عدد من إجاباتنا السابقة على الصفحة لكي تعرفي معلومات أكثر: "الأصل وصورة المرآة.. وما أدراك ما المرآة!" وما في هذه الإجابة كله يصح أن نقوله لك أنت أيضا يا عزيزتي، ويجب أن تفهميه جيدا. وأيضا: "ما الريجيم إلا أسطورة كبيرة: برنامج بديل"، ونقدم فيها لزوار صفحتنا الجزء الأول من برنامج علاج سلوكي معرفي لتطبيع علاقتنا كمسلمين بأكلنا وأجسادنا، فقط بأن نأكل كما كان سيد الخلق عليه الصلاة والسلام يأكل، وهو برنامج -إن شاء الله- صالح لك إن أردت، ولكن لا تنسي المتابعة على البرنامج المقترح، والمتابعة معنا أيضا؛ لكي نقدم لك الجزء الثاني أو المرحلة الثانية بعد نجاحك في الأولى.
واقرئي أيضًا: من قال إنها إرادة؟.. إنه الجسد صنع الله لتفهمي الكثير عن معاناة الأخريات، ولتعرفي أننا قد نكون خمّنا ما لم تذكريه أنت لنا في إفادتك، وكي تزدادي اقتناعا بأننا نفهمك ونفهم ما تعانين منه.
ونقدم لك الآن مجموعة الحقائق التي دفعت بمفكرين عديدين في الغرب إلى لفظ الحمية المنحفة، وإلى البحث عن طرق للخلاص من عواقبها المرعبة، ففضلاً عن الفشل الأكيد لكل الحميات المنحفة؛ لأن المتابعة على المدى الطويل أثبتت دائمًا أن الوزن المفقود أثناء الحمية تتم استعادته غالبًا خلال العامين أو الثلاثة التالية لفقده، فإن لم يكن فخلال أعوام تسعة! وهو ما يحدث في حالات قد لا تكمل أصابع اليد الواحدة على مستوى العالم، اللهم إلا فيمن يستمرون على الريجيم مدى الحياة، واللاتي غالبًا ما يكن قصيرات؛ لأن معظم هؤلاء مريضات القهم العصبي، وينجحن بالفعل في تجويع أنفسهن حتى النحول فالذبول فالموت.
وكانت الأفكار التي قامت عليها توجهات اللاحمية نابعة من عدة ملاحظات، نذكر لك هنا بعضًا منها لعلها تساعدك في تغيير مفاهيمك، وتساعد الأخريات في تصحيح مفاهيمهن الخاطئة:
1- عدم مصداقية ما تغلف به الدعاية لأيّ من برامج الحمية وما يمثل الجو العام الذي يوحي به كل شيء تقريبًا في مراكز الحمية المنحفة، وهو أن المسألة مسألة إرادة! فأصحاب الإرادة القوية هم الذين ينجح معهم البرنامج وهم الذين يحافظون على النتائج، بينما يفشل الآخرون، وهذا الفهم قد ثبت خطؤه بالتأكيد؛ لأن الأمر أعقد بكثير من أن يفسر فقط بوجود الإرادة القوية أو غيابها، وحسْب هذا المفهوم ضررًا ما يسببه من ترسيخ الفكرة الخاطئة التي تقول إن البدين مسؤول عن بدانته؛ لأنه يأكل أكثر مما يجب، أو لأنه ضعيف أمام الأكل بسبب عدم وجود الإرادة!
2- عدم مصداقية المفهوم القائل بأنه باستطاعة كل إنسان أن يطوع جسده ليصل به إلى الشكل الذي يريد (أي الذي في الصورة)؛ لأن هناك الكثير من الدلائل العلمية الموضوعية (غير المغرضة) على أن هناك نقطة محددة بيولوجيا لكل جسد، وأن العبث بهذه النقطة إنما يستفز الجسد لكي يقاوم ابتعاده عنها بجنون! وبشتى السبل!، وما يترتب على ذلك من تأرجح الوزن بكل مساوئ ذلك التأرجح الجسدية والنفسية.
وهذا المفهوم المغلوط للأسف هو الوقود الأساسي الذي تدور به عجلة الدعاية لكل برامج الحمية المنحفة على اختلاف أنواعها، فكلهم يقول لك: اتبع برنامجنا بحذافيره وستحصل على الجسد الذي تريد، بشرط أن تكون صاحب إرادة قوية، وبشرط أن (تسمع الكلام) جيدًا، وهذا كله كذب في كذب، بعضه يظهر سريعًا، وبعضه بعد حين، كما ذكرنا من قبل.
3- ما تبين من أن اتباع برامج الحمية المنحفة بشكل مزمن أو متكرر إنما يؤدي إلى إحداث اختلالات معرفية وشعورية عديدة فيما يتعلق بموقف الإنسان من الأكل بتقسيمه إلى جيد وسيئ حسب السعرات الحرارية الموجودة فيه. كما ينسى المنخرطون في الحمية المنحفة دون وعي منهم ما نستطيع تسميته بألف باء العلاقة الطبيعية مع الأكل؛ فالإنسان الطبيعي يفهم جيدًا كيف يعبر له جسده عن الجوع، وكيف يعبر له عن الشهية، وكيف يعبر له عن الشبع.
أما من يتبعون الحمية المنحفة ثم الحمية المنحفة على مدار السنين، فغالبا ما يفقدون هذه القدرة على الاستبصار، فلا يستطيعون تلقي إشارات الجسد الطبيعية، ولعل السبب في ذلك هو أنهم أثناء انخراطهم في الحمية إنما يتعلمون عكس ما هو طبيعي! وكلما كان الواحد منهم صاحب إرادة قوية، أي كلما كان التزامه بقائمة المسموح واللامسموح به من سلوكيات أو اختيارات الأكل، كان ذلك الشخص عرضة لفقد القدرة على الشعور بإشارات الجسد الطبيعية، فتجده في نهاية المطاف لا يستطيع أن يعرف متى يجب أن يأكل، وربما إذا أحس بالجوع قاومه أو أجله (كما تعود أثناء الحمية)، والأهم هو أنه عندما يأكل لن يعرف متى يجب عليه أن يتوقف عن الأكل لأنه لن يتلقى إشارات الجسد الطبيعية التي تنم عن الشبع. وخوفك الحالي من الأكل هو واحد من أكثر هذه الاختلالات شيوعًا، ولكنه إن شاء الله قابل للعلاج.
4- ما تبين من أن اتباع برامج الحمية المنحفة بشكل مزمن أو متكرر إنما يؤدي إلى إحداث اختلالات معرفية وشعورية عديدة فيما يتعلق بموقف الإنسان من جسده، ففضلاً عن اضطراب الصورة العقلية للجسد بسبب الحمية المنحفة المزمنة، فإن الأهم هو مشاعر الكره والرفض للجسد الذي يراه صاحبه بمثابة الجسد الخائب الفاشل في الوصول إلى ما يجب الوصول إليه، ولهذا الخلل المعرفي الشعوري أبعاد نفسية في منتهى الخطورة.
وفي النهاية نسأل الله أن نكون قد وفقنا على الأقل في تعديل بعض مفاهيمك عن الأكل والجسد، وأن يدفعك ذلك إلى البحث أكثر لعل الله يهديك إلى ما تستطيعين به التغلب على مخاوفك وصراعاتك، وتنفعين به كل من تعرفين من ضحايا الحمية المنحفة.
ونحن ما نزال في انتظار ردك علينا، فتابعينا بأخبارك.
ويتبع>>>: مفاهيم خاطئة عن الأكل والجسد! م