بسم الله الرحمن الرحيم..
والصلاة والسلام على أشرف الخلق وسيد المرسلين سيدنا محمد النبي الأمين.
الأستاذ الفاضل الدكتور أحمد عبد الله.. الإخوة الأفاضل جميع العاملين بفريق المشاكل والحلول.. تحية طيبة من القلب.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. لا أدري من أين أبدأ رسالتي أو مشكلتي تلك.. الحقيقة أني لم أظن يوما أن أكون من رواد أبواب المشاكل والحلول بحثا عن حل.. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
أنا شاب في الثامنة والعشرين من عمري خريج إحدى كليات القمة.. أتيحت لي فرصة السفر لدولة أجنبية منذ ما يقرب من 3 سنوات فلم أتوانَ عن السفر.. وبعد أن قضيت هناك قرابة العام عدت في إجازة سريعة بحثا عن العروس؛ لأني لم أقنع يوما بالزواج من بنات ذلك البلد.. حتى المسلمات والعربيات منهن؛ نظرا لما رأيت من مشاكل لا تنتهي من زواج أبناء المشرق والمغرب أو حتى من يسمونهم أبناء الجيل الثاني من المهاجرين.
ووضعت نصب عيني حديث الرسول صلى الله عليه وسلم للاختيار:"اظفر بذات الدين تربت يداك"، وانقضت الأيام ما بين أسرة ترفض مبدأ السفر للخارج، وأخرى ترفض ارتباط ابنتها قبل إنهاء الدراسة، وأخرى تغالي في طلبات لاعقلانية.. حتى مللت البحث ولم يعد بين يدي من المرشحات إلا واحدة تذيلت قائمة البحث.. جمالها متوسط وشهادتها الجامعية لا ترقى لمستوى كلية القمة التي تخرجت فيها، عائلتها في نفس المستوى الاجتماعي، ولكنها من محدودي الدخل -كما يسمونهم- ولم تملك في نظري من مميزات إلا كونها ذات الدين.. وكم كنت أتمنى أن يرفض أبوها الارتباط لأي سبب، إلا أنه وافق ووجدت نفسي مرتبطا بها، ومنيت نفسي بإنسانة ذات شخصية مميزة.. إلا أن الصورة بعد الخطبة السريعة كانت باهتة.. اللهم إلا من إعجاب الفتاة وتعلقها بي.. أما عن العقلية والشخصية فقد كانت للأسف بسيطة للغاية.
وعدت لعملي في البلاد الأجنبية.. واستمرت علاقتنا عن طريق التليفونات والإنترنت، وما كانت تزيد إلا تعلقا وحبا لي، وأنا تتراوح مشاعري ما بين الحب لها وتصنع الحب والجمود والنفور.. لا أثبت على حال.. وعدت لبلدي لإتمام الزواج، وعقدت قراني، ثم بدأت المعاناة حين أدركت أن مستوى جمالها أقل من طموحاتي، وأني لا أستطيع أن أغض بصري بها. أنتَ لا تدرك مدى معاناتي وأنا أمشي معها متأبطا ذراعها، ولا أستطيع غض بصري عن الرائحات والغاديات، وأنا من يفترض بي الالتزام الديني والخلقي.. وعشت في معاناة نفسية شديدة.
ومن ناحية أخرى بدأت أكتشف أن والدها طماع، أخرق، لا هم له إلا التنصل من مسئولياته تجاه زواج ابنته، وحدثت بيني وبينه عدة مشاكل كان من الممكن أن تنهي أيٌّ منها الزيجة برمتها.. خلال تلك الفترة صارحتني زوجتي أنها عاشت حياة قاسية بسبب قسوة أبيها عليها وشخصيته المعقدة، وأن أمنية حياتها هي الخروج من هذا البيت.. وبذلك صرت أنا طوق النجاة لها، وزاد حبها لي جدا، وأنا لا أستطيع أكثر من التصنع حتى لا أكسر قلبها المسكين.. حتى حدثت مشكلة كبرى بيني وبين أبيها قبل موعد الزفاف بأيام قليلة.. قمت على إثرها بتأجيل الزفاف لأجل غير مسمى.. وبدأت في وضع الزيجة في الميزان.. ووجدتها في نظري صفقة خاسرة تماما.. ولم يعد يربطني بها إلا تعاطفي معها وتمسكها بي.. وفكرت جديا في الطلاق.. لم يمنعني من الطلاق إلا خوفي أن أظلمها وقد ارتبطت بها عاما ونصفا، وعقدت قراني عليها، ثم أخرج من الزيجة ببعض الخسائر المادية غير ذات الاعتبار بالنسبة لي.. ولكن بالنسبة لها ستكون الخسارة هائلة، ولا يخفى عليكم نظرة مجتمعاتنا لمن طلقت قبل البناء بها.
من هنا كان قراري بالاستمرار.. فقط خوفا من أن أظلمها بدون ذنب جنته؛ فلا هي مسؤولة عن والدها ولا عن حياتها، ولا هي مسؤولة عن اختياري لها من البداية.. وقررت الاستمرار في الارتباط للنهاية، ودعوت الله مخلصا أن يكيفني بها، ويغض بها بصري، وأن تكون في عيني خير نساء الدنيا.. وانتظرت ما يسميه الكاتب الكبير عبد الوهاب مطاوع "جوائز السماء"!!
أستاذي الفاضل، اليوم مضى على زواجنا قرابة الشهر ومشاكلي لم تنتهِ.. بل أظنها تزداد عمقا يوما بعد يوم.. لا أجد فيها ما يجذبني لها، لا أجد فيها جمال الوجه أو جمال العقل، فقط أجد منها عواطف جياشة.. لكن حتى تلك العواطف لا تجيد التعبير عنها بشكل جيد.. وأنا ما زلت أتصنع، ولا أريد أن أجرح مشاعرها نحوي بعد أن صارت شريكتي في الفراش.. أتصنع الرغبة فيها لممارسة الجنس بدون رغبة حقيقية مني اللهم إلا الشهوة العادية بين الرجل والمرأة.. لا أشعر بمتعة الجنس معها؛ لأني أؤديه معها بدون رغبة حقيقية.. وهي لا تستشعر ذلك لقلة خبرتها بالطبع.
أجد بيني وبينها فارقا هائلا حين أقوم بتحليل موقف المقاومة العراقية مثلا لها بلغة بسيطة وسلسة، وتقاطعني بتعليق عن لون الثلاجة، وعدم تناسبه مع ديكور المطبخ.. فأكف عن الحديث واجما مبهوتا.. لا أستشعر الرغبة الحقيقة فيها والشوق لها.. آه سيدي.. أنا في أشد الحيرة ولا أدري ما أفعل.. وإن كنت قد خشيت الظلم بداية فلن أرتضيه نهاية.. ويرفض عقلي وجيبي حل الزواج الثاني.
أنا في حيرة من أمري.. وتعبت من تصنع الحب والبهجة والسعادة.
وجزاكم الله خيرا عنا وعن المسلمين.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
20/12/2023
رد المستشار
الأخ السائل، لو أنك زائر قديم لنا لقرأت لي إجابات سابقة على حالات مماثلة، واسمح لي أن أتعرض أولا للجانب العام قبل أن أنفذ إلى تصوري بالحل المناسب في حالتك "كما أراه".
ألفت الانتباه إلى ما استقر لدي عبر خبرة الحياة والعمل من أن "الزواج السريع" (TAKE AWAY) يفشل غالبًا مهما كانت العروس جميلة أو الزوج حكيمًا ومتفاهمًا، ولكنه طبعًا قد ينجح، ولكنه يظل مفتقدًا لمرحلة وإجراءات التعارف والاختيار السليم الذي يحتاج إلى وقت وجهد يبدو غائبًا في الزواج السريع بطبيعته.
أنا بصدد تسجيل حلقات فضائية حول مرحلة ما قبل الزواج، وكل حلقة تتناول جزئية من جزئيات الاستعداد، وخطوات الارتباط، ولا أرى هذا تطويلا أو تعقيدًا، ولكنه إحكام وتمهل في اتخاذ قرار مصيري لطرفين "على الأقل"؛ ولذلك فأنا أعجب أن بعض الأسر ترفض سفر الابنة، وبعضهم يغالي في الماديات -كما تفضلت- ولكن لا يوجد أحد يرفض بوضوح من أجل المبدأ، وهو أن "الزواج السريع" عواقبه وخيمة غالبًا.
للمرة العشرين ربما سأقول لك ما تعرفه وهو أن زوجتك كانت أمامك بجمالها المتوسط، وشخصيتها البسيطة للغاية!! كانت أمامك بأبيها ومستوى عواطفها، وإمكانيات أنوثتها. وأنا لا أكذبك حين تقول: إنك تعاطفت معها ومع ظروفها، ولكن من الحماقة بمكان أن يكون الدافع الأقوى للزواج مجرد التعاطف مع الطرف الثاني، أو الخوف من ظلمه بعدم الانفصال قبل إتمام الزواج؛ لأن الكراهية التي أنت فيها الآن هي ظلم أكبر وأفدح لك ولها، واختيار أن تذيقها الظلم الأكبر بدلا من الانفصال قبل الزفاف هو جريمة يرتكبها الكثيرون للأسف بقلة الخبرة أو اختلال المقاييس، واللافت أن هذا يتم باسم الفروسية أو النبل والخوف من الظلم!!
لكن هذه ليست كل الحقيقة يا أخي الكريم؛ لأن من يريد الزواج -في مثل ظروفك- نجده يختار الزوجة الجميلة جدًّا بغض النظر عن بقية مواصفاتها، أو يختار أي امرأة متسلحًا بترسانة من أطروحات خداع النفس كما فعلت أنت.
فأنت ملتزم تريد الجنس بالحلال، وهي أنثى، ولكنها كذا وكذا، والباقيات رُفضن لسبب أو آخر، ولم يبق غيرها في ذيل القائمة، ولكنك بدلا من أن تحسب حساباتك، وترى هل هي مناسبة لطلباتك شكلا وعقلا... إلخ تذهب تتذرع بالمنطق الواهي المتهافت الذي لا تصمد أي فكرة واحدة فيه لنقاش عقلي هادئ، وأنت تعرف جيدًا أن علاقة الزواج شديدة التعقيد، ولا يكفي فيها أن يكون أساسها بهذه الهشاشة التي بنيت عليها بيتك!!
ولكنك تعاميت عن هذا كله؛ ليس لمجرد التعاطف -وإن كان موجودًا بالفعل- وفورًا بعد أول أو ثاني ممارسة ينتهي اندفاعك الذي أعمى بصرك، وتتكشف أمامك الحقائق الصارخة الواضحة التي أردت أنت ألا تراها، ووضعت عليها أغطية خرقاء حتى تصل إلى الفراش... فيا لها من فروسية!!
تذكر أنني لا أخاطبك شخصيًّا فحسب، ولكنني أخاطب الجميع حتى تتوقف -ولو إلى حد ما- هذه الجرائم العائلية الخسيسة التي تجري يوميًّا، والتي تحاول استكمال الشكل الشرعي بينما هي أسوأ نفسيًّا واجتماعيًّا من مضاجعة العاهرات!
فمثلك آلاف يا أخي يفعلون ما فعلت، ولكن ربما ليس لديهم شجاعتك على الاعتراف بالخطأ، أو البوح بالمأزق الذي يوقعون أنفسهم فيه، وشكرًا لك على ثقتك بنا.
إذن ماذا لدينا هنا يا أخي المجرم النبيل؟!
لدينا زوجتك التي تعلقت بطوق النجاة، والتي أنقذتها أنت من بيت أبيها، "ولك الأجر والثواب بمشيئة الله على هذا، وأحسبه في ميزان حسناتك".
زوجتك هذه قابلة للتغيير شكلا وموضوعًا، لكنها لن تكون أبدًا في جمال عارضات الأزياء أو ملكات الجمال المصنوع كما على الفضائيات وأغلفة المجلات، لكنها يمكن أن تتعلم كثيرًا وهي لن تكون "محمد حسنين هيكل" في تحليله السياسي أو غيره من حيث الإلمام بالشأن العام.. لكنها يمكن أن تتحسن كثيرًا.
هذا وذاك يرتبطان بقبولك الهادئ أن تحاول وتستعين بكل الوسائل الممكنة في هذا، ودعني لأقول: إن هذا واجبك؛ لأنه اختيارك، وخاصة أنه ليس أمامك من اختيار آخر "شرعي" و"سريع" مما بات معروفًا بالزواج العرفي، وهو في بعض الحالات لا يحتاج إلى الكثير من الأموال، ودعني أحذرك أن هذا لن يكون أبدًا هو الحل لمشكلتك، بل سيكون مجرد تخدير أو تأجيل أو تغطية للمشكلة، وأحسب أنه ما لدينا -أو لديك فعلا- من هذا أو ذاك يكفي وزيادة.. تابعنا بأخبارك، وأعلمنا باختيارك.