أنا فتاة تمت خطبتي وعقد قراني منذ سنة، وتزوجت حديثاً، مشكلتي أنني كثيرًا ما أختلف مع زوجي. منذ بداية الخطبة ظهرت الاختلافات الواضحة في شخصيتنا، فهو بطبعه هادئ جدًا وأعصابه باردة، وأنا طبعي حاد، ولن أخفي عليكم أني قد فقدت سيطرتي على أعصابي أكثر من مرة في تلك الفترة، مع أنني كنت أحاول جاهدة تهدئة نفسي مهما كان السبب.
وكانت ظروف الخطبة صعبة، بسبب ظروف الإقامة والاستقرار، والتي لم تتغير إلى الآن، بالإضافة إلى ذلك التوتر النفسي الذي كان يراودني بشأن حياة زوجية جديدة ومسئوليات جديدة، وكان ما يزيد عصبيتي هدوءُه ولامبالاته، فقد كنت أتحمل مسؤوليات الأَوْلى أن يتحملها هو بدلا عني، وعندما كنت أحتاج إلى التعرف عليه ، كان قليل التحدث، غير مؤمن بأهمية الحوار والمناقشة خصوصًا في المرحلة التي كنا نمرُّ بها، وكلما صارحته ولمحت له بما أتوقعه منه وما أحتاج إليه، ينتهي الأمر بخلاف وغالبًا ما طال هذا الخلاف.
أنا حاولت كثيرًا أن أتفادى ما يزعجه، وأن أتأقلم مع طباعه، ومنذ عقد القران وأنا حرصت على القراءة والاطلاع لأتعرف على طبيعة الحياة الزوجية وواجباتها، وصدقني أنا لم أبخل عليه أبدًا، لا باهتمام ورعاية، ولا حتى بالمال، فقد كنت أحس بمسئوليتي تجاهه. وفي نهاية الأمر، وجدت أنني دومًا أعطيه بما يفوق قدراتي، وعطاؤه بالمقابل محدود، أو قليل، فقد كان كثيرًا ما ينسى واجباته تجاهي، ومرت أيام الخطبة، وتزوجنا، ومن وقتها حرصت على هدوء أعصابي، والتعامل مع الأمور بروية وحكمة، فقد كنت أتمنى أن أستطيع أن أحقق التوافق التام بيني وبينه.
وكنت أتمنى أن أصل إلى السعادة الزوجية، لكنه لم يكن يساعدني، فعند أبسط خلاف كان يهجرني، وكان هذا يجرحني كثيرًا، فقد كنت أحس بأني لا شيء؛ فهو يستطيع هجري بهذه السهولة، وكنت أعود إليه في اليوم التالي، أمازحه، وأساله أن يرضى عني، وإذا ما تناقشنا في سبب الخلاف، أحسست بأنه يحاسبني على أخطائي في فترة الخطبة، بأنني كنت عصبية وكذا و... كأنه يعد أخطائي وتقصيري، وأنا أعجب لماذا أنا أتجاوز عن تقصيره وعن أخطائه، بل كنت أخبره بأني لن أنكر عيوبي فلا يوجد إنسان كامل، وقد بدر منك ما ضايقني سابقًا لكني كنت أتجاوز عن ذلك، وأعتبر أننا نحيا حياة جديدة وفرصة جديدة، ولكن بعد أيام قليلة، وعند أبسط خلاف، أجد أن رد فعله أعقد من الخلاف نفسه.
الأمر الآخر، أن زوجي ليس بملتزم حقاً، وأنا لا أنكر بأنه رجل طيب، لكنه مقصر في دينه، بعكس أهله فهم أناس ملتزمون جداً، وبالتحديد هو مقصر بحق صلاته، وكنت أصلي ولكنه لم يشجعني، وانتهى الأمر بأني أصبحت مقصرة في صلاتي، وكم أحس بالذنب، كذلك أهديته في فترة خطبتنا كتابًا إسلاميًّا عن الحياة الزوجية، كما حصلت على نسخة منه لي، وعندما انتهيت من قراءة الكتاب، اكتشفت بأنه لم يقرأ إلا القليل منه، إن الأمور قبل الزواج كانت تتعقد كثيرًا، لدرجة أنني كنت كثيرًا ما أصارح والديّ بعدم رغبتي في إتمام هذا الأمر، فقد كنت لا أحس بأية تفاهم، ولا توافق بيننا، وكنت أتمنى أن يكون رجلا متميزا، وأصل للحياة الزوجية السعيدة، وحبذا لو كنت أحس بالمقابل وبالرغبة نفسها من طرفه، فلا أستطيع القيام بكل ذلك وحدي،
ماذا أفعل؟ أرشدوني
أرجوكم! جزاكم الله خيرا.
6/2/2024
رد المستشار
لكل الأمور عواقب، والعاقل من يختار -عند كل منعطف- أخف الضررين أو أعلى المصلحتين، أما الاختيار بين الصواب والخطأ فيستطيعه كل واحد.
وبالتأكيد فإن في زوجك هذا من المميزات ما شجعك على الاقتران به رغم ما ظهر جليًّا من عيوبه منذ اللحظة الأولى، وبالتأكيد فإنك حين اخترت الاستمرار في إجراءات الارتباط كنت تقولين: حسنا نستمتع بالميزات، ونتغلب على السلبيات أو نتعامل معها... إن شاء الله.
ويبدو أن المشكلة اليوم هي أنك تعيشين لحظة مراجعة، وزنت فيها صبرك وتحملك في مقابل ما حصلت عليه من عطاء عاطفي، واهتمام ورعاية فوجدت القسمة ضيزى، والمعادلة مختلة.
ولغيرك أقول كما كررنا مرارًا: إننا عند الاختيار ينبغي أن نبحث عن سلبيات الطرف الآخر قبل إيجابياته ونحس مع أنفسنا أننا قادرون على تحملها إن لم تتغير ناهيك عن قدرتنا على بذل الجهد في تغييرها، ومن خرافات الزواج الشائعة أن يرتبط الطرف بطرف فيه عيب قادح وواضح بالنسبة له، ويقول: لا بأس سأقوم بتغييره، والحقيقة أن الجهد الذي يكون مطلوبًا منه بعد الزواج هو جهد في تحمل هذا العيب والتأقلم معه، أكثر منه جهدًا في تغيير وتعديل الطرف الآخر ليس فقط لأن تغيير الطبائع صعب؛ ولكنه لأنه يستغرق وقتًا لا بد أن يتحمله الطرف المغامر الذي وافق رغم العيب.
أختي:
في قمة منعطف حاد.. كان الخيار أمامك أن توقفي إجراءات هذا الارتباط، أو تستمري فيه، وكان اختيارك هو الاستمرار، فما الذي استجد حتى تتراجعي عن هذا الخيار؟
إن عامًا هو فترة قصيرة لتغيير طباع متجذرة وبخاصة في شخصية تصفينها بالبرود، وطباعك الحادة المتوترة تزيد الأمر صعوبة؛ لأن معنى هذا أن هناك إلحاحًا من جانبك واستعجالا باتجاه التغيير، وهذا من شأنه زيادة مقاومة الطرف الآخر الذي يحب أن يكون كل شيء على مهل بحكم طبيعته.
لقد كنت تقدرين المسألة بأقل مما هي عليه في الواقع، والآن أنت في مضمار الملعب وأمامك الاستمرار مع ما يحمله ذلك من مشقة، أو الانسحاب مع ما يحمله من متاعب ومشكلات، وعليك الاختيار بين هذين الضررين لتحديد أخفهما بالنسبة لظروفك، أما الاستمرار مع تحمل التبعات، ومضاعفة الجهد بمزيد من التفهم لطبيعة العلاقة الزوجية ومسئولياتها، وطبائع زوجك ومفاتيح شخصيته وفنون الإغراء والتأثير والترويض، وإما الانفصال مبكرا قبل إنجاب الأطفال ومضاعفة المعاناة، ويساعدك في الاختيار النظر إلى حسنات زوجك قبل عيوبه؛ لأن هذه الحسنات ستكون هي الجائزة العاجلة التي تعطي الأمل في الإصلاح، وتجدد الصبر على تبعات الاستمرار أو تجدينها غير كافية ولا تستحق العناء، ولا وزن لها، وبالتالي يكون الانفصال أفضل.
أنت وحدك تقررين هل هناك أمل فيك أن تصبحي أكثر حكمة وهدوءًا وحنكة وقدرة على التأثير؟ وهل هناك أمل في استطاعتك تحمل هذا الرجل وعيوبه ناهيك عن تغييره على مهل، وبتدرج هادئ واثق وعميق؟.
إن هذه المهمة تمثل تحدياً لقدرات المرأة وذكائها ونواحي الإبداع فيها، وتختار النساء-غالباً- قبول التحدي، والسير في هذا الطريق المكتوب على حواء– فيما يبدو – بأن تكون أمًّا لآدم رغم أنها مخلوقة منه، ولكن إذا لم تستهوك هذه المهمة فلا يستطيع أحد لومك.
نعم، يا أختي .. أنت حرة؛ ولهذا فالأمر صعب مثلما الحياة صعبة، حيثما كان في الأمر اختيار وقد تختارين إعطاء نفسك مهلة تجريب تَكُفِّين فيها عن الشكوى والرثاء للنفس، وتَبدئين في النظر إلى حسنات زوجك، والثناء عليها، وتوجيه نظره إلى بعض الأساسيات بأسلوب غير مباشر، فيه من الملاطفة أكثر مما فيه من التعنيف، وتتدربين فيها على طول البال، والنفس، والصبر الجميل والدعاء الخالص لله عز وجل أن يعينك ويهديه.
ولا بأس أن تطلبي النصح العام من حولك من حكيمات النساء؛ فهذا الدرب قديم ومعروف تدلك عليه خبيرة محنكة؛ لأن الصغيرات أغلبهن لا يعرفنه، وكوني معنا، وراجعي إجاباتنا السابقة؛ فستجدين الكثير مما يفيدك، نتمنى لك التوفيق مهما كان اختيارك.